أصدرت المحكمة الجنائية في العاصمة الفرنسية باريس، الأربعاء 17 يونيو (حزيران) الحالي، حكماً يقضي بسجن رفعت الأسد، عم الرئيس السوري بشار الأسد، المنفي في أوروبا، أربع سنوات بتهمة غسل الأموال. وكان الحكم الذي صدر، أَقرَّ بـ”حقائق ذات خطورة استثنائية”، وبمصادرة “مكاسب غير مشروعة”، ومع ذلك، لم تصدر مذكرة توقيف ضد رفعت الأسد، وذلك نظراً إلى عمره (82 سنة) ولضعف حالته الصحية، إذ غاب عن جلسة المحاكمة، لوجوده في المستشفى بسبب نزيف داخلي منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومن المستبعد أن يقضي يوماً واحداً في السجن.
وتقدم محامو رفعت التسعة، بناءً على معلومات حصلت عليها “اندبندنت عربية”، بطعن فور انتهاء المحاكمة، وإلا لكان ممكناً سوق موكلهم إلى السجن. وتأخذ هذه الإجراءات وقتاً قد يمتد لسنة أو سنة ونصف السنة، إلى حين عقد جلسة جديدة والنطق بالحكم. وكان محامو الأسد اعتبروا أن المحاكمة “سياسية” والحكم “جائر”. وقد تتقدم النيابة العامة المالية ومنظمة “شيربا” المدعية، بالطعن أيضاً للمطالبة بعقوبة أقسى وبقيمة غرامة مرتفعة أكثر.
التهم الموجهة لرفعت الأسد
وتتهم المحكمة رفعت الأسد، بحسب معلومات أوردتها صحيفة “لوموند” الفرنسية، بـ “الإثراء غير المشروع”، وثبتت إدانته بتهمة غسل الأموال المنظم عبر التهرب الضريبي، واختلاس أموال عامة سورية بين عامي 1996 و2016، إضافة إلى إخفائه تشغيل عاملات منازل. كما يُتهم عم الرئيس السوري بالاحتيال، لتشييده إمبراطورية عقارية بقيمة 90 مليون يورو، على الأراضي الفرنسية بأموال دافعي الضرائب السوريين. وقررت المحكمة وبحسب معلومات خاصة لـ “اندبندنت عربية”، مصادرة أملاكه في باريس وبعض ممتلكاته في لندن، إضافة إلى طلب ضم الدعوة المثارة ضده أمام القضاء الإسباني. وكان قاضٍ إسباني أوصى بإحالته إلى المحاكمة، للاشتباه بتبييضه “أكثر من 600 مليون يورو”. واشتبه قاضي التحقيق بأن نائب الرئيس السوري السابق، يرأس “شبكة إجرامية” مؤلفة من ثمانية من أبنائه، واثنتين من زوجاته الأربع، وشركات وهمية، يخضعون جميعاً لأوامره، وفق ما ورد في قرار المحكمة الجنائية في العاصمة الإسبانية مدريد، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وقال القاضي إن رفعت الأسد نقل معه من سوريا 300 مليون دولار، وبدأ بشراء عقارات في عام 1986 في إسبانيا خصوصاً في “لا كوستا ديل سول” في الأندلس (جنوب إسبانيا). وبات يملك 507 عقارات في إسبانيا تبلغ قيمتها 695 مليون يورو، بحسب التحقيق القضائي. ويُذكر أن محاكمته بدأت في فرنسا في 9 ديسمبر 2019.
الجهة المدعية
يخضع رفعت الأسد للتحقيق في فرنسا منذ عام 2014، عندما قدمت منظمة “شيربا” القانونية غير الحكومية (التي تدافع عن ضحايا الجرائم الاقتصادية بالاستفادة من قوة القانون ومكافحة الأشكال الجديدة للإفلات من العقاب المرتبطة بالعولمة)، شكوى تفيد بأن قيمة إمبراطوريته العقارية تجاوزت بكثير دخله المصرح عنه. ولم تتقدم أي جهة سورية أمام القضاء الفرنسي أو سواه من المحاكم الأوروبية، بدعوى ضد رفعت الأسد على خلفية الجرائم التي ارتكبها عندما كان قائداً لـ”سرايا الدفاع” فضلاً عن امتيازاته السلطوية الأخرى.
من هو رفعت الأسد؟
هو الشقيق الأصغر للرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وهو “القائد” رفعت، كما كان يُعرف في سوريا، و”أبو دريد” (ابنه البكر)، وقائد “سرايا الدفاع”، و”جزار حماة” (شمال غربي سوريا) بسبب دوره في القمع الدموي للانتفاضة المناهضة للحكومة في تلك المدينة في عام 1982، والتي يُقدَّر عدد ضحاياها بما بين 10 آلاف إلى 20 ألف قتيل. وهو منفذ إنقلاب ضد شقيقه حافظ، في عام 1984. كما أعلن نفسه الخليفة الشرعي لأخيه بعد وفاته عام 2000، وكان دعا ابن شقيقه بشار إلى التنحي عن الحكم عام 2011، بعد اندلاع الانتفاضة السورية.
“سرايا الدفاع”
ترأس رفعت “سرايا الدفاع” منذ كان أخوه حافظ وزيراً للدفاع. ونشأت “السرايا” بديلاً عن الحرس القومي بهدف حماية النظام. ويُعتقد أنها الجهة التي قمعت بشكل دموي تمرد مدينة حماة ونفذت مجزرة سجن تدمر.
وللإطلاع على حقيقة المعلومات الواردة عن رفعت الأسد، تحدثت “اندبندنت عربية” إلى المحامي، عضو هيئة التنسيق الوطنية لقوى المعارضة السورية، زيد العظم، المقيم في باريس، الذي حضر جلسة محاكمة رفعت الأسد بصفته متضرراً، لأن الأخير صادر أملاكه وعقارات يملكها في منطقة بلودان السورية. وقال العظم إنه كان السوري الوحيد الموجود في قاعة المحكمة، إضافة إلى نجل رفعت، سوار الأسد.
ويعتبر العظم أنه لا يمكن الحديث عن رفعت الأسد من دون الحديث عن سرايا الدفاع، “لأنها العصا الغليظة والمدماك الحقيقي، الذي استطاع من خلالها فرض سطوته وجبروته وهيمنته على مفاصل الحياة السياسية في سوريا”.
بزوغ نجمه
سطع نجم رفعت مع فترة الإنقلاب عام 1966 الذي قام به الجناح العسكري في “حزب البعث” حينها، ضد الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ. وقتها كان رفعت يشارك في عملية الحصار على دارة الرئيس، ويُقال إنه هو مَن أطلق النار على ابنة الحافظ وأصابها في عينها، وذلك بحسب دراسة أجراها العظم بعد مقابلته جنرالات وضباط وشخصيات عاصرت رفعت الأسد في سوريا.
انقلاب حافظ الأسد عام 1970
ويكمل العظم “بعد انقلاب 1966 وإقصاء الجنرال محمد عمران من المؤسسة العسكرية، بدأ رفعت العمل على تأسيس فصيل عسكري رديف ضمن المؤسسة العسكرية، يستطيع من خلاله أن يلعب ذات الدور الذي لعبه عمران في السابق. ولكن كان عليه انتظار الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد على رفاقه في حزب البعث، أمثال صلاح جديد والذي كان الرئيس الفعلي لسورية خلال أعوام 1966 إلى 1970. هذه المرة، كان دور رفعت أساسياً وفعّالاً، لأنه ترقى وأصبح لديه أنصار في المؤسسة العسكرية وخارجها. وكان من الذين فرضوا الحصار على المباني الحكومية حينها في سوريا. وبعد نجاح حافظ الأسد بإبعاد كل خصومه ومناوئيه، أصبح رفعت اليد الضاربة الأقوى داخل المؤسسة العسكرية، وخليت له الساحة لتشكيل فصيله العسكري بحرية وبموازنة كبيرة جداً لا أحد يناقشه بها”، بحسب كتاب “التجربة المرة” لمنيف الرذاذ.
أعمال سرايا الدفاع داخلياً وخارجياً
بعد انقلاب 1970 وبسْط حافظ الأسد سيطرته على سوريا، بدأت “سرايا الدفاع” العمل خارجياً وداخلياً، وفرض رفعت إتاوات على كبار التجار. ومن الأمثلة غير المعروفة على ذلك، ما يشاع من أنه كان في مدينة دمشق “كازينو دمشق الكبير”، وكان رفعت يفرض عليه دفع حوالى 40 ألف دولار شهرياً. وكان رفعت الأسد أيضاً يستقدم اللبناني رفعت عيد (ابن زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني العربي علي يوسف عيد والمنتمي إلى الطائفة العلوية) ويقول له “دمشق حلال لكم لمدة ثلاثة أيام تستطيعون الدخول إلى المتاجر وبخاصة في منطقة الصاغة والحريقة، وتستطيعون أخذ ما شئتم، بالتالي لا أريد في سرايا الدفاع أو ميليشيات رفعت عيد أي فقير”. وكان عمّ بشار الأسد يمارس الإرهاب على النساء، ويرسل رجاله لنزع الحجاب والأغطية عن رؤوس النساء بشكل مستفز في مجتمع محافظ، ما دفع كثيرات إلى لبس الحجاب بعد ذلك كردّ على هذه الأفعال.
أما في الشق العسكري، فبدأ نشاط سرايا الدفاع منذ عام 1979 أي بداية انفجار الصراع المسلح بين تنظيم “الإخوان المسلمين” من جهة والنظام السوري من جهة أخرى. إلا أن مَن كان رأس حربة الصراع مع النظام لم يكن تنظيم الإخوان بل “تنظيم الطليعة” الذي أسسه مروان حديد في حماة في عام 1964 ثم انتقلت قيادته إلى عبد الستار الزعيم ثم عدنان عقلة.
مجزرة سجن تدمر
وفي يونيو (حزيران) من عام 1980، عندما كان حافظ الأسد يستقبل الرئيس النيجيري، حاول أحدهم إلقاء قنبلة عليه، (مذكرات فاروق الشرع التي تشكك في محاولة الاغتيال تلك)، إلا أنه نجا ونُقل إلى المستشفى. هنا خرج رفعت معلناً أن شقيقه طلب منه “القضاء على جميع الأصوليين”. وكان هؤلاء موجودين في سجن تدمر، فكلّف رفعت نسيبه معين ناصيف بالتوجه بطوافات عسكرية إلى هناك، وقام عناصر سرايا الدفاع بإعدام مَن أُطلق عليهم لقب “الأصوليين”.
مجزرة حماة
لا يوجد سبب واضح لهذه المجزرة، وهي ربما جاءت نتيجة صراعات عدة في المنطقة، بدءاً من تركيا ووصولاً إلى الاتحاد السوفياتي.
فبعد أن وصلت معلومات مؤكدة للاستخبارات السورية، بأن معظم “الأصوليين” موجودون بأكثر من 70 في المئة منهم في مدينة حماة، طوّق حافظ الأسد المدينة في يناير (كانون الثاني) 1982 وفي الثاني من فبراير (شباط)، بدأت مجموعة من قوات “اللواء 105″، جماعة علي حيدر، وفصائل وألوية عسكرية أخرى، بقصف المدينة بالراجمات، من ثم دخلها فوج المشاة وقام بتمشيطها. وبعدما تم القضاء نهائياً على المقاتلين فيها، تم الدخول إلى المدينة وإخراج الناس إلى الشوارع حيث تمت تصفيتهم. لكن الشخص الوحيد الذي أخبر الناس عما حدث لأنه كان موجوداً هناك، هو الكاتب البريطاني روبرت فيسك، الذي يملك وثائق وصوراً، وهو الذي استطاع أن يميّز وجود “سرايا الدفاع” بسبب زيها المرقط.
محاولات الاغتيال ودعم منظمات إرهابية
يشرح العظم دور السرايا دولياً، إذ نفذت محاولة لاغتيال رئيس الوزراء الأردني السابق مضر بدران. واحتضنت ودعمت بشكل سخي مجموعة تنظيمات تلتقي معها بأهداف استراتيجية، مثال مجموعة كان يُطلق عليها اسم “بندقية للإيجار” أي مجموعة صبري البنا أبو نضال وهي (جماعة فلسطينية مسلحة) و”منظمة أصالة” الأرمنية، المؤلفة من أرمن تركيا الذين لجأوا إلى سوريا عام 1975. وتلاقت تلك المنظمة مع النظام السوري آنذاك، إذ تزامن ذلك مع بدء القلاقل بين سوريا وتركيا، حين كانت العلاقات متوترة بشكل شبه دائم منذ عام 1938. ويُعد الرئيس السوري الوحيد الذي زار تركيا هو بشار الأسد.
وجاءت هذه المنظمة الأرمنية إلى الأراضي السورية واعتمدت شعار إجبار تركيا على إعادة لواء الإسكندرون إلى سوريا، ما يعني أن “سرايا الدفاع” احتضنت بندقيتين إرهابيتين وقامت بأعمال إرهابية في أوروبا.
محاولة انقلاب عام 1984
عندما باتت “سرايا الدفاع” تمتلك فائضاً هائلاً من القوة والمال والمقدرة العسكرية، وأصبحت مرهوبة الجانب في أوروبا والجوار، استشعر رفعت أنه يستطيع أن يحكم سوريا بالكامل. ويقول العظم إن “غروره هو الذي دفعه إلى تنفيذ عملية الانقلاب هذه، من دون أن تكون لديه المؤهلات”.
ويستند العظم إلى ما سمعه من نائب الرئيس السوري الراحل عبد الحليم خدام شخصياً، الذي روى أنه في “أواخر عام 1983 كان حافظ الأسد مريضاً، فاتصل مكتب رئيس الجمهورية اللبنانية حينها أمين الجميل، وطلب موعداً للزيارة، وبما أن حافظ في المستشفى قيل للجميل أن “سيادة الرئيس عنده زكام”، فما كان من رفعت إلا الاتصال بالجميل، وقال له، أنا موجود تستطيع أن تزورني شخصياً. نقل خدام هذه الحادثة إلى حافظ الأسد، الذي استشاط غضباً، وفور خروجه من المستشفى ورؤيته لصور رفعت في الطرقات، شكّل الأمر بالنسبة له مؤشراً إلى وجوب إيقاف أخيه عند حده. فما كان من رفعت إلا أن حرك دباباته في اتجاه الشام، وحصل اللقاء الشهير في عام 1984 على طريق المزة السريع، عندما جاء حافظ الأسد مع والدته ونجله الأكبر باسل، وأخذ رفعت إلى منطقة كفرسوسة وقال له “أنت تريد أن تقوم بانقلاب، أنا مثل والدك لم أتصور يوماً أنك تريد الإطاحة بي”، هنا نزلت والدة حافظ من السيارة، وهي كانت نقطة ضعف رفعت، فبدأ بالبكاء”، على حد تعبير العظم.
في غضون ذلك، تحركت الوساطات بدءاً من الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران وصولاً إلى العقيد الليبي السابق معمر القذافي، لإخراج رفعت إلى فرنسا. وعندما توفي باسل عام 1994 اعتبر رفعت أنه الوريث الشرعي. وعندما اندلعت احتجاجات عام 2011 خرج رفعت للقول إنه “يجب انهاء النظام الحالي في سوريا والإتيان بنظام سياسي جديد”.
المصدر: اندبندنت عربية