لم تتوقف شهوة الانتقام الإسرائيلي على غزة، فمن حصار خانق، حيث يعيش 2.3 مليون نسمة بدون ماء، كهرباء أو دواء ولا وقود، وسط قصف سجادي لا يرحم، حيث لم توفر المقاتلات الإسرائيلية ولا أي محرم في ظل القانون الدولي أو قواعد الاشتباك التي تجنب المدنيين، على اعتبار أن إسرائيل مسؤولة قانونيا عن غزة التي تحاصرها منذ 16 عاما.
فمع الزيارة التي خطط لها الرئيس جو بايدن الذي لم يتوقف عن دعمه لإسرائيل في السر والعلن وفي القلب والعقل، ارتكبت القوات الإسرائيلية جريمة في مستشفى الأهلي العربي/ المعمداني سابقا، حيث قتل أكثر من 500 مدني التجأوا إليه للحماية من القصف الجوي المستمر. لكن بايدن قدم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدية لا تقدر بثمن، حيث قال إن «الطرف الآخر» على ما يبدو هو المسؤول عن قتل المدنيين، حيث حول المسألة إلى قتل فلسطيني- فلسطيني. ولكن العالم العربي الذي انتفض على المجزرة في 17 تشرين الأول/اكتوبر لم يصدق بايدن ما دفع قادة الأردن ومصر والسلطة الوطنية لإلغاء قمة رباعية مع بايدن، ما أفشل خطط الرئيس الأمريكي لجعلهم شهود زور على عملية الذبح والقتل التي تمارسها إسرائيل ضد شعب غزة. وكان كل ما قدمه بايدن للشعب الفلسطيني المحاصر هو تنازل من نتنياهو بالسماح لـ 20 شاحنة محملة بالمواد الإنسانية عبر معبر رفح الذي ترفض مصر فتحه خوفا من تدفق اللاجئين من القطاع وتحول هجرتهم إلى سيناء كأمر واقع، وهو ما دعا عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر للقول إن إسرائيل تستطيع عمل ما تريد في غزة ونقل الفلسطينيين فيها إلى النقب. ولكن غزة لا تزال تنتظر شاحنات بايدن التي لم تصل حسب الموعد، الجمعة.
بل وزاد الرئيس الأمريكي وألقى خطابا للأمة تحدث فيه عن ضرورة مساعدة إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد حماس، وطلب من الكونغرس الذي يعيش فوضى جمهورية ومجلس نوابه بدون رئيس الموافقة على حزمة مساعدات بـ 100 مليار دولار لإسرائيل.
لغة مزدوجة
كل هذا وسط لغة مزدوجة تدعو إسرائيل للرد على هجمات حماس في 7 تشرين الأول/اكتوبر وعدم الإفراط بالرد كما فعلت أمريكا بعد هجمات 9/11 «لقد حصلنا على العدالة ولكننا ارتكبنا أخطاء» وهذه هي تدمير بلد استقبل القاعدة، أي أفغانستان وبلد لا علاقة له أصلا بالهجمات وهو العراق، وكرر لازمته المملة، عن حل الدولتين، وتجنيب المدنيين الأضرار، لكن إسرائيل ومنذ بداية ردها في 12 تشرين الأول/أكتوبر تستهدف المدنيين والبنى التحتية، فقد دمرت مساجد تاريخية وكنائس ومؤسسات تعليمية وجامعية ومزارع وأبراجا سكنية وهجرت مليون غزي من شمال القطاع لجنوبه حفظا على سلامتهم كما زعمت لكي تلاحقهم في الجنوب. وحشدت الحشود العسكرية في ظل حمى الانتقام وتهديدات وزير الدفاع يواف غالانت، بأن إسرائيل ستخلق وضعا أمنيا جديدا، ولا نعرف إن كان كلامه توقيعا على كلام رئيسه نتنياهو الذي وعد بشرق أوسط جديد.
دبلوماسية الفشل
لكن ماذا ستفعل إسرائيل في غزة المدمرة وأنقاضها وسكانها المتعبون؟ لا أحد لديه الإجابة، حتى بايدن الذي طاف وزير خارجيته انطوني بلينكن ليتلقى محاضرات من السيسي وانتظارا طويلا من محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية وهروبا في إلى الملاجئ مع نتنياهو، وهي رحلة وصفتها «نيويورك تايمز» (16/10/2023) بالفوضوضية ولم تحقق أي هدف. ورغم ما قيل عن زيارة بايدن المهمة للمنطقة إلا أنها تعلم فشلا في السياسة الأمريكية وعلى مدى العقود الماضية، فلم يتصرف بايدن كزعيم «أقوى دولة في التاريخ» كما يحب القول ويدعو للحكمة والتعقل، بل ولم ينطق بكلمة وقف إطلاق النار. وفي الوقت الذي كان في طريقه إلى الأرض المقدسة، استخدمت سفيرته في الأمم المتحدة الفيتو ضد مشروع قرار برازيلي في مجلس الأمن بزعم أن الدبلوماسية الأمريكية كانت في الميدان ويجب عدم التعطيل عليها إلى جانب عدم تأكيد المشروع على حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، ورفضت واشنطن قرارا سابقا يدعو لهدنة إنسانية تقدمت به روسيا.
الغرب مصمم على الحرب
وبعد مرور أكثر من أسبوعين على الدمار الإسرائيلي لغزة لم يتغير الموقف الدولي من الأزمة، فالغرب بقيادة أمريكا مصمم على دعم إسرائيل ومنحها صكا على بياض لكي تفعل ما تريد في غزة باسم تدمير حماس. ولم يتوقف الحجيج الغربي إلى إسرائيل، وبالكاد وصل بايدن إلى واشنطن، حتى هبطت طائرة رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، وكرر نفس الكلام والدعم ولكنه أضاف في معرض مخاطبته نتنياهو بشأن حماية المدنيين، عبارة مثيرة للسخرية «آمل أن تنتصر» وزار المستشار الألماني أولاف شولتز إسرائيل وفي الطريق إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، في تكرار كاريكاتوري لتدفق القادة الأوروبيين على كييف بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. ولم تتغير اللغة التحريضية في الإعلام ومن المشرعين ضد الفلسطينيين، باسم مكافحة حماس، وتم تضييق مساحة حرية التعبير وطلب من كل شخص شجب حماس قبل السماح له بالتعبير عن موقفه، وهو ما حدث عندما لاحق فريق من القناة الرابعة البريطانية زعيم العمال السابق جيرمي كوربن وسأله إن كان سيشجب هجمات حماس، وسخر منه برنامج في تلفزيون «تولك» باعتباره صديقا لحماس. وأصدرت الجامعات أوامر للطلاب بعدم ارتداء الكوفية في الحرم الجامعي والمدارس باعتبارها رسالة سياسية. وأصدر حزب العمال البريطاني أوامر لممثليه في المجالس المحلية بعدم المشاركة في التظاهرات المؤيدة لفلسطين.
وهناك فجوة على ما يبدو بين رغبة الرأي العام ورغبة الأحزاب البريطانية والإعلام المؤيد لإسرائيل، فقد أظهر استطلاع ان نسبة 58 في المئة من البريطانيين مع وقف إطلاق النار ونسبة 18في المئة غير متأكدة ونسبة 3 في المئة ضد وقف إطلاق النار، وهي بالتأكيد حزب المحافظين والعمال والمنظومة الإعلامية. وكشف استطلاعات مماثلة في أوروبا بشأن ضرورة وقف إطلاق النار.
نتنياهو سيفعل ما يريد
لكن نتنياهو الذي يقاتل من أجل مستقبله السياسي ليس في وارد الاستماع لأصوات الرأي العام ولا لنصائح العجوز بايدن. وقالت صحيفة «الغارديان» (19/10/2023) إن بايدن قال أشياء مهمة لكنه تجاوز الحديث عن الغزو البري، ما أكد ما ورد في تقارير عن الضوء الأخضر من أمريكا لإسرائيل، محذرة من أن عملية برية في غزة ستزيد من الأزمة الإنسانية. وقالت إن حلفاء إسرائيل قدموا لها كلاما دافئا وتحذيرات لينة، بدون التفكير بتداعيات الحرب في غزة التي قد تؤدي للتصعيد إقليميا وربما هاجرت دوليا.
وهناك ازدواجية في الحديث لدى بعض الإعلاميين مثل المعلق توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» الذي تحدث عن خيار حماة السورية في غزة ثم عاد وطالب بتدمير حماس مع وقف الاستيطان، وهو كلام لا محل له من الإعراب لدى الحكومة المتطرفة في إسرائيل، وهي التي حولت الضفة الغربية لساحة حرب أخرى، وقتلت يوم الخميس 13 فلسطينيا في مخيم نور شمس، قرب رام الله. وهناك اجماع لدى المعلقين على ضرورة إنشاء نظام جديد بدون حماس التي أخرجت نفسها من معادلة التسوية عندما هاجمت جنوب إسرائيل وأخذت أسرى حرب. وبدا هذا واضحا في تقرير لمجلة «إيكونوميست» (19/10/2023) حول جهود بايدن الذي قالت إنه الشخص المهيأ لأن يغير معادلة الوضع في غزة وإسرائيل. وقالت إن هناك حاجة للبدء بسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين و«الإعتراف بأنه لن يكون هناك سلام طالما ظلت حماس تسيطر على غزة. ومدينة غزة هي شبكة من الأنفاق، ومن أجل تدميرها يجب أن يكون هناك هجوما بريا».
وقد تبنت المجلة رواية أمريكا عن المستشفى الأهلي وأنها محاولة لحماس لكي تستفيد من الضحايا لتقويض الدعم لإسرائيل. وقالت إنه من الضروري فهم ما سيجري بعد الغزو، فعلى إسرائيل أن تظهر بأن قتالها هو مع الإرهابيين وليس أهل غزة. مع أن حرب إسرائيل الحالية هي ضد المدنيين، لكن المجلة تمضي في افتراضاتها وتقول إنه يجب أن تتعهد إسرائيل ببداية جديدة بعد الحرب ببرنامج إعادة إعمار ووعد بعدم خنق اقتصاد غزة. وعليها دعم دستور فلسطيني جديد وقيادة منتخبة. وكل هذا سيكون سهلا تحت حكومة إسرائيلية منتخبة بعد الحرب. وحتى لو نجح بايدن في إقناع إسرائيل باتخاذ هذه الخطوات، فالسؤال الأصعب هو عن الطرف الذي سيوفر الأمن للقطاع؟ ولا يمكن لإسرائيل احتلال القطاع وللأبد، وهي فكرة تم التخلي عنها عام 2005 ولهذا هناك حاجة لالتزام دولي. ويمكن لبايدن البدء ببناء تحالف الآن. وكلما أظهرت إسرائيل للعرب أنها جادة بحماية المدنيين تخطط لليوم التالي، عن رغبة بلعب دور. وتقول إن بايدن هو الزعيم الوحيد القادر على الدفع بالأمور، ولو فشل وانهار الوضع الأمني في الشرق الأوسط، فالكارثة ستطال أمريكا أيضا.
وتساءلت صحيفة «التايمز» (20/10/2023) عما سيحدث بعد الغزو البري، قائلة إنه لا يوجد حتى الآن إلا القليل من الإجابات. مشيرة أن إسرائيل تركزعلى المرحلة التالية في هذه الحرب وبدرجة أقل على ما بعدها. وقد وضع القادة اللمسات النهائية على خططهم العملياتية للهجوم البري، وقدموها إلى هيئة الأركان العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية للحصول على موافقة يوم الأربعاء. وسيتم اتخاذ القرار بشأن موعد الضربة من قبل حكومة حرب مكونة من خمسة أعضاء برئاسة بنيامين نتنياهو. وانتقد بعض الضباط الإسرائيليين الحكومة بشكل خاص، قائلين إنهم أجبروا على الانتظار لفترة طويلة. وظلت إسرائيل منذ 1967قوة محتلة لغزة حتى عام 1993 حيث وقعت اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، ونتيجة لذلك غادر جيشها المدن والقرى، وحلت محله السلطة الفلسطينية الجديدة. لكنها ظلت في المستوطنات والقواعد العسكرية اليهودية. وفي عام 2005 كجزء من خطة أرييل شارون لفك الارتباط، تم إجلاء المستوطنين وتفكيك القواعد. وحذر مسؤولون إسرائيليون من أن تحمل المسؤولية عن أكثر من مليوني شخص يعيشون في غزة سيكون مهمة ضخمة، خاصة في زمن الحرب. وسوف يستغرق الأمر قدرا هائلا من الموارد من اقتصاد يعاني أصلا من ضائقة مالية. وهناك هامش صغير من اليمين المتطرف في المجتمع والسياسة الإسرائيلية – وبعضهم حتى في الحكومة- يدعو إلى إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في غزة. ولا يزال من غير الواضح ما الذي تنوي إسرائيل فعله بمجرد قيام جيشها بتدمير قدرات حماس العسكرية وقيادتها. ويعتقد بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين أنه سيتعين عليها إنشاء مناطق أمنية عازلة، على غرار تلك التي كانت موجودة في جنوب لبنان حتى عام 2000 في غزة، لحماية المجتمعات عبر الحدود. إلا أن هذا لا يشكل حلا للفراغ الخطير الذي سيبقى في غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي. ويتلخص الحل المفضل لدى أغلب المؤسسات العسكرية والسياسية الإسرائيلية في عودة السلطة الفلسطينية، التي سيطرت على غزة منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو في عام 1993 وحتى استيلاء حماس على السلطة في عام 2005. ورغم أن وزراء الحكومة لا يتحدثون عن ذلك علنا، فإن يائير لابيد، زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق، قال في لقاء مع وسائل الإعلام الدولية يوم الخميس إن هذا هو الخيار الأفضل لإسرائيل وغزة.
وقال تامير هايمان، الجنرال السابق وقائد المخابرات العسكرية الإسرائيلية والذي يشغل الآن منصب مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إنه «بالنسبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، كانت خسارة غزة أكبر كارثة في رئاسته وهو يرغب في عكس ذلك. على إسرائيل أن تجد طريقة لتهيئة البيئة المناسبة لحدوث ذلك». وقال إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق: «لا يمكن أن نرى عباس يعود على حراب إسرائيل..يجب أن يأتي بعد فترة انتقالية تغادر فيها إسرائيل غزة ويتم استبدال جنودها أولا بقوة حفظ سلام عربية، ربما تتكون من جنود من المغرب والإمارات العربية المتحدة ويتم تمويلها من قبل السعوديين. يجب أن يبدو وكأن العرب يعيدونه إلى السلطة في غزة. ولن يوافق على العودة متعاونا مع إسرائيل».
وتأمل إسرائيل بنقل العبء لدول عربية، لكن هذه ليست في الطابور، وسط مخاوف على نفسها والاحتجاجات العارمة في الدول العربية على المجازر والتي غيرت خطاب قادة الدول هذه، على الأقل حماية للنفس في الفترة الحالية ومحاولة لتجنب أن تكون في صف الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا هو جوهر الموقف المصري الخائف من أن يكون أداة في نكبة فلسطينية ثانية تعمل عليها إسرائيل.
وبالمحصلة فإن أحداث الأسبوعين الماضيين كشفت عن تواطؤ دولي وفشل السياسة الأمريكية بالمنطقة والتي جيشت الجيوش وأرسلت البوارج الحربية والمقاتلات وقدمت الذخيرة لإسرائيل لقتال جماعة مسلحة غير دولة، وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» (17/10/2023) إلى أن البنتاغون جيش جيوشه وعزز من وجوده قرب غزة، حيث أرسلت بارجتين حربيتين وآلافا من الجنود وأسرابا من المقاتلات الحربية والأسلحة المختلفة للقبة الحديدية، وحزمة مساعدات بمئة مليار دولار أمريكي لدعم إسرائيل وأوكرانيا. وضمن التحركات، نشرت حاملتي طائرتين والسفن المرافقة لها وتحمل على متنها 15.000 جندي، إلى جانب القوات البرمائية من 4.000 مارينز وبحار وزيادة غير محددة من أسراب المقاتلات العسكرية المنتشرة في أنحاء الشرق الأوسط، إلى جانب ألفي جندي للدعم وستكون جاهزة في عدد من الأيام. وقالت المتحدثة باسم البنتاغون أن الهدف من التعزيزات «هو إرسال رسالة ردع» ودعم حليف حيوي، أي إسرائيل. وفي مقابلة رفض بايدن الإجابة على سؤال حول قدرة الولايات المتحدة على الموازنة بين هذه الموضوعات. وقال «نحن في الولايات المتحدة، بحق السماء أقوى أمة في التاريخ، وليس في العالم ولكن في تاريخ العالم» حسبما قال في مقابلة (60 دقيقة) يوم الأحد، مضيفا «نستطيع التعامل مع الأمرين والحفاظ على مجمل الدفاع الدولي».
سبب كل المشاكل
ورغم الجهود التي بذلتها واشنطن، فزيارة بايدن الخاطفة كانت فشلا ذريعا ودليلا على تراجع التأثير الأمريكي، كما قال مارتن كيتل في «الغارديان»(18م10/2023) مشيرا لرفض القادة العرب لقاءه. فقلة من قادة العالم ترفض لقاء رئيس أمريكي. وقال إن أمريكا قبل خمسين عاما كانت قوية لكي تلعب دورا مهما في النزاع الإسرائيلي- العربي ولكنها اليوم أضعف، وهو ما يفسر تردد الرئيس بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض وطاقمه من المستشارين استثمار الكثير في أزمة الشرق الأوسط. فلديه أولويات في السياسة الخارجية من الصين وتايوان إلى أوكرانيا وروسيا. وحتى في الشرق الأوسط انتبه بايدن أكثر للسعودية وإيران وأكثر مما اهتم بإسرائيل- فلسطين. ويعكس هذا بالتأكيد ضعفا، ففي كتابه الأخير «الوهم العظيم» قدم الخبير السابق بالشرق الأوسط بوزارة الخارجية، ستيفن سايمون خريطة لما أسماها «جهود التخبط» الأمريكية لإعادة تشكيل المنطقة وخلال الأربعين عاما الماضية. ويقول سايمون إن سياسة أمريكية قد تكون حسنة النية لكنها تحتوي على «فرض أفكار عظيمة على الحقائق المتناقضة في الشرق الأوسط والقدرات الأمريكية». والوضع الحالي في الشرق الأوسط، خطير وغير مستقر، كما كان قبل نصف قرن. والأهم من ذلك فقد أثارت زيارة بايدن موجة غضب ضد أمريكا بل ورفع محتجون شعار الموت لأمريكا في البحرين التي تعتمد في أمنها على أمريكا. ويرى العديد من العرب أن الحكومة الأمريكية ليست فقط غير مبالية بمعاناة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، بل ومتواطئة فيه أيضا، حسب «نيويورك تايمز» (17/10/2023). ويرى الأكاديمي ستيفن وولت في «فورين بوليسي» (18/10/2023) أن اللحظة الحالية في غزة هي نتاج فشل 3 عقود من السياسة الأمريكية، ومنذ حرب الخليج وما تبعها من مؤتمر مدريد وأوسلو وهجمات 9/11 حيث لم تستثمر أمريكا لحظة قوتها وهيمنتها على العالم لتقديم حل للمشكلة الفلسطينية-الإسرائيلية.
وبانتظار وعود غالانت لجنوده بأنهم سيرون غزة قريبا، فلا نعرف إن كان يقصد أنقاضها أم أنهم سيمشون على أشلاء المدنيين.
وفي النهاية فلن تتحقق أحلام نتنياهو كما فشلت أحلام رابين من قبله بأن يجعل غزة خارج التفكير، فأشباحها ستلاحقه، مثل بطل رواية «ازاء الغابات» للكاتب الإسرائيلي أ.ب. يهوشواع الذي كشف حارسها الفلسطيني الأصم والأبكم عن قريته التي دمرتها إسرائيل وزرعت فوقها الأشجار للتستر عليها، ولكن غزة بالتأكيد لن تصبح غابة، فتداعيات الحرب فيها ستترك آثارها الإقليمية والعالمية، وبالتأكيد سيواجه بايدن العجوز الحقيقة وستعلم غزة إرثه السياسي، لأنه كان الشاهد والمشارك في الجريمة.
المصدر: القدس العربي
شهوة الانتقام الإسرائ.يلي من غزة بحصار خانق بدون ماء وكهرباء ودواء و وقود مع قصف سجادي لا يرحم، نقيضاً لكل القوانين الدولية و قواعد الاشتباك التي تجنب المدنيين ، ستفشل ولن تتحقق أحلام نتنياهو كما فشلت أحلام رابين من قبله ، بالرغم من دعم أنظمة العهر الدولية اللامحدود لهذا الكيان المصطنع وازدواجية المعايير وضوء الأخضر للإبادة لأنه شعب الجبارين .