صعدت روسيا ومن خلفها النظام السوري خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الحالي، سلسلة هجماتهما ضد المدن والبلدات السورية في شمال غربي البلاد. ضربات تركزت على إصابة الحياة بمقتل، من خلال تدمير كل مكان يساعد الإنسان السوري المشتت والنازح على التقاط الأنفاس، فقد تركزت هجمات النظامين السوري والروسي على مخيمات النازحين، ومرافق الحياة والبنى التحتية، في حين تصدرت المدارس والمستشفيات ودور العبادة قائمة الأماكن المستهدفة.
فروسيا التي يحتل جيشها المرتبة العالمية الثانية من حيث التصنيف العسكري، هاجمت مقاتلاتها الحربية، بالأسلحة الفتاكة التي تتباهى موسكو بملكيتها وقوتها التدميرية مراكز لتربية المواشي ومرافق حيوية ومراكز خدمية، في حين أن النظام الذي يجيد للغاية ضرب الحياة السورية، فقد كانت في جعبته العديد من الأهداف لتدميرها من بقايا منازل تنبض بالحياة، ومخيمات وأسواق تجارية، وهي بنوك أهداف بات الجيش الروسي يدك أركانها بكل خبرة ودون أخطاء تذكر.
فقد تعرض شمال غربي سوريا منذ تشرين الأول/أكتوبر إلى 194 هجومًا من قبل النظام السوري وحليفه روسيا، ضربات طالت 60 مدينة وبلدة، متسببة بمقتل 49 مدنيا سوريا، من ضمنهم 13 طفلا و10 نساء، في حين أصيب 230 مدنيا في تلك الهجمات، بينهم 67 طفلا و63 سورية.
صواريخ حارقة وقنابل عنقودية
لم تحمل بنوك الأهداف المستهدفة من روسيا والنظام السوري أي جديد، فجيش دمشق احتل مؤخرا كما السنوات السابقة صدارة الجهات المنفذة للانتهاكات من خلال قيام قواته بتنفيذ 180 هجوما ضد النازحين السوريين وكل ما يتعلق بتواجدهم من بنى تحتية ومراكز خدمات.
ومن أبرز المناطق التي طالتها نيران قوات النظام والجيش الروسي، وفق ما قاله مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح لـ«القدس العربي»: هي مدن إدلب وأريحا وسرمين وجسر الشغور وبنش، وبلدات مجدليا والبارة ومنطف وكنصفرة وبزابور، وبداما والنيرب وآفس وكورين وترمانين والدانا، في ريف إدلب، ومدن دارة عزة والأتارب وبلدات ترمانين وتقاد والتوامة والأبزمو غربي حلب.
الأهم أن هذه المدن تضم عدداً كبيراً من السكان وأغلبهم مهجّرون لمرة وأكثرـ واستهداف هذه المدن كان يعني استهداف الحياة وتهجير جديد للسكان، بالكاد بدأت هذه المناطق تتعافى من آثار كارثة الزلزال وجاء التصعيد ليحولها إلى مدن منكوبة من جديد.
كما أن جيش النظام السوري قد استخدم الأسلحة المحرمة في قصف تلك المواقع، ليستخدم الصواريخ المحملة بالمواد الحارقة 5 مرات، وشن هجوما بصواريخ مذخرة بالقنابل العنقودية، بالإضافة إلى 100 هجوم باستخدام المدافع و68 بواسطة راجمات الصواريخ، في حين أن الجيش الروسي نفذ 14 هجوما، وفق إحصائية من قبل الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء».
ضربات الأطراف المهاجمة على المدن والبلدات السورية شمال غربي البلاد، أدت وفق فريق «منسقو استجابة سوريا» إلى نزوح أكثر من 80 ألف سوري عن المناطق المستهدفة، وهي سياسة متبعة من دمشق وموسكو، هدفها حرمان السوريين من الاستقرار ومضاعفة الأعباء الاقتصادية والنفسية عليهم، وإجبارهم على النزوح الداخلي من خلال التركيز على استهداف المنشآت الخدمية والحيوية في شمال غرب سوريا، والتي أظهرت استخفافاً واضحاً بالحياة المدنية.
الهجمات المستمرة على شمال غربي سوريا، نتج عنها أيضا توقف العملية التعليمية وحرمان أكثر من 400 ألف طالب من التعليم، كما توقفت المشافي والنقاط الطبية عن العمل للحالات العامة مسببة حرمان أكثر من مليوني مدني من الخدمات الطبية.
دلائل سياسة هجمات روسيا والنظام السوري، تشير وفق الصالح، إلى نية التسبب في أكبر قدر ممكن من الضرر في صفوف المدنيين، وهذا الاستخفاف الصارخ بالحياة، والاستهداف المتعمد للمدنيين والعاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية المدنية يشكلان جرائم حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
شمال غربي سوريا في خضم كارثة إنسانية وإن اقتراب فصل الشتاء وبدء موجة جديدة من النزوح والتهجير سيزيد من تفاقم المعاناة الإنسانية، بالإضافة إلى الاحتياجات الإنسانية الموجودة مسبقا منذ 12 عاماً على بدء النزاع والزلزال الأخير.
وأدت الهجمات إلى نزوح آلاف العائلات، ومن المتوقع أن يرتفع العدد، ويجري إجلاء الأسر النازحة إلى ملاجئ مؤقتة، وتدعم فرق الدفاع المدني السوري عمليات الإجلاء، وستكون عواقب هذا النزوح كارثية وتؤثر في جميع أنحاء المنطقة، سيما أن العائلات النازحة في حاجة ماسة إلى الغذاء والمياه النظيفة، والمأوى، والرعاية الصحية، والتعليم.
الأسد مأزوم وروسيا تحارب الاستقرار
لم تكن هجمات النظام وضربات حليفته روسيا على مدن وبلدات الشمال السوري بدون غايات أو أهداف منشودة، بل كانت وفق ما قاله مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح لـ «القدس العربي» موجهة نحو اتباع سياسة من لا يُقتل سيكون محروما من حياة مستقرة، من خلال تنفيذ هجمات بهدف القتل وتدمير حياة السكان، وضرب استقرارهم من خلال تدمير البنى التحتية وتفتيت سبل الحياة وتقويض العملية التعليمية.
وبالنظر إلى توقيت التصعيد ومستواه يمكن القول إن النظام السوري مأزوم سياساً واقتصادياً ويسعى لإشعال المنطقة عسكرياً، ومن الواضح أن هذا التصعيد يُستخدم كوسيلة لخلط الأوراق وفرض وجوده كفاعل قادر ويمتلك زمام المبادرة، وخاصة في ظل الانتكاسات الأخيرة التي يواجهها، بما في ذلك الحراك الشعبي في السويداء، وعدم إحراز تقدم ملموس في المبادرة العربية وتلاشي الدعوات من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتعويمه وإعادة تدويره.
وفي ذات الوقت استبعد المتحدث، شن النظام السوري وروسيا حملة برية ضد مدن وبلدات الشمال، ويقول الصالح: «في عالم السياسة لا ثوابت، لكن وفق المعطيات والتوازنات الإقليمية والدولية لن تكون هناك عمليات تقدم بري، ولكن ذلك لا يعني أن فرض حالة عدم الاستقرار هذه واستمرار القصف وتهجير السكان ومنع إدخال المساعدات سيتوقف، النظام يعلم تماماً أن اللحظة التي يتوقف بها عن القتل تعني أن المجال سيفسح أكثر أمام الحل السياسي وهو ما يرفضه تماماً نظام الأسد الذي ربط وجوده بالقتل والقصف واستمرار حالة عدم الاستقرار».
4.5 مليون سوري بخطر
عرّض تصعيد النظام وروسيا هجماتهم العنيفة ضد شمال غربي سوريا، حياة 4.5 مليون سوري للخطر، فيما تزداد المخاوف من تفاقم الظروف القاسية التي يعاني منها النازحون والسكان منذ سنوات.
فقد شهدت العديد من المدن والبلدات التي تعرضت للقصف حركة نزوح للأهالي، بينها مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وسرمين ودارة عزة، وبلدات في جبل الزاوية وريف إدلب الغربي، وآفس والنيرب وترمانين والأبزمو، فيما لا تزال الكثير من العوائل في المدن والبلدات رغم الخطر الكبير على حياتهم، لعدم قدرتهم على النزوح وعدم توفر أماكن آمنة تأويهم في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع بدء اقتراب دخول فصل الشتاء، وأجلت فرق الإغاثة عددا من السكان إلى مراكز إيواء مؤقتة وإلى المخيمات.
وتعيش هذه العائلات حسب ما أفاد به مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح لـ«القدس العربي» في ظروف صعبة «مع غياب مقومات الحياة واضطرت بعض العائلات للبقاء في العراء لحين تأمين مراكز إيواء مؤقت وفرقنا ساعدت بشكل مباشر في تجهيز هذه المراكز لاستقبال النازحين الفارين من القصف والغارات الجوية.
الشيء الأسوأ، يمكن في أن حياة المدنيين في هذه المناطق تأثرت بشكل كبير بسبب كارثة الزلزال المدمر التي جاءت بعد 12 عاماً من الحرب المدمرة، فقوضت حملة التصعيد بشكل كبير عمليات التعافي كما أن غياب أي رادع عن تجدد الهجمات في أي لحظة يسبب غياب الاستقرار وغياب القدرة على تمكين المجتمعات وإعادة بناء سبل العيش».
هجمات تفتك بالقانون الدولي
رأت مصادر حقوقية سورية، أن استهداف النظام لمعالم الحياة في الشمال من مراكز تجمع السكان إلى استهداف الأسواق ودور العبادة والمنشآت المدنية، يؤكد أن القصف كان متعمداً في بعض الأحيان على مناطق حيوية وغالباً ما تكون تشهد اكتظاظا سكانياً.
وفي هذا الصدد، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان- فضل عبد الغني: «خرقت قوات الحلف السوري في هذه الهجمات عدداً واسعاً من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، منها القاعدة السابعة التي تطالب أطراف النزاع بالتمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، وأنّ الهجمات لا توجه إلا على الأهداف العسكرية ولا يجوز أن تتوجه على الأعيان المدنية، والقاعدة الحادية عشر التي تُحظر الهجمات العشوائية.
كما انتهكت قوات الحلف السوري الروسي عبر جريمة القتل العمد، المادتين السابعة والثامنة من قانون روما الأساسي؛ ما يُشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وعودة قوات النظام السوري لاستخدام الذخائر العنقودية في هجماتها الأخيرة يُعتبر انتهاكاً لكلٍّ من مبدأي التمييز والتناسب في القانون الدولي الإنساني، ويُعتبر بمثابة جريمة حرب».
كما شدد عبد الغني، على احترام القانون الدولي الإنساني للأعيان المدنية المنشآت الطبية والتعليمية والدينية وغيرها من المنشآت التي تُستخدم لأغراض مدنية وحدد لها حماية خاصة معتبراً استهدافها جريمة حرب أيضاً.
سياسة الرعب
يشير بنك الأهداف المحدد من قبل النظام وروسيا، إلى السير وراء تعزيز سياسة الرعب بين المدنيين الرافضين للنظام، من خلال ضرب كل مساعيهم ومشاريعهم الباحثة للاستقرار، حتى وإن كان ذلك عبر استهداف الخيام وحظائر الماشية وكل ما يمت للحياة بصلة، بالإضافة إلى حربهم ضد المنظمات الإنسانية التي تحاول بما لديها من مقومات متوفرة لدعم كل مواطن باحث عن حياة بأدنى قيمها في الوقت الراهن.
وفي هذا الصدد، علق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، بالقول: غاية قوات الحلف السوري الروسي من استمرار هذه الهجمات نابعة من نهج القضاء على معارضي رئيس النظام بشار الأسد، ممن لجأوا إلى الشمال، وجعل المدنيين في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرته في حالة عدم استقرار وتهجير متعدد المرات حيث تُسبب عمليات القصف على مخيمات النازحين والتجمعات المدنية في نشر حالة من الإرهاب والخوف وخاصة عند المشردين.
كما تفاقم الهجمات بشكل صارخ من الأوضاع الإنسانية في هذه المناطق خاصة مع استمرار روسيا باستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد قرارات دخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية التي لا يسيطر عليها النظام السوري.
مصالحة بالإكراه أم استعداد للحرب؟
رأى الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، أن لروسيا والنظام عدة أهداف من تصعيد حملات القصف على مدن وبلدات شمال غرب سوريا، ولعل أبرزها إضعاف المنطقة الخارجة عن سيطرة دمشق إلى أقصى حد ممكن، وذلك بغاية تسهيل المهام المستقبلية في حال إقرار اجتياح بري لتلك المناطق.
سياسة الضغط العسكري ترمي وفق ما قاله الباحث لـ «القدس العربي» إلى إلهاء القوى المسلحة المنتشرة في تلك المناطق بأمور تتعلق بتأمين المدنيين وحماية عناصرها وعتادها.
ومن الأهداف السياسية والعسكرية لروسيا والنظام، خلق رأي عام ضد تركيا، من خلال تحميل أنقرة مسؤولية القصف باعتبارها الضامن للمنطقة، التي لم تلتزم وفق تفاهمات آذار 2020 مع روسيا بإنهاء التنظيمات الإرهابية وفتح الطريق إم-4 كونها مستعجلة لفتحه نظرا لما يحققه من عائد اقتصادي للنظام.
ومن الأهداف أيضا، العمل على تحقيق مكاسب ميدانية بواسطة المعاناة الإنسانية، ودفع المدنيين إلى إجراء مصالحات مع النظام أو الضغط على القوى المسيطرة لفعل ذلك.
رسائل روسية ومكاسب
من جانبه قال المحلل السياسي التركي، طه عودة لـ «القدس العربي»: في ظل انشغال العالم بما يجري في غزة داخل فلسطين، تسعى روسيا ومن خلفها النظام السوري إلى خلط الأوراق، ومحاولتها فرض معادلات وتوازنات جديدة، بعد التصعيد التركي الأخير ضد أهداف تتبع لقوات سوريا الديمقراطية – قسد، وبعد التفجير الذي حصل في العاصمة التركية- أنقرة مطلع الشهر الحالي.
وأضاف، لا يمكننا التحدث في الوقت الراهن عن إمكانية حدوث تصادم تركي-روسي على الأراضي السورية، وإنما يمكننا القول بإن هناك حالة من التنافس بين أنقرة وموسكو، على الرغم من حاجة الطرفين لبعضهما البعض، وأن الهجمات العسكرية الروسية على شمال غرب سوريا تأتي ضمن سياق الرسائل العلنية.
في حين أن الأكاديمي والباحث السوري، عرابي عرابي، قال لـ «القدس العربي»: على الأرجح فإن موجة التصعيد الأخيرة من قبل النظام السوري وروسيا على الشمال السوري، تأتي من باب حفظ ماء وجه النظام أمام مؤيديه واستمراره في الضغط على تركيا التي ترى الآن أولوية للملف الفلسطيني، والموقف في غزة في سياستها الخارجية، فالنظام بهذا القصف المستمر يسعى لتنفيس الغضب الشعبي إثر تفجير الكلية الحربية من جهة، ويضغط على تركيا لتحقيق بعض المكاسب الآنية.
من ناحية أخرى فإنه ليس بالضرورة أن القصف تعبير عن حالة فشل بقدر ما يعبر عن وجود ضغوط في التفاوض أي أن النظام يضغط على المعارضة لتحقيق مكسب سياسي قبل أي اجتماع مرتقب لأستانة واللجنة الدستورية.
أما الأهداف العسكرية فهي وفق قراءة الباحث عرابي، قليلة جدا مقارنة بالأهداف المدنية، فالنظام يقتل المدنيين ليزيد من حالة الضغط والاحتقان، أما مجريات الأحداث على الأرض فإنها لا توحي باستعداد النظام لشن عمل عسكري موسع، خاصة مع تطورات اﻷوضاع العسكرية في غزة.
إضافة إلى ذلك فإنه ليس من مصلحة النظام السوري أو حلفائه فتح جبهة إدلب في هذا الوضع المعقد وبالتالي فإن الأمور ستتجه للتهدئة غالبا.
وكانت الأزمة السورية قد دخلت عامها الثالث عشر في مارس/آذار 2023 وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 15.3 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في جميع أنحاء البلاد بزيادة قدرها 5 في المئة عن عام 2022.
وزادت زلازل شباط/فبراير الماضي من تفاقم الوضع الكارثي في سوريا، وقد تضرر ما يقدر بنحو 8.8 مليون شخص من الزلازل.
المصدر: القدس العربي
ما يزال نظام طاغية الشام يمارس إرهابه وإجرامه مع حلفائه المحتلين النظام الروسي ونظام ملالي طهران وأذرعتهم الإرهابية بحق شعبنا بمناطق شمال حلب وادلب لزعزعة الأمن والاستقرار وإنهاك القوى لغايات متعددة ، لفرض أجندتهم أو تمهيداً لاجتياح المناطق ، وضمن صمت وتخاذل دولي وإقليمي “الدولة الضامنة” والعربي للأسف .