قراءة في كتاب: الحوار مقدمة العمل ٢ من ٢ || والديمقراطية غاية وطريق||  والثورة العربية مازالت ثورة وطنية ديمقراطية

أحمد العربي

مناقشة كتاب د جمال الأتاسي:

 الحوار مقدمة العمل

   والديمقراطية غاية وطريق.

 والثورة العربية مازالت ثورة وطنية ديمقراطية.

لا يخفى على قارئ الكتاب -الدراسة- اننا امام جهد تأصيل فكري مقصود به اعادة تعريف وبلورة الفكر السياسي العربي في قضية الثورة والحرية والاشتراكية والوحدة العربية والديمقراطية…

الثورة والديمقراطية آفاق تاريخية.

يعود الأتاسي في حديثه عن الثورة إلى الثورات في التاريخ المعاصر بدءً من الثورة الفرنسية. ويتوقف عند أطروحات كارل ماركس والمادية الجدلية وان طور الثورة على الرأسمالية حتمي وأن دولة الشيوعية البروليتارية قادمة. وان هذه الأطروحة لماركس لم تحصل في الغرب الأوروبي المتقدم المانيا او بريطانيا. بل حصلت في روسيا على يد لينين وحزبه البلاشفة الشيوعي وان الدور الأساسي في الثورة كان يعود الى الفاعل الإنساني ودور لينين ورفاقه في خلق النهضة الصناعية لروسيا. ولكن وفاة لينين المبكرة ومجيء ستالين ودوره الإشكالي في روسيا داخليا وخوضه الحرب العالمية الثانية وتبعاتها على روسيا والعالم…

كان هذا التقديم النظري عند د جمال الأتاسي ليقول من خلاله أن الواقع والوقائع لها دور في التأصيل النظري. وأن التأثر بالفكر الجدلي يعني أن تتعامل مع الواقع وفق قواعده العلمية وليس أن تقلد تجارب الاخرين…

ثورة الديمقراطية السياسية وثورة الديمقراطية الاجتماعية.

تحدث د جمال في هذا الفصل عن الترابط الجلي العضوي بين التحرر السياسي والحرية المجتمعية بمسماها الديمقراطية السياسية. وبين الاشتراكية بصفتها محققة العدالة الاجتماعية ومسقطة هيمنة الرأسمالية والإقطاع وتحقيق مصلحة الطبقات الشعبية. وان ذلك النموذج هو المطلوب منذ طرحه جمال عبد الناصر ونظر له في كتابه الميثاق. ..

مأزق الثورة عندما تصل الى السلطة.

تكون ديمقراطية أو تصبح استبدادية .

لقد دارت أغلب العناوين الفرعية للكتاب بعد ذلك على مأزق الثورة التي تصل الى السلطة لتنفيذ اجندتها السياسية. وكان نموذجه الذي يناقشه ضمنا تجربة الراحل جمال عبد الناصر.

لقد قاد جمال ثورة ضد النظام الملكي واسقطه وضد الاستعمار الانكليزي لمصر وطرده. طرح في مبادئ الثورة الستة الخيار المجتمعي الاشتراكي ضمنا القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال. كانت العروبة والوحدة جزء من أجندته. تفاعل مع نداء الشعب السوري وقواه السياسية والعسكرية وحقق الوحدة. التي كانت املا عربيا واعدا. حصل الانفصال بسبب بعض الأخطاء والكثير من تآمر القوى المعادية للوحدة العربية وآفاقها الواعدة. كان هاجس جمال الأتاسي ان انتقال الثورة إلى الدولة إن لم تكن تحمي نفسها بالديمقراطية مرجعا نقديا مجتمعيا للقوى الحية السياسية ستسقط حتما في الاستبداد وبالتالي تحويل الدولة نفسها لتكون أداة لخدمة بعض الحاكمين وتكون نقيضا لما كانت تحمله من عقائد…

سوريا بعد انقلاب ١٩٦٣م وهيمنة البعث ثم هيمنة الأسد وعصبته الطائفية بعد عام ١٩٧٠م أصبحت دولة استبدادية قمعية واستغلالية وأصبحت اهداف الحرية والاشتراكية والوحدة التي رفعها البعث مجرد واجهة لنظام فاسد يستأثر بالدولة وخيراتها. ويستعبد الشعب ويقوده لتحقيق مصالح النظام. كذلك الحال في العراق حيث يحكم البعث القومي ايضا …

لم يتحدث د جمال بتفاصيل تحول الثورة الحاملة لأهداف الوحدة والحرية والاشتراكية في سوريا إلى دولة استغلال واستبداد وظلم. توقف عند غياب الديمقراطية بصفتها الضامن لعدم انزلاق الدولة الثورة إلى الدولة الاستبدادية…

بالطبع كان يعول د جمال على ادعاء النظام أنه وفيا لأهداف الثورة العربية بالحرية والاشتراكية والوحدة. ولو انه تبين عبر العقود التالية أنه استخدم هذه الأهداف كغطاء لبناء نظام استبدادي قمعي مستغل طائفي يبيع القضايا الوطنية لأعداء سوريا والامة العربية…

كما كان جزء من التأصيل النظري للأتاسي مدمجة الى التجربة الناصرية محاولا أن يقدم تعليلا. و جوابا لاسئلة ملحة ومؤلمة:

لماذا سقطت الوحدة المصرية السورية ؟

 وكم يتحمل نظام عبد الناصر من مسؤولية؟

لماذا حصلت نكسة ١٩٦٧م؟..

وكم تتحمل البنية البيروقراطية في الدولة والجيش مسؤولية في ذلك. ؟.

صحيح أن غياب عبد الناصر بالوفاة منع امكانية ازالة آثار العدوان كما كان أعلن عنها عبد الناصر وبدأ فعلا. لكنه بقي مصرا على أن غياب الديمقراطية السياسية بصفتها المرجع في الدولة لمتابعة شؤون الدولة. وان الاستفراد في الحكم مقدمة استبداده ومن ثم تناقضه الحتمي مع أهدافه المعلنة ليصبح فقط اداة هيمنة اصحاب السلطة وتحقيق مصالحهم.

 لذلك كانت ردة السادات عن طريق عبد الناصر الذي وصل إلى درجة بيع القضية الفلسطينية وحتى التنازل عن حقوق قومية عربية في مصر…

استمر د جمال الاتاسي في الربط العضوي في أطروحته الفكرية السياسية المنهجية بين التحرر والاشتراكية والوحدة العربية والديمقراطية وأن هذه الأهداف تمثل مستقبل الثورة العربية الذي استمر مؤمنا بها وعاملا لها…

لقد أكد مرارا على ان الديمقراطية بصفتها الية ممارسة سياسية في مراجعة الحياة السياسية في الدولة وقواها المجتمعية وقواها السياسية هي الضمان لجعل الدولة اقرب لان تحقق مصالح الشعب عبر هذه الالية الديمقراطية المتابعة لشؤون الدولة وسياستها كل الوقت…

لماذا كتب د جمال الأتاسي كتابه هذا:

لقد كان الهدف الأساسي لكتابة هذا الكتاب – الدراسة المركزة. ان توجه ضمنا الى كوادر حزبه ليدركوا الواقع السوري سنوات السبعينات. ويوضح لهم اولوية الخيار الديمقراطي لسورية المستقبل. وكان في ذهنه ايضا ان يقدم أطروحته النظرية السياسية هذه الى شركائه من الأحزاب المعارضة السورية للنظام لتتوافق على رؤية مشتركة وتكوّن تجمعها الوطني الديمقراطي الذي تأسس ١٩٧٩م واعلن عنه ١٩٨٠م. وضم حزب الاتحاد الاشتراكي العربي بقيادة د جمال الأتاسي. والحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي بقيادة رياض الترك. وحزب العمال الثوري وحزب البعث الديمقراطي جناح صلاح جديد وحركة الاشتراكيين العرب… التي انضم اليها عبر الزمن بعض الأحزاب المعارضة الاخرى.

كان هذا التجمع الوطني الديمقراطي المنبر الذي عبر عن هذه الأحزاب وتوجهاتها في تحالف استمر لعقود. واستمر د جمال الأتاسي أحد أهم قياداتها حتى وفاته عام ٢٠٠٠م رحمه الله…

 

تعقيبنا : الديمقراطية خيارنا بكل أبعادها.

لقد كان الهاجس الأساسي لكتاب د جمال الأتاسي الذي ناقشنا في هذه القراءة منصب على ضرورة أن تكون ضمانة دولة الثورة  في ممارسة سلطتها ضمن القواعد الديمقراطية وإعطاء المعارضين حق إبداء الرأي وتقديم الرؤى المخالفة وأن يتم الاستفادة منها لتحقيق مصالح الدولة والمجتمع…

نعم صحيح هذا مطلوب وهو بعض من الديمقراطية. لكن تبين أن هذه المطالب لم يؤخذ بها لا في سوريا ولا في العراق. وحيث غيّب الموت جمال عبد الناصر وليرتد السادات عن الثورية العربية…

نعم إن الأنظمة الاستبدادية لا تتنازل عن حكمها ولا عن بعض صلاحياتها ومصالحها بعد أن تتذوق طعم السلطة ومكتسباتها. لذلك تتمسك بالسلطة وتقضي على المعارضين. هكذا حصل في كل دول الثورية العربية مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن…

الحل هو الديمقراطية بصفتها آلية إدارة الدولة بذاتها لا تتغطى بأي ادعاء عقائدي قومي عربي او يساري او اسلامي. بل مرجعيتها الشعب ومصالحه عبر أدوات الديمقراطية كما توافقت عليها الشعوب عبر أكثر من قرنين. طبعا بعد فك ارتباطها بـ الرأسمالية الاستعمارية.

قواعد الدولة الديمقراطية:

١. الدستور التوافقي من الشعب

٢. المجلس النيابي المنتخب. مصدر التشريع والحكم للأغلبية النيابية.

٣. القانون السائد والمتوافق عليه  .

٤. القضاء العادل المستقل

٥. تداول السلطة. عبر الانتخابات للمجلس النيابي وللرئيس المفضل أن يكون فخري. والوزارة المختارة من المجلس النيابي. هو مرجعها ومرجع شرعية الكل هي السلطة القضائية…

هكذا تحكم أغلب دول العالم المتقدم وتنجح نسبيا وهذا ما يلزمنا…

لذلك قامت ثورة الشعب السوري منذ ربيع ٢٠١١م ضد الاستبداد لإسقاطه وبناء الدولة الديمقراطية لتحقيق الحرية والعدالة واسترداد الكرامة الإنسانية وتحقيق الحياة الأفضل..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى