ربما عدم القدرة على تحديد المشاعر، أوجع ما يعانيه السوريون اليوم، فلا يستطيعون الفرح لإصدار الولايات المتحدة “قانون قيصر” لأن آثاره ستزيد فقراء سورية عوزاً كما ليس من أمثلة أمام أعينهم أو حقائق بأيديهم، تدفعهم للفرح أو التعويل على إسقاط المستبدين بالعقوبات، إن بليبيا أو كوبا أو العراق، أو حتى على نظام الأسد المعاقب منذ 2011، ولم تزده العقوبات، إلا توحشاً والسوريين جوعاً وحرماناً.
كما لا يمكن السوريين الحزن، فقانون العقوبات الجديد، إن لم يفعل سوى وقف تبديد حقوقهم وبيع ثرواتهم لشركاء الأسد بالحرب، فكفاه.
فماذا لو زاد من الخناق على نظام مفلس، وقتذاك، ربما يكون عاملاً مساعداً لسقوط الأسد، أو دفعه لطاولة المفاوضات على أقل تقدير.
وكذا اختلطت المشاعر لما جرى بفرنسا بالأمس، بعد الحكم على رفعت الأسد، عم بشار، بالسجن أربع سنوات ومصادرة أملاكه في فرنسا بعد إدانته بتبييض الأموال واختلاس أموال تعود للحكومة السورية.
فتعالت أصوات السوريين حول مصير الأموال، هل ستبقى الأموال المصادرة وثمن العقارات، بخزائن الدولة الفرنسية، وما الذي جناه السوريون من “العدالة المتأخرة” سوى بعض معنويات لا يقبلها التجار بدمشق ليبيعوا لقاءها الخبز واللبن للجائعين.
وأكثر إن شئتم، ما هي مصائر أموال النفط التي تجنّى من حقول وآبار شمال شرق سورية التي يسيطر عليها الأميركيون بالوكالة، هل هي فقط من حق “فئة سورية” تتعامل معها واشنطن أو ترضى عنها، وكيف للسوريين أن يعرفوا حجم ومآلات حقوقهم المبددة.
وربما يتوسع السؤال ليطاول حجوزات على شركات وأرصدة قد نراها قريباً بعد تطبيق “قانون قيصر” ليس من المستبعد أن تصل لعشرات المليارات، نهبتها عصابة الأسد عبر حكم الأب والابن، ولكن، حتى الآن، ليس للسوريين منها نصيب.
فاليوم، لم يعد من المبكر التفكير بالأموال المنهوبة، كما كان يتذرع كثيرون، إذ ربما بعد إصدار حزم “قيصر” المقبلة، نرى تعاوناً دولياً للتضييق على نظام بشار الأسد، فتلغى السرية المصرفية وتتكشف الأرصدة وحجم الأموال وعدد الشركات التي نقلها الأسد وشركاؤه عبر سني الحكم، وتسارعت وتيرتها خلال الحرب وجني أرباح خراب سورية.
نهاية القول: ثمة قناعة متفشية لدى جلّ السوريين، بأن الولايات المتحدة وقانون قيصر، أو فرنسا وعدالة محاكمها، لم تتحرك كرمى للحقوق وحقن الدماء، وإلا، لما قبلت واشنطن بسلاح جريمة الأسد وترك القاتل، وقت مات زهاء 1300 سوري عام 2013 بمجزرة كيماوي الغوطة.
ولما صمتت فرنسا على إقامة وتهريب وتبييض الأموال، التي يقترفها رفعت الأسد المقيم على أراضيها منذ ثمانينيات القرن الفائت، ولا حتى تكتمت المصارف وخرست القوانين، حينما يهرب الأسد ومخلوف أموال السوريين، إلى خزائن مصارف هذه الدولة المتحضرة حيناً، وإقامة شركات “أوف شور” على الأراضي الديمقراطية بقية الأحايين.
لكن السوريين، ولأنه الزمن المقلوب يرضون به “من الغنيمة بالإياب” يفرحون لقانون قيصر وإن عبر شفاههم ليس إلا ويهللون للعدالة الفرنسية امتثالاً للأدب، لكنهم يحزنون بلا حدود “لإرضائهم من جيوبهم” كما تقول أمثال الشام، وقت يتم سرقة حقوقهم مرة ثانية على أيدي القوانين المتحضرة والمستعمرين الجدد، ويستمرون بالتطلع لعدالة قد تأتي ولحقوق ربما تعود.
المصدر: العربي الجديد