مازال الأستاذ أسامة القاضي يروج لحل (القضية السورية) من خلال فيديو له يدعو فيه المجتمع الدولي لتطبيق النموذج الألماني ويزين لسامعيه ومشاهديه هذا النموذج، والذّي وحد الألمانيتين الغربية والشرقية بُعيد سقوط الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن المنصرم، لاستعادة سورية وطناً موحداً.
وكان قد سبقه إلى ذلك دعوة التحالف الديمقراطي العربي، الذي طالب أيضاً المجتمع الدولي بتنفيذ منطقة آمنة في الشمال الشرقي السوري يستتبع ذلك منطقة آمنة في الشمال الغربي من سوريا، ويرافق ذلك تنفيذ مبادئ حوكمة متقدمة ودعماً مالياً استثنائياً.
يضاف إلى كل ذلك ما تنعم به تلك المنطقة من خيرات طبيعية (نفط، غاز، قمح، وغيرها)، حيث يؤمّن ذلك بناء كيان قوي ومنافس للأجزاء الأخرى من سوريا، ليصار بعدها إلى فرض الوحدة بين الشمال السوري وجنوبه بفعل القوة التي سيتمتع بها هذا الشمال المطلوب صياغته وتأييد إنجازه.
غريب هذا الطرح وهذه المطالبة!! إذ أن ما يحدث في سوريا منذ اثني عشر عاماً، من ذبح وتشريد وتدمير ومن تنفيذ منهجي لمخطط مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يُؤبّد وجود الكيان الصهيوني المصطنع، ويجعلها قوى دولة إقليمية تستثمر في أموال الخليج والأيدي العاملة العربية الرخيصة.
وفق كتاب شمعون بيريز -شرق أوسط جديد- إن هو إلا برضى وموافقة المجتمع الدولي نفسه!!!
وما يتحقق على الأرض من احتلالات أجنبية وتهشيم لسيادة الدولة واستقلالها وعملية إبادة جماعية مرفوضة ومدانة وفق أنظمة الأمم المتحدة وشرعيتها وكذلك وفق القيم الأخلاقية الإنسانية، حيث تمنح الشعوب حقاً في مقاومة هذا الاحتلال واستعادة ما سلب منها أرضاً وكرامة وسيادة.
فكل ما تقدم يبيح للشعب السوري وكل شعب في هذا العالم أن يمتشق جميع أسباب القوة لتحرير أرضه ومقدراته.
وعوضاً عن الاستمرار في تحشيد قوى شعبنا الذاتية والموضوعية، نجد أن أمثال الأستاذ أسامة القاضي ومن يدور في فلكه يروجون لملاقاة المحتلين في منتصف طريق المخطط الاستعماري المشار إليه.
وما يدعو للاستغراب أيضاً، أن يفوت أمثال هؤلاء أن النموذج الألماني لا يمكن أن يتجسد في الواقع السوري من حيث أسباب التقسيم ومن حيث طبيعة القوى التي عملت على تقسيم ألمانيا، ومن حيث كذلك ظهور عامل مهم من عوامل توحيد ألمانيا، ألا وهو سقوط الاتحاد السوفييتي سابقاً، الأمر الذي وحّد بين رغبة النخب والشعب الألماني وبين رؤية واستراتيجية الحلفاء الذين قبلوا تقسيم ألمانيا نزولاً عند ضغط الشروط الموضوعية التي فرضت نفسها على طرفي قتال ومواجهة نازية هتلر، أي الغرب والاتحاد السوفييتي، وكذلك يفوت هؤلاء أن ظاهرة العولمة التي تقودها أمريكا أيضاً كانت في أوج تموضعها وتحققها في العالم.
وعلى الضد من ذلك، فإن تقسيم سوريا هو الهدف الجوهري للمخطط العولمي القذر كما تم الإشارة إليه، فلا أمل على الإطلاق أن يقبل من هدف إلى تجزئة سورية أو تغيير كيانها ديمغرافياً وسياسياً، أن يعود عن مخططه هذا كرمى لأي سبب كان.
خلاصة القول إن هذا الحلم كما دعاه مروجوه ليس سوى حلم واهم، لا يحمل أي مقوم من مقومات التحقق، بل يذهب إلى تسريع تنفيذ فكرة التقسيم بين الشمال الجنوب، ويخفف من مقاومة هذا التقسيم، ويزيد من تشويش صورة حال ثورتنا ومآلاتها.
ولكن الكتلة الصلبة والأوسع من شعبنا ستكون من الوعي والصلابة بحيث تفشّل مثل هذه التخيلات أو الانحرافات، فكما استقبلت هذه الكتلة هبة السويداء بمزيد من الحراك الثوري الحقيقي ستواجه حتماً مثل تلك الدعوات وتلغيها في مهدها، وستتابع نضالها في سبيل نصرة ثورتها، وتحقيق حريتها، وسيادتها، واستقلالها.