في مواجهة هجوم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية- حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية على عدد من مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، تم سريعا استدعاء هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الخطاب الإسرائيلي، والتعامل وفقا لهذا مع التحركات الإسرائيلية والغربية تجاه قطاع غزة بوصفها جزء من “الحرب على الإرهاب”، ومواجهة “محور الشر” و”الدول المارقة” كما تحدث عنها كل من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ونائب وزير الخارجية جون بولتون.[1]
وكما عملت إسرائيل بعد هجمات 11 سبتمبر على الربط بين الفصائل الفلسطينية والهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية، وقامت ببناء تلك المقاربة بين ما تعرضت له واشنطن من أسامة بن لادن، وما تتعرض له تل أبيب من شخصيات مثل الشيخ أحمد ياسين، الزعيم الروحي والمؤسس لحركة حماس، قامت إسرائيل سريعا بالربط بين هجوم 7 أكتوبر من جانب، وكل من هجمات 11 سبتمبر وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من جانب آخر.
وفي حين وفرت هجمات 11 سبتمبر صورة واضحة للصدمة والخوف المرتبط بالإرهاب الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية في الداخل، بكل ما يحدثه من مقاربة لدى المواطن وصانع القرار الأمريكي بصفة خاصة، والغربي بصفة عامة، وفرت داعش مقاربة أهم على صعيد القدرة على ترويج فكرة الفظائع الإنسانية، وإبراز ضخامة ما حدث على صعيد العنف الذي تعرضت له إسرائيل.
وربما تكون المقاربة الأكثر أهمية في هذا السياق، والتي وضعت فظائع القاعدة وداعش في إطار أعمق، هي فكرة المحرقة أو الهولوكوست، والتي تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال حديثه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، مؤكدا أن إسرائيل تعرضت لهجوم “لم نشهد وحشيته منذ المحرقة”،[2] وأن عناصر حماس “أسوأ من تنظيم الدولة”، حيث أخذوا “عشرات الأطفال وربطوهم ثم أحرقوهم”[3]، قبل أن يعود نتنياهو لتلك المقاربة عبر الحديث عن إسرائيل بوصفها “قوى النور” التي سوف تقضى على “قوى الظلام”،[4] في تأكيد على خطوط الحرب الأمريكية على الإرهاب من جانب، والتحالف الدولي ضد تنظيم داعش من جانب آخر، بوصفها المكونات الأساسية للسردية الإسرائيلية في التعامل مع واقع ما بعد هجوم 7 أكتوبر.
ولم يستغرق الأمر الكثير من الوقت بين ربط كل من نتنياهو وبايدن بين حماس وداعش حتى تحولت تلك الرواية إلى مكون رئيسي في السردية الخاصة بتوصيف حماس وكيفية التعامل معها، والحرب ضد غزة وحدودها. كما تحولت تلك السردية إلى جزء محوري من التحرك الغربي الذي تعامل مع حماس بوصفها “داعش”، ومع الحرب في غزة بوصفها حرب إسرائيل والغرب على الإرهاب، ومع أنفسهم بوصفهم جزء من التحالف الدولي ضد داعش والتحالف الداعم والمساند لإسرائيل والمتضامن معها بدون قيود أو حدود باعتبار أن دعم إسرائيل وأمنها “غير قابل للتفاوض” كما قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في قمة القاهرة للسلام التي عقدت في 21 أكتوبر الجاري (2023).[5]
في الخلفية، ساهم توظيف استدعاء داعش إلى الصورة، وتزييف ما حدث في هجوم 7 أكتوبر من فظائع ترتبط بممارسات داعش، وخاصة الحديث عن قطع رؤوس الأطفال،[6] في “دعشنة” حماس وتمرير السياسات الإسرائيلية والغربية، وهو الأمر الذي سيطر على المشهد على مدار المرحلة الأولى من الاعتداءات الإسرائيلية المكثفة ضد القطاع، والحصار الشامل الذي فرض على سكان القطاع.
ساهم استحضار داعش للمشهد في تقريب صورة الفظائع التي ارتكبتها حماس وفقا للرواية الإسرائيلية بشكل يسهل إدراكه من قبل المتلقي على ضوء ما عرفه وشاهده من ممارسات تتعلق بداعش. ووُظفت تلك الصورة في تمرير الحرب الانتقامية ضد قطاع غزة، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغربية غير المسبوق لإسرائيل، والوقوف ضد مطالب وقف إطلاق النار من أجل إعطاء فرصة لإسرائيل للانتقام من حماس أو لممارسة حقها في الدفاع عن النفس، وفقا لتلك الدول. كما ساهم في غض الطرف عن الخسائر البشرية، وانتهاكات القانون الدولي، وتناقض كل ما يحدث مع خطاب القيم والحقوق والحريات الذي تتبناه تلك الدول نفسها. وعلى الرغم من ظهور حقائق تتناقض مع تلك الروايات استمر التعامل معها بوصفها حقائق من قبل تلك الأطراف.
مع “دعشنة” حماس، والتعامل مع صدمة هجوم 7 أكتوبر على أنها صدمة مماثلة لتلك التي تعرضت لها أمريكا في 11 سبتمبر، تم التركيز على جهود تجريد سكان القطاع من إنسانيتهم، والتعامل مع القطاع بوصفه ساحة عمل عناصر إرهابية وسط خطاب قام من جانب على إنكار وجود مدنيين بشكل حقيقي عبر تحميل سكان القطاع مسئولية ما حدث في 7 أكتوبر بشكل مباشر أو غير مباشر، أو عبر تجريدهم من إنسانيتهم في العديد من الخطابات والتصريحات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية بما فيها حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي وصفهم بأنهم “حيوانات بشرية”، وأنه يتعامل معهم وفقا لهذا،[7] بكل ما يحمله تشبيه مماثل من فرصة لتبرير ما هو غير مبرر في سياق الحروب، مثل قطع المياه والكهرباء، ووقف فرص الحصول على الطعام والدواء، وبالمجمل انتهاك قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
بهذا، تنتقل بنا السردية الإسرائيلية من لحظة استحضار القاعدة و”دعشنة” حماس إلى “دعشنة” غزة، بشكل كامل أو نسبي، ومن فكرة الاحتلال الاستعماري الممتد إلى هجوم 7 أكتوبر، ومن تجاوز القانون الدولي وارتكاب جرائم حرب بدعم أمريكي وغربي إلى حرب على الإرهاب وتحالف ضد “داعش حماس”، ومن احتلال واتفاقيات وقرارات دولية يفترض الالتزام بها إلى تصفية للقضية وتحميل الضحايا مسئولية المعاناة، ومن إنسانية عامة إلى إنسانية انتقائية.
يطرح كل ماسبق الحديث عن أبعاد السردية الإسرائيلية، وكيف تم توظيفها خلال الحرب الخامسة على غزة، وفي العمق يطرح السؤال بقوة عن محاولة فهم حالة تماهي مواقف عدد من الدول الغربية مع تلك السردية بالمخالفة للسياسات المفترضة من قبل تلك الدول، وفي ظل الرؤية المتصورة حول مواقفهم المفترضة في ظل التعامل مع قيم الديمقراطية والحقوق والحريات بوصفها مكونات أساسية ومركزية في السياسة الخارجية لتلك الدولة ذاتها.
وفي الخلفية يطرح الحديث عن السردية السائدة وجود سردية مضادة ترفض التعامل المزدوج مع الإنسان، وترفض التجاوز عن معاناة الشعب الفلسطيني وتؤكد على وجود سياق يتطلب الحل السياسي وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. واقع يطرح أيضا أهمية الفرز والتفكيك، وطرح الحقيقة وترسيخها من أجل مستقبل القضية والحقوق العربية، والحيلولة دون تصفية القضية على حساب الأطراف العربية بما فيها مصر والأردن، والوقوف ضد “إهدار كفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية.. وجميع الأحرار في العالم على مدار 75 عاما” كما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته الافتتاحية في مؤتمر القاهرة للسلام.[8]
في المعنى والأهمية: السردية السياسية والسردية الإسرائيلية
تشير السردية أو الرواية Narrative إلى القصة التي نقدمها عن أنفسنا والعالم، بما يجعلها مصدرا مهما للمعلومات حول كيفية فهم الناس لحياتهم، وكيفية التعامل مع الحقائق المتباينة ونسجها معرفيا من أجل فهم الواقع.[9] وبوصفها “استراتيجية إنسانية أساسية للتصالح مع الوقت والعملية والتغير”،[10] لا تقوم السردية “على مجموعة من الحقائق المجردة” بقدر ما تمثل منتجا له طبيعة اجتماعية “يتم إنتاجها ضمن سياق ثقافي واجتماعي وتاريخي محدد، وهو الأمر الذي يجعل السرديات وسائل تعبير عن الذات والآخرين، ويضعها في قلب تشكيل الهوية”.[11]
وتتمثل الروايات السياسية في القصص التي يستخدمها القادة السياسيون، والتي يتم من خلالها تشكيل تفضيلات الرأي العام عبر اختيار رؤيتهم السياسية للأحداث، حيث يركز السرد السياسي على كيفية تعامل القادة السياسيين مع محتوى تلك الروايات، والمفاضلة بين السرد السياسي وسرد السياسة بكل ما يفترض أن تعبر عنه من مواقف وتتضمنه من تحليلات وفقا للهدف السياسي والمخرجات المستهدفة، وهو ما يزيد من أهمية السردية على مستوى المخرجات السياسية النهائية.[12]
هذا وترتبط شعبية الحديث عن السردية، والتي أدت إلى تجاوزها لمجال الأدب إلى السياسة والإعلام، بميل البشر إلى التفكير في شكل سردي، وهي القناعة التي أكدت عليها الأبحاث النفسية المختلفة التي أشارت إلى توجه البشر للتفكير والإدراك والتخيل وتنفيذ القرارات الأخلاقية من خلال استخدام الهياكل السردية.[13]
بدوره يعد نمط السرد الذي يؤدي إلى إنتاج “قصص جيدة، ودراما آسرة، وروايات تاريخية قابلة للتصديق، حتى وإن لم تكن حقيقية”، الأكثر جاذبية وقدرة على تحقيق التفاعل مقارنة بغيره من الأنماط العلمية للوصف والتفسير.[14]ويساهم السرد وفقا لهذا في وضع الإطار الذي يتم التعامل مع الحدث وفقا له، وكيف يتم تقديم الأحداث المتفرقة، أو اختلاق الأحداث التي يتم إضافتها من أجل تقديم الحكاية المستهدفة عن أنفسنا وعن العالم. وفي السياق السياسي، تشكل السرديات تصورات الانتماء والهوية فيما يتعلق بتشكيل العلاقة بين الأفراد والجماعة، وبين المجموعات الداخلية والخارجية، بكل ما لها من انعكاسات اجتماعية وسياسية.[15]كما تحمل الأشكال السردية للفكر والتعبير، والتي تعتمد على ربط الأحداث في سلاسل، ميزة إضافية وهي أنها تتوافق مع المنطق السياسي المتمثل في محاولة تشكيل الحاضر على ضوء الدروس التي تم تعلمها من الماضي، وحيث يعتمد الدور المهيمن للسرديات في الخطاب السياسي على مركزية السرد في صياغة وجهات النظر العالمية والحفاظ عليها، بالإضافة إلى دوره في تبسيط المواقف المعقدة إلى سلاسل من الأحداث.[16]
ومن خلال ما سبق، يساهم طرح السردية الإسرائيلية، بوصفها ربطا للأحداث في سلاسل ووسيلة للتعبير عن قراءة القادة السياسيين للواقع وتشكيل العلاقة بين الأفراد والمجتمع وبين الداخل والخارج، في تحديد إطار التعامل مع هجوم 7 أكتوبر على صعيد الداخل والعلاقة مع العالم. كما يساهم في تحقيق الأهداف السياسية للقائد السياسي ممثلة هنا في محاولة استعادة الردع الإسرائيلي، واستعادة جزء من مكانة نتنياهو وحكومته التي تم تحميلها وتحميله شخصيا مسئولية الهجوم والفشل الاستخباراتي والعسكري.[17] بالإضافة إلى استعادة الردع في اللحظة والمستقبل على مستوى الإقليم وخاصة في مواجهة إيران وحزب الله، وكذلك في مواجهة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وخاصة حماس. بالإضافة إلى الرغبة في التأكد من القيام بكل هذا ضمن دعم وتضامن أمريكي مدعوم من قبل عدد من الدول الغربية بما يسمح بالتجاوز عن الكثير من القيود الإنسانية والقانونية، وضمان الدعم في المؤسسات الدولية.
ووفقا لهذا يمكن التعبير عن السردية الإسرائيلية في حرب غزة الخامسة في مجموعة من النقاط تتضمن: تأسيس الرواية الإسرائيلية لما حدث في 7 أكتوبر انطلاقا من الهولوكوست، والربط بين حماس والقاعدة وداعش، والانتقال من “دعشنة” حماس إلى “دعشنة” القطاع، وهي السردية التي ساهمت بأبعادها المختلفة في تبرير وترويج السياسات الإسرائيلية والدفاع عنها من قبل عدد من الدول الغربية وصولا إلى رفض الحقائق والتشكيك فيها لصالح الدفاع عن إسرائيل في مواجهة الغضب الدولي والشعبي المتزايد، وهي النقاط التي ترتب بدورها ضرورة تفنيد السردية الإسرائيلية- الغربية والدفاع عن السردية الحقوقية والإنسانية المضادة، كما يتضح من خلال تناول تلك الأبعاد المختلفة دون استبعاد السياق الذي أدى بدوره إلى حدوث تغيرات في مواقف عدد من الدول التي تماهت مع السردية الإسرائيلية في البداية نتيجة لحجم الاعتداءات والخسائر البشرية والمعاناة الإنسانية في القطاع، ومعها الغضب الشعبي المتزايد حول العالم وفي تلك الدول، وهو الأمر الذي انعكس بدوره في حصول القرار الخاص بالوقف الفوري لإطلاق النار،الذي قدمته الأردن باسم المجموعة العربية، على أغلبية ١٢٠ صوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومعارضة 14 دولة فقط بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.[18]
الرواية الإسرائيلية عن هجوم 7 أكتوبر: من الهولوكوست إلى داعش
يمثل هجوم 7 أكتوبر وفقا للرواية الإسرائيلية حدثا جامعا للفظائع التاريخية التي تعرض لها اليهود، وتعرضت لها دولة إسرائيل، وتعرض لها العالم المتحضر. تقف إسرائيل وفقا لهذا في مواجهة حدث يربط بين تاريخ ممتد من الهولوكوست، والماضي البعيد نسبيا والخاص بهجوم 11 سبتمبر، إلى الماضي القريب والخاص بفظائع داعش.
يظهر واضحا وفقا لهذا السياق موقع وأهمية حديث بايدن خلال زيارته إلى تل أبيب من أجل دعم إسرائيل في 18 أكتوبر 2023 عن الهولوكوست، حيث أكد أن يوم السابع من أكتوبر “أصبح اليوم الأكثر دموية بالنسبة للشعب اليهودي منذ الهولوكوست، وجلب إلى السطح ذكريات مؤلمة وندوب خلفتها آلاف السنين من معاداة السامية والإبادة الجماعية للشعب اليهودي”، وأنه إذا كان العالم قد وقف حينها يراقب ولم يفعل شيئا، فإن هذ لن يحدث ثانية، قائلا: “لن نقف مكتوفي الأيدي ولن نفعل شيئا مرة أخرى ليس اليوم وليس غدا وليس أبدا”.[19] وكذلك دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى تل أبيب في 24 أكتوبر لتوسيع التحالف الدولي ضد داعش من أجل محاربة حماس كما حدث مع داعش،[20] معربا عن استعداد فرنسا لأن “يقاتل التحالف الدولي المحارب لداعش، والذي تشارك فيه في عمليات في العراق وسوريا، حماس أيضا”.[21]
كما ظهر في الدعم المطلق الذي قدم لإسرائيل منذ هجوم ٧ أكتوبر دون مناقشة قانونية التعامل الإسرائيلي مع الشعب الفلسطيني بشكل عام أو في قطاع غزة بشكل خاص، من قبل العديد من الأطراف كما ظهر في موقف وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي الذي عبر عن تنديده الـ “قاطع بالهجمات المروعة التي شنتها حماس على مدنيين إسرائيليين”، وتأكيده أن بريطانيا سوف تدعم “دائما” حق إسرائيل في الدفاع عن النفس،[22] مع غياب مثل تلك الرؤي القاطعة في التعامل مع المدنيين في فلسطين سواء في القطاع أو الضفة الغربية والقدس.
واعتمدت سردية “دعشنة” حماس في هذا السياق على أبعاد مختلفة، أبرزها محاولة التشبيه بين أفعال داعش المعروفة، بما فيها قطع الرؤوس، وما حدث في مستوطنات غلاف غزة. ومن أجل تعميق الرفض وبشاعة ما حدث، تم الحديث عن قطع رؤوس 40 طفل إسرائيلي في المستوطنات، والتي حرص الإعلام الإسرائيلي والغربي على التعامل معها بوصفها مدنا أو تجمعات سكنية أو قرى بهدف الفصل بينها وبين فكرة الاحتلال من ناحية، وتعميق الأثر السلبي للحدث من ناحية أخرى. بالإضافة إلى الحديث الإسرائيلي عن عمليات أخرى من التعذيب والتمثيل بالجثث وغيرها، التي انطلقت من تسريبات إسرائيلية إلى قنوات إخبارية إسرائيلية وأمريكية، ومنها إلى غيرها من المصادر والجماهير عبر العالم.
كما تم الحديث عن ممارسات داعش المفترضة عبر المكالمة الهاتفية التي نقلت جزء من الحديث بين نتنياهو وبايدن حيث شرح نتنياهو ما يفترض أنه حجم الفظائع التي ارتكبتها حماس، مع الحرص على الربط بين تلك الفظائع المفترضة والهولوكوست والقاعدة وداعش، كما سبق الإشارة، في تكثيف واضح للعنف الذي تعرضت له تل أبيب، وما يرتبط به من فظائع، ويترتب عليه من ردود فعل وحرية تعامل مفترضة.
وفي حين لم يتم عرض ما يؤكد حدوث مثل تلك الجرائم، وخاصة قطع الرؤوس كما نُقل عبر وسائل الإعلام عن عناصر في الجيش الإسرائيلي،[23] أو غيرهم من الشخصيات الإسرائيلية المرتبط بعضها باليمين المتطرف، كان من السهل للجمهور عبر العالم أن يربط بين ما قيل من ممارسات مفترضة من جانب، وما تم مشاهدته من قبل على الهواء مباشرة وعبر الفيديوهات المختلفة التي اهتم تنظيم داعش بنشرها من جانب آخر، وخاصة ما يتعلق بقطع الرؤوس والربط بينها وبين الحديث عن قطع رؤوس الأطفال كما روجت الرواية الإسرائيلية.[24]
بدوره ساهم الرئيس الأمريكي بايدن في دعم وترويج الرواية الإسرائيلية حول فظائع حماس وقطع رؤوس الأطفال في مؤتمره الصحفي في 11 أكتوبر، والذي تحدث فيه عن الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل، مشيرا إلى أنه شاهد “صور أطفال مقطوعة الرأس”،[25] قبل أن يتراجع البيت الأبيض عن تلك التصريحات ويؤكد أن بايدن، أو غيره من الأعضاء في الإدارة الأمريكية، لم يشاهد ما يثبت ذلك.[26] كما صرحت المذيعة المسئولة عن ترويج الخبر أنها لم تشاهد ما يثبت قطع رؤوس الأطفال، وأنها اعتمدت على مصدر إسرائيلي ولم تتحقق بنفسها.[27]
ومما يعقد من فكرة التعامل مع موضوع قطع رؤوس الأطفال، بكل ما له من انعكاسات، ودوره المهم مع غيره من الفظائع التي تحدثت عنها إسرائيل في الربط بين حماس وداعش بشكل خاص، أشار جون كيربي منسق الاتصالات في البيت الأبيض، في 12 أكتوبر، إلى عرض مكتب نتنياهو لقطات على وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بالمخالفة لنفي البيت الأبيض. واعتبر في تعليقه على اللقطات التي نشرها مكتب نتنياهو للأطفال القتلى أنه ليس من شأنه التحقق من صحة تلك المنشورات، مضيفا: “ليس لدينا أي سبب للشك في الصور الواردة من رئاسة الوزراء الإسرائيلية.”[28]
وتشير التصريحات السابقة بدورها إلى التناقض القائم في التعاطي الأمريكي مع حرب غزة، وقبول وتبني وترويج كل ما يتم الإعلان عنه ضمن السردية الإسرائيلية، والتجاوز عن والتشكيك في كل ما يخالف تلك السردية بما في ذلك تشكيك بايدن في عدد الضحايا في قطاع غزة،[29]وهو الأمر الذي دفع وزارة الصحة في غزة إلى نشر قائمة أسماء ضحايا الهجمات الإسرائيلية.[30] وكذلك التشكيك في مسئولية إسرائيل عن قصف المستشفى المعمداني، وإشارته إلى مسئولية “الطرف الآخر” عنه وليس إسرائيل،[31] اتساقا مع عدد من المصادر الغربية،[32] وبالمخالفة لعدد من التحليلات والمؤشرات التي رفضت الرواية الإسرائيلية وتحدثت عن مسئولية تل أبيب عن القصف.
تم وفقا لهذا بناء الرواية التي تؤسس للعلاقة بين حماس وداعش، بغض النظر عن حقيقة الأحداث التي تم البناء عليها لتأسيس تلك السردية، وعلى الرغم من النفي وغياب ما يؤكد مكونات أساسية من الأبعاد المستخدمة لبناء تلك السردية الخاصة تحديدا بالمقارنة أو التماهي بين حماس وداعش تحديدا في ظل كل ما يرتبط بها من فظائع معروفة. وفي حين جاء الموقف الأمريكي واضحا في دعم تلك السردية، وشارك في ترويجها الرئيس الأمريكي نفسه، بما أدى إلى تبني غيره من القادة ووسائل الإعلام الغربية لنفس الرواية، فقد توارت الحقيقة وتم تهميش النفي وحقيقة غياب ما يؤكد أبعاد الرواية الإسرائيلية.
بهذا، وعلى الرغم من اكتشاف عدم صحة الأساس الذي تم بناء سردية “دعشنة” حماس على أساسه استمرت الرواية في الحياة، وتكررت العودة إليها بصور مختلفة في وسائل الإعلام والتصريحات الغربية، وارتبطت في العديد من الأحيان بتمرير سياسات دعم إسرائيل وتجاهل المعاناة الفلسطينية. كما استمر الاعتماد على رواية “دعشنة” حماس في تأسيس فكرة الدعم المطلق لإسرائيل، وضرورة وجود تحالف دولي لمواجهة هذا الإرهاب وبناء نظام أمني جديد في قطاع غزة بعد حرب يفترض أن تؤدي، كما أعلنت إسرائيل بصور مختلفة، إلى القضاء على حماس في تجاوز آخر لما يحمله هدف مماثل من انتهاكات إنسانية وقانونية.
كما تم الاستناد إلى نفس الرواية في استعادة مخاوف الشتات اليهودي وخاصة بعد أن وصف نتنياهو في حديثه مع بايدن في العاشر من أكتوبر هجوم حماس بأنه الأعنف، وأن إسرائيل لم تشهد “وحشيته منذ الهولوكوست”.[33] بالإضافة إلى حديث نتنياهو في خطابه للأمة في ٢٥ أكتوبر عن التهديدات التي تواجه إسرائيل التي تجد نفسها “في خضم معركة من أجل وجودنا”، متعهدا بالقضاء على حماس من خلال تدمير قدراتها العسكرية والإدارية.[34]
كما قارن نتنياهو في عدد من اللقاءات، وخاصة مع مسئولي الدول الأوروبية، بين ما فعلته حماس وكل من النازيين وتنظيم داعش، كما حدث في اللقاء الذي جمع بينه وبين المستشار الألماني أولاف شولتس في 17 أكتوبر، والذي أكد خلاله إن “حماس هي النازية الجديدة، هي داعش، وفي بعض الحالات أسوا من داعش”، منطلقا من هذا التشبيه للتأكيد على ضرورة “توحد العالم لهزيمة داعش” والوقوف “خلف إسرائيل لهزيمة حماس” بوصفها جزء من محور الشر المكون، وفقا له، من إيران وحزب الله وحماس،[35] مقدما وفقا لهذا الرؤية الإسرائيلية لمحور الشر الخاص بحرب تل أبيب على الإرهاب وداعش على طريقة الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وأعاد نتنياهو تكرار نفس المقاربة خلال اللقاء مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في 19 أكتوبر، والذي طالب فيه بتوحد “العالم المتحضر” مع إسرائيل في محاربة حماس كما اتحد العالم “لمحاربة النازيين واتحد لمحاربة داعش”.[36]
أعاد الطرح السابق إلى الواجهة المخاوف الخاصة بسلاح إسرائيل السري الذي تحدثت عنه جولدا مائير وفقا لرواية بايدن عن اللقاء الذي جمع بينهما،[37] والمتعلق بوجود دولة لليهود لا يوجد بديل عنها، بكل ما يحمله خطاب مماثل من رسائل للغرب ومسئوليته عما تعرض له اليهود في الهولوكوست، وضرورة دعم تلك الدولة المهددة حتى لا يتكرر الهولوكوست مرة أخرى، وفقا لما تعبر عنه تلك السردية. وفي تحقيق هذا، لا يتم التركيز على الضحايا البشرية في غزة وخاصة بعد أن تم الربط بين الحرب الدائرة وبين أسوأ التنظيمات الإرهابية في تاريخ “العالم المتحضر”.
وفقا لما سبق، تم التعامل مع الحرب وكأنها: حرب إسرائيل ضد حماس، وحرب إسرائيل والغرب، المؤيد والمُتماهي مع الرواية الإسرائيلية، ضد الإرهاب. وبالمجمل، تم التعامل مع الحرب وكأنها الفصل الثاني من “الحرب على الإرهاب” و”التحالف الدولي ضد داعش” في إسقاط ومقاربة تتسم بالتبسيط الشديد من جانب، وتجاوز طبيعة القضية الفلسطينية والإقليم من جانب آخر.
المستشفى المعمداني.. حالة كاشفة
يؤدي التكييف السابق للهجوم إلى تقسيم العالم إلى “معنا” أو “ضدنا”، كما حدث في التعامل الأمريكي مع الحرب على الإرهاب، وهو ما يرتب بدوره وفقا لإسرائيل الحاجة للتكتل في تحالف دولي ضد “داعش حماس” على طريقة “الحرب على الإرهاب” و”التحالف الدولي ضد داعش”.
هذا الوضع تجاوز بدوره تصنيف العالم إلى أصدقاء وأعداء، إلى الفرز في الداخل والعقاب بسبب التعاطف مع قطاع غزة أو رفض السياسات الإسرائيلية القائمة على العقاب الجماعي للقطاع. وتم تعميم رؤية “صديق أو عدو” في الداخل، بما فيه عرب 48 أو فلسطينيي 48، والفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس. وتم فرض عقاب على من يدعم القطاع، أو يتعاطف مع سكان غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة،[38] أو يعترض على الاعتداءات الإسرائيلية غير المسبوقة ليس في غزة فقط ولكن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بوصف أن كل ما سبق هو نوع من التعاطف مع الإرهاب والوقوف ضد الدولة في حربها ضد الظلام ومن أجل النور.[39]
زاد من المخاوف المرتبطة بهذه الأوضاع تشكيل إسرائيل لفرق أمنية من المتطوعين، وتسليح المدنيين، من أجل الاستعداد للتطورات المحتملة في حال اندلاع اضطرابات على هامش الأحداث الجارية.[40] بالإضافة إلى قرار وزير القضاء ياريف ليفين ووزير الداخلية موشيه أرييل الدفع بقانون يتيح سحب المواطنة أو الجنسية من أشخاص “يمارسون الإرهاب أو يدعمون الإرهاب أو يحرضون على الإرهاب أو يتعاطفون مع عمل إرهابي”،[41] فيما اعتبر جزء من آليات استهداف عرب 48، والرغبة في تجنب حراك داخلي مؤيد لغزة في مدن الداخل كما حدث في حرب غزة الرابعة- مايو 2021.
وإلى جانب ما سبق، تم الإعلان عن توجه الحكومة الإسرائيلية للتصديق على قرار يتيح إطلاق الرصاص الحي على من يقومون بإغلاق الطرق ومداخل البلدات في أوقات الطواري فيما اعتبر إشارة إلى الاستعداد للتعامل مع إمكانية تظاهر عرب 48 بهدف وقف الحرب على غزة.[42] بالإضافة إلى تزايد اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، وهو الأمر الذي دفع الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، لتحذير الحكومة الإسرائيلية من العودة إلى مربع التصعيد والتوتر في ظل عودة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، واستمرار حصار حي الشيخ جراح، وسياسة الاعتقالات المستمرة.[43]
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، تقسم السردية الإسرائيلية العالم إلى أصدقاء وأعداء، أو مؤيدين لإسرائيل ولحقها في “الدفاع عن النفس”، ومؤيدين للإرهاب والإرهابيين من وجهة نظرها. ومع وضع الحدث في سياق “عنف لم تشهده إسرائيل منذ الهولوكوست” تعيد إسرائيل وضع الولايات المتحدة الأمريكية بصفة عامة بحكم العلاقات الإستراتيجية، والغرب الأوروبي بصفة خاصة بحكم الخبرة التاريخية، أمام مسئولية التأكد من أن الهولوكوست لن يحدث ثانية، وأن إسرائيل بوصفها دولة اليهود لن تهدد، ووجودها سوف يتم حمايته من الجميع.
وبالإضافة إلى ما سبق من حديث بايدن عن الهولوكوست وعدم تدخل العالم في مواجهته، وضرورة عدم السماح بتكراره، يبرز في هذا السياق تصريحاته التي كرر فيها قصة اللقاء مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير قبل حرب 6 أكتوبر 1973 المجيدة، وحديثها عن السلاح السري الذي تملكه إسرائيل والمتمثل، وفقا لما ذكره، في “عدم وجود مكان آخر لليهود” غير إسرائيل، وهي القصة التي استخدمها في مؤتمره الصحفي في ١٠ أكتوبر،[44] وكررها في 18 أكتوبر خلال وجوده في تل أبيب من أجل التضامن مع إسرائيل.[45] وتم توظيف القصة ضمن إطار إسرائيلي أوسع قائم على ترسيخ المخاوف على الدولة، وتضخيم فكرة الشتات اليهودي، ورغبة حماس في القضاء على إسرائيل، والتي شكلت بدورها أبعادا مختلفة ضمن أسباب الدعم غير المقيد لإسرائيل من قبل العديد من الدول الغربية، كما ظهر في العديد من التصريحات الإسرائيلية والغربية.
وعلى الرغم من تكرار بايدن للقصة خلال الأحداث التي تلت هجوم 7 أكتوبر، فقد ظهرت القصة بصور مختلفة في سياقات أخرى مثيرة للحديث عن وجود تناقض في رواية بايدن حول اللقاء المشار إليه بينه وبين جولدا مائير، والتفاصيل المختلفة الخاصة باللقاء وتوقيته ما بين حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973،[46] دون أن تؤثر تلك التفاصيل والاختلافات في السرد على جوهر القصة والقدرة على توظيفها في خدمة السردية الإسرائيلية الأصلية التي تحولت إلى السردية السائدة على صعيد الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغربية والإعلام المعبر عنها.
واقع يعيد للواجهة كيف يمكن أن يتم بناء السردية على حدث أو قصة قد لا تكون دقيقة، كما قد لا تكون حقيقية، كما يمكن أن يتم بناءها على التضليل والاختلاق الكامل. وكيف يمكن أن تستمر السردية وانعكاساتها المستهدفة، بغض النظر عن الحقائق التي تظهر تاليا، ما دام قد تم توظيف القصة ضمن سلاسل من الأحداث الزمنية، وتم ترسيخها وتكرارها ضمن الجمهور المستهدف، واستخدمت من أجل ذلك وسائل تتمتع بالجاذبية والقدرة على التأثير وفقا لعملية التأطير المستخدمة والقدرة على فرض السردية من خلال السيطرة على الإعلام وغيرها من الوسائل والاعتبارات.
عملية تعيد إلى الواجهة ما دار من جدل حول قصف المستشفى الأهلي العربي، والمعروف إعلاميا باسم المستشفى المعمداني، في 17 أكتوبر 2023، بما أدى إلى سقوط 471 فلسطينيا وإصابة أكثر من 314 وفقا لما جاء في بيان المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أشرف القدرة في 18 أكتوبر.[47] وزاد عدد الخسائر البشرية في ظل تحول المستشفى، التابع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، والواقع في منطقة سكنية في حي الزيتون بقطاع غزة، إلى منطقة تجمع للنازحين من شمال القطاع نحو الجنوب وفقا للتوجيهات الإسرائيلية.[48]
وشهد قصف المستشفى المعمداني بدوره أحد التناقضات والحروب الواضحة في مجال السردية والمسئولية، حيث سعت بعض الشخصيات الإسرائيلية في البداية إلى تأكيد دور تل أبيب في قصف المعمداني قبل أن يتم التراجع عن هذا الربط.[49] وجاء التراجع على ضوء الانتقادات المتصاعدة عبر العالم، والغضب الناتج عن قصف مستشفى بالمخالفة للقانون الدولي، وفي ظل عدد المدنيين الذين لجأوا إلى المستشفى المعمداني بعد النزوح من أماكنهم في الشمال، وفي ظل انتشار الفيديوهات التي وثقت تواجد المدنيين في المستشفى وخاصة بعد تحذير إسرائيل للمستشفى ضمن 22 مستشفى تم توجيه تحذيرات لها بأنها مستهدفة.[50]
ومع التراجع عن رواية مسئولية إسرائيل عن قصف المعمداني بوصفها إنجاز في تحقيق أهداف الحرب، بدأت جهود بناء سردية مضادة تربط بين قصف المعمداني والفصائل الفلسطينية بداية من حماس إلى حركة الجهاد الإسلامي.[51] وكما حدث في ترويج سردية “دعشنة” حماس ساهم بايدن بدوره في التشكيك في الرواية الخاصة بمسئولية إسرائيل، وقال خلال زيارته إلى تل أبيب واللقاء مع نتنياهو: “يبدو كما لو أنه نفذ على يد الطرف الآخر، وليس أنتم”.[52]
كما ظهر واضحا كيف تم توظيف الإعلام في ترويج سردية تبرئة إسرائيل وتحميل الفصائل المسئوليةعبر اللقاءات مع مختصين عسكريين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، على الرغم من أن التقارير التي قامت على تفنيد المعلومات المتاحة فيما يتعلق بالقصف وطبيعة الإصابة الناتجة في المستشفى والمنطقة المحيطة بها، والفيديوهات التي توفرت عن وقت القصف، بما فيها ما وفرته إسرائيل نفسها للربط بين قصف المعمداني والفصائل، والعديد من الاعتبارات الفنية والعسكرية أشارت إلى صعوبة قيام طرف آخر بقصف المستشفى المعمداني غير إسرائيل، في ظل عدم امتلاك الفصائل الفلسطينية لأسلحة مماثلة، وعدم تفعيل صفارات الإنذار في إسرائيل والتي كان يفترض أن تعمل في حال إطلاق صواريخ من القطاع، وغيرها من الاعتبارات بما فيها التشكيك في الربط الإسرائيلي بين إطلاق صاروخ مفترض من القطاع والهجوم على المعمداني.[53] ومع تراكم التقارير حول ما حدث في المعمداني بدأ التشكيك في رواية تبرئة إسرائيل على الأقل من قبل بعض مصادر الإعلام الغربية،[54] دون أن تحدث إدانة ضخمة أو مطالبة حقيقية بالمحاسبة.
وفي حين اختار البعض الانتظار وعدم تبنى رواية محددة حول المستشفى المعمداني، كما فعل بيان وزارة الخارجية الفرنسية الذي أدان استهداف المستشفى دون الإشارة إلى الطرف المسئول،[55] تبنت دول أخرى السردية الإسرائيلية كما هو الوضع في حالة كندا حيث أصدرت وزارة الدفاع الكندية بيانا أعلنت فيه إن التحليل الذي أجرته قيادة استخبارات القوات الكندية “يشير بدرجة عالية من الثقة إلى إن إسرائيل لم تقصف المستشفى الأهلي”، ومع الإعلان عن براءة إسرائيل “بدرجة عالية من الثقة”، تم الإشارة إلى أن الاستهداف كان “على الأرجح” ناجما عن صاروخ خاطئ أطلق من غزة.[56] وبهذا في حين يتم تأييد إسرائيل أو الدفاع عنها بصورة مؤكدة أو بدرجة عالية من الثقة، يتم ترجيح أو التشكيك في السردية المضادة.
الأنسنة وغيابها في غزة: بين “الانتقام” والتهجير القسري
يرتبط هذا البعد بدوره بالانتقال من “دعشنة” حماس إلى “دعشنة” القطاع، بكل ما يرتبط برؤية مماثلة من ممارسات واعتداءات تتجاوز القانون الدولي. وأدى تعميق وترسيخ فكرة عمومية المسئولية على كامل سكان القطاع إلى ظهور توجه نحو تجريد القطاع من الإنسانية بتفاصيلها المختلفة، والفصل بين التعامل مع الفلسطينيين في غزة وفقا لتلك الرؤية القائمة على التجريد من الإنسانية، وما يفترض من التعامل معهم بوصفهم بشر أو “مدنيين” في ساحة حرب. وظهرت تلك الإشكالية واضحة، على سبيل المثال، في الجدل الذي شهده الكنيست الإسرائيلي حول رفض مساواة أطفال قطاع غزة وحقهم في الحياة بأطفال إسرائيل، وتحميلهم مسئولية ما يحدث كما قالت النائبة ميراف بن آري، عضو الكنيست عن حزب هناك مستقبل (يش عتيد) الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يائير لبيد، والتي قاطعت النائبة العربية عايدة توما سليمان عدة مرات أثناء حديثها عن وجود مساواة بين حياة الأطفال الإسرائيليين والفلسطينيين، ورفضت ميراف الحديث عن مساواة الأطفال أو وجود تماثل على مستوى الأطفال لدى الطرفين، مؤكدة أن الأطفال في غزة هم من جنوا على أنفسهم.[57]
ساهم ما سبق في توسيع مساحة الاعتداء على القطاع، والتعامل مع الحرب بوصفها حرب إسرائيل ضد حماس، كما يتم الحديث عنها وتغطيتها في العديد من التصريحات ووسائل الإعلام خاصة الغربية، من أجل تقييد المسئولية والتجاوز عن المعاناة الإنسانية للمدنيين في القطاع، والتركيز على فكرة أنها حرب بين إسرائيل وحماس فقط وليس ضد قطاع غزة بكامل سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وفي الخلفية الربط الذي تأسس بين حماس وداعش. وتم وفقا لهذا تجريد الحرب إلى درجة كبيرة من معناها وانعكاساتها الإنسانية الحقيقية، بوصفها حرب غزة الخامسة بكل ما تحمله فكرة الحرب على القطاع وسكانه من معاني، وما يترتب عليها من ضحايا وخسائر بشرية ومادية، والتي تم وصفها من قبل المنظمات الدولية المختلفة، وخلال أيام من الحرب الإسرائيلية ضد القطاع، بأنها عقاب جماعي،[58] وجرائم حرب.[59]
بدورها ساهمت السردية التي اتبعتها إسرائيل، وتم ترويجها من الرئيس بايدن وترسيخها عبر الإعلام الغربي، في بناء الإطار الذي تم وفقا له التعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة، وتبرير حالة التماهي خلف الاعتداءات الإسرائيلية غير المسبوقة ضد القطاع، والتي تجاوز عدد ضحاياها عدد ضحايا القطاع في حروب غزة الأربعة السابقة.[60] كما ساهمت في تبرير واشنطن وغيرها من الدول الغربية لكل التحركات الإسرائيلية عبر ترويج الأكاذيب والتشكيك في الحقيقية رغم الرفض الدولي والشعبي، والبث المباشر للحرب والقتل والمعاناة، ورغم الانتهاك الواضح للقانون الدولي، وتناقض كل ما يحدث مع الحقوق والقيم والحريات وقيمة الإنسان. وانتقدت العديد من الدول والشعوب في المنطقة والعالم محاولة الغرب توظيف تلك القيم والحقوق نفسها من أجل تبرير وتمرير قتل الإنسان في غزة، وتصفية القضية الفلسطينية، مثيرة وبقوة الحديث عن المعايير المزدوجة، والخلط المتعمد، وتجريد البشر من قيمتهم الإنسانية في مكان مقابل تعظيم قيمة البشر في مكان آخر، وهو الأمر الذي ظهر واضحا في خطابات الدول العربية وغيرها من الدول المشاركة في قمة القاهرة للسلام.
وفي السياق نفسه تم توظيف الدعوات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة لسكان القطاع للثورة على حماس وسط القصف بوصفها وسيلة لتعميم “دعشنة” القطاع أو تحميل السكان جزء من مسئولية ما يحدث لهم، ومعه يتم تعميم الانتقام، وتحويل كل ما ومن في القطاع، وفقا لتلك الرؤية، إلى أهداف في حرب إسرائيل ضد الإرهاب.
كما تم توظيف دعوات إسرائيل للسكان لما أطلق عليه “التحرك” أو “الانتقال” جنوبا، من أجل تحرير إسرائيل من مسئولية فرض النزوح أو التهجير القسري على سكان القطاع، والحديث عن مطالبة “المدنيين” بالتوجه لمناطق آمنة في الجنوب بما يفترض معه عدم تحميل تل أبيب مسئولية الضحايا والإصابات الناتجة عن الاعتداءات ضد القطاع. ومع رفض السكان لتلك الدعوات ولمخطط التهجير القسري، تم التعامل مع المطالب الإسرائيلية بوصفها إخلاء مسئولية عن قتل المدنيين، وتفسير بقاء المواطنين بعدم الرغبة في الانتقال لمناطق “آمنة” في الجنوب، بالمخالفة لواقع استهداف تلك المناطقنفسها،[61] أو باعتبار أن عدم انتقال المواطنين حدث تطبيقا لسياسات حماس القائمة، وفقا لتلك الرواية، على استخدام المواطنين بوصفهم دروعا بشرية.
وتكرر خطاب استخدام المواطنين في غزة كدروع بشرية بصور مختلفة عبر وسائل الإعلام والتصريحات الغربية وفي تبرير مواقف بعض الدول التي عارضت القرار الذي قدمته الأردن باسم المجموعة العربية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والخاص بطلب هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة في كامل القطاع،[62] كما جاء في كلمة بوب راي سفير كندا لدى الأمم المتحدة. ودافع راي عن تعديل تم التوصل إليه برعاية أمريكية، وهدف إلى الإشارة إلى حماس بشكل مباشر على عكس القرار العربي الذي ركز على الأبعاد الإنسانية والتجاوز عن إدانة أي طرف من أجل وقف الحرب وحماية المدنيين،[63] وعبرت عنها ليندا توماس غرينفيلد السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، والتي قالت إن حماس تستخدم “المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية” وأنه عمل “حقير وجبان”، على حد وصفها.[64]
تظهر جوانب من المخاطر والتهديدات المرتبطة بتعميم مفهوم وواقع “الدعشنة” من حماس إلى القطاع ومواطنيه في حجم الاعتداءات الإسرائيلية ضد القطاع، والدعم الواسع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغربية لكل ما يتعلق بحق إسرائيل في “الدفاع عن النفس”، بما في ذلك تبرير فرض حصار شامل على السكان يتجاوز حقوقا إنسانية أساسية بما فيها قطع المياه ومنع الوقود ومعه قطع الكهرباء، بالإضافة إلى منع الاحتياجات المختلفة من الغذاء والدواء، وكأنها ممارسات عادية ومقبولة في مواجهة أكثر من 2 مليون مواطن، والخلط الذي يتم في سياق التعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها ظهرت في ٧ أكتوبر، وكأن إسرائيل ليست دولة احتلال، بكل ما تحمله تلك الرؤية من مخاطر على القضية والإقليم.
ويمكن القول إن رواية مماثلة قصد منها المساهمة في تجاوز الأطراف المؤيدة لإسرائيل عن دورهم في دعم ومساندة إسرائيل وسياساتها التي لا تلتزم بمسئوليتها في مواجهة التعامل مع الفلسطينيين بوصفها دولة احتلال، أو الالتزام المفترض بقواعد القانون الدولي الخاصة بالحرب بوصفها دولة في حالة حرب، وهي القواعد التي أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش على ضرورة الالتزام بها باعتبار أن هجمات حماس، مع إدانته لها، لا تبرر العقاب الجماعي ضد المدنيين في القطاع.[65]
وبهذا، لا يعود عدم اعتراف الدول الغربية بمسئولية تل أبيب عن انتهاك القانون الدولي عبر “العقاب الجماعي” أو “جرائم الحرب” المحتملة في القطاع من قبيل دعم إسرائيل فقط، ولكن من الرغبة في التجاوز عن إدانة الذات بشكل غير مباشر من خلال دعم إسرائيل وسياساتها بدون مساءلة أو محاسبة. ومن أجل هذا، تجاوزت العديد من تلك الدول إدانة السلوك الإسرائيلي المخالف للقانون الدولي على صعيد طبيعة وحجم القصف، أو الحرب عبر الجوع والعطش والحرمان من العلاج، وغياب المناطق الآمنة والمفترض عدم استهدافها وفقا للقانون الدولي، وتعميم مناطق الاستهداف دون قيود لتشمل مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والمساجد والكنائس والمستشفيات.[66]
وإلى جانب غياب الإدانة المفترضة، لم تمانع بعض الدول والشخصيات من الدفاع عن تحركات إسرائيلية تصنف ضمن سياسات العقاب الجماعي، ورغبة إسرائيل في الانتقام من أجل استعادة الردع، وغيرها من الاعتبارات السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تتجاوز القانون الدولي وفقا للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والمؤسسات المعنية، إلى تحقيق أهداف أخرى بعضها يتعلق بالتعامل مع الهجوم في ذاته، وبعضها في التعامل مع السياق المرتبط بهذا الهجوم على صعيد الداخل الإسرائيلي، وغيرها من الاعتبارات. ولم تجد العديد من تلك الدول حرجا في الوقوف ضد محاولات وقف إطلاق النار رغم ما ينطوي عليه طلب مماثل من اعتبارات إنسانية، وما يمكن مشاهدته عن معاناة إنسانية في القطاع،[67] مثيرة بذلك العديد من التساؤلات حول العالم عن العدد المقبول قتله في غزة قبل الحديث عن وقف إطلاق النار.
وبشكل عام، تعاملت الدول الغربية مع تأييدها المطلق للسياسات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر، باعتبار أنه جزء من تحرك دولي مفترض ضد الإرهاب كما حدث في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر وكما حدث في مواجهة داعش، ومعها طُرح التساؤل من بعض الأطراف، بما فيها داخل إسرائيل، حول عدم دعم الدول العربية لتلك التحركات كما فعلت في الحرب ضد القاعدة وداعش، في تجاوز واضح للاختلاف في تفاصيل المشهد، ومعه بناء السردية، ومحاولة تعميم السردية الإسرائيلية عن القضية الفلسطينية والحرب في غزة بوصفها رؤية عالمية قابلة للتعميم داخل الدول المعنية بالقضية وضمن أصحاب القضية أنفسهم. بالإضافة إلى تجاوز حقيقة وجود سرديات متعارضة في التعامل مع حرب غزة الخامسة بين إسرائيل والعديد من الدول الغربية من جانب، والفلسطينيين ومعهم الدول العربية وغيرهم من الدول والمنظمات الدولية الداعمة للحق الفلسطيني ولفكرة الانتصار للقانون الدولي، وضرورة الالتزام بحل الدولتين فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية.
المعايير المزدوجة: حرب السرديات وتهميش الحقوق والحريات
استمر الدعم الغربي على مدار الفترة الأولى من الاعتداءات الإسرائيلية، ولكنه بدأ في التراجع نسبيا، والسماح بمساحة ما من الحديث عن المدنيين، والمطالبة بوجود ممرات آمنة لدخول المساعدات إلى داخل القطاع، أو الوصول إلى حد الإعلان عن قبول وقف إطلاق النار من قبل أطراف لم تؤيده في البداية. تراجع ارتبط بدوره بالرفض الشعبي المتزايد عبر العالم والذي ارتبط بظهور آثار المعاناة وضخامة الخسائر البشرية. وبعيدا عن حالة التراجع، ظهر الفرز واضحا في العديد من التصريحات السياسية والتغطية الإعلامية الغربية، كما ظهر في قمة القاهرة للسلام، وفي العديد من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المختلفة، وكذلك في مواقف الأمين العام للأمم المتحدة حول سياق الأحداث والتعامل الإسرائيلي معها.
بدورها هدفت قمة القاهرة للسلام للتوصل إلى توافق حول وقف الحرب، وضمان وصول مستقر ومستدام للمساعدات الإنسانية للقطاع، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني والمدنيين الأبرياء بما يتناسب مع القانون الدولي، ويسمح بالعودة إلى المسار السياسي والوصول إلى تسوية بناء على حل الدولتين. ورغم تأكيد الرئيس السيسي أن العالم يراقب، وإشارته إلى مسئولية المشاركين عن تقديم أمل بأن الغد أفضل، فإن اختلاف السرديات كان واضحا في كلمات المشاركين وفي غياب بيان ختامي مشترك للقمة التي ساهمت بدورها في كشف حالة التناقض القائمة بين خطاب يدافع عن الإنسان وينتصر للقانون الدولي وحماية المدنيين، وبين خطاب يتبني السردية الإسرائيلية ويرغب في إعطاء تل أبيب الوقت من أجل القضاء على حماس والانتقام لفكرة تآكل الردع واستعادة هذا الردع بالطريقة التي تراها إسرائيل، حتى وإن كانت على حساب الحقوق والحريات التي يتحدث الغرب عنها طوال الوقت.
وعبّر الخطاب المصري، والعديد من الخطابات العربية وبعض الخطابات الأخرى، مثل خطاب رئيس دولة جنوب أفريقيا، عن السردية المضادة للسردية الإسرائيلية، وهي السردية القائمة على عمومية القانون، والمساواة بين البشر، وعدم التمييز في المعاناة أو اعتبار أن شخص ما له جدارة إنسانية أكثر من غيره لاعتبارات تتعلق بالدين أو اللون أو الثقافة أو الانتماء الجغرافي أو غيرها من اعتبارات وأسباب التمييز التي توظف للتعامل مع معاناة الفلسطيني بوصفها أقل من معاناة الإسرائيلي، وفي هذا السياق أيضا بوصفها أقل من معاناة الأوكراني.
ظهر واضحا الاختلاف في السردية في محاولة العديد من الأطراف الغربية إدانة حماس بشكل واضح، ومطالبة كافة الدول بالانضمام إلى التحالف الإسرائيلي للحرب ضد حماس بوصفه امتدادا للحرب ضد داعش. وفي حين ظهر الحديث عن ضرورة احترام القانون الدولي في الحرب في بعض الأحاديث، فلم يتم إدانة الممارسات الإسرائيلية في الحرب التي تم وصفها من قبل العديد من المؤسسات الدولية بأنها انتهاك للقانون الدولي وتمثل عقابا جماعيا ضد سكان القطاع.
كذلك في حين حرصت مصر وفلسطين والأردن وغيرها من الدول العربية وعدد من الدول المشاركة على رفض التهجير القسري، ونددت بمحاولة إجبار الفلسطينيين على الفرار إلى الجنوب نحو مصر، أو من الضفة إلى الأردن، فقد غاب ملف التهجير القسري أو النزوح القسري لسكان القطاع من خطاب العديد من تلك الدول رغم مخاطر مخطط مماثل على القضية الفلسطينية والاستقرار الإقليمي، وما ينطوي عليه من تهديدات أمنية وانتهاكات تتعلق بالسيادة المصرية والأردنية، وتصاعد الرفض الرسمي والشعبي في تلك الدول وفي فلسطين، وضمن سكان غزة أنفسهم، لمثل هذا المخطط.
أبرزت قمة القاهرة للسلام حجم الفجوة بين السردية الفلسطينية والعربية التي انتصرت لحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، وبين السردية الإسرائيلية التي تم الدفاع عنها من قبل عدد من الدول الغربية المشاركة مؤكدة على حجم الفجوة بين الخطاب والفعل عندما يتعلق الأمر بالمعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا العالم.
من جانب آخر، وعلى صعيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، فقد ظهر موقفه الحريص على حماية المدنيين وإنقاذ الموقف قبل التدهور إلى حرب مفتوحة في العديد من المواقف على مدار التطورات التي بدأت منذ 7 أكتوبر، وإن ظهر هذا الموقف بصورة واضحة وكاشفة للسرديات المتناقضة في خطابه خلال جلسة مجلس الأمن المنعقدة في 24 أكتوبر بشأن الشرق الأوسط. وأشار جوتيرش في خطابه إلى سياق القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني الممتدة عبر عقود، والتي لم تبدأ كما يتم التركيز ضمن السردية الإسرائيلية في السابع من أكتوبر ولكن منذ أكثر من خمسة عقود. وربط الأمين العام بين تلك المعاناة وهجمات حماس التي “لم تحدث من فراغ”، وفقا لما جاء في خطابه، مؤكدا أن “مظالم الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تكون مبررا للهجمات المروعة التي شنتها حماس، وهذه الهجمات المروعة لا يمكن أن تكون مبررا للعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني”.[68]
وعلى الرغم من وضع جوتيرش الأحداث في سياقها التاريخي، وإدانة ما قامت به حماس بوصفها “هجمات مروعة”، إلا إن هذا السياق نفسه هو الذي سعت إسرائيل، ومعها الأطراف الداعمة للتجاوز عنه بهدف ربط كل الشرور بهجوم حماس في ٧ أكتوبر من أجل تعظيم الأثر السلبي لما حدث، وتبرير ردود الفعل الانتقامية وما تضمنته من معاناة إنسانية لسكان القطاع، وكذلك تمرير الهدف المعلن من الحرب وهو القضاء على حماس وقدراتها الإدارية والعسكرية، وهو الهدف الذي لا يمكن تحقيقه دون تدمير القطاع، ووسط خسائر ضخمة على المستوى البشري والمادي، مع امتدادات محتملة على المستوى الإقليمي والدولي. ومن أجل القضاء على رؤية مماثلة، أو تقييد فرص الانتشار ضمن المنظمة الدولية، طالب المبعوث الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد آردان في نفس اليوم الأمين العام بتقديم اعتذاره أو الاستقالة من منصبه.[69]
الخلاصة
يطرح واقع حرب غزة الخامسة، بكل ما تشهده من تناقضات، العديد من التساؤلات حول السردية الإسرائيلية، وأهمية فرز وتفكيك تلك السردية وأبعادها المختلفة في اللحظة والمستقبل، ومعها التجاوز عن تأسيس التعامل مع الشعب الفلسطيني والمنطقة والحقوق العربية من مدخل ٧ أكتوبر إلى النظر لعقود من الظلم الممتد، والعدالة الغائبة، والدولة الفلسطينية المنتظرة، والانتهاكات المستمرة ليس في غزة فقط ولكن في الضفة الغربية والقدس أيضا،[70] وسط جهود متعمدة تستهدف تحرير إسرائيل من مسئوليتها بوصفها دولة احتلال، وتصفية القضية على حساب الدول العربية وخاصة مصر والأردن من خلال طرح التهجير القسري في الخطاب والممارسة الإسرائيلية بصور مختلفة.
وفي مواجهة الرواية الإسرائيلية- الغربية، تحتاج الدول العربية إلى تفكيك سردية إسرائيل التي تم تأسيسها على هجوم 7 أكتوبر، وهو التطور الوارد أن يلقى بظلاله على الوضع في الشرق الأوسط، وكيفية التعامل مع القضية الفلسطينية والمنطقة، وعلاقة المنطقة بتلك الدول في اللحظة والمستقبل بكل ما ينطوي على تلك الأوضاع من انعكاسات سلبية محتملة، وخاصة مع تصاعد الرفض الشعبي على مستوى المنطقة والعالم رفضا للاعتداءات الإسرائيلية على القطاع، وفكرة الدعم الغربي الكامل للسياسات الإسرائيلية.
وبالمجمل، تُبرِز التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية والمنطقة العربية والعالم على هامش الحرب الإسرائيلية على غزة كيف يمكن بناء وتأطير السردية، سواء تم ذلك بالاعتماد على الحقائق أو الأكاذيب، وكيف يمكن أن تقف تلك السردية في مواجهة حماية الإنسان وحرمانه من حقوقه الأساسية، وكيف يمكن توظيف مثل تلك السردية من أجل تمرير سياسات مخالفة للقانون الدولي بأقل قدر من المحاسبة. وتؤكد تلك الخبرة على ضرورة الاهتمام بقضية السردية، وكيفية التصدي لها، وتفكيكها، وبناء سردية عربية- فلسطينية تعيد التأكيد على قضايا المنطقة وأهمية تسوية القضية وفقا للقانون الدولي والاتفاقيات المعنية، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق وسيادة الدول العربية المعنية والوقوف في مواجهة جهود تصفية القضية على حساب الدول العربية.
[1]Glen Segell, Axis of Evil and Rouge States: The Bush administration 2000- 2004, United Kingdom, 2005, p. 5.
[2]Itamar Eichner, “Netanyahu described Hamas atrocities in call with Biden: ‘They beheaded soldiers, raped women, executed children”, Ynet News, October 11, 2023, available at: https://www.ynetnews.com/article/bktxmhx11p
[3]”يحدث في الحرب على غزة… إسرائيل تختلق الروايات والغرب يرددها ويذرف الدموع”، الجزيرة نت، ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.aljazeera.net/programs/2023/10/13/يحدث-في-الحرب-على-غزة-إسرائيل-تختلق
[4] “Statement by PM Netanyahu”, Prime Minister’s Office, Government of Israel, October 25, 2023, available at: https://www.gov.il/en/departments/news/spoke-statement251023
[5]”ألمانيا: ندعم إسرائيل وأمنها غير قابل للتفاوض” الموقع، ٢١ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
[6]Alice Speri, “Beheaded babies report spread wide and fast- But Israel military won’t confirm it,” The Intercept, October 11, 2023. And: Matthew Chance, Richard Allen Greene and JoushuaBerlinger, “Israeli official says government cannot confirm babies were beheaded in Hamas attack”, CNN, October 12, 2023.
[7]Emanuel Fabian, “Defense minister announces complete siege of Gaza: No power, food or fuel”, The Times of Israel (TOI), October 9, 2023, available at:
https://www.timesofisrael.com/liveblog_entry/defense-minister-announces-complete-siege-of-gaza-no-power-food-or-fuel/
[8]”كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام قمة القاهرة للسلام”، الهيئة العامة للاستعلامات، ٢١ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://sis.gov.eg/Story/264814/كلمة-الرئيس-عبــد-الفتـاح-السيسي-أمام-قمة-القاهرة-للسلام?lang=ar
[9]Molly Patterson and Kristen Renwick Monroe, “Narrative in political science,” Annual Review of Political Science, Volume 1, June 1998, available at:
https://www.annualreviews.org/doi/pdf/10.1146/annurev.polisci.1.1.315
[10]JosefinGraefa, Raquel da Silvab, and Nicolas Lemay-Hebert, “Narrative, Political violence, and social change,” Studies in Conflict& Terrorism, Routledge, Volume 43, Number 6, 2020, p. 431.
[11]عبير ياسين، “مواجهة سرديات الإرهاب.. فهم وتفكيك الرواية”، مجلة السياسة الدولية، مؤسسة الأهرام، أكتوبر ٢٠٢١، ص. ٢١٩.
[12]GilibertoCapano, Maria TulliaGalanti& Giovanni Barbato, “When the political leader is the narrator: The political and policy dimensions of narratives,” Policy Science, Volume 56, Issue 3, September 2023, p. 233.
[13]Shaul R. Shenhav, “Political narratives and political reality”, International Political Science Review (IPSR), Sage Publications, London, Volume 26, Issue 3, July 2006, p. 245.
[14]Ibid., p. 246.
[15]JosefinGraefa, Raquel da Silvab, and Nicolas Lemay-Hebert, Op.cit.
[16]Shaul R. Shenhav, Op.cit., p. 246.
[17]“Most Israelis think Netanyahu responsible for failing to prevent Hamas attack, poll shows,” Reuters, October 20, 2023, available at:
https://www.reuters.com/world/middle-east/most-israelis-think-netanyahu-responsible-failing-prevent-hamas-attack-poll-2023-10-20/
[18]”بأغلبية ساحقة.. الأمم المتحدة توافق على مشروع قرار قدمه الأردن بشأن وقف إطلاق النار في غزة”، سي إن إن، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/10/28/un-overwhelmingly-approves-ceasefire-resolution
[19] The Times of Israel Staff, “Biden: World did nothing in the Holocaust. We will not stand by and do nothing again,” The Times of Israel, October 18, 2023, available at: https://www.timesofisrael.com/biden-world-did-nothing-in-the-holocaust-we-will-not-stand-by-and-do-nothing-again/
[20] “Israel-Hamas war: Macron calls for international coalition against Hamas”, Le Monde, October 24, 2023, available at:
https://www.lemonde.fr/en/international/article/2023/10/24/israel-hamas-war-macron-calls-for-international-coalition-against-hamas_6199216_4.html
[21]ياسمين فتح الله، “ماكرون يسكب الزيت على النار.. دعم مطلق لإسرائيل وتجاهل للعدوان على غزة”، صدى البلد، ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣.
[22]”ردود فعل متباينة.. كيف تنظر الدول العربية والغربية للتصعيد بين إسرائيل وحماس”، فرانس ٢٤، ٩ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.france24.com/ar/الشرق-الأوسط/20231008-ردود-فعل-متباينة-كيف-تنظر-الدول-العربية-والغربية-للتصعيد-بين-إسرائيل-وحماس
[23]”ما حقيقة قيام عناصر حماس بقطع رؤوس أطفال إسرائيليين خلال عملية طوفان الأقصى؟”، روسيا اليوم، ١٢ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://arabic.rt.com/world/1502983-الجيش-الإسرائيلي-عن-ادعاءات-قطع-حماس-رؤوس-الأطفال-لا-معلومات-مؤكدة/
[24]Lawrence Richard, “At least 40 babies, some beheaded, found by Israel soldiers in Hamas-attacked village- IDF Maj Gen ItaiVeruv described scene in Kfar Aza as ‘a massacre’,” Fox News, October 10, 2023, available at: https://www.foxnews.com/world/40-babies-some-beheaded-found-israel-soldiers-hamas-attacked-village
[25]”White House retracts Biden claim of seeing evidence of beheaded babies,” The New Arab, October 12, 2023, available at:
https://www.newarab.com/news/biden-did-not-see-photos-kids-beheaded-hamas-us
[26]Steven Nelson and Victor Nava, “Biden did not actually see ‘confirmed pictures of terrorists beheading children’ as he claimed, WH clarifies,” New York Post, October 11, 2023, available at: https://nypost.com/2023/10/11/biden-ive-seen-pictures-of-terrorists-beheading-children-in-israel/
[27]“CNN anchor apologizes over claim of Hamas beheading babies,” Daily Mirror, October 14, 2023, available at:
https://www.dailymirror.lk/breaking-news/CNN-anchor-apologizes-over-claim-of-Hamas-beheading-babies/108-269231
[28]”البيت الأبيض: ليست مهمتنا التحقق من صور أطفال قتلى نشرتها إسرائيل”، روسيا اليوم، ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣.
[29]“Biden says he has ‘no confidence’ in Palestinian death count,” Reuters, October 26, 2023, available at:
https://www.reuters.com/world/middle-east/biden-says-he-has-no-confidence-palestinian-death-count-2023-10-26/#:~:text=WASHINGTON%2C%20Oct%2025%20(Reuters),been%20killed%20in%20Israeli%20attacks.
[30]”وزارة الصحة في غزة تنشر قائمة بأسماء ٧ آلاف شخص قتلوا في القصف الإسرائيلي”، فرانس ٢٤، ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.france24.com/ar/الشرق-الأوسط/20231025-فيتو-روسي-صيني-ضد-مشروع-قرار-أمريكي-بشأن-غزة-وإسرائيل-والأخيرة-تقصف-القطاع-وتستعد-لغزو-بري
[31] Pierre Emmanuel Ngendakumana, “Biden on Gaza hospital strike: Looks like the other team did it,” Politico, October 18, 2023, available at:
https://www.politico.eu/article/us-biden-on-gaza-hospital-strike-the-other-team-did-it/
[32]”أدلة يقدمها تحليل CNN لصور وفيديو انفجار مستشفى المعمداني في غزة”، سي إن إن، ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/10/22/analysis-of-images-and-videos-suggests-rocket-caused-gaza-hospital-blast-not-israeli-airstrike
[33] Jacob Magid and TOI Staff, “‘Like Babyn Yar’: Hamas atrocities worst since Holocaust, Netanyahu tells Biden”, The Times of Israel (TOI), October 11, 2023, available at: https://www.timesofisrael.com/hamas-worse-than-isis-its-atrocities-worst-since-holocaust-netanyahu-tells-biden/
[34]Joel C. Rosenberg, “Netanyahu tells Israelis: ‘We are in a war for our existence’ while Biden tells Israel not to invade Gaza yet,” All Israel News, October 25, 2023, available at: https://allisrael.com/netanyahu-tells-israelis-we-are-in-a-war-for-our-existence
[35] Time Hains, “Netanyahu: Hamas are The New Nazis, worse than ISIS, these are the worst crimes against Jews since the Holocaust,” Real Clear Politics (RCP), October 17, 2023, available at:
https://www.realclearpolitics.com/video/2023/1/17/netanyahu_hamas_is_worse_than_isis_these_are_the_worst_crimes_against_jews_since_the_holocaust.html
[36]لازار بيرمان، “سوناك يدعم من إسرائيل الهجوم على غزة بما يتماشى مع القانون الدولي”، تايمز أوف إسرائيل، ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://ar.timesofisrael.com/سوناك-يدعم-من-إسرائيل-الهجوم-على-غزة-ب/
[37]معتز شمس الدين، “بايدن: جولدا مائير همست بأذني منذ خمسين عاما ليس لنا وطن آخر”، صدى البلد، ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.elbalad.news/5954572
[38] “Arabs in Israel face reprisals over online solidarity with Gaza”, The Guardian, October 20, 2023, available at:
https://www.theguardian.com/world/2023/oct/20/israeli-arabs-reprisals-online-solidarity-gaza
[39] Arno Rosenfeld, “Dozens of Israelis arrested for social media posts defensing Gaza, advocates say,” Forward, October 18, 2023, available at:
https://forward.com/fast-forward/565699/dozens-of-arrested-for-posts-defending-gaza/
[40]”بسبب الحرب في غزة… إسرائيل تسلح المدنيين خشية تفجر عنف داخلي بين العرب واليهود”، عربية نيوز ٢٤، ٢٣ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.arabianews24.net/a/987589
[41]”حكومة الاحتلال تدفع بقانون لسحب الجنسية من فلسطينيي ٤٨”، وكالة مؤاب الإخبارية الدولية، الأردن، ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.moaab.com/NewsDetails?ID=7185
[42]”توجه إسرائيلي للسماح بإطلاق الرصاص على المتظاهرين بالداخل المحتل”، سما الإخبارية، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://samanews.ps/ar/post/569600/توجه-إسرائيلي-للسماح-بإطلاق-الرصاص-على-المتظاهرين-بالداخل-المحتل
[43]”الرئاسة الفلسطينية تحذر من العودة إلى مربع التصعيد: اقتحام مستوطنين للمسجد الأقصى.. واعتقال مصلين”، الشرق الأوسط، ٢٤ مايو ٢٠٢٣.
[44]”Remarks by President Biden on the Terrorist Attacks in Israel,” The White House, October 10, 2023, available at:
https://www.whitehouse.gov/briefing-room/speeches-remarks/2023/10/10/remarks-by-president-biden-on-the-terrorist-attacks-in-israel-2/
[45] “President Biden’s statement during his visit to Tel Aviv”, U.S. Embassy in El Salvador, October 19, 2023, available at:
https://sv.usembassy.gov/president-bidens-statement-during-his-visit-to-tel-aviv/
[46] Daniel Del, Oren Liebermann and Amir Tal, “Fact check: Biden tells inaccurate story about his 1973 meeting with Israeli prime minister”, CNN, December 5, 2021, available at: https://edition.cnn.com/2021/12/05/politics/fact-check-biden-meir-israel-war-liaison/index.html
[47]”السلطات الصحية في غزة تعلن عدد ضحايا ضربة المستشفى المعمداني”، الحرة، ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.alhurra.com/palestine/2023/10/18/السلطات-الصحية-غزة-تعلن-عدد-ضحايا-ضربة-المستشفى-المعمداني
[48]”ماذا نعرف عن تاريخ المستشفى الأهلي العربي المعمداني؟”، بي بي سي، ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣.
[49]”تحقيق للعربي يكشف كذب الاختلال.. من قصف مستشفى المعمداني؟”، العربي، ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.alaraby.com/news/تحقيق-لـالعربي-يكشف-كذب-الاحتلال-من-قصف-مستشفى-المعمداني
[50]”الصحة العالمية: أوامر إسرائيل بإخلاء مستشفيات شمال غزة حكم بالاعدام للمرضى والمصابين”، الشرق الأوسط، ١٥ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://aawsat.com/العالم-العربي/المشرق-العربي/4606241-«الصحة%C2%A0العالمية»-أوامر-إسرائيل-بإخلاء-مستشفيات-شمال-غزة-حكم
[51]أحمد العيسوي، “إسرائيل تواصل الخداع والمراوغة وتتهم حركة الجهاد بقصف مستشفى المعمداني”، القاهرة الإخبارية، ١٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
[52] “بايدن لنتنياهو: يبدو أن الطرف الآخر يقف خلف تفجير المستشفى.. وحماس لا تمثل كل الفلسطينيين”، سي إن إن، ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://arabic.cnn.com/world/article/2023/10/18/biden-seems-oter-party-behind-hospital-explosion
[53]”نيويورك تايمز تشكك في الرواية الإسرائيلية بشأن قصف المستشفى الأهلي بغزة”، الجزيرة نت، ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.aljazeera.net/politics/2023/10/25/نيويورك-تايمز-تشكك-في-الرواية
[54]”لوموند تشكك في رواية الاحتلال بشأن قصف مستشفى المعمداني”، الجزيرة نت، ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.aljazeera.net/news/2023/10/26/لوموند-تشكك-في-رواية-الاحتلال-بشأن-قصف
[55]”فرنسا تصدر بيانا بشأن مجزرة مستشفى المعمداني في غزة دون الإشارة إلى إسرائيل”، روسيا اليوم، ١٧ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://arabic.rt.com/world/1504681-فرنسا-تصدر-بيانا-بشأن-مجزرة-مستشفى-المعمداني-في-غزة-دون-الإشارة-إلى-إسرائيل/
[56]”إسرائيل ليست وراء قصف المستشفى المعمداني.. كندا تعرض تحليلا استخباريا لها”، موقع أخبار الآن، الإمارات العربية المتحدة، ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.akhbaralaan.net/news/world/2023/10/22/إسرائيل-ليست-وراء-قصف-المستشفى-المعمداني-كندا-تعرض-تحليلاً-استخبارياً-لها
[57] Jonathan Ofir, “Israeli Politician Says “Children of Gaza Have Brought This Upon Themselves,” Truthout News Organization, October 18, 2023, available at: https://truthout.org/articles/israeli-politician-says-children-of-gaza-have-brought-this-upon-themselves/
[58] “UN experts say Israel’s strikes on Gaza amount to collective punishment”, The Business Standard, October 12, 2023, available at:
https://www.tbsnews.net/worldbiz/middle-east/un-experts-say-israels-strikes-gaza-amount-collective-punishment-717282
[59] “Damning evidence of war crimes as Israeli attacks wipe out entire families in Gaza”, Amnesty International, October 20, 2023, available at:
Damning evidence of war crimes as Israeli attacks wipe out entire families in Gaza
[60]”العدوان على غزة… نزوح ٧٠٪ من السكان وعدد الشهداء يتجاوز ضحايا ٤ حروب سابقة (بيانات)”، المصري اليوم، ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.almasryalyoum.com/news/details/3012171
[61]“Why is Israel attacking south Gaza after telling people to go there?,” Reuters, October 26, 2023.
[62]”الجمعية العامة تعتمد قرارا يدعو لهدنة إنسانية فورية في غزة”، أخبار الأمم المتحدة، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://news.un.org/ar/story/2023/10/1125382
[63]”الأمم المتحدة ترفض مسعى كنديا للتنديد بالوحشية المتعمدة لحماس”، راديو كندا، ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://ici.radio-canada.ca/rci/ar/أخبار/2022012/كندا-الأمم-المتحدة-اقتراح-تنديد-حماس
[64]”الجمعية العامة تعتمد قرارا يدعو لهدنة إنسانية فورية في غزة”، مرجع سبق ذكره.
[65]”في جلسة لغزة” واشنطن تحذ إيران.. وغوتيريش ينتقد تل أبيب.. ومندوب إسرائيل يطالب باستقالته”، إيران إنترناشيونال، متاح على الرابط التالي:
https://www.iranintl.com/ar/202310240711
[66] “UK premier avoids urging Israel to end ‘collective punishment’ in Gaza,” Anadolu Ajansi, October 17, 2023.
[67]زهير سوفوغلو، “الغرب يعارض وقف إطلاق النار وسط تفاقم المأساة الإنسانية في غزة- الأناضول أحصت ردود فعل دول عدة بشأن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على القطاع المحاصر”، الأناضول، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.aa.com.tr/ar/إسرائيل/الغرب-يعارض-وقف-إطلاق-النار-وسط-تفاقم-المأساة-الإنسانية-في-غزة/3034048
[68] “إلغاء لقاء ودعوة للاستقالة.. تصريح جوتيرش عن هجوم حماس يثير غضب إسرائيل”، الشرق، ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://asharq.com/politics/70572/مطالبة-جوتيريش-بحماية-المدنيين-تثير-غضب-إسرائيل/
[69]”حرب غزة: غوتيريش يقول إن هجوم حماس لم يأت من فراغ وإسرائيل تنتقده،” بي بي سي، ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط التالي:
https://www.bbc.com/arabic/articles/c9wl29w0dd1o
[70] Julia Frankel and Joseph Krauss, “While the world is watching Gaza, violence fuels growing tensions in the occupied West Bank,” The Associated Press, October 14, 2023, available at: https://apnews.com/article/israel-palestinians-west-bank-settler-violence-gaza-war-68debe29dcc2f5a58bd899e1e424911c
المصدر: مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية