قراءة في شهادة : غرفة تطل على الحرب

أحمد العربي

ضمن سلسلة شهادات سورية، التي تتحدث عن الثورة السورية. صدرت شهادة الصحفية الفرنسية ايديت بوفييه : غرفة تطل على الحرب.

تتناول ايديت ما حصل معها في ذهابها لتوثيق حدث الوضع في سوريا مراسلة لصحيفة لو فيغارو الفرنسية. وهي تتابع منذ سنوات مناطق التوترات والنزاعات في اي مكان في العالم. لقد ذهبت الى العراق لتوثق خروج القوات الأمريكية من هناك عام ٢٠٠٦م. كما كانت قد ذهبت لمتابعة تنفيذ اتفاق تقسيم السودان وتابعت الوضع على الأرض في جنوب السودان  الذي أعلن دولة مستقلة عام ٢٠١١م…الخ.

وما ان بدأت الثورة السورية في ربيع ٢٠١١م حتى جاء الكثير من الصحفيين من دول العالم وخاصة الغرب لتوثيق ما يحصل…

تبدأ شهادة ايديت من مجيئها الى تركيا في الأشهر الأخيرة من عام ٢٠١٢م ودخلت عن طريق الناشطين السوريين من أبناء الثورة السورية بمساعدة الجيش الحر الذي كان قد بدأ بالتشكل لمواجهة النظام الذي أصبح أكثر عنفا ووحشية. وبدأ يسقط الكثير من الضحايا من الشعب السوري في أغلب البلدات السورية. بصحبة الجيش الحر والناشطين الثوريين استطاعت ايديت الوصول الى حي بابا عمرو في مدينة حمص التي اصبحت عاصمة الثورة السورية. حيث أثبت الحي صمودا في وجه النظام الذي كان قد صعد حربه على الحي وبدأ معركة أرض محروقة تجاهه، قصف وتدمير وحصار. اغلب سكانه البالغين مئات الالاف قد هربوا وتهجروا من القصف وحفاظا على الحياة. كما فرض النظام عليه حصارا شاملا بحيث أصبحت الحياة داخله قاسية جدا حيث النقص في كل اسباب الحياة…

وصلت ايديت الى هناك وسرعان ما تلقفها الناشطين الميدانيين هناك وكان معها صحفيين آخرين جاؤوا من اغلب الدول الاوربية ليقوموا بنفس الدور. كان الناشطون حريصون جدا على وجود هؤلاء الصحفيين وعلى توثيقهم لما يحصل في سوريا حتى تصل الصورة على حقيقتها الى الخارج ، خاصة أن آلة النظام الاعلامية تخفي الحقائق وتزيّفها. كما كان النظام حريصا على عدم وصول هؤلاء الاعلاميين الى الداخل السوري حيث يقوم بحربه الوحشية على الشعب السوري، وان وصلوا كان حريصا على اعتقالهم ومساومة دولهم عليهم. وإن لم يستطع كان يقتلهم حيث هم ويتهم الثوار بقتلهم لكونهم إرهابيين، هذا غير حرص الثوار والناشطين السوريين على اظهار حقيقة الوضع في سوريا بانها ثورة شعب يريد الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية لعل يد الغرب تمتد لمساعدة الشعب السوري خاصة في سنوات الثورة الأولى، قبل ان يتضح صمت العالم عن فعل النظام وتركه يقتل ويشرد الشعب السوري ويدمر سوريا والعالم كله اعمى ابكم اصم…

استهدف المركز الصحفي الإعلامي الذي جهزه ثوار بابا عمرو في إحدى الشقق في قلب الحي من قبل النظام الذي قرر قتل من فيه و تدميره. قصف النظام المركز بدقة اصيبت ايديت بكسر متبدل في ساقها  وقتل صحفي وصحفية والبعض لم يصب بأذى، كان زميلها الذي جاء معها منهم، سرعان ما بدأ إسعافها بمساعدة النقطة الطبية في الحي وقاموا بإجراء عملية جراحية بدائية لمعالجة و تجبير كسر ساقها. نجحوا إلى حد ما. وفي ذات الوقت تحولت ايديت الى عبئ على الناشطين والثوار واصدقائها الصحافيين، يجب مراعاتها ومعالجتها وحمايتها . مع العلم ان الهجمة على حي بابا عمرو زادت حدة والحصار زاد وأصبحت الحياة فيه مستحيلة. وبدأ يفكر الثوار بمغادرة الحي. عن طريق نفق سري كانوا قد حفروه من الحي إلى خارجه. وبالفعل بدأ الناس والناشطين بالهروب عبر النفق. وضعوا ايديت على نقالة بدائية مع كل ما صاحب ذلك من إيلام لها و عبئ على الثوار الذين تجندوا لحملها داخل النفق. ساروا الى ان وصلوا الى نقطة داخل النفق علموا بحصاره ومهاجمة مخرجه من قوات النظام. عادوا ادراجهم الى بابا عمرو مع ما يعني بالنسبة للجميع من عبء ومعاناة وآلام مبرحة لايديت التي كانت تأمل بخروجها من الحي وترحيلها الى فرنسا بعد ذلك…

أعيدت ايديت إلى مركز طبي جديد مع بعض من تعرفهم من الطاقم الطبي مع بعض الناشطين الذين كانوا يرعونها ويهتمون بها بكل ود ومحبة. لقد قرر الناشطون البحث عن طريق آخر غير النفق لإخراج ايديت من حي بابا عمرو . وبالفعل استطاعوا إخراجها من هناك عبر احدى العربات باستخدام الرشوى على احد الحواجز على مدخل بابا عمرو. ومن هناك بدأت رحلة الانتقال من مكان لآخر لتصل الى لبنان بعد ذلك. اسعدها التفاف الناس حولها والقيام بمساعدتها في كل مراحل تنقلها وهي مصابة حتى وصلت الى لبنان. لتجد أن طاقم السفارة الفرنسية هناك بمسؤوليها بانتظارها طبعا كانت مع رفيقها الصحفي الاخر. كانت فرحتها باتصالها بوالدتها ووالدها واطمئنانهم عليها. وكذلك اتصال الرئيس الفرنسي ساركوزي بها للاطمئنان عليها ايضا.

لقد استطاعت الوصول الى فرنسا استقبلها الرئيس هناك. تعالجت على مدى اشهر ووثقت تجربتها هذه وبدأت التفكير بالذهاب الى مناطق نزاعات اخرى لمتابعتها…

هذا مسار شهادة ايديت على مستواها الشخصي لكن في الشهادة جوانب أخرى قد تكون أكثر اهمية. لقد كتبت عن سوريا عام ٢٠١٢م حيث النظام قد زاد عنف حربه على الشعب السوري. كما كانت قد جاءت ايديت في زيارة سابقة لها إلى سوريا في عام ٢٠١١م بعد مضي أشهر على الثورة ووصلت الى جبل الزاوية الذي بدأ يتشكل به كتائب الجيش الحر وبدأ في التحرر من النظام وبدأ يخوض حرب عصابات مع النظام جلست فيه هناك فترة من الوقت وكتبت عن ذهابها الى هناك…

كما تحدثت ايديت عن نظام الحكم في سوريا وبنيته الطائفية العلوية منذ عام ١٩٧٠ تاريخ سيطرة الأسد الاب على الحكم في سوريا. وسردت قمع النظام منذ ذلك التاريخ للشعب السوري ذاكرة أحداث الثمانينات وعشرات آلاف الضحايا من الشعب السوري الذين سقطوا في حماة وغيرها من المدن. كما عرّجت على الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وان الحال في سوريا مختلف عن بقية دول الربيع العربي…

هذا غير توثيق ايديت انخراط الناس جميعا في بابا عمرو في الثورة وهم نموذج سوري في الثورة على النظام ولكل أسبابه في ذلك من مظلومية اجتماعية وسياسية واقتصادية أصابت بأذاها اغلب الشعب السوري. وأن تذوق الناس لاحساس الحرية جعلهم مستعدين لتقديم كل التضحيات للاستمرار في الثورة والانتصار على النظام. كما ركزت على العنف الاعمى للنظام الذي كان أغلب ضحاياه من الأطفال والنساء والناس الابرياء السوريين…

تنتهي شهادة  ايديت في أواخر سنة ٢٠١٢م للثورة السورية حيث كان قد توثق مقتل حوالي خمس وعشرين ألف انسان سوري حتى ذلك الوقت هذا غير المصابين والمعتقلين والهاربين وغير تدمير الكثير من الأحياء والبلدات. ونحن الآن بعد مضي اثنا عشر سنة على الثورة السورية نعلم أن الضحايا حوالي المليون انسان ومثلهم مصابين ومعاقين وان اللاجئين والهاربين من سوريا إلى خارجها حوالي ١٣ مليون إنسان وهم نصف الشعب السوري. واغلب البنى التحتية مدمر هذا اضافة لبعض المدن والبلدات على مساحة سوريا كلها…

كما لفت نظري الاهتمام الكبير من دوائر الدولة الفرنسية ومنهم الرئيس بصحفيين ينتمون لهم. حيث تابعوهم لإخراجهم من سوريا واستقبالهم كأبطال ومعالجتهم وإعطائهم الاعتناء والاهتمام اللازم… بينما النظام السوري قتل الشعب وشرده ودمر البلد على رؤوس من فيه..

قياس مرّ…

واقع حال سوريا اليوم دولة محتلة ومقسمة بين الروس والايرانيين والميليشيات الطائفية والامريكان وحزب العمال الكردستاني الانفصالي. شعب مشرد في دول الجوار والعالم. من تبقى في حالة فاقة وخوف وضحية القمع والقتل كل الوقت…

هناك في الأفق نور امل يبزغ في السويداء حيث اهلنا الذين أعلنوا الثورة مجددا بشعاراتها  اسقاط النظام المستبد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية وصون الكرامة الانسانية ومحققة الحرية والعدالة والحياة الأفضل…هل بدأت شمس سوريا بالاشراق.؟.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى