لم يستطع إقناع حلفائه للسير بخياراته عندما اصطدم بصعوبة المضي بخيار تشكيل حكومة غالبية “وطنية” بحسب توصيفه.
أمام الضربة القاسية التي أصابته، فضل محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي المقال من منصبه بقرار من المحكمة الاتحادية عدم الذهاب إلى خيار التصعيد أو التحرك السلبي اعتراضاً على ما صدر بحقه، وببراغماتية عالية، خاطب أنصاره ومؤيديه بضرورة استكمال المسار والمسيرة التي بدأها معهم والمشاركة الفاعلة في انتخابات مجالس المحافظات التي ستجرى في منتصف الشهر المقبل ديسمبر (كانون الأول) 2023، مفضلاً أن يكون “كبش فداء” عن المشروع الذي يطمح له. من هنا جاءت خطوته الجريئة والسياسية بالمشاركة إلى جانب حليفه في قيادة المكون السني والركن الثاني في تحالفه السياسي خميس الخنجر بالدعوة إلى انتخاب بديل عنه في رئاسة البرلمان.
وسواء فرضت هذه التسوية عليه أو قبل بها تحت ضغوط داخلية وإقليمية ودولية، فإنه أدرك أن الثمن لأي تحرك سلبي قد يكون باهظاً وكبيراً على المكون الذي بدأ يأخذ موقعه ومكانته في العملية السياسية بعد أن أدرك أن الخروج منها سابقاً لم يكن في مصلحة المكون أو المشروع الوطني والمشاركة. من هنا لم يوظف ما يملكه من مفاتيح القوة لعرقلة الحياة السياسية أو تعقيدها، لذلك لم يلجأ إلى التصعيد في وجه قرار رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الذي رفض استقالة ثلاثة من وزراء حكومته ممثلين لحزب “تقدم” بقيادة الحلبوسي، في حين يشارك نواب الحزب، الذين يتجاوز عددهم الـ40 نائباً، في الحوارات والنقاشات الحامية لاختيار بديل في رئاسة البرلمان، ملتزمين بالسقف الذي وضعه الحلبوسي في خلفه بألا يكون من نواب محافظة الأنبار التي ينتمي لها، كي لا يساعد ذلك في التأسيس لقيادة بديلة تصادر مشروعه في قيادة المكون.
في المقابل، فإن الدعوة التي وجهها زعيم التيار الصدري السيد متقدى الصدر لأنصاره لمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات، تطرح كثيراً من الأسئلة وتفتح الباب أمام عديد من التكهنات حول الأهداف التي يسعى وراءها الصدر من وراء هذا القرار. وهل هذا القرار يشكل استمراراً للمسار والنهج الذي بدأه بعد قرار الانسحاب من الحياة السياسية واستقالة نواب كتلته الـ73 من البرلمان، بعد سلسلة من القرارات الخطأ التي بدأت باحتلال مبنى البرلمان لفرض خياراته السياسية وشكل الحكومة واختيار الجهات التي يسمح لها بالمشاركة في السلطة التنفيذية، فضلاً عن الاعتداء على المحكمة الاتحادية وصولاً إلى محاولة السيطرة العسكرية على المنطقة الخضراء، مقر المؤسسات السيادية والبعثات الدبلوماسية، وما أدت له من سقوط نحو 100 قتيل من الطرفين.
الصدر لم يستطع إقناع حلفائه في تحالف “إنقاذ وطن”، الذي ضم الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، وحزب “تقدم” بقيادة محمد الحلبوسي للسير بخياراته عندما اصطدم بصعوبة المضي بخيار تشكيل حكومة غالبية “وطنية” بحسب توصيفه، وما كانت تعنيه في تلك المرحلة من إقصاء واضح لكل قوى البيت الشيعي السياسية وتحالفاتها على الساحتين السنية والكردية، والتي تجمعت في ما يمسى “الإطار التنسيقي”. ولم يلتقط الإشارات الإقليمية والدولية التي لم تكن ترغب في نقل العراق وإدخاله في حال من التوتر والصراعات الداخلية، بخاصة داخل الساحة الشيعية وبين مكوناته السياسية والفصائلية وميليشياتها، ودفع هذه القوى الدولية والإقليمية من أجل تمرير تسوية تسمح بتفعيل العملية السياسية وتركيب السلطة التنفيذية من أجل الحفاظ على المعادلات التي نسجتها وركبتها هذه القوى (واشنطن وطهران) والهادفة إلى تأمين مصالحهما المتداخلة على الساحة العراقية.
وبدلاً من أن يلتقط الإشارات السلبية والذهاب إلى خيار التسوية والحلول الوسط مع أقطاب البيت الشيعي و”الإطار التنسيقي”، كما فعل حليفاه في تحالف “إنقاذ وطن” الحلبوسي والبارزاني، فضل الذهاب إلى خيار الانعزال والانسحاب من الحياة السياسية. وعلى رغم أن قرار الصدر ترك الخصوم في حال ترقب دائم للخطوة التالية التي قد يلجأ لها الصدر والاتجاه الذي قد يوظف به الشارع المؤيد له ومدى قدرته على وضع الحكومة والقوى الداعمة لها في حال حرجة، إلا أن هذا القرار تحول في بعده الأساس إلى حال استنزاف بشكل واضح للصدر والتيار على حد سواء، بخاصة في الجانب المتعلق بالشارع الشعبي الذي يشكل جسم التيار الصدري ومعهم عديد من قيادات التيار التي رأت حجم الخسائر الناتجة من قرار الخروج من الحياة السياسية والتركيبة الحكومية.
حال الاستنزاف والتململ التي أصيب بها التيار الصدري، قد تكون، وهي كذلك، وراء مجموعة من القرارات والخطوات التي دعا ولجأ إليها الصدر في الأشهر الأخيرة، بداية من الحراك الذي قاده تحت شعار “الدفاع عن القرآن” وانتهى بمهاجمة أنصاره مقر السفارة السويدية في بغداد، مروراً بدعوة البرلمان لإقرار مشروع قرار بتجريم التطبيع مع إسرائيل، وصولاً إلى دعوة الحكومة والقوى السياسية لاتخاذ قرار بطرد السفيرة الأميركية وإقفال السفارة الأميركية في العراق.
سياسة الإحراج والتصعيد التي ذهب إليها الصدر، لم تقف عند هذه الحدود، بل تجاوزتها للمراهنة على إمكان إلغاء انتخابات مجالس المحافظات وإفشال ورقة التنمية المناطقية التي تراهن عليها الحكومة والقوى السياسية وتحديداً قوى “الإطار التنسيقي” في المرحلة المقبلة لإعادة ترميم قواعدها الشعبية وإعادة بناء الثقة بقدرتها على تقديم تجربة مختلفة لا تقتصر على المحاصصة الممزوجة بالفساد التي طبعت الحكومات السابقة، وبعد أن نجحت الحكومة أيضاً في إدارة الأزمات السياسية والأمنية واتخاذ عدد من الخطوات التي تصب في إطار تفعيل العملية الاقتصادية والاستثمارية.
المصدر: اندبندنت عربية
القيادات السياسية العراقية بعد 2003 تحكمها المحاصصة والمقامرة والمحسوبية و.. لذلك ليس غريباً موقف زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” من قرار إنهاء الحلبوسي أو التحالفات التي تنشأ ضمن المحاصصة لأنها جميعاً تضع الوطن آخر اهتماماتها وإن رفعتها كشعار لأن المحاصصة والمحسوبية هي الأساس، ليكن الله بعون شعبنا العراقي .