يعيد حديث وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، ليل الخميس -الجمعة، عن أن بلاده لا تعتزم في الوقت الراهن سحب أو تحريك نقاطها العسكرية المنتشرة في الشمال السوري، وأنها تعمل على إقامة منطقة آمنة هناك، على أن يتغيّر انتشار القوات التركية بعد ذلك وفق الحاجة، التساؤلات حول طبيعة الترتيبات التي يتم إعدادها للمنطقة. وتزامن تصريح جاووش أوغلو مع مواصلة بلاده إرسال تعزيزات عسكرية جديدة إلى مناطق شمال غربي سورية، فيما تواصل قوات النظام السوري خرق اتفاق الهدنة. كما نقل موقع “ترك برس”، عن مصادر مطلعة قولها إنه تمّت خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى تركيا قبل أيام، مناقشة الهجمات التي يشنها وكلاء إيران في إدلب، “حيث سبّبت أفعالهم توتراً في العلاقات الثنائية التركية الإيرانية”.
وقال جاووش أوغلو، لبرنامج تلفزيوني على قناة “سي أن أن تورك”، حول ما إذا كانت تركيا ستزيل نقاط المراقبة من محافظة إدلب، إنه “من الممكن أن تجري ترتيبات جديدة حسب الوضع الجديد في المنطقة، أي بعد إقامة المنطقة الآمنة هناك”، مضيفاً أن أنقرة “تسعى الآن إلى تحويل منطقة إدلب إلى منطقة آمنة، وتناقش هذا الموضوع حالياً، وعندما يتم ذلك، سيفكر جيشنا بطريقة استراتيجية، وسيتمركز بشكل مختلف في المنطقة حسب الحاجة للمراقبة”. وأكد أن “الجيش التركي ووزارة الدفاع وأجهزة الأمن المعنية، هي التي ستقرر أين ستتمركز نقاط المراقبة وكيف وأين سيعمل الجنود الأتراك والاستخبارات في المنطقة بعد بسط الأمن هناك، ولكنهم حالياً يواصلون عملهم في أماكن تمركزهم”.
ونشرت القوات التركية في الآونة الأخيرة عشرات النقاط العسكرية الجديدة في ريف إدلب الغربي وبالقرب من طريق حلب – اللاذقية الدولي “إم 4” وقرى وبلدات جبل الزاوية والتلال المحيطة بالمنطقة، والتي تحتوي على مواقع جغرافية استراتيجية.
وفي السياق، استقدمت القوات التركية، فجر أمس الجمعة، تعزيزات عسكرية من عشرات الآليات إلى نقاط تمركزها العسكرية المنتشرة في ريف إدلب. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن رتلاً عسكرياً كبيراً يزيد عن 60 آلية، بينها عربات مصفحة وعلى متنها عشرات الجنود الأتراك، وصهاريج محملة بالوقود وشاحنات محملة بمعدات لوجستية وطعام وأدوية، دخل من معبر كفرلوسين الحدودي مع تركيا بالقرب من بلدة سرمدا شمال إدلب. وأضافت أن الرتل دخل على دفعتين، وتوجه من معبر كفرلوسين إلى نقاط المراقبة، ونقاط تمركز الجيش التركي المنتشرة في ريفي إدلب الجنوبي والغربي، بغية دعم القوات التركية في تلك المناطق، وخصوصاً المتاخمة لمناطق سيطرة قوات النظام السوري.
وتأتي عودة وزير الخارجية التركي للحديث عن المنطقة الآمنة، عقب اجتماعه بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وسط حديثٍ عن امتعاض تركي من تعمد المليشيات التي تدعمها إيران خرق وقف إطلاق النار في إدلب والاستعداد لاستئناف المعارك هناك، على الرغم من وقف إطلاق النار السائد منذ 5 مارس/ آذار الماضي، إثر توافق تركي – روسي. ونقل موقع “ترك برس” عن مصادر مطلعة، قولها إنه تمت خلال زيارة ظريف لتركيا مناقشة الهجمات التي يشنها وكلاء إيران في إدلب، “حيث سببت أفعالهم توتراً في العلاقات الثنائية”، مشيرة إلى أن “تركيا حذرت إيران بجدية بشأن وكلائها في سورية، وجاء ظريف إلى تركيا لمنع المزيد من التدهور في العلاقات والتعبير عن حسن نية بلاده في هذا الأمر”. وبحسب المصادر، فإن “أنقرة حذرت طهران بشكل واضح من تورطها في إدلب، الأمر الذي سيعيق العمليات العسكرية التركية في شمال سورية، وحذرتها أيضاً من دعم التمرد الكردي الذي يقوده تنظيم بي كا كا (حزب العمال الكردستاني) في شمال العراق”.
ووفق مصادر محلية تحدثت لـ”العربي الجديد”، فقد قصفت قوات النظام منذ فجر أمس مناطق الفطيرة ومحيط كنصفرة وسفوهن وفليفل والحلوبي بريف إدلب الجنوبي. وسبق ذلك استهداف طائرة مسيرة تابعة للمليشيات الموالية لإيران مواقع لفصائل المعارضة في محيط بلدة البارة في ريف إدلب، تزامناً مع قصف مدفعي لقوات النظام استهدف محوري فليفل والبارة في ريف إدلب الجنوبي.
ويرى مراقبون أن عودة الحديث التركي عن المنطقة الآمنة تبدو ملتبسة حتى الآن، ذلك أن هذا التعبير كان يشير في الفترات السابقة إلى مناطق في شمالي سورية وشرقها إثر العملية العسكرية التركية المسماة “نبع السلام”، التي طردت نتيجتها القوات التركية وفصائل المعارضة في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، المليشيات الكردية من بعض البلدات السورية الحدودية. وطالبت تركيا وقتها بأن تكون المنطقة الآمنة بعمق 30 كيلومتراً، وعلى طول الحدود التركية السورية بمسافة تصل إلى 460 كيلومتراً تقطع ارتباط الوحدات الكردية مع سنجار وقنديل شمال العراق، ومع عين العرب في ريف حلب. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقتها إنه يمكن إعادة 3 ملايين لاجئ سوري حول العالم إلى بلادهم، في حال توسعة المنطقة الآمنة هناك.
غير أنه مع الحديث مجدداً عن المنطقة الآمنة، وهذه المرة في ما يخص مناطق شمال غربي سورية، أي إدلب ومحيطها، فإن ثمة مخاوف تبرز بأن تشمل هذه المنطقة فقط المناطق التي بحوزة المعارضة حالياً، أو حتى المناطق الواقعة فقط شمالي الطريق الدولي “إم 4” وصولاً إلى الحدود التركية، ما يعني أن أكثر من مليون نازح نتيجة المعارك الأخيرة لن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، وتضيق بهم حالياً المخيمات في الشمال السوري.
ومن جهة أخرى، فإن تركيا ومع تعزيز قواتها المستمر في المنطقة، إضافة إلى رفضها سحب نقاطها العسكرية، حتى تلك التي تعرضت للحصار من ريف حماة الشمالي إلى ريفها الغربي وصولاً إلى ريفَي حلب الجنوبي والغربي، وفي محافظة إدلب نفسها، ربما ما زالت تفكر في أن تشمل المنطقة الآمنة جميع هذه المناطق، وهي لذلك تتمسك بضرورة العودة لحدود اتفاق سوتشي الموقع مع روسيا وإيران، في ما سمي مناطق “خفض التصعيد”، وهو ما يعني عودة النازحين الى مناطقهم. ولعل في هذا الإطار، جاء الإعلان عن وصول عشرات العناصر السوريين نهاية مايو/ أيار الماضي من الشرطة المدنية إلى نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك شمالي حماة، الخاضعة لسيطرة قوات النظام. وكانت قوات النظام سيطرت على ريف حماة الشمالي بالكامل في أغسطس/ آب 2019، قبل أن تتقدم إلى مدينة خان شيخون جنوبي إدلب، حيث بقيت نقطة المراقبة.
وقال المحلل السياسي شادي عبد الله لـ”العربي الجديد”، إن مواصلة تركيا تعزيز قواتها في شمال غربي سورية، حيث وصل عددها بحسب بعض التقديرات إلى أكثر من عشرة آلاف جندي، تجعل لها اليد الطولى هناك، بما يتجاوز الدور الإيراني، وحتى الروسي، حيث لا توجد لكلا البلدين قوات فاعلة حقيقية في تلك المنطقة. ورأى عبد الله أن تركيا تحاول الإفادة من هذا الوضع بغية تغليب رؤيتها لمستقبل المنطقة، وهو ما يتجلى بعودة الحديث من جانبها عن المنطقة الآمنة، حيث باتت ترى أن هناك إمكانية لإقامتها الآن، بسبب الإنهاك الذي يعاني منه كل من النظام السوري وإيران بسبب العقوبات الأميركية والغربية، فضلاً عن عدم رغبة روسيا في توسيع المواجهة مع تركيا في هذه المرحلة، خصوصاً في ضوء انشغال البلدين بما يجري في ليبيا.
في غضون ذلك، أكدت طهران أنها مستمرة بدعم النظام السوري اقتصادياً، رغم دخول قانون “قيصر” الأميركي حيز التنفيذ. ونقلت وكالة “مهر” الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سيد عباس موسوي، قوله أمس الجمعة إن إيران ستقوّي علاقاتها الاقتصادية مع النظام وتستمر بدعمه اقتصادياً، معتبراً القانون الأميركي مخالفاً للقوانين الدولية والإنسانية.
إلى ذلك، طالب مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، أعضاء مجلس الأمن باستخدام نفوذهم للحفاظ على وقف إطلاق النار ومواصلة العمل لإحلال السلام وحل الأزمة السورية. وأضاف المسؤول الأممي أن الوضع في سورية ساهم إلى حد كبير في زيادة عدد اللاجئين في العالم العام الماضي، حيث تجاوز عدد اللاجئين والنازحين السوريين 13 مليوناً. وأضاف غراندي أن سورية دخلت عامها العاشر من الصراع الذي يزداد في الشمال الغربي خاصة في إدلب، مؤكداً أنه في بداية العام كان هناك مليون شخص نازح في تلك المنطقة، ولكن بفضل وقف إطلاق النار، عاد 25 في المائة منهم إلى مناطقهم.
المصدر: العربي الجديد