مع الهبوط الحاد، غير المسبوق لسعر صرف الليرة السورية، وتجاوزها 2500 مقابل الدولار الأميركي حتى كتابة هذه السطور (والحبل على الجرار!) أصبح ملايين السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والمناطق المحررة، مهددين بالمجاعة بعد أن هبط مستوى المعيشة الى ما دون خط الفقر بكثير، وبات معظمهم مهددين بالأمراض، والاعتلال البدني والنفسي، ومواجهة شبح إضافي من أشباح الموت التي يعيشون تحت رحمتها.
خلال سنوات الثورة الماضية استخدم النظام سياسات التجويع والافقار والحصار والحرمان من ماء الشرب أسلحة فتاكة لتركيع السكان في المناطق الخارجة عن سيطرته، مما اضطر المحاصرين لأكل خشاش الأرض ولحوم الحيوانات النافقة، أما اليوم، فإن الجوع بدأ يفتك بعموم السوريين بمن فيهم حاضنته، وهو ما يهدد النظام بانتفاضات جوع لا يمكن التنبؤ بمداها وآثارها، وانعكاساتها عليه، في ظل أزمته الداخلية المستشرية، وعطبه البنيوي، مع قرب وضع ما سمي بقانون سيزر (قانون حماية المدنيين) موضع التنفيذ في 17_ 06/ حزيران الحالي، الذي من المرجح أن يكون قاسيًا وقاهرًا، ومؤثرًا كما في تجارب مشابهة، ونظرًا لمضامين القانون وتفصيلاته، الأمر الذي يتوقع أن يعجل بسقوط النظام، والتخلص منه، بعد أن أصبح عبئًا على داعميه، وبعد أن دمر سورية، وشرد شعبها، وفتح شهية كل الطامعين للتدخل فيها والمشاركة في احتلالها، وهو الأمر الذي عزته واشنطن صراحة لهذا القانون، بحسب ما جاء على لسان مبعوثها إلى سورية، جيمس جيفري، الذي طالب الأسد بعملية سياسية “ليس بالضرورة أن تفضي إلى تغيير النظام” تجاوزًا للأزمة الاقتصادية الخانقة في ما كشف عنه بأنه عرض أميركي للأسد الصغير.
الأزمة الحالية لها أسبابها العديدة، التي يعرفها عموم السوريين، وهي أبعد مما يقوله النظام وإعلامه عن “المؤامرة الكونية” ضده بسبب قانون سيزر، فهي تتعلق بأزمة لبنان، وإغلاق البنوك والمصارف هناك، وشبه إفلاسها، التي كانت بمثابة رئة يتنفس من خلالها، كما تتعلق بتردي الوضع الاقتصادي لداعميه (إيران_ روسيا)والأهم من كل ذلك سياسات النهب والسلب والفساد التي بدأت مع نظام الأسد الأب واستشرت في عهد الابن، وصولًا إلى سنوات الثورة (السنوات التسع الماضية ) التي ساهمت فيها سياسات التدمير الممنهج، والمنظم، إلى توقف عجلة الاقتصاد بشكل شبه كامل، وزاد على ذلك اضطرار النظام لشراء النفط والغاز السوريين من الجهات التي وضعت يدها عليهما، في إطار خروج تلك المناطق عن سيطرته، وصرف كل ما لديه على شبيحته وميليشياته، وجيشه، لتأمين مستلزماته في حربه على شعبه.
مؤشرات الفقر والجوع كانت بادية من قبل الثورة، فقد كانت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر، حينها، تصل إلى 20%، وفي صيف 2013 نبه وحذر المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي بأن هناك حوالي مليون ونصف المليون من السوريين مهددون بالهلاك جوعًا.
خطر الجوع القادم الذي يتهدد السوريين ستكون له عقابيله وآثاره القريبة والبعيدة عليهم، فكما يقال: “الجوع يبتكر أخلاقه” و” الفقر يقضي على جميع الفضائل”، خصوصًا إذا طالت مدته، ولم يشعر المجتمع الدولي بضرورة التحرك السريع لوضع نهاية نظام جلب كل هذه الكوارث على شعبه، وتسبب بكل هذه المآسي، وأولها وآخرها جرائم ضد الإنسانية موصوفة وموثقة، وفي حيازة العالم ومؤسساته الدولية كل تفاصيلها الدقيقة، وليس تغيير سلوك النظام كما جاء في حديث جيفري المشار إليه آنفًا، في لقائه مع الجالية السورية في أميركا.
في آب/ أغسطس 2013 كتبت تحت عنوان: حذار أن يجوع الشعب السوري، نشر في الأيام، أشرت فيه إلى المخاطر المحدقة بالشعب السوري جراء أزمة الجوع، والتجويع، حينها، وتوقفت عند نتائج ذلك على مستويات التعليم والصحة والأمن وغيرهما، وهو ما يبدو الآن واضحًا، وقد أصبح أكثر خطورةً، لا تنفع معه مساعدات شحيحة من هنا أو هناك، سواء على مستوى الأفراد أو المنظمات، لأنها أزمة نظام مع ذاته وشعبه والعالم بأسره.
لا شك أن ذلك مؤلم لعموم السوريين في الداخل والخارج، وخارج تصنيف من مع النظام أو ضده، ومن في صف الثورة أو ضدها، لأنها قضية أخلاقية وإنسانية، الجميع متضررون منها، وضحاياها، ولكنها لحظة ليعيد التفكير فيها كل السوريين، ولتكون مدخلاً لهم جميعًا، لمواجهة ما يهددهم وما يحدق بهم، بعد أن أصبح أكبر أمنياتهم ربطة خبز سعرها تجاوز ال 600 ليرة سورية، في ظل تدني المداخيل التي لا تتجاوز 20 دولار للخريج الجامعي.!!
مرة أخرى حذار من الجوع الذي يشكل خطرًا مضافًا على سورية وشعبها، يضاف إلى مخاطر التقسيم والتفتيت والإحتراب الأهلي، وقبل ذلك وبعده خطر الاحتلالات وجماعات التطرف والإرهاب.
المصدر: صحيفة اشراق