تعليق على حلقة الدكتور أسامة القاضي بشأن سورية ونموذج ألمانيا الغربية

د. مخلص الصيادي

 رغم المكانة الاقتصادية  العلمية للدكتور اسامة القاضي، وتجربته المتواصلة في المعارضة السورية التي يمثلها الائتلاف. إلا أن ما طرحه في هذه الحلقة ينم عن ضعف شديد في قراءة مكونات الملف السوري، وكذلك في معرفته لمكونات الملف الألماني الذي اتخذه نموذجا قاس عليه، وطالب باعتماده في حل الأزمة السورية، ولجوئه الى حشد الأرقام للميزانيات، والتكاليف، ومشروع مارشال لنهوض المانيا، والثروات السورية، واحتياجات سوريا،وتوقعات النمو لسوريا “المفيدة” التي يتخيلها، كل هذا الحشد لم يقدم معلومة مفيدة، لأنه في الأصل بني على قياس خاطئ.

المعروض في الحلقة يمكن نقضه بالكامل، بعد التوكيد على ما جاءت عليه من تعقيد المسألة السورية. وعقم مسارات التسوية الراهنة وعدم جديتها.

ولسبب الاختصار سأكتفي في الوقوف على نقاط مركزية طرحها، وكان الطرح يتأرجح بين الخطأ والتبسيط المخل:

1- المقارنة بين وضع المانيا الخارجة من الحرب ووضع سوريا الراهن لا معنى له لأنه لا توجد أوجه للمقارنة:

** في النموذج الالماني، كان هذا البلد مهزوم في حرب عالمية هو وحلفاؤه وجاءت الهزيمة كاملة والاستسلام غير مشروط،

** وفي النموذج الالماني كان هناك اتفاق بين الدول المنتصرة على تصفية الدولة الألمانية، وتصفية القيادات الألمانية العسكرية، والإدارية والعلمية تصفية جسدية، وجاءت محاكمات نورنبيرج نموذجا من نماذج التصفية بخلاف التصفيات المباشرة.

وما حدث لألمانيا في هذا الجانب حدث لحليفتها اليابان، التي استخدم في تحطيمها السلاح النووي في هيروشيما. وناغازاكي.

** وفي النموذج الألماني كان وجود قوات الحلفاء، السوفييت والغربيين شرعي بحكم أنهم المنتصرون في حرب غطت العالم كله، وما حدث في المانيا من تقسيم هو نتيجة من نتائج تقاسم النفوذ بعد صمت المدافع.

2- تولد عن الحرب العالمية الثانية انقسام العالم الى معسكرين، برؤى سياسية واقتصادي وفكرية متناقضة تعمل على حشد العالم من خلفها، ومن هنا ولد مفهوم المعسكرين، الشرقي والغربي، ولاحقا ولد الذراع العسكري لكل من هذين المعسكرين” حلف الناتو، وحلف وارسو”.

3- في ظل هذه البيئة فإن انهيار المجتمع الألماني، وكذلك المجتمع الياباني، ولا حقا المجتمع الكوري الجنوبي، كان يعني ولادة فرص حقيقية لبروز قوى شيوعية في هذه البلدان تقدم النموذج السوفياتي المنتصر على النازية، نموذجا لإعادة بناء هذه البلاد وفي ذلك خطر وخسارة كبيرة للولايات المتحدة، وللنظام الغربي الرأسمالي.

4- تعتبر المانيا عماد القارة الأوربية، والقارة الأوربية الغربية تمثل أمن قومي للولايات المتحدة، كما تمثل اليابان وكوريا الجنوبية نقاط ارتكاز للأمن القومي الأمريكي في جنوب شرق آسيا.

لكن سوريا على أهميتها لا تمثل أي قيمة من القيم المشار إليها سابقا، وكن يختزن بعضا من هذه الأهمية هو الكيان الصهيوني، والمملكة العربية السعودية “الطاقة”، وتركيا”الناتو”.

4- تحدث الدكتور القاضي عن عجز وسخف مسار استانا، وعن عجز وهوان القرار الدولي 2254، ولا خلاف على التوصيف، لكن هذا لم يكن ليحدث لولا أن الولايات المتحدة تريد ذلك، ومن المفروض أن يكون الدكتور اسامة بحكم تجربته في الائتلاف من أكثر المطلعين على الموقف الحقيقي للولايات المتحدة، وللكيان الصهيوني، ولبريطانيا وفرنسا، وكيف أن لهؤلاء مجتمعين يد حقيقية في أن يكون راهن الوضع في سوريا على ما نراه.

5- ثم إنه بات مؤكدا بأن التدخل الروسي الى جانب النظام في سوريا في 30 سبتمبر 2015 جاء بتوافق أمريكي روسي، ثم دعم بتنسيق وتفاهم روسي اسرائيلي.

6- في المانيا اعتمد الغرب القيادات الالمانية المعارضة ممثلة للشعب الالمانية. وقائدة للمرحلة الجديدة، وليس هناك جسم قيادي للمعارضة السورية معتمد بحق من أي جهة خارجية، لقد ظهرت لفترة وجيزة فرصة تشكيل قيادة موحدة للمعارضة، لكنها سرعان ما وئدت سواء بفعل تجاذبا الحلفاء ورغباتهم بتمرير أجنداتهم الخاصة، أو بفعل أن الأزمة السورية كانت أكبر بكثير من هذه “المعارضات”.

7- من غريب أن الدكتور اسامة يبدي ثقة غير مفهومة بالجانب الأمريكي، وبأن ممكن له أن يقود عملية توحيد وسيطرة على المناطق الموزعة في سوريا بين السيطرة التركية، والأمريكية، وقد تصل الى الحراك الثوري في السويداء وغيرها، وأن تقوم هي بعد ذلك بفتح الطريق لاستنساخ تجربة الماني الغربية، وحماية هذه التجربة وتأمين احتياجات التمويل والأمن حتى تعطي ثمارها.

منطق غريب، بل ومريب، ولعل ما فعله المحتل الأمريكي في العراق ما زال حيا وطازجا، ويعطي صورة لا يختلف عليها اثنان عن بشاعة الجهد الأمريكي في المنطقة.

8- لم يحدثنا الدكتور القاضي عن مصير التحالف الأمريكي مع قسد، ونموذج الحكم الذاتي الذي تفرضه هذه القوات الانفصالية في مناطق سيطرتها.

لا شك أن الملف السوري شديد التعقيد،  ولكن ما يطرحه القاضي شديد التبسيط والاستخفاف،

ويمكن قول الكثير بشأن الدور التركي، ودور دول الخليج العربية، والدور الايراني، لكن ما ذكرناه كاف في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى