هل تعيد أحداث غزة إحياء التنظيمات الإسلاموية في العالم؟

كول بونزل

لماذا لا يرجح أن تؤدي الحرب بين “حماس” وإسرائيل إلى إحياء “داعش” و”القاعدة” مرة أخرى. بعد الهجوم الذي شنته حركة “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سارعت إسرائيل إلى مقارنة هذه الحركة بتنظيم “داعش”. وأعلن الحساب الرسمي للحكومة الإسرائيلية على موقع “إكس”، المعروف سابقاً باسم “تويتر”، أن المجموعتين تستخدمان ” التكتيكات نفسها، تحت اسمين مختلفين”. وأضاف “لقد هزم العالم داعش. ونحن سنقوم بهزيمة حماس”. كان من الممكن تفهم هذه المشاعر، إذ إن وحشية “حماس” التي تعجز الكلمات عن وصفها وتجسدت في ذبح نحو 1400 إسرائيلي، بمن في ذلك النساء والأطفال وكبار السن، والتي صور كثير منها بكل سرور بواسطة الفيديو، تذكرنا بوحشية تنظيم “داعش” وتعطشه للدماء حين كان في ذروته. وفي الأيام التي تلت هجومها، هددت “حماس” ببث عملية إعدام للرهائن، وهو ما يذكر بأحلك أيام “داعش”.

كانت هناك مخاوف منذ السابع من أكتوبر، من أن يوفر هجوم “حماس” وما تلاه من رد الفعل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، فرصة سانحة للحركة الإسلاموية العالمية لإعادة إحياء نفسها بعد سنوات من التقهقر. وقد أطلقت بالفعل بعض هذه الجماعات ومؤيديها دعوات عدة من أجل القيام بهجمات إرهابية على أهداف يهودية وغربية، كما تبنت “داعش” مسؤولية تنفيذ هجوم واحد في الأقل في أوروبا حتى الآن. إن الحملة الإسرائيلية التي طال أمدها في غزة ولا تزال تحصد أرواح الآلاف من المسلمين الفلسطينيين، يمكنها أن تعمق مشاعر الاستياء التي سعت جماعات مثل “داعش” إلى استغلالها.

ومع ذلك فمن المهم أن ندرك أن هناك خلافاً أيديولوجياً عميقاً بين “حماس” والجماعات الإسلاموية العالمية. في الواقع، أعلن تنظيم “داعش” في أيامه الأولى تكفيره حركة “حماس” بسبب ما سماه مجموعة من التجاوزات، كما امتنع بوضوح عن الإشادة بهجوم السابع من أكتوبر. وقد احتفل تنظيم “القاعدة”، الذي ينافس “داعش” على التفوق في “الجهاد العالمي”، بالهجوم ودعا إلى توسيع نطاق المعركة، على رغم أن له سجلاً طويلاً في إلقاء اللوم على “حماس” بسبب خلافاتهما الأيديولوجية. يمكن للوضع أن يتغير على الأرض بطرق مؤثرة. وكلما طال الصراع وصار أكثر دموية زاد الغضب في أوساط المسلمين وأعطى صدقية للنظرة الإسلاموية العالمية تجاه الإسلام باعتباره يواجه قوى الكفر، بيد أن تباينات الإسلامويين على المستوى الأيديولوجي من شأنها أن تحد من مدى قدرتهم على اغتنام هذه اللحظة لإعادة تنشيط حركتهم.

سياسية أكثر مما ينبغي

ينصب تركيز الحركات الإسلاموية العالمية على محاربة حكام الشرق الأوسط. والواقع أن الجماعات المرتبطة بـ”داعش” أو “القاعدة” لم تكن نشطة بشكل خاص في الأراضي الفلسطينية على الإطلاق، على رغم أن القضية الفلسطينية تحتل مكانة بارزة في الخطاب الإسلاموي. ويقول أحد شعارات “القاعدة” “قادمون يا أقصى” في إشارة إلى المسجد الأشهر في القدس الذي يعتبره المسلمون ثالث أقدس موقع في الإسلام، والذي كثيراً ما تندلع فيه الاشتباكات بين المصلين المسلمين وقوات الأمن الإسرائيلية. حتى إن أسامة بن لادن قال في القسم الشهير الذي سجله صوتياً له في الفترة التي سبقت هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، مخاطباً الولايات المتحدة: “أقسم بالله العظيم الذي رفع السماء بغير جهد أن لا أميركا ولا أي شخص يعيش في أميركا، سينعم بالأمان حتى يصبح الأمان واقعاً بالنسبة إلينا نحن الذين نعيش في فلسطين، وقبل أن تخرج كل الجيوش الكافرة من أرض محمد”.

تأسست حركة حماس عام 1987 كجناح فلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة سياسية دانها الإسلاميون بسبب نهجها التدريجي في تطبيق المبادئ الإسلامية والحكم تدريجاً مع الوقت وليس بطرق سريعة أو ثورية. وعلى رغم هذه الفروق، فقد أشاد القادة الإسلاميون في بعض الأحيان بـ”حماس” لمقاومتها المسلحة للدولة اليهودية. وفعل بن لادن ذلك بنفسه في ديسمبر (كانون الأول) 2001 حينما قال “إن قتالنا لا يختلف عن قتال إخواننا في فلسطين مثل حماس. نحن نناضل… من أجل تخفيف الظلم عن المضطهدين في فلسطين وغيرها”.

ومع ذلك، شاركت “حماس” في عام 2006، بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وفازت فيها، ثم مضت لتشكل حكومة وحدة وطنية مع فتح، وهي الفصيل المهيمن في منظمة التحرير الفلسطينية. وهنا هبت قيادة تنظيم “القاعدة” لتملأ الدنيا ضجيجاً بقصد إدانة “حماس”. وحذر بن لادن “حماس” من الطبيعة الكافرة للديمقراطية، مؤكداً “حظر الانضمام إلى التجمعات المشركة”. وفي خطاب ألقاه في عام 2007، ذهب به الأمر إلى حد القول إن قيادة “حماس”، من خلال احتضانها السلطة الفلسطينية من ثم الإقرار بـ”الاتفاقات” التي تعترف في حق إسرائيل في الوجود (في إشارة إلى اتفاقات أوسلو)، “تخلت عن دينها”. وكذلك قامت “القاعدة” أيضاً بانتقاد “حماس” في السنوات المقبلة، لفشلها في تطبيق الشريعة الإسلامية في غزة، وبسبب إقامة علاقات وثيقة مع النظام الإيراني الشيعي في إيران، ولقيامها باضطهاد الجماعات الإسلاموية المحلية في غزة، مثل جند “أنصار الله” و”جيش الأمة” (حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية هي جماعة شبه عسكرية أخرى تعمل في غزة والضفة الغربية. وليس لها علاقات مع تنظيم القاعدة أو داعش، وهي أقرب إلى إيران من حماس).

غير أن تنظيم “القاعدة” كان حريصاً على عدم القطيعة مع “حماس” بالكامل، واعتمد سياسة التمييز بين الفرع السياسي للحركة وجناحها المسلح، كتائب القسام، ولكن كانت هناك زلات اللسان والأخطاء. في عام 2009، ارتكب أحد كبار قادة تنظيم “القاعدة”، ويدعى مصطفى أبو اليزيد، خطأً عندما قال لقناة “الجزيرة” القطرية “نحن وحماس نتقاسم التفكير نفسه والمنهجية ذاتها”. وبعد توبيخه علناً من قبل أحد المنظرين الإسلامويين البارزين، اعترف القائد بأنه قد أخطأ في التعبير. وأوضح أن نهج “القاعدة” تجاه “حماس” هو التمييز بينها كمنظمة سياسية اقترفت عديداً من الأخطاء وبين المجاهدين الصالحين الذين يقاتلون تحت راية “حماس”.

ومع ذلك، فإن هذا النهج التوفيقي تجاه “حماس” لم ينجح بحسب المفكرين الأكثر تشدداً في الحركة الإسلاموية. على سبيل المثال، رفض أبو محمد المقدسي، وهو منظر أردني مؤثر ومؤيد عموماً لتنظيم “القاعدة”، فكرة إمكانية التمييز بين المؤسسة السياسية لـ”حماس” وجناحها المسلح. وعندما اندلعت الأعمال العدائية بين إسرائيل و”حماس” في صيف عام 2021، شكك المقدسي علناً في صحة التأكيد أن قتلى حرب “حماس” كانوا شهداء. وكتب على الإنترنت قائلاً، إن “كل من قتل في سبيل الديمقراطية ونصرة لجماعة تمتنع عن تطبيق الشريعة وتختار الديمقراطية فهو ليس بشهيد، بل هو جثة”. وعندما أصدرت “القاعدة” بياناً في ذلك الوقت تحيي فيه “المجاهدين” في غزة وتقدم تعازيها لمقاتلي “حماس” الذين سقطوا، تساءل المقدسي عما إذا كانت “القاعدة” قد ضلت طريقها. وتساءل كيف يمكن لتنظيم “القاعدة” أن يمتدح “حماس” عندما تنحاز إلى إيران ومع الأسد في سوريا وتنخرط في العمليات الديمقراطية؟

قضية خاسرة

أما بالنسبة لتنظيم “داعش” فهو أقل تسامحاً مع “حماس”، التي يعتبرها جماعة مرتدة برمتها. ومن وجهة نظره، فإن “حماس” ليست جماعة غير جديرة بالدعم فحسب، بل هي تستحق التكفير الصريح، وهو النهج الذي يعكس التزام “داعش” الأكثر تعصباً بالمبادئ العقائدية الحصرية للسلفية مع التشديد على وجوب تنقية الدين من كل ما له رائحة “الشرك”.

دان تنظيم “داعش” على مر السنين “حماس” بشكل روتيني. وفي افتتاحية نشرت عام 2016 في النشرة الإخبارية الأسبوعية العربية لـ”داعش”، “النبأ”، وبخ “حركة حماس المرتدة” لممارستها “كفر الديمقراطية” وفشلها في تطبيق الشريعة. وأكد المقال أن “الجهاد من أجل استعادة القدس من أيدي اليهود لا يجوز ما لم يكن في سبيل القضاء على سلطة الحكام المشركين هناك وإقامة الدين هناك بالكامل”. من وجهة نظر “داعش”، من الواضح أن إقامة دولة إسلامية ليس هدف “حماس”. وحتى لو تمكنت المجموعة الفلسطينية من هزيمة إسرائيل، فإن هذا لن يعني إلا استبدال نظام حكم وثني بآخر.

وقد طور بعض مؤسسي “داعش”، بمن في ذلك أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم “القاعدة” في العراق سابقاً، فكرة أن تحرير القدس، الذي يعني تدمير دولة إسرائيل، هو أمر لن يتحقق قريباً، بل هو ينتمي إلى مرحلة جهاد مقبلة في المستقبل. وفي إحدى محاضراته، أشار الزرقاوي إلى أنه مثلما دمر المحارب المسلم العظيم صلاح الدين الأيوبي في العصور الوسطى الإمبراطورية الفاطمية في مصر قبل أن يستعيد القدس من الصليبيين عام 1187، فإن الوصول إلى القدس اليوم يتطلب أولاً محاربة “المرتدين” المتعاونين مع المسيحيين واليهود.

والواقع أن الجهاز الإعلامي لتنظيم “داعش” كان يمقت تأكيد أولوية الجهاد في الأراضي الفلسطينية، بل اعترف بأنه لن يفعل ذلك. على سبيل المثال، أشارت افتتاحية في صحيفة “النبأ” إلى أنه على عكس بعض الجماعات الإسلامية، فإن “داعش” لم “يبالغ” في الحديث عن القضية الفلسطينية. ولفتت إلى أن الجهات الفاعلة السياسية الانتهازية جعلتها على مدى عقود “القضية الأولى بالنسبة إلى المسلمين” إلى درجة أن البعض تعامل معها على أنها “صنم”. واعتبر “داعش” أن هذا خطأ، لأنه لا ينبغي إعطاء أي أرض أفضلية على أرض أخرى من حيث أولوية الجهاد. وبعد خمس سنوات، أكدت افتتاحية أخرى في الصحيفة ذاتها أن “جنود الخلافة لم يبالغوا في قضية فلسطين، ولم يجعلوها استثناء بين قضايا المسلمين”. على رغم أن القضية الفلسطينية كانت مهمة بالنسبة لـ”داعش”، فإنه بالنسبة لها لم تكن شيئاً ينبغي أن يصرف الانتباه عن ساحات القتال المهمة في أماكن أخرى.

إن نشاط “داعش” في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، كما هي الحال مع تنظيم “القاعدة”، كان في حده الأدنى، غير أنه لم يكن غائباً بشكل نهائي. ففي أوائل عام 2022، أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن هجوم طعن ودهس في جنوب إسرائيل نفذه عربي إسرائيلي أعلن الولاء للخلافة.

مديح باستحياء

ولم يكن من المستغرب أن تنظيم “القاعدة” قد أثنى على هجوم السابع من أكتوبر ووضعه في إطار “الجهاد العالمي” ضد التحالف “الصهيوني الصليبي”. وأصدر كل فرع من فروع تنظيم “القاعدة” الإقليمية، العاملة في الهند وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصومال وسوريا واليمن، بيانات تهنئة لـ”المجاهدين” الفلسطينيين. وقام البعض بتسمية كتائب القسام على وجه التحديد، ولكن لم يقدم أي منهم التهنئة لـ”حماس”، تماشياً مع السياسة الرسمية لتنظيم “القاعدة”.

وفي الـ15 من أكتوبر، صدر بيان رسمي عن القيادة العليا لتنظيم “القاعدة”، احتفت فيه بالعملية ودعت إلى تعبئة جماعية للمساعدة في القتال. وستشمل التعبئة المقصودة فتح جبهات جديدة على طول حدود إسرائيل وتهريب المقاتلين إلى غزة من الأردن ومناطق أخرى لاستهداف “الصليبيين” والإسرائيليين في كل مكان يستطيعون ضربهم فيه. ودعا البيان على وجه الخصوص، المسلمين إلى “استهداف الصهاينة في الشوارع” في الدول العربية، وفي تلك التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار اتفاقات إبراهيم عام 2020. وذكر البيان بـ”بطل الإسكندرية”، في إشارة إلى المواطن المصري الذي أطلق النار على سائحين إسرائيليين ومرشدهما السياحي المصري في الثامن من أكتوبر، مما أسفر عن مقتلهم.

يذكر أن “داعش” لم يتطرق إلى الهجوم علناً إلا في 19 أكتوبر، في افتتاحية عدد ذلك الأسبوع من صحيفة “النبأ”. وحتى في ذلك الوقت، لم تذكر الافتتاحية هجوم السابع من أكتوبر على وجه التحديد، ودانت “حماس” من خلال الإشارة إلى حماقة القتال “تحت راية المحور الإيراني”. وعرضت الافتتاحية ما سمته “خطة عملية” لوضع حد لـ”وضع اليهود المزري”. ولن يشمل جهد كهذا القتال في الأراضي الفلسطينية فحسب، بل سيتضمن أيضاً استهداف “الوجود اليهودي” في مختلف أنحاء العالم، وبخاصة الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا. أما بالنسبة إلى المقاتلين في غزة والضفة الغربية، فقد دعتهم الافتتاحية إلى “تطهير الراية” التي يقاتلون تحتها، أي اعتناق نسخة الإسلام التي يتبناها تنظيم “داعش”، وعندها فقط الشروع في السير على طريق الجهاد.

يريد تنظيم “داعش”، شأنه شأن “القاعدة”، توسيع نطاق الحرب لتستهدف الجميع تقريباً، بمن فيهم اليهود أينما حلوا، والغرب، ودول عربية، ولكنه خلافاً لتنظيم “القاعدة”، لم يعرب عن أي دعم للمسلحين الفلسطينيين على الأرض. وأشار بدلاً من ذلك إلى أنهم في حاجة إلى إصلاح أنفسهم. وعلى رغم أن “داعش” حاولت إثارة موجة من التعاطف مع “شعبنا المسلم في فلسطين”، فإنها لم تظهر الثقة في مضي الفلسطينيين على الطريق الصحيح.

سيبقى الصراع محلياً

وبصرف النظر عن الكلمات، فإن الجماعات الإسلاموية العالمية مثل “القاعدة” و”داعش” خصصت القليل من الموارد للقضية الفلسطينية، وليس لها على الأرض سوى حضور لا يكاد يذكر في غزة أو الضفة الغربية، هذا إن وجدت فيهما على الإطلاق. من المرجح أن احتكار “حماس” شبه الكامل للمشهد الإسلامي الفلسطيني المتشدد يحول دون قيام “القاعدة” أو “داعش” بلعب دور مهم في أي مقاومة للغزو البري الإسرائيلي لغزة. وعلى الأغلب، فإن الفواعل الإسلاموية التواقة إلى الالتحاق بالقتال تواجه عقبات لا يمكن التغلب عليها من أجل الوصول إلى القطاع المعزول.

وحتى إذا لم يشارك المقاتلون الأجانب في القتال في إسرائيل أو في غزة، فإن هذا لا يعني أن العنف الإسلاموي لا يمكن أن يندلع في أي مكان آخر. لدى تنظيمي “القاعدة” و”داعش” مؤيدون في أنحاء العالم الإسلامي كافة، وكذلك في أوروبا والولايات المتحدة، وقد يستجيب بعض هؤلاء بشكل جيد للغاية للدعوات التي تحض على ارتكاب أعمال إرهابية. وفي حالة “داعش”، الذي يسيطر على شبكة دعم أكبر بكثير [من تلك التي تساند القاعدة]، فإن التهديد يكون أكبر. في 13 أكتوبر، قام مهاجر شيشاني، كان قد تعهد بالولاء لتنظيم “داعش”، بقتل مدرس في فرنسا بواسطة سكين. وفي 16 أكتوبر، أطلق مهاجر تونسي النار على مواطنين سويديين فقتلهما خارج مباراة لكرة القدم في بلجيكا، مشيراً إلى أن دافعه هو الانتقام من حرق القرآن الكريم في السويد ومقتل صبي أميركي من أصل فلسطيني يبلغ من العمر ستة أعوام في شيكاغو أخيراً. من جهته زعم الجناح الإعلامي لتنظيم “داعش” أن المهاجم التونسي فعل فعلته تلبية لدعوات وجهها التنظيم من أجل مهاجمة مواطني الدول التي تقاتل تنظيم “داعش” في العراق وسوريا. ولم يذكر إسرائيل أو القضية الفلسطينية.

وربما تستفز الحرب في غزة المتعاطفين مع الجهاديين في الغرب وتدفعهم إلى ارتكاب مزيد من أعمال العنف، ولكن من المستبعد أن تؤدي الحرب بين إسرائيل و”حماس” إلى تنشيط الحركة الإسلاموية الأكبر [على صعيد العالم]. ولا تزال قيادة “داعش” تتعرض للهجوم أو هي في السجن في سوريا، وقد تباطأت وتيرة هجمات المتمردين التي يشنها التنظيم هناك وفي العراق إلى حد كبير. إن الوجود الرئيس لتنظيم “داعش” اليوم قائم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأفغانستان، وليس في الشرق الأوسط. وبشكل مماثل، فإن تنظيم “القاعدة” يتمتع بوجود ضئيل في مواطئ قدمه السابقة في المنطقة على رغم وجود فرع له نشط إلى حد ما في اليمن وبذل جهوداً للاستفادة من حكم حركة “طالبان” الجديد في أفغانستان، طبقاً لما قالته واشنطن.

قد يكون تنظيم “القاعدة” حريصاً على الاستفادة من حرب جديدة بين إسرائيل و”حماس”، ولكنه كان على امتداد العقد الماضي أقل قدرة على لعب دور الملهم للإرهاب الدولي من “داعش”. ومشكلة تنظيم “داعش” هي أنه لم يحتضن القضية الفلسطينية قط بالحماس ذاته الذي أبداه منافسه تنظيم “القاعدة”، ولن يلقي بثقله وراء “حماس”، الفصيل الفلسطيني الرئيس الذي يقاتل إسرائيل. وعلى رغم أن تنظيم “داعش” سيكون سعيداً برؤية الإرهاب يضرب أهدافاً يهودية، فإنه يدعم فقط ما يعتبره الجهاد “الخالص” في الأراضي الفلسطينية، أي الجهاد من قبل أولئك الذين يلتزمون أيديولوجيته. وما لم تتمكن “القاعدة” أو “داعش” بطريقة أو بأخرى من تأسيس موطئ قدم لها في الميدان الفلسطيني، فمن الصعب أن يرى المرء كيف يمكن للأزمة في غزة أن تعيد إحياء حظوظ أي من المجموعتين.

كول بونزل هو زميل في معهد هوفر في جامعة ستانفورد ومحرر مدونة Jihadica.

مترجم من فورين أفيرز 2 نوفمبر 2023

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قراءة ورؤية تحليلية واقعية لمواقف التنظيمات الجهادية من حماس وفق عقيدتها ومنهجيتها ، ولكن الخطر قادم بإحياء التنظيمات الجهادية الاسلاموية بالعالم ضمن حرارة الحدث وإن كان بعد حين .

زر الذهاب إلى الأعلى