قراءة في كتاب: مغلقة بسبب الإصلاحات  – شهادات سورية –

أحمد العربي

عن بيت المواطن للنشر والتوزيع وضمن سلسلة شهادات سورية التي تنشر وجهة نظر سوريين بواقع حال سوريا قبل ثورتها في ربيع عام ٢٠١١م وبعدها. على شكل شعر او نثر…

منذر المصري شاعر وكاتب وفنان تشكيلي سوري من مدينة اللاذقية من جيل الأربعينات من القرن الماضي. يعتبر نفسه صوتا معارضا سوريا منذ القديم إلى الآن…

مغلقة بسبب الإصلاحات هي عبارة عن نصوص منفصلة مكتوبة ومنشورة في بعض المجلات والصحف، وهي ترصد واقع الحال السوري من وجهة نظره، وهو ابن مدينة اللاذقية ويعيش فيها ولم يغادرها ابدا، نصوصه هذه مكتوبة في عامي ٢٠١٥ و٢٠١٦م والكتاب نشر في عام ٢٠١٧م…

منذر مصري ابن مدينة اللاذقية يعيش شغفه بها، يتذكر حياته فيها، ويستعيد ما مرّ عليه وعلى اللاذقية وعلى سوريا كلها بعد ثورة ٢٠١١م. فهو يقر من حيث المبدأ أن لدى الشعب السوري ما يبرر له ثورته. بدء من التظاهر ومرورا بتطورات ما حصل في سوريا. قمع المظاهرات القتل والتدمير والتهجير من قبل النظام وحلفاؤه، ظهور الجيش الحر كمدافع عن المتظاهرين والشعب السوري بإمكانياته المتواضعة، انحراف بوصلة العمل المسلح وركوب موجة الثورة من قبل قوى خارجية تدعمها بتواضع و لأهداف ذاتية مصلحية، وانتقال النظام إلى عنف غير مسبوق يمكن تسميته حرب على الشعب السوري…

لا يمكن اغفال ان منذر المصري ابن اللاذقية والسني المذهب واليساري التوجه والمعارض للنظام بالفطرة، وأنه يكتب ما يوحيه له ضميره تجاه ما يحصل في سوريا، وهو داخلها لا يخاف من اعتقال او قتل او محاسبة، كان ذلك ملفتا.

بقيت مدينة اللاذقية بمنأى عن التطورات الكارثية التي حصلت في أغلب المدن والبلدات السورية، مثل حمص وحلب وداريا والمعضمية …الخ . تحدث عن الفساد والمحسوبية والتسلط وغياب الديمقراطية. وتحدث عن خطأ الخيار العسكري الذي اختاره النظام في مواجهة مطالب الناس العادلة. توقف كثيرا عند انعكاس ما حصل في حلب حيث الصراع بين النظام والجيش الحر وتدمير حلب عن طريق النظام وطيرانه والطيران الروسى و براميله المتفجرة ، روسيا التي دخلت حديثا على خط الحرب على الشعب السوري وقتها لدعم النظام المتراجع أمام الجيش الحر… أدى لنزوح حوالي مليون ونصف مليون انسان جاء اغلبهم الى اللاذقية وكيف عايش منذر مصري ذلك. رفضه لهذا الحال ودعوته لتجاوز ثنائية النظام او المعارضة وضرورة اللجوء الى الحوار والبحث عن حل سوري لمشكلة السوريين. توقف عند عدم احتمال تحرك الشعب السوري إبان الربيع العربي وذلك بسبب تاريخ من الخوف والقمع ومجازر الثمانينات التي مازالت حية في ذهن الكثير من السوريين. مع ذلك خرج الشعب السوري بثورته. وكيف لم يستثمر النظام هذه المطالب الشعبية ليقدم بعض التنازلات الديمقراطية وتحقيق بعض المكتسبات للشعب التي تؤدي لعدالة  مقبولة شعبيا. لكن لجوء النظام الى العنف العاري وحربه المفتوحة على الشعب السوري قتلت أي حل وسط بين النظام والشعب الى غير رجعة، مع ذلك يصر منذر مصري على ضرورة الحوار بين النظام وممثلي الشعب السوري للوصول الى حل وسط… لكن كيف ؟!!.

يراقب منذر مصري ما يحصل في سوريا والمآسي التي تحصل والجرائم التي ترتكب فيها من مدينته اللاذقية الهادئة نسبيا. يرصد لجوء الحلبيين بالملايين إليها. يتذكر أهل حلب وأنفتهم يوم درس فيها الجامعة وكيف لم تتقبله في بينتها المغلقة وكيف انقلب الدهر عليهم. التدمير في حلب الذي طال أسواق وجوامع واضر بالكثير من الناس. يتوقف أيضا عند احتفال شعبي بسيارة زيل عسكرية تحمل جثثا قيل أنها لإرهابيين قتلوا في ريف اللاذقية والحقيقة انهم من الثوار الذين قتلهم النظام…

 توقف عند إصراره على البقاء في سوريا وفي مدينته رغم كل ما حصل مطالبا الآخرين عدم المغادرة، الآخرين الخائفين على حياتهم من قتل مجاني او اعتقال او خطف، غامر الملايين من السوريين بترك كل شيء خلفهم في سوريا وذهبوا دون رجعة… دعوته بعدم المغادرة تظهر وكأنها نداء ممن يده في الماء إلى من يده في النار ان اصبر على احتراقك أكثر…

لا يستغرب منذر مصري لماذا لم يعتقل رغم حديثه عن واقع السوريين، وأن بعض المعارضين يعتبرونه من مخبري النظام وهو يحميه. والبعض الآخر يثمن شجاعته ويطالبه بتخفيف لهجة النقد والحفاظ على ذاته. وهو يقول انه لن يبيع ضميره وسيستمر صابرا في مدينته اللاذقية وينتظر أي احتمال. يأتيه بعض التهديد والإنذار وان لا يتجاوز الخطوط الحمر…

يتذكر الكثيرين من أصدقائه المفكرين والكتاب والشعراء وأصحاب المواهب الذين ماتوا او قتلوا او هربوا من سوريا يتحسر عليهم ويتمنى لو أنهم لم يغادروا المركب لينجوا بأنفسهم رغم أن لا حل لهم غير هروبهم والنجاة من سوريا : المركب الغارق…

يمتلك منذر مصري قدرة على مقاربة مبررات النظام وموالاته في فعل ما فعل من اجرام في سورية، ومقاربة مبررات الثورة السورية وقواها بتنوعها. يبحث في التفاصيل والجزئيات يبحث عن حل وسط ،وكأنه يبحث عن ابرة ضائعة في بيدر قش… هي أحلام المثقف الذي لا يمتلك لأحلامه أو هواجسه أي أرضية للتنفيذ في الواقع…

يصل منذر مصري إلى مرحلة يظهر بها وكأنه يكفر بالثورة بعد أن أدرك ما يعانيه الشعب السوري: مئات آلاف الضحايا ومثلهم مصابين وبلاد خراب وملايين المشردين داخل البلاد وخارجها… يقولها: “ليتها لم تكن” قاصدا الثورة السورية. محملا المسؤولية على الشعب السوري وحراكه لاسقاط الاستبداد وتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية واسترداد الكرامة الإنسانية… ينطلق من تصور مضمر له وكأن النظام قدر مطلق كالله كالشيطان لا راد له ولا مجال لإسقاطه او إصلاحه…؟!!.  لذلك كان الشعب السوري هو المخطئ وليته لم يجنّ ويقوم بثورته لتحصل كل المآسي التي حصلت… ؟!. نعم تحميل الوزر على المقتول وهو الشعب وأنه قدّم للقاتل النظام العذر لقتله…؟!!. لا حول ولا قوة الا بالله على هذا المنطق… الذي يفسر لماذا لم يعتقله النظام ولم ينكل به . بل تركه نموذج تنفيسي لصحافي معارض ناقد لا يخاف قول الحق ويحترمه النظام فهو يتكلم تحت سقف الوطن وضمن ثوابته ، رغم ان رسائل كثيرة وصلته ترفض رماديته كان تتويجها حرق مرسمه ومكتبته في اللاذقية…

اكتفي بهذا القدر من متابعة نصوص منذر مصري حول سوريا المغلقة بسبب الإصلاح والحقيقة أنها مهجورة لكونها ألغت أسباب الحياة فيها بفعل النظام وحلفائه فهرب أهلها وتركوها لقدرها المجنون…

في تحليل السبب الحقيقي لكون منذر المصري معارض يقارب الفساد واخطاء النظام وما حصل في سوريا عبر سنوات دون أن يطاله القمع والاعتقال أو المساءلة …

بداية كان منذر مصري نموذج لمعارضة الداخل الذين يرفعون صوتا عاليا لكنهم يتصرفون وفق الخطوط الأمنية والسياسية للنظام. بحيث يخدمون النظام في تشويه صورة الثوار والمعارضة الجذرية التي يتهمها بالعمالة للخارج وانها تستهدف السلطة المقاومة والشعب السوري الصامد… الخ.

و لان منذر مصري وأمثاله لم يقتربوا في كل كتاباتهم وممارساتهم السياسية ابدا من حقيقة النظام السوري الاستبدادي  الطائفية والأمنية وأنه  مهيمن على الجيش والأمن ومفاصل الدولة وأنه في بنيته العلوية وحكمه الاقلوي الاستبدادي القمعي عبر عقود جعل النظام وعبر استغلاله للطائفة العلوية وتحويلها الى حاضنة شعبية له عبر سوق شبابها للجيش والأمن وزجهم في معارك النظام ضد الشعب قد صنع أرضية لحرب أهلية احد أطرافها النظام ووراءه أغلب العلويين وكثير من الانتهازيين في سوريا في مواجهة الشعب السوري بغالبيته… كل ذلك لم يقترب منه منذر المصري، رغم كونه وهو ابن مدينة اللاذقية يدرك ذلك ويعيشه كما كل اهل الساحل، لكنه يدرك انه ان قارب هذه النقطة فقد يقتل وليس يعتقل فقط…؟!!.

نعم نموذج منذر مصري معروف وموجود بين السياسيين والمثقفين والصحافيين السوريين الرماديين المتكلمين بما هو ضمن المسموح الحديث به محافظين على وجودهم داخل سوريا ببعض مزايا ومكاسب وقد يكونوا مخبرين أو كتبة مأجورين فقهاء السلطان وكتاب السلطان وعسكر السلطان ومنظفي أخطاء وعيوب السلطان… الخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى