17 حزيران: تدخل سورية عهدا جديدا

محمد خليفة

قانون قيصر انجاز سوري كبير، والعمل جار لإصدار “نسخة أوروبية” منه!

“قضية المعتقلين” أول ملف سيتناوله القانون 

 ” عقوبات قيصر ” تستهدف كل داعمي الأسد: الروس والايرانيين.. والعرب!

 17 حزيران / يونيو في سورية لا يشبه ما قبله حتما، فهو يؤسس ويطلق نهجا جديدا في العلاقات الدولية، ويمؤسس (سياسة العزل الأقصى) لاحتواء الأنظمة المارقة، التي تستبيح دماء شعوبها، محتمية بما تسميه (السيادة الوطنية) ومنع تدخل الدول في (الشؤون الداخلية) للدول المستقلة.

اليوم تبدأ الولايات المتحدة الاميركية تنفيذ (قانون قيصر) أحد أكثر قوانين الكونغرس إثارة على الشركاء الدوليين لبشار الأسد الذين يمدونه بعوامل القوة والبقاء ، ليواصل إبادة شعبه ، وانتهاك كل حقوقهم تحت عنوان السيادة ، وبحجة التصدي للمؤامرات الاستعمارية الخارجية .

يصف المحللون القانون بأنه لا سابق له في التاريخ من حيث الشدة والقوة ، لأنه سيلاحق كل دولة ، أو مؤسسة ، أو منظمة ، أو شركة ، أو شخص يساعده في حربه على شعبه ، ويتعاون معه في مجالات التسليح ، وأجهزة التنصت والتجسس ، ويطال كل جهة في العالم ، تتعاون مع المؤسسات التي تشملها قائمة الكيانات التي ستطبق عليها وزارتا الخزانة والخارجية العقوبات . ويرى أحد القانونيين إنه الحد الأقصى من سياسة الضغط قبل بدء الحرب المباشرة عليه . ويؤكد مراقبون إنه موجه بالذات الى (الحلقة الضيقة) من شركاء وحلفاء بشار الأسد ، وخاصة روسيا وايران ولبنان والعراق الذين قاموا بدور حاسم في دعمه وتقويته ، وإبقائه على قيد الحياة . وبناء عليه يقول المراقبون إن سورية قبل تطبيق هذا القانون غيرسورية بعده .

 وصفه أحدهم بأنه الضربة القاضية على راس الأسد . ووصفه آخر بأنه حبل المشنقة ، ووصفه ثالث برصاصة الرحمة . ويضرب د . رضوان زيادة رئيس المركز السوري للأبحاث مثلا على صحة كل تلك الأوصاف بقوله : إذا شملت قائمة الكيانات التي ستفرض العقوبات عليها المصرف المركزي السوري ، فهذا يكفي لانهيار النظام الاقتصادي السوري كله . ويقول الناشط السوري – الاميركي عماد بوظو إن القانون يتعامل مع بشار كمجرم حرب مسؤول عن مئات الجرائم ضد الانسانية والابادة واستعمال الأسلحة الكيماوية ، وهذا ما يحصل للمرة الأولى على المستوى الدولي . ويشمل القانون بنفس الطريقة مئات الشخصيات الكبيرة في النظام ، كما لو أنه حكم نهائي غير قابل للاستئناف على الطغمة الحاكمة كلها وبلا استثناء . ويؤكد زيادة أن القانون (يطلق آلية قانونية مفتوحة ، ليس للرئيس والادارة  سلطة عليها ، وهي تعمل بشكل آلي بقوة نظام الدولة الاميركية ، ولا يتحكم بها أحد أو جهة .

كما يؤكد د . ممتاز سليمان ، فقيه القانون الدولي، إن القانون محكم جدا ، ولا يدع نافذة ، أو ثغرة ، لأي شخص أو كيان للتهرب من هراوة هذا القانون . فلو أسس عميل للنظام شركة (أوف شو) في أقصى مكان على كوكب الأرض ، لطالها القانون كما لو أنها شركة سورية تعمل داخل سورية .

 وكشف معارضون سوريون في واشنطن إنهم يتعاونون مع الادارة في إعداد قائمة ضمت حتى الآن 700 اسم من داخل وخارج سورية يعملون مع بشار ومخلوف في تهريب الاموال واستثمارها وحمايتها في عشرات الدول .

وقال هؤلاء إن بعض نواب وشيوخ الكونغرس جادون في تطبيق القانون وكأنه يعنيهم شخصيا ، ولن يسمحوا بأي تساهل . وضربوا مثلا بالنائب جو ويلسون رئيس لجنة الشرق الأوسط في مجلس النواب الذي يتابع تنفيذه ، وجيمس جيفري المبعوث الخاص الى سورية من الخارجية ، والوزير بومبيو شخصيا .

ومع أن إعداد القانون وتمريره وتطبيقه ، يعد منذ البداية للنهاية انجازا خارقا وأشبه بالمعجزة لناشطين سوريين في أميركا، ثابروا على التحرك لفضح جرائم النظام منذ بداية الثورة عام 2011، إلا أن إدارة اوباما عرقلت إصداره ، إرضاء لروسيا وايران ، وأمكنهم بعد خمس سنوات من العمل اقناع عدد متزايد من النواب والمشرعين به . ولعبت الصور والشهادات التي قدمها المصور العسكري المنشق ( قيصر) وروايات معتقلين سابقين كثر عما يجري في سورية ، وفي معتقلاتها المظلمة ، وقتل أكثر من مائة الف معتقل غالبيتهم الساحقة مدنيون وابرياء ، وبينهم أطفال وأحداث ، ونساء بالآلاف وبلا أي تهمة . وأثبتوا أن قتل المعتقلين وتعذيبهم يمثلان نظاما منهجيا ثابتا لنظام الاسد السوري منذ عشرات خمسة عقود ، وله قوانين تحميه ، وتحمي الفاعلين من رجال الاستخبارات .

ولعل أكثر مقياس نقيس به جدية الولايات المتحدة في تنفيذ القانون هو التعامل مع (قضية المعتقلين) التي لم يسبق لسفاح سورية أن قبل أي مساومة عليها ، بما فيها روسيا ، وقد صارح سيرغي لافروف ضيوفه السوريين الذين توسلوا وساطته للإفراج عن بعض الأسماء الكبيرة ، وخاصة عبد العزيز الخيّر القيادي الشيوعي البارز ( علوي من القرداحة )، وقال لافروف في مناسبات عدة (إذا ضغطنا للإفراج عن عبد العزيز الخير أو غيره نخشى أن يقتله الاسد ، فاتركوه معتقلا لكي لا تفتقدوه للأبد ! ) .

ويعلم المعارضون السوريون والدول المعنية بالأزمة أن بشار يمسك شخصيا بملف المعتقلين ليكون أداة المساومة الأخيرة مع المجتمع الدولي مقابل رأسه ورأس عائلته .

ينقل رضوان زيادة عن جيمس جيفري أن الادارة ستبدأ بعد سريان القانون بملف المعتقلين قبل أي ملف آخر ، لإثبات الجدية والمصداقية ، وإرسال اشارة واضحة للشعب السوري أن أميركا متضامنة معه في كل مطالبه ، وعلى رأسها قضية المعتقلين . وكان مسؤولون أميركيون كثر تعهدوا بتطبيق القانون بأعلى درجة من الحزم والصرامة .

 وتوقع مصدر آخر أن تضع وزارتا الخارجية والخزانة الأميركيتين أكثر من مائتي ضابط استخبارات على القائمة السوداء ، وتطلب من روسيا الضغط على الاسد للافراج عن المعتقلين وفتح المعتقلات للتفتيش والمراقبة الدوليين ، اختبارا لجديتها في التعاون معها لحل الأزمة السورية ، أما إذا اعتذرت أو تذرعت بعدم قدرتها فستتحمل روسيا نتائج ذلك ، واعتبارها مسؤولة عن جرائم الأسد ، مثل ايران وأعوانها اللبنانيين والعراقيين ، وستطبق العقوبات على شركاتها وأجهزتها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية .

وأوضح مصدر سوري في واشنطن إن الملف الثاني والحاسم سيكون إجبار الاسد على الحل السياسي وتسليم السلطة لحكومة انتقالية وفق وثيقة جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254 . أما الملف الثالث فهو إخراج الايرانيين بشكل كامل وبلا إبطاء لا بمحاربة الارهاب ، ولا بالحاجة لهم لإعادة الاعمار !

وثمة مؤشرات أخرى على أن هذا القانون الذي يعد حتى الآن أميركيا فقط ، سيصبح عالميا وغربيا . إذ أكد لنا الناشط الحقوقي البارز أنور البني رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث أنه قد أجرى في الفترة الأخيرة محادثات مع نواب وكتل متعددة في البرلمان الاوروبي للعمل على اصدار قانون أوروبي مشابه لقانون سيزر الاميركي ، ما يعني إحكام القبضة على عنق النظام ، وخنقه بكلتا يدي أميركا وأوروبا ، وقطع الطريق على محاولات روسيا لإعادة تأهيل وكيلها وإعادة اعمار سورية بأموال أوروبا وبعض العرب . وقال البني إنه سيلتقي جيمس جيفري ومسؤولين أميركيين آخرين في واشنطن يوم الجمعة القادم 19 يونيو لمناقشة كل ما يتعلق بتطبيق القانون . كما أكد أن هناك دولا عربية عديدة سيستهدفها القانون ، بما فيها الإمارات والعراق ولبنان والاردن ومصر !

الجدير بالذكر أن النظام وأعوانه يقومون بحملة اعلامية استباقية واسعة لتصوير قانون سيزر كما لو أنه عقاب للشعب السوري ، وأنه سيسبب أزمات اقتصادية صعبة للسوريين ولن يضر الطبقة الحاكمة ، وادعوا أنه يشبه نظام العقوبات الذي فرضته الامم المتحدة على الشعب العراقي بعد غزو الكويت . وكل هذه الأقوال تضليل في تضليل ، لأن قانون سيزر لا يفرض أي قيود على استيراد السلع والمواد الغذائية والصحية والدوائية والتعليمية .. ألخ وحتى مواد الترفيه ، فالعقوبات التي يتضمنها القانون هي ( المواد الحربية والعسكرية والأمنية حصرا ) التي يقتل الأسد بها شعبه . ويسعى القانون عمليا لإنقاذ الشعب السوري من قبضة الأسد ، وآلته الحربية الفتاكة ، بدليل أن الذين صاغو االقانون هم شخصيات سورية وطنية ومعارضة بالكامل تقريبا .

   المصدر: الشراع 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى