يعاني ملف الاختفاء القسري في يومه العالمي، من إهمال وانشغالات عديدة ، تطال الذين يُفترض أنهم الجهة الأكثر اهتمامًا به، والأولى من سواهم فيه، كي ينال هذا الملف/ القضية كل الإهتمام، لما له من أهمية كبرى تقلق كل السوريين على اختلاف مشاربهم ومناهلهم. وتنتج حالة من ألم يقض مضاجع السوريين، ويجعل حيواتهم يلفها الألم والمعاناة والتفكير بمن لاتُعرف مصائرهم، وهم بين يدي الجلاد الفاشيستي الأسدي الذي لا تأتيه الرحمة ولا العدالة من بين يديه ولا من خلفه.
الاختفاء القسىري أضحى قضية من قضايا السوريين الأهم، وراح يُحجز لها المكان الأجدر ضمن الأمكنة اليومية، التي ينشغل بها المواطن السوري العادي، حيث لانجد أي أسرة أو عائلة سورية ليس لديها مغيبًا قسريًا في سجون الطاغية، أو في متاهات داعش، ولأن النظام المجرم قد عود الشعب السوري على أن كل من يدخل إليه في معتقلاته، لابد أن احتمالية موته قائمة، بل هي الأكثر رجحانًا، علاوة على أن قوائم (قيصر) المعروفة أوحت لجميع أسر المعتقلين بالتوقع لأن يكون ابنهم بين هذه الصور أو ماشابهها، على اعتبار أن واقع الاعتقال السياسي في السجون السورية هو الأشد والأكثر تعذيبًا وقهرًا من أي سجون في العالم، وأن أرواح الناس لاقيمة لها عنده، في ظل الإهمال العالمي، وترك المجرم طليقًا، سواء عندما ارتكب القتل بالكيماوي أو بالبراميل أو الصواريخ البالستية، أو حتى في المعتقلات والأقبية القمعية، حتى بات الرقم التوثيقي 950 ألف معتقل في سجونه، الذي أعلنت عنه غير منظمة حقوقية عالمية، هو الأقرب إلى الواقع والحقيقة، ويمكن أن يكون جلهم في عداد الأموات والشهداء.
المشكلة الأكثر صعوبة تكمن في أن (المجتمع الدولي) أو مايسمى بالمجتمع الدولي، إن وجد، لم يعد مهتمًا بحال السوريين، ولم تعد القضية السورية تشكل بالنسبة له مصدر قلق ولا اهتمام، وبات المعتقل السوري يُختصر في قضية نفعية فردية للأميركان مثلًا ترتبط بمعتقل أو اثنين من الجنسية الأميركية، ولم يعد إظهار قوائم الموت التي يخرجها النظام المجرم بين الفينة والأخرى من معتقلاته تشكل أي أثر على أجندات حقوق الإنسان العالمية، ولا في مؤتمراتهم الدولية، ويكتفي المجتمع الدولي بإصدار البيانات مع كل استحقاق، وهذه الحالة تُظهر حجم الانشغال والتخلي، أمام إشكالية إقليمية ودولية تتمثل بالعمل على إعادة تأهيل النظام الإجرامي الطغياني، متناسين كل مافعله من مقتلة أسدية كانت ومازالت مستمرة. ينساها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عندما يُهرول ونظامه غير آبه بملايين الشهداء والمعتقلين، متجاوزًا عن كل الدمار في البنية التحتية الذي أنتجه نظام القتل الأسدي عبر ماينوف عن عقد من الزمن. ناهيك عن إلحاح الكثير من أنظمة العرب الرسمية وغيرهم، ولوجًا بإعادة النظام السوري إلى بوتقة الجامعة العربية التي سبق أن طرد منها، وسبب الطرد مازال قائمًا، بل يزاداد في غيه فجورًا يومًا إثر يوم.
لكن أوضاع المعارضة السورية بكل ألوان الطيف السياسي والعسكري، مابرحت منشغلة هي الأخرى بما هو مرتبط بصراعاتها الداخلية، والإطباق والإمساك بمناصب لاتغني ولاتثمن، وتجعل من هذه المعارضة لاتمثل دماء ولا عذابات السوريين، ولاترتقي إلى حجم الكارثة وقيمة الدماء السورية التي أريقت على مذبح الحرية والكرامة، ومازالت هذه المعارضة لاتدرك اهمية الالتفات والاهتمام بقضية في حجم قضية الاختفاء القسري والاعتقال السياسي والإنساني، حتى صارت خجولة عندما تطرح أي قضية مرتبطة بقضية المعتقلين في المجال الدولية، بل بات الذي يهمها هو إعادة إحياء رحلتي الشتاء والصيف إلى جنيف، والانشغال بمهزلة اللجنة الدستورية، التي يرى فيها البعض طريقًا للانتقلال السياسي رغم التسويفان والتكتيكات التي تخرج عن وفد النظام إليها، حيث أن أي عاقل موضوعي يرى بان هذه اللجنة لم تتقدم بوصة واحدة عبر ثماني جولات خلت، يدرك أن نظامًا يشارك فيها وبدعم روسي إيراني كبير وصمت عالمي أكبر، لايمكن أن يسمح أن تنتج لجنته هذه أي تقدم وولوج جدي في العملية السياسية، ومع ذلك يصر أهل المعارضة الرسمية على التمسك باللجنة الدستورية ويعيدون طرحها وتكرار ذلك، بينما النظام ومن معه مازالوا يغرقونهم بالتفاصيل دون أي تقدم، بل أصبح تجميدها سيد الموقف.
لا قضية اليوم تعلوا على مسألة الاختفاء القسري، ولا أهمية لأي مسألة أكثر من الاهتمام بمئات الآلاف من السوريين الذين غيبهم النظام الأسدي، ولا يقبل اليوم أيًا من الشعب السوري المغيب أبناءه كل الذرائع والحجج التي تبرر انشغال المعارضة بأي مسألة يمكن أن تتقدم على قضية المعتقلين والمغيبين قسريًا، إنها القضة الأهم والأساس،ـ ويسقط في مزابل التاريخ كل من لا يوليها الأهمية الجدية المطلوبة، ولايعيرها الوقت اللازم، ويضعها في أولوياته الأساسية، لأنها باتت القضية السورية الاهم لدى كل السوريين الذين ينتظرون أبناءهم على أحر من الجمر.