قراءة في رواية:  ربيع حار

أحمد العربي

سحر خليفة أيقونة الرواية الفلسطينية المتميزة، كتبت الكثير من الروايات. اطّلعنا على أغلبها. وهي تكاد تكون تأريخ للقضية الفلسطينية بشكل ادبي متميز. لقد جعلت القضية الفلسطينية : اللجوء والثورة وتطورات حياة الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها تحت الضوء. ورجعت في بعض رواياتها الى بدايات القرن الماضي تحفر عميقا لسبر أغوار القضية الفلسطينية…

ربيع حار رواية سحر خليفة المتميزة التي تعتبر علامة فارقة في كتاباتها. لكونها تستعرض ضمنها وفي إطار روائي واقع حال القائد الفلسطيني ابو عمار ياسر عرفات، وحصاره في رام الله حيث كان قد عاد وشكّل شبه دولة فلسطينية بعد اتفاقات أوسلو في تسعينات القرن الماضي…

تبدأ الرواية من رصد حياة عائلة فضل القسام الصحفي الذي يعمل مراسلا لصحيفة القدس الذي يسكن في مخيم عين المرجان في الضفة الغربية في فلسطين. الذي سكن فيه بعد لجوئهم من يافا بلده بعد عام ١٩٤٨م وكان لديه مكتبة كبيرة يعمل بها حيث كان يسكن قريبا من نابلس.

 استقر في مخيم عين المرجان مع زوجته وابنية مجيد وأحمد . مجيد الكبير يدرس في الجامعة. وأحمد في طور المراهقة، أحمد رقيق وحساس ولديه مواهب فنية. فهو لا يهتم بشؤون الأطفال او المراهقين من عمره. تراه اما يقرأ أي شيء يصل الى يده وخاصة الصحيفة التي يكتب بها والده. ويرسم ما يعن على باله…

الاب فضل يفكر وفق عقلية الأب الحريص على نشأة ابنه كفلسطيني ورث اللجوء والحياة القاسية لذلك طالب أخوه مجيد ان يهتم به ويجعله أكثر بأسا ليواجه حياة ليست مريحة للفلسطينيين خصوصا…

احمد يطمح أن يحصل على نضارة شمسية احضرها له والده و أهداه كذلك كاميرا ديجيتال ليحصل له على بعض الصور المتميزة ينشرها في صحيفته. خاصة بعدما اكتشف ما لدى احمد من موهبة فنية، وبالفعل نجح بالتقاط صور معبرة ومتميزة اعجبت والده وبذلك جعله يصور دوما وهو ينتقي من تلك الصور ما يناسب الصحيفة التي يعمل بها…

بجوار مخيم عين المرجان توجد مستعمرة صهيونية. يفصل بينها وبين المخيم سياج معدني يمكن الدخول من خلاله كما يمكن الرؤية عبره لمن خلفه. وفي أثناء تجول أحمد في المخيم والتقاط الصور ومن خلال استخدام زوم التقريب في كاميرته فيما وراء سور المستعمرة، شاهد فتاة قريبة بالعمر منه. أعجب بجمالها وطلتها. واستمر يذهب الى منطقة السياج ليراها وهي تلعب في حديقة منزلها. وكان أحمد قد حصل على قطة جميلة صغيرة رعاها واحبها واهتم بها كثيرا. وكانت الفتاة اليهودية فيرا التي علم اسمها بعد ذلك تربي كلبا صغيرا.

 كما كان يعمل في المستوطنة عيسى ابن مخيمهم، رغم موقف المقاطعة الذي يفرضه الفلسطينيون على أنفسهم بعدم التعامل مع الصهاينة. لكن البعض تجاوز ذلك إما لحاجة أو لمآرب اخرى.

استمر أحمد يذهب إلى السور ويتابع فيرا حتى اقتربت من السياج وتحدثت معه. وكان هناك عيسى ابن المخيم. واستمر ذهابه الى السور وأصبح بينه وبين فيرا ألفة وود. كان يخاف أن يصارح نفسه انه احبها؛ فهي من الاعداء. وفي احدى المرات اخذ معه قطته وهي كان كلبها معها. وحصل توتر بين الكلب والقطة وادى لأن تهرب القطة. ويعود أحمد إلى المنزل حزينا على ضياع قطّته. وبعد وقت علم من عيسى ان فيرا قد وجدت القطة واحتفظت بها، لقد سرقتها. حزن احمد وقرر بالتعاون مع عيسى ان يدخل الى المستعمرة ويستعيد قطته مهما كلفه ذلك. وبالفعل دخل المستعمرة وتسلل مع عيسى إلى بيت فيرا وهناك دخلوا الى حيث تتواجد حيواناتهم قطط وكلاب وغيره. توترت الحيوانات واصدرت اصوات ادت لدق اجراس الانذار في المستعمرة. تم القبض على عيسى وأحمد. ووضعا بالسجن بتهمة القيام بعمل إرهابي في المستعمرة…

على مستوى آخر كان مجيد فنانا وله حضور متميز في الجامعة، يغني الأغاني الثورية، وكانت صديقته ابنة الوشمي المسؤول في حكومة السلطة الفلسطينية. الذي اغتنى من علاقاته المشبوهة مع الصهاينة. وكذلك كان صديق سعاد ابنة المخيم زميلته في الجامعة. ابوها معتقل منذ سنوات عند الاحتلال وامها التي تعيش معها بعدما كبر اخوتها وسافروا جميعا خارج البلاد…

كان مجيد منتمي لقضية شعبه وهو ابن المخيم ووالده وجه وطني محترم. كان يحاول أن يوازن بين عواطفه وبين ان يكون نموذجا كما يود والده…

لقد كان لاعتقال أحمد لمدة من الزمن ثم خروجه من المعتقل أكثر نضجا ووعيا ، لقد كبر ونسي قطته وفيرا وأصبح منتميا للقضية الوطنية الفلسطينية اكثر وان له دور لا بد أن يقوم به…

كانت الانتفاضة الفلسطينية الاولى ١٩٨٧م قد أجبرت الصهاينة على  السماح لابو عمار ياسر عرفات بالعودة الى فلسطين ضمن اتفاقيات أوسلو ١٩٩٣م ويشكل سلطة فلسطينية غير مكتملة. واستمرت المناوشات بين السلطة الوليدة والصهاينة والشعب الفلسطيني حتى حصلت الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠م. وكان رئيس الوزراء الصهيوني وقتها شارون. الذي قرر القضاء على السلطة الفلسطينية عبر القضاء على أبو عمار…

ضمن هذه الأجواء وفي هذه الفترة سرعان ما وجد مجيد نفسه منغمسا في العمل المقاوم ضد الصهاينة الذين بدأوا في اعادة احتلال الضفة في عمليات عسكرية تدميرية. قتل وتدمير واعتقال وتهجير الفلسطينيين. التحق مجيد بالعمل المقاوم وأصيب ودخل في حالة غيبوبة. وتم اخفاؤه والاهتمام به من قبل جدته واخوه احمد الذي عمل على  مسعفا في سيارة اسعاف. ساعد في ذلك لورا ابنة الوشمي الذي قتله المقاومين وكذلك سعاد صديقته. واستمر ينقل من مكان الى آخر حتى وصلوا به إلى مركز المقاطعة حيث يتواجد أبو عمار محاصرا. وهناك بدأ يعود إليه وعيه. وأصبح قريبا من دائرة حماية ابو عمار. لقد اطّلع على أوضاع الحصار الذي استمر لثلاث سنوات. النقص في كل شيء. الماء والغذاء. الدبابات تقترب من مركز المقاطعة حيث أبو عمار الذي قرر ان يموت شهيدا ولا يستسلم لشارون. راقب هذا القائد وتفانيه وأنه أصبح رمزا للقضية الفلسطينية المقاومة. وللحقوق الوطنية التي يجب أن تسترد.

استمر مجيد بجوار ابو عمار وتم رصد تحوله من مقاوم الى سياسي ثم إلى صياد فرص مثل كثيرين من المقاومين الذين قايضوا القضية بمكتسبات السلطة الذاتية التي كانت قد انتشرت وأظهرت تشابه نظام السلطة مع السلطات العربية الاستبدادية وانتشار الفساد والمحسوبية والمساومة على القضية الوطنية…

  لم تذكر الرواية بالمباشر مصير ابو عمار المقتول بالسم ولا استلام ابو مازن قيادة السلطة وتنازله للصهاينة والامريكان وتنفيذ مطالبهم. فالرواية كتبت والكاتبة في الداخل و محمود عباس مازال للآن رئيس السلطة الفلسطينية. وان مجيد قد خرج من ثوبه وأصبح من هؤلاء…

اما احمد ووالده واهل المخيم فقد وجدوا أن كارثة قد حلت عليهم. فقد كان قد قرر الكيان الصهيوني أن يبني الجدار العازل الذي يقتطع مزيدا من الأراضي الفلسطينية ويستولي عليها. هذا غير تدمير المخيمات وهدم البيوت التي يمر الجدار حيث هي. حاول أهل المخيم بالتعاون مع المقاومين أن يواجهوا القوات الصهيونية المهاجمة مع جرافاتها. لكن الخونة مثل عيسى قدموا للعدو معلومات عن الألغام والكمائن ولم يستطيعوا منع العدو من التقدم. لقد قتل المقاومون الخونة مثل عيسى لكن ذلك لم يحل مشكلة هدم بيوتهم وسرقة أراضيهم…

 كان أحمد مازال يعمل مسعفا يسوق سيارة الإسعاف ويحمل كمرته ويوثق كل ما يحدث أمامه، وكان كل ما حصل قد شكل في نفسه استعداد لأن يضحي بحياته في مواجهة ظلم الاحتلال وجبروته وكانت قد بدأت تحصل الكثير من العمليات الفدائية التفجيرية. حيث يفجر الفدائي ذاته او عربته بأي هدف صهيوني. لقد كان حلا أخيرا تجاه اليأس المطبق على اهلنا في فلسطين حيث الظلم الصهيوني وصمت العالم…

ترصد الرواية أيضا عودة فيرا الفتاة اليهودية التي سجن احمد بسببها والتي احبها في مراهقته، عادت لتكون قريبة من حياة أحمد فقد اصبحت ناشطة سلام من بعض اليهود في الكيان الصهيوني. حيث كانت قد توسع الدعم الشعبي الدولي للقضية الفلسطينية وحضر ناشطي سلام ودخلوا للمقاطعة حيث ابوعمار وشكلوا جدار حماية. ومن بين أولئك الناشطين جاءت راشيل وكانت بصحبة فيرا وتعرفت على احمد وعلمت بأن الصهاينة يريدون ان يدمروا بيتهم ليتم بناء الجدار العازل وقفت أمام الجرافة لتمنع هدم المنزل لكنها هدمت البيت ودهست راشيل وكانت شهيدة لموقفها ضد ظلم الفلسطينيين. وتم تداول صور هذا الفعل الإجرامي في كل العالم وهذا حصل فعلا…

تنتهي الرواية وأحمد يقود سيارة الإسعاف ويواجه أحد المواقع العسكرية الصهيونية لا بد انه يحمل متفجرات ودمر نفسه وسيارة الإسعاف في الموقع المستهدف واصبح شهيدا…

احمد الرقيق الفنان محب الحياة يضحي بحياته في مواجهة ظلم دائم وصمت دولي مشين…

في التعقيب على الرواية اقول:

لا بد من التأكيد على الجانب النسوي في الرواية. المرأة حاضرة. بكل قوة. الأم المناضلة. المتحملة ، المربية لأولادها. التي تصون عائلتها. تحمل إرث الثورة وتنقله من جيل لجيل. كما أنها تتحدث عن ظلم مجتمع ذكوري يقع على المرأة ولا بد أن يتم تجاوزه…

كذلك لغة الرواية الحيّة النابتة من البيئة المعاشة المشتركة، كذلك تعبير شخصياتها عن أنفسهم وتفاعلاتهم مع بعض ومع ظروف الحياة. لم اتوسع حول ذلك في الرواية. لكن هذه الذوات الحية المتميزة المتفردة الرائعة هي مادة الرواية وروحها الأساسية…

كذلك اذكر أهمية الرواية بحيث توثيقها مرحلة فارقة في تاريخ الثورة الفلسطينية. حيث انتقلت من سلطة ثورة بقيادة أبو عمار وعلى علاتها. لتصبح سلطة أمر واقع تعمل وفق الاملاءات الصهيونية والامريكية… بعد مقتل ابو عمار ومجيء محمود عباس…

لا نستطيع الا ان نقول ان من تبعات مرحلة شارون وقضاؤه على رمزية السلطة الفلسطينية وقتل ابو عمار ومن ثم الانسحاب الإجباري للصهاينة من غزة عام ٢٠٠٥م و ما تلاه من حصار والتنكيل بالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة أدى لحروب متتالية بين المقاومة في غزة وبين الصهاينة وكان آخرها طوفان الاقصى الذي نعيش أحداثه اليومية الآن وشعبنا الفلسطيني المقاوم يصنع مصيره مجددا ويصر أن ينتصر لحقوق الشعب وبناء دولته. بعد ان دمر اسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر وصنع اسطورة الشعب الفلسطيني المقاوم والمنتصر حتما…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “ربيع حار” للروائية الفلسطينية “سحر خليفة” قراءة جميلة وتعقيب واقعي من قبل الأخ “احمد العربي” الرواية وبإطار روائي تنقل واقع حال القائد الفلسطيني أبو عمار ياسر عرفات، وحصاره في رام الله بعد اتفاقات أوسلو في تسعينات القرن الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى