مرّ أكثر من 24 ساعة على تفجير الكلية الحربية التابعة للنظام السوري في حمص ولا يزال الأخير، ووسائل الإعلام المقربة منه، يجترون رواية واحدة مفادها: طائرات مسيرة تحمل متفجرات استهدفت حفل التخرّج.
إصرار النظام على الرواية وخلوها من أي تفاصيل دفع الإعلام الإيراني إلى وضع لمسته الخاصة، في محاولة لتأكيد السردية، إذ تفرّدت قناتا الميادين والعالم بخبر يقول إن “طائرة مسيّرة أُطلقت من مناطق سيطرة الحزب التركستاني (في إدلب) قبيل استهداف الكلية الحربية في حمص”.
وذهبت سردية الإعلام الإيراني إلى أبعد من ذلك، إذ قال إن “الحزب التركستاني” (الجهادي) تسلّم قبل 3 أشهر قطع طائرات مسيّرة متطورة من فرنسا واستعملها في “الهجوم” الذي أوقع 89 قتيلاً وأكثر من 277 جريحاً، في حصيلة غير نهائية.
كثيرة هي الأسئلة التي طُرحت منذ اللحظات الأولى لوقوع التفجير، وازدادت مع اتضاح بعض التفاصيل بعد تداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطع مصورة أظهرت اللحظات الأولى التي أعقبته.
المادة الآتية ستحاول تفنيد رواية النظام وطرح عدد من الأسئلة في ظل الضبابية التي قال كثيرون إن النظام يتعمد إحاطة الواقعة بها.
طائرات الفصائل المعارضة.. درونات لا مسيّرات حربية
في آب الماضي، هاجمت هيئة تحرير الشام مدينة القرداحة في ريف اللاذقية عبر 3 طائرات درون، لتُسجل أول استهداف بعيد المدى باستخدام طائرات مُعدّلة محلياً.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن طائرة واحدة وصلت آنذاك، بعد أن أسقطت دفاعات النظام الجوية اثنتين، إلى أبعد نقطة يمكن أن تصلها على مسافة لم تتخطَّ 30 كيلومتراً، مع الإشارة إلى أن وزن المادة المتفجرة التي حملتها لم يتجاوز 3 كيلوغرامات (بفرض أنها تقطع مسافة أكبر كلما خف وزنها).
في نظرة على خريطة السيطرة بسوريا، نجد أن أقرب نقطة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بشمال غربي سوريا تبعد عن الكلية الحربية، القريبة من الوعر، أكثر من 70 كيلومتراً، وهي مسافة من شبه المستحيل أن تقطعها تلك الدرونات المعدّلة محلياً.
وإذا ما افترضنا أن هذه الطائرات عُدّلت بسرعة قياسية، خلال شهر من آخر استعمال لها، فكيف لها أن تحمل متفجرات بحجم تلك التي تسبب بها الانفجار في الكلية الحربية، والذي يبدو جلياً أنه ليس انفجاراً ناجماً عن 2 أو 3 كيلوغرامات من المواد المتفجرة، بالنظر إلى تمزق الأجساد والأضرار الناجمة عنه.
صعوبة قطع طائرات الهيئة، التي تمتلك في الوقت الحالي إمكانيات أفضل من تنظيم “الدولة” من ناحية تطوير الأسلحة، لمسافة 70 كيلو متراً تدحض أي حديث عن احتمالية أن تكون تلك الدرونات قد انطلقت من الجيوب التي ينشط بها “داعش” شرقي حماة، باعتبار أن أقرب نقطة معرفة لتلك الخلايا تبعد عن الكلية أكثر من 127 كيلومتراً.
تعزيز السردية
نشرت مواقع إعلامية مقربة من النظام، صباح اليوم، خبراً مفاده أن مضادات الدفاع الجوي “تصدت” لطائرات مسيّرة في سماء حمص.
وأُرفق الخبر بمقطع مصور أظهر عدداً من عناصر قوات النظام داخل قطعة عسكرية، وفي خلفية المقطع صوت إطلاق رصاص مكثف من قبل المضادات الأرضية، في حين لم تُظهر أي لقطة الطائرة في السماء.
ناشطون رأوا في الخبر “محاولة بائسة” لتعزيز رواية “قصف المسيرات”، معتبرين أنها ارتدت على النظام الذي أكّد فيها أن راداراته قادرة على رصد تلك المسيّرات، إذن فلماذا لم يسقط الطائرات المزعومة التي قصفت الكلية الحربية، رغم أنها مرّت فوق الكثير من القطع العسكرية التي من المفترض أنها تحوي على أنظمة “بانتسير” الروسية؟
طائرة من دون شظايا
من ناحية أخرى، وفي تحليل دقيق لمقاطع الفيديو والصور القليلة التي خرجت عقب التفجير بدقائق، لم تظهر أي شظية أو حطام للطائرة أو للصواريخ المنفجرة (رواية النظام لم تحدد ما إذا كان استهدافاً بالصواريخ أو بطائرات ملغّمة)، رغم أنها صوّرَت من النقطة صفر.
إضافة إلى ذلك، لم تظهر اللقطات أي علامة في أرضية الساحة تدل على سقوط جسم من السماء، صاروخاً كان أم طائرة مسيّرة؟! وهو أثر لا يخفي نفسه.
وبالعودة إلى أولى الأخبار التي تداولتها الصفحات والمواقع الموالية للنظام منذ الدقائق الأولى عقب التفجير، كان واضحاً التوجه نحو سردية الطائرات المسيرة، قبل فتح تحقيق أو صدور بيان وزارة الدفاع حتى.
حاول الإعلام الموالي تأكيد الهجوم بالمسيرات، فراح ينشر صور طائرة مسيّرة تركية، كانت قد سقطت قبل ساعات قليلة من انفجار الكلية الحربية بالقرب من مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، على أنها لحطام الطائرة التي استهدفت حفل التخرج، في حين لم تنفِ أي وسيلة إعلام تابعة للنظام ارتباط صور حطام الطائرة بواقعة التفجير.
وهنا يبقى السؤال مفتوحاً: ألم يكن من الأجدى للفصائل، في حال امتلاكها طائرات تصل إلى أكثر من 70 كيلومتراً، أن تستهدف أهدافاً أكثر قيمة من تجمع لخريجين جدد، مثل الجنرالات الروس القريبين أو حتى رئيس النظام بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة إلى الساحل السوري؟.
كيف نجا كبار الضباط؟
عقب دقائق من الانفجار، تداول ناشطون خبراً مفاده أن وزير الدفاع في حكومة النظام السوري علي عباس قُتل مع مجموعة من الضباط ذوي الرتب العالية، وهو ما نفته وكالة “سبوتنيك” مباشرة مؤكدة أن عباس وكبار الضباط غادروا الكلية فور انتهاء مراسم الحفل، وبالتحديد قبل الانفجار بـ 21 دقيقة.
وقوع التفجير عقب خروج عباس ومن معه من الكلية طرح الكثير من إشارات الاستفهام: لماذا انتظرت الجهة المُنفذة، أيّاً كانت، مغادرة كبار الضباط في حين كان من الممكن أن يستهدفهم التفجير ويشّكل أكبر ضربة للنظام منذ بدء الثورة عام 2011؟
وأيضاً، تزامنُ التفجير مع انتشار الحاضرين في الساحة لالتقاط الصور مع “الخريجين” أثار الشكوك حول التوقيت، إذ بدا كأنه كان مُتعمداً لإيقاع أكبر عدد من القتلى والجرحى بين المدنيين، وفي الوقت ذاته، ومع تحديد نقطة التفجير وحجمه، كان يهدف إلى إحصائية شبه منضبطة لا تتجاوز الـ 100 قتيل.
إعلان الحداد
ولتكتمل حلقة التساؤلات التي أحاطت بالتفجير، أعلن النظام السوري الحداد الرسمي العام لمدة ثلاثة أيام، بدءاً من اليوم الجمعة، في سابقة لم تشهدها سوريا منذ وفاة حافظ الأسد عام 2000.
وبحسب نص البيان الصادر عن حكومة النظام: “تنكس الأعلام في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية وفي جميع السفارات والهيئات الدبلوماسية في الخارج طيلة هذه المدة”.
إعلان الحداد أعاد إلى الأذهان مباشرة تجاهل النظام التام لهذه الخطوة حين وقوع الزلزال المدمر في سوريا شباط الماضي، والذي راح ضحيته نحو 6 آلاف شخص، ليطرح البعض السؤال الآتي: “أرواح الـ 80 ضابطاً أغلى من أرواح 6 آلاف مدني؟”.
بالمحصلة، ووفق كل ما سبق، ونظراً إلى التخبط الواضح في سردية النظام ووسائل إعلامه، تبقى فرضية التفجير من داخل الكلية الحربية أرجح من رواية الهجوم بالمسيرات إلى حين إثبات العكس.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا