ضمن سلسلة شهادات سورية التي توثق مواقف أصحابها من الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م . صدرت شهادة رؤى الابراهيمي بعنوان لم تنته الحكاية بعد. وهي عبارة عن اضاءات اقرب لقصص صغيرة تترابط كلها في واقع الحال السورية المعاشة في سنوات الثورة الأولى…
لم تبحث الكاتبة عن لماذا حصلت الثورة السورية ؟. وكأن ذلك من البديهيات. ولم تقف امام من المسؤول عن تحول الثورة السورية من السلمية الى العنف ؟. وكيف أصبح القتل والتدمير والتشريد سيد الحالة المعاشة داخل سوريا ؟. دون الحديث المباشر عن الفاعل الرئيسي في ذلك وهو النظام المستبد الظالم السوري…
تعتمد المتابعات الأقرب للقطات الصور او قصص تحكي فيها عن حالات عاشها السوريون افرادا ومجتمع.
قصة: الجندي في إجازة.
تدخل الكاتبة في وجدان الجندي الذي التحق بالجيش قبل الثورة بقليل وكان دوره القيام بمواجهة المتظاهرين وبعد ذلك مجموعات الجيش الحر. معاناته انه مجبر على القتل فإما قاتل أو مقتول غير مقتنع بعدالة ما يفعل ولكنه مرغم على الفعل. يعود إلى أهله في اجازة وهو يحمل هم الدنيا على ظهره. يدرك أن آخرين يعودون الى أهلهم بتوابيت مغطاة بالعلم السوري شهداء كما يدعون. كذلك في الطرف الآخر من جهة الثورة هناك منتصرين اليوم شهداء غدا… الكل مقتول في معركة الكل فيها خاسر…؟!!.
كذلك الحال تطل الكاتبة في قصة الشهيد وقصة العسكري الذي لا اعرف اسمه. الى ذات المضمون عن شباب يموتوا و يقاتلوا في سوريا من جميع الأطراف دون معرفة من يخدمون وما هي شرعية حربهم وما هو ثمن موتهم وحياتهم. هم أدوات الموت في لعبة أكبر منهم…
قصة ندم:
تطل الكاتبة على قضية مهمة حيث أتى جنود حزب الله اللبناني الى دعم النظام في مواجهة ثورة الشعب السوري. جاؤوا للقصير محررين كما ادعوا ، التقى أحدهم بواحد من أهلها تذكر انه ذلك الرجل الذي استقبله في بيته عندما شردتهم القوات الإسرائيلية عندما احتلت أجزاء من لبنان ووصلت إلى بيروت عام ٢٠٠٦م. وان اهل القصير كما كل سوريا استقبلوهم وعاملوهم وكأنهم اهلهم. وها هو الآن جاء ليحرر القصير من الإرهابيين وتبين أنه يحررها من أهلها ويقتلهم لخدمة نظام ظالم . يقتل من استضافه يوما…
قصة : كنت انتظر شيئا آخر.
الشابة التي قررت أن تشارك صديقها في التظاهر ضد النظام. بعد تردد ومواجهة ممانعة اهلها. انتظرته أن يأخذها للتظاهر لكنه لم يأتي. تأخر كثيرا ثم ظهر على التلفاز بصفته ارهابيا يخدم قوى تعادي سوريا ونظامها المقاوم…
من يومها لم تتخلف عن اي مظاهرة تحصل…
قصة :على الرصيف انتهى كل شيء.
الاب الذي اصر على ابنه أن لا يخرج للتظاهر. الابن خرج والاب يخاف، النظام انتقل إلى مرحلة القصف والبراميل المتفجرة والحصار والقتل العشوائي…
الابن يتظاهر وبعد قليل حضرت الطائرة واسقطت حمولتها. قريبا من البيت خرج الوالد ليتفقد ما حصل وصل الى الرصيف وجد ابنه مصابا بجوار آخرين ودماء وأشلاء الابن يلفظ انفاسه الاخيرة. الاب عاجلته شظية في رأسه وقضى بجوار ابنه… هذا واقع النظام المجرم بحق الشعب السوري…
قصة: كأنهم لم يزرعوا الزيتون.
لم يغب عن الشعب السوري التفاف اغلب الطائفة العلوية حول النظام الذي احتل الطائفة واخذ اولادها ليكونوا أدوات قتل ولتحقيق مصالح صغيرة ويكونوا ضد ذاتهم في المحصلة النهائية. اصرّ المعارضين من الطائفة على ان يكونوا جزء من ثورة الشعب السوري. حملوا أشجار الزيتون واخذوها الى دوما متضامنين مع ثوارها. استقبلهم الناس بحب وامتنان ومع ذلك لم يرتدع النظام عن حربه على الشعب وكان الضحايا يسقطون كل الوقت من مواليه ومعارضيه فعاش على جماجم شعب أصر على التحرر منه…
قصة: انا مهجّره وانا ابحث عن ذكرياتي الضائعة.
هي من احدى احياء حمص التي ثارت. بعد أن زادت حدة العنف من النظام على حييهم. قرروا مغادرته إلى مكان أقل خطورة على حياتهم. كانت بصحبة زوجها. حيث تواجدوا ابتدعت أسواق لبيع الحاجات المنزلية بتنوعها. تعرف هي وكل من يرتادها انها اغراض مسروقة من البيوت التي دخلها جيش النظام وشبيحته. يبيعونها بالرخص. وهم مضطرون للشراء . بحثوا عن ما يحتاجونه، وصلوا الى فناجين القهوة واكتشفوا انها اخذت من بيتهم. بلعوا غصّتهم وبكائهم اشتروها وغادروا يجترون المهم ومحنتهم…
قصة: للمكان سلطة الحياة علينا .
حصلت الثورة السورية، حمص أصبحت عاصمتها. في الحي القديم كان التآلف بين مكونات الشعب السوري على أشده. مسيحيين ومسلمين. كان الأب فرانس يخدم الكل في كنيسته يقدم ما يستطيع من مساعدة وعندما حوصر الحي لم يخرج منه وبقي مع من بقي. وعندما تم ترحيل أحياء حمص المحاصرة بعد مصالحات الأمر الواقع مع النظام ٢٠١٤م. كان مصير الأب فرانس الاغتيال بعد دخول النظام. لقد عاقبوه على وقوفه مع مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. ولانه اكد بسلوكه ان النظام لا يحمي الاقليات السورية بل يظلمها كما يظلم كل السوريين…
قصة: بقي يتيما التبني ممنوع.
رجل وزوجته وابنه الصغير من حلب كانوا قد غادروها عندما اشتد الصراع بين النظام والثوار. وبعد أن هدأت الأمور نسبيا. وسيطر النظام على حلب مجددا. قرروا العودة هو وزوجته لزيارة بيته وتفقده. وصلوا الى احياء حلب المستعادة وجدوها شبه خالية. قصدوا أحد البيوت التي كانت مأهولة. استقبلتهم اسرة أرمنية. اخبروهم عن مقصدهم وتركوا عندهم طفلهم الصغير. كان الطفل سلوة اولاد العائلة. تابع الزوج وامرأته ذهابهم الى حيهم، اذهلهم مقدار الدمار والوحشة وغياب البشر. وصلوا هالهم أن يجدوا ان بيتهم شبه مدمر وأنه لم يبقى منه وما كان فيه غير اطلاله. وهم على هذه الحال جاءت طائرة النظام الحربية ألقت برميلا متفجرا اصابتهم وقتلتهم… وصل الخبر للعائلة المحافظة على
الطفل.. لم يقبل المسؤولين ورجال الدين ان يتبنى الطفل من العائلة ولا أهل له. خاصة أن العائلة الحاضنة مسيحية… لا حول ولا قوة الا بالله. .
قصة: كل شيء تحت السيطرة.
عندما تكون في سوريا فحتى تنفسك تحت المراقبة أحدهم يتصل به ضابط أمن يخبره أنه مطلوب للأمن لأنه يسيء للنظام في منشور له على الفيس بوك. وهو كان قد قرر أن يعتزل ما حصل في سوريا. ولم يقترب من أي موضوع يتحدث عما حصل. مع ذلك واجهه الضابط وهدده وجعله يعلن ولاءه في صفحته ويكتب داعما النظام. لقد ادرك ان لا حل أمامه بعد التهديد والوعيد وبعض التعذيب انه مجبر على الانصياع والا العاقبة مؤلمة جدا…
قصة: ما الفرق بين الاعتقال والخطف.
رجل ثمانيني يعيش بحاله يحمل بعض حاجاته الشخصية متوجها الى بيته. توقفت سيارة بجواره يظهر أنها تابعة لجهة أمنية. يلومونه بخشونة ثم يعتقلونه. يسألهم لماذا اعتقل ؟. ولا يجيبون يحتجزونه في مكان لا يظهر انه مكان امني. لكن الضباط والعناصر هم من ذات الاجهزة الامنية بصفتها الطائفية العلوية ولهجتها وعنجهيتها وتسلطها وعنفها. بعد ايام وبعد تحقيق شكلي يطلبون منه فدية للإفراج عنه. مبلغ طائل يكاد يكون مساويا لكل ما جناه في حياته. لم يستجب ثم فاوضهم. اعطاهم نصف ما طلبوا ومن ثم تركوه…
فكر هل من اختطفه يختلفون عمن اختطف البلد كلها ثم باعها للشيطان…
قصة: سيكلمك الله ويضحك إليك.
توثق هذه القصة كيفية غسل دماغ الشباب السوري الضائع في هول ما يحصل في سوريا حيث تحتضنهم داعش أو جبهة النصرة. ذلك الشاب الصغير المجهز ليقوم بعملية تفجير على حاجز في مدينة معلولا…
الله يحبه ويصفيه وينتظره حتى يدخله جنته ويجعله يعيش النعيم دائما وابدا…
نعم السؤال هنا من صنع النصرة وداعش ؟. للنظام يد.
لماذا يلتحق الشباب بها ؟ لأن لا مخرج من الظلم والموت المعاش يوميا إلا بأن يصبح الشاب جهاديا وينتقم.
ومن المستفيد؟ كل اعداء الشعب السوري اولهم النظام الذي روج لوجود إرهاب في سوريا وليس ثورة. واستفاد العالم كله من دعم النظام ومن وقف يتفرج على مقتلة الشعب السوري. للكل مصلحة فيما حدث.
قصة: احاسيس غير مكتملة.
هي تعيش في بلاد الغربة. افتقدت لبلادها وبعد مضي سنوات على الثورة السورية. أرادت العودة لترى مدينتها حمص وتزور بيت اختها هناك. عادت والتقت بأختها التي كانت مهجرة خارج حمص لكن بعد عام ٢٠١٤م عاد اهل حمص إليها. عادت مع اختها الى حمص الخاوية المدمرة باحيائها التي كانت ثائرة. بحثت اختها عن بنائها الذي كانت تسكنه وعن بيتها فوجدته اطلال. عندها أكدت خيبتها من حنينها وتمنت لو بقيت حمص وبيتها في ذاكرتها كما تركتهم سابقا ولم تأتي لتراهم جثة هامدة…
قصة: كلحظة صعود الروح.
احبا بعضهما كثيرا وانتميا الى الثورة وشاركوا في كثير من المظاهرات. اعتقلا سوية وتعرضا للتعذيب وصبرا كثيرا وكل الوقت يحلمون بالخروج من المعتقل للعودة الى التظاهر والمطالبة بالحرية. خرجوا من المعتقل. افتقدها كثيرا لم يعد يلقاها لكنها بقيت ساكنة بنفسه. إلى ان جاءه الخبر عبر فيس بوك انها تتزوج ليس هو العريس الموعود. بل آخر اخذ مكانه…
عاش إحباطه وادرك انها هذه هي الحياة ؟!!.
قصة: يارب ابحث عنك.
رجل الدين المسيحي يقوم بواجباته الكهنوتية مع المؤمنين القاصدين الكنيسة. ينتهي من واجباته. يقصد غرفته الصغيرة في الكنيسة يخلع عنه البسة الكهنوت يعود إنسانا عاديا. يقف أمام ايقونة السيد المسيح ويخاطب الرب ويسأله عن ما يحصل في بلاده من ظلم مستدام على الناس. يحاوره الرب أن تخل عن ذاتك و تزهد وتعبد. لكنه يتابع تساؤلاته. اين انت يا الهي لماذا لا تتدخل لرفع المظلومية عن الناس. يحاوره الرب انك تجدف، وهو يصر في تساؤلاته. ما فائدة رب لا يساعد عباده المظلومين ويحميهم من ظالميهم ؟.…
ينتهي الحوار دون نتيجة ويغط الكاهن في نوم عميق أو موت مريح…
تنتهي الشهادة بعتاب الكاهن لربه عن عدم تدخله لإحقاق الحق وقمع الظالمين. هذا تساؤل كل المؤمنين من كل المذاهب والأديان . والجواب بالطبع ليس عند الله الذي خلق البشر وتركهم لأعمالهم وحياتهم وحسب تصرف كل فرد وحسب مسؤوليته وما يفعل سيحاسب عند الله في الآخرة فأما الجنة وإما النار. أما في الدنيا فكل ما نعيش فهو مسؤوليته علينا ونحن نجني ما نعمل.
هذا ما اعتقد…
تعقيبي ايضا على هذه الشهادة التي كتبتها رؤى الإبراهيمي التي يبدو أن دينها المسيحية. فهي شهادة من مسيحية سورية أرادت القول ان اغلب المسيحيين السوريين الذين كانوا من فئة الصامتين في الثورة السورية. لم يكونوا من القابلين بواقع المظلومية المجتمعية العامة ولا من المصدقين ادعاء النظام بأنه حامي الأقليات، ورفضوا الظلم الذي انصب على أغلب السوريين الذين قاموا بالثورة. هي شهادة مهمة. أن التقية التي ارتكن لها اغلب المسيحيين قد تجعلهم مقصرين بحق الثورة. كما أن الكثير من بقية الشعب السوري من كل الفئات آثر الصمت خوفا وحفاظا على الحياة. حدود خطأ هؤلاء الناس لا يصل للتخوين الديني أو الطائفي. وعندما يستطيع اي فرد او فئة او طائفة أن ترفع صوتها فلن تقصر عن تعبيرها بانتمائها للثورة السورية وأهدافها العظيمة بإسقاط الاستبداد وبناء دولة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل لكل السوريين…
نموذجنا الاجمل الآن أهلنا في السويداء يعلنون ولادة الثورة مجددا بتألقها ونقائها ووضوح أهدافها ومقاصدها…