قراءة في رواية : قتيل على قيد الحياة

أحمد العربي

عن دار نون 4 للنشر والطباعة والتوزيع صدرت رواية قتيل على قيد الحياة للروائي إسماعيل ناجح ، وهي روايته الأولى…

تعتمد الرواية لغة المتكلم في سردها على لسان الشخصية المحورية الذي اصر ان يكون غير محدد الاسم. وكأنه يقول هذه رواية الكثير من السوريين ومنهم انا وانت…

بدأت الرواية من تاريخ ٢٠١٦م. حيث كانت الأحياء الشرقية المحررة من مدينة حلب تتعرض الى اشرس هجمة عسكرية من النظام السوري الذي يسميه الكاتب في روايته العدو ومعه حلفاؤه روسيا وإيران والميليشيات الطائفية حزب الله وغيره. كان الطيران الروسي يدك حلب الشرقية بالصواريخ والبراميل المتفجرة وحولها الى أرض محروقة. وكان يجهّز حتى يجتاحها…

عائلة صاحبنا أباه وأمه وإخوته واخته قرروا الخروج من حلب باتجاه الشمال السوري المحاذي لتركيا هروبا من القتل المشرع عليهم. أما هو فقد قرر أن يبقى في حلب لم يكن يتحمل أن يغادر حلب فهي متغلغلة في وجدانه وكيانه…

صاحبنا من جيل الشباب كان تجاوز العشرين من عمره بقليل. يحلم أن يبني أسرة. احب مريم ابنة حيّه وخطبها. كان يمني نفسه في زواج وبناء أسرة. ولكن الثورة السورية وتداعياتها قلبت موازين حياته كلها…

لم يمض وقت على نزوح أهل صاحبنا حتى هاجم النظام وحلفائه حلب حتى يستردها من الثوار. وحصل اتفاق برعاية إقليمية ودولية هجّر بموجبه من تبقى من أهل حلب والثوار وعائلاتهم الى الشمال السوري وكان صاحبنا مع من هجّروا …

وصل صاحبنا الى الشمال السوري وبدأ يبحث عن أهله وخطيبته ولم يعثر عليهم. لقد كان السوريين النازحين والهاربين الى الشمال موزعين على مخيمات كبيرة تعد بالعشرات. بحث عن اهله وخطيبته كثيرا حتى يئس. ولم يكن أمامه من حل إلا السكن في إحدى هذه المخيمات واستمرار البحث عن اهله وخطيبته.

كان يعيش داخل نفسه حوار دائم، لديه إحساس عالي بالمظلومية وأنه خسر حياته التي كان يتمناها. وبدأ يعيش أحاسيس إلّا معنى من حياته ولا جدواها، واصبح يميل الى انهاء حياته ولو بالانتحار…

لم يكن لدى صاحبنا أي أحد يلجأ إليه كصديق يتفاعل معه سوى مصطفى الذي تعرف عليه في احدى ورشات العمل في احدى مدن الشمال حيث قرر مغادرة المخيم والعمل في تلك المدينة والانتقال الى سكن والعيش في ظروف أفضل. كان مصطفى أكبر من صاحبنا وانضج، عقلاني في تفهم الحياة وضرورة التكيف مع الظروف والبحث عن الحياة الأفضل مهما كانت الكوارث التي حصلت معك في السابق. فليس الحل ان تضع ذاتك أمام حجم مصيبة مثل ما حصل مع السوريين وتبقى تجترّ همك وألمك ولا حل لديك ولا افق امامك. بحيث تنتقل اولا بأول الى اليأس من الحياة والتفكير بالتخلص منها ولو بالانتحار.

يتأثر صاحبنا إلى حين برأي صديقه ولكن يعود بعد ذلك الى حالته السابقة من اليأس واجترار الماضي وفكرة التخلص من الحياة…

مضى سنتين على واقع صاحبنا هذا حتى التقى بالصدفة بأخيه الصغير في أحد الشوارع. ومن هناك وصل إلى أهله والده ووالدته كان لقاء عاطفي جدا أثلج قلب الاهل. علم أن أخاه الأكبر تزوج وأسس بيتا مستقلا وكذلك اخته. وعندما سأل عن خطيبته مريم واهلها علم أنها تزوجت، كان ذلك مؤلما له. لقد برر الأهل ذلك بأن هناك من اخبرهم انه قد مات في حلب وهي يئست من عودته وتزوجت. لم يقبل ذلك. التقى بها عاتبها وهي بررت ما حدث معهم. وكادت تحصل فضيحة من لقائهما وخلوتهما، لكن حنكة والده أنقذت الموقف …

 لكن حال صاحبنا ازدادت سوءا ويأسا وان لا امل ابدا له بالحياة بعد خسارته لمريم حبيبته…

قرر صاحبنا اللجوء إلى تركيا بمساعدة المهربين. لعله ان ابتعد عن أهله ومريم سيرتاح نفسيا و يؤسس لحياة جديدة. لكن مشكلة صاحبنا داخله. وصل الى غازي عنتاب وجد مجتمعاً مختلفاً وكان الأتراك قد أصبحوا مختلفين تجاه السوريين في تركيا ، بعضهم يتقبلونهم والبعض يعاديهم. كان ذلك يزيد سوء الحالة النفسية لصاحبنا. ولم يستطع التكيف مع الحياة هناك.  بقيت مريم التي خسرها تعود الى خاطره أينما ذهب. كذلك حياته السابقة في حلب. وبقي هاجس الموت منتحرا مسيطرا عليه. حاول اكثر من مرة الانتحار. سواء بقطع عروق معصمه لكنه عجز عن ذلك وبعد ذلك حاول إلقاء نفسه من بناء شاهق لكن صديقه مصطفى انقذه. وبعد ذلك حوّل للمستشفى بعدما زاد مرضه و هلوساته . وهناك وصف له علاج للاكتئاب. بقي يتناوله لكن لم يستفد منه ولم يغادر هوسه بالانتحار…

قرر صاحبنا بعد مضي وقت ان يغادر الى أوروبا  عبر اليونان. انتقل الى اسطنبول ومنها إلى مدينة أدرنة لينتقل منها مع مجموعة الى اليونان برا. عبر ادلّاء تبين انهم كاذبين وتم القبض عليهم من اليونانيين الذين ضربوهم واذلوهم وسجنوهم ثم اعادوهم الى الاراضي التركية. وهكذا عاد صاحبنا ادراجه الى عنتاب حيث اهله يجتر خيبته. وهناك التقى طبيب ومعالج سلوكي في إحدى المراكز الطبية العربية. قدموا له علاجات لحالة اكتئابه. مع جلسات لدراسة حالته وتقديم النصح له. وبعد فترة بدأ يستفيد من العلاج وبدأ يتفهم ظرفه ويتكيف معه. عاد الى العمل والأمل بالمستقبل. تعرف على سمر صبية عبر الفيس بوك تواصل معها كثيرا ثم التقيا. واعلنا حبهما لبعضهما. ثم تزوجا..

تنتهي الرواية عندما تخبره زوجته انها حامل وانهم ينتظرون مولوداً يعطي للحياة معنى وقيمة…

في التعقيب على الرواية أقول:

لم تدخل الرواية في أسباب الثورة السورية. وكأنها من البديهيات، بحيث ظهر ان بداية أحداث الرواية من حصار حلب ٢٠١٦ بعد مضي خمس سنوات على الثورة. جعل غياب الحديث عن المظلومية المجتمعية السورية قبل الثورة بعقود وبعدها لسنوات أدت لمقتل مليون إنسان ومثلهم مصاب ومعاق وهجرة وهروب نصف الشعب السوري داخل سوريا وخارجها وتدمير نصف سوريا واحتلالها من قبل روسيا وايران وحزب الله وأمريكا وحزب العمال الكردستاني الانفصالي. ولا واقع النظام المجرم المستبد الطائفي. غياب التطرق لكل ذلك جعلنا نفهم لماذا كان بطل الرواية انسانا مسكونا بذاته وهواجس الانتماء لحلب و لحبيبته التي فقدها. وان مشكلته ظهرت مع الوقت اكتئاب مرضي جعله يفكر بالانتحار. رغم أن الأصل أن تكون ظروف الحياة في البلاد هي ما كان يقف خلف أفعاله…

المهم كل إنسان يتصرف بشكل مختلف عن الآخرين استجابة لظروف عامة وخاصة. وهو كان يعيش هواجسه داخله ومنعكسها الخارجي كان الانتحار عندما اغلقت الدنيا ابوابها بوجهه كما كان هو يأمل..

العلاج اعاده الى الأمل والثقة بالنفس والبحث عن عمل والبحث عن حب جديد لأن انتهاء حب سابق لا يعني ان يموت الانسان معه. يولد حب جديد لمستقبل جديد…

الأمل والعمل والحب والزواج والطفل القادم مفاتيح ذاتية لحياة افضل لكل انسان كفرد…

اما الحل العام الجماعي للسوريين .كلهم فلم تتطرق إليه الرواية …

نعم إسقاط الاستبداد وتحقيق الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية… هي المناخ الذي يعيش فيه الإنسان السوري انسانيته…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “قتيل على قيد الحياة” للروائي إسماعيل ناجح ، قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للرواية من قبل المبدع “احمد العربي” الرواية تتحدث عن الثورة السورية اعتبارا من حصار حلب 2016 بدون الدخول بأسباب الثورة ولا الحل النهائي لشعبنا . ،

زر الذهاب إلى الأعلى