قراءة في كتاب : موزاييك الحصار  –  شهادات سورية –

أحمد العربي

ضمن سلسلة شهادات سورية التي نشرها بيت المواطن للنشر والتوزيع والتي يتحدث فيها سوريين وسوريات عن تجربتهم في سوريا قبل الثورة التي حصلت ربيع ٢٠١١م وبعدها…

موزاييك الحصار التي كتبها عبد الوهاب العزاوي في عام ٢٠١٢م موثقا فيها ما عاشه شخصيا ، كذلك اهل مدينته دير الزور التي تعرضت لحصارين الأول استمر لأسبوعين في سنة الثورة الأولى والثاني أواسط عام ٢٠١٢م واستمر اشهرا تتوج بصراع طويل بين النظام والجيش الحر وادى الى تحرير أجزاء من المدينة. ..

شهادة عبد الوهاب العزاوي تتناول اشهرا من الحصار أواسط ٢٠١٢م وتنتهي بمغادرته دير الزور وسوريا كلها اول عام ٢٠١٣م…

تبدأ شهادة عبد الرحمن العزاوي من توثيق واقعه وما عاشه وعايشه في الحصار وقبل وبعد… فهو طبيب مختص بجراحة العيون، متزوج وله طفلتان الكبيرة عمرها حوالي السنتين والصغيرة اشهر… يعتبر من عائلة معارضة فوالده معتقل سابق، وهو لا يقبل ان يصنف في خانة حزبية او عقائدية. يسكن حي القصور في دير الزور، وهو من الاحياء الراقية، بيتهم قريب من احد الفروع الأمنية مما جعل البيت والعائلة تحت تهديد الامن تارة والجيش الحر تارة أخرى، خاصة بعد ان تحول بعض المتظاهرين ليكونوا نواة الجيش الحر لحماية التظاهرات التي بدأ النظام يواجهها بالعنف المسلح ويسقط فيها شهداء ومصابين. كان عبد الوهاب منتميا للثورة ضمنا، والحصار أعطاه فرصة ليعيد النظر والتدقيق في نفسه وعائلته وفي مدينته دير الزور وسوريا عموما. فهو يرى ان من الطبيعي ان تقوم الانتفاضة السورية لان المظلومية المجتمعية على كل المستويات وصلت الى مرحلة لم يعد يتحملها الناس، والتي كانت تنتظر البوعزيزي الذي حرق نفسه في تونس ودفع المظلومين في بلاد العرب التي يتوقون للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية للتحرك…

يرى عبد الوهاب ما حصل في سوريا انتفاضة مظلومين تنتظر التأطير والتوجيه والدراية لتتحول الى ثورة تستطيع ان تؤتي ثمارها.

صحيح انه ساعد وشارك قدر الامكان في الحراك خاصة كونه طبيبا لكنه استمر يحذر من ان ينقلب ذلك عليه فالنظام مجرم ولا يرحم، لذلك اعتمد على السرية في كل ما قدمه. كان يدرك ان النظام لن يستسلم لمطالب الناس وانه وعبر خمسة عقود من الاستبداد والظلم والقمع، لم يقدم اي تنازل للشعب بل على العكس كان ينتقل بدمويته من طور الى طور، سواء في عهد الاسد الاب او ابنه بعده.

 يقر عبد الوهاب بأن اغلب اهل دير الزور يصنفون على انهم معارضين للنظام، لذلك عندما حصلت الانتفاضة الثورة خرجت المدينة في تظاهرات بمئات الالاف. لم يرحم النظام الحراك السلمي واجه المتظاهرين بالسلاح والاعتقال والتنكيل والاجتياحات والحصار. وعندما قرر الشباب المتظاهر ان يكون الجيش الحر كان مدفوعا بحاجة صميمية لحماية المتظاهرين.. وعندما تطور عنف النظام تطورت معه تنوعات كتائب الجيش الحر، حيث دخل على الخط الداعمين ودخلت الدول ومصالحها والنظام نفسه. كان الجيش الحر في البداية نموذجا للتضحية في سبيل اهلهم والمتظاهرين، يدافعون عن الناس ويقدمون المعونات قدر طاقتهم. ثم ومع مرور الوقت ظهرت الكتائب المؤطرة عقائديا، كما ظهر كثير من الكتائب والقادة الميدانيين الملتبسين، مخبرين سابقين و تجار مخدرات تحولوا لقادة كتائب ولهم دورهم وحضورهم. بعد استمرار الحصار والصراع حصل تناغم بين قوات النظام وكثير من كتائب الجيش الحر. انعكس ذلك على حياة الناس الواقعين تحت الحصار، نقص بكل الحاجات المعيشية وغلاء واستغلال حاجة الناس لقوت يومهم او ما يجعلهم صامدين. وزيادة عن ذلك القصف والتدمير وسقوط الضحايا من الناس الذين لم يستطيعوا مغادرة المدينة… بدأت تظهر حالات النهب والسرقة العلنية للبيوت التي غادرها اهلها لحماية ارواحهم. جيش النظام يقوم بذلك، وبعض كتائب الجيش الحر أيضا. حصل تنسيق بين الطرفين لتسهيل السرقة واخراج المسروقات من المدينة وبيعها خارجها. وصلت النهب لسرقة حتى أساس البيوت وابوابها وشبابيكها… لم يتركوا شيء الا واخذوه…

كانت فجيعة عبد الوهاب واغلب اهل الدير بما حصل كبيرة، لكنهم كانوا يفكرون بكيفية الحفاظ على حياتهم وعائلاتهم، كيف يحمي عبد الوهاب طفلتيه من رهاب القصف، وكيف يحمي عائلته من القتل العشوائي وهو يعالج الكثير من الاصابات نتيجة القصف، هذا غير معايشته الضحايا الكثر والبعض يكون اشلاء تحت انقاض البيوت المقصوفة…

قرر عبد الوهاب ان يغادر وعائلته دير الزور مؤقتا حتى يتضح الحال الى اين يسير. توجهوا الى مدينة الرقة. كانت في ذلك الوقت منتصف ٢٠١٢م وما بعده اكثر امنا عاش فيها لفترة من الزمن. لكنه ادرك ان الحال الذي وصلت اليه دير الزور من القصف والقتل والتدمير واصل الى الرقة ولو بعد حين، كما وصل لاغلب سوريا، لذلك بدأ يفكر ان يغادر سوريا مرغما حفاظا على عائلته زوجته وطفلتيه . وبعد بحث وجد فرصة ان يذهب الى اليمن ويعمل هناك طبيبا بمهنته ويؤمن لقمة عيشه…

غادر عبد الوهاب العزاوي وعائلته سوريا الى اليمن اوائل عام ٢٠١٣م…

هنا تنتهي الشهادة.

في التعقيب عليها اقول:

نحن امام شهادة مليئة وعميقة ، مسكونة بالتفلسف لفهم الحياة والذات والمحيط والدنيا، من منظور صاحب الشهادة ومن واقع معايشته الخاصة. وهذا مهم جدا… فما حصل في سوريا ليس قصة واحدة لكل الناس، بل هو ملايبن القصص لملايين السوريين الذين عاشوا ماعاشوه بأنفسهم ومشاعرهم وعائلاتهم ومدنهم واعمالهم وحياتهم السابقة بخصوصيتها واحتمالات المستقبل المفتوحة على مآلات مؤلمة او ملتبسة على الاقل…

الشهادة تكشف باكرا الخرق الذي حصل في الثورة السورية لاسقاطها. اولها ان المظلومية المجتمعية والسياسية غير كافية لوحدها لتصنع ثورة ناجحة، لذلك كان السوريين ضحية استثمار النظام وحلفائه والغرب ومن ادّعى انه مع الثورة السورية ليدخلوا في بنية الثورة التي لم تستطع ان تصنع قيادتها على كل المستويات، وتملئ تلك الدول هذا الفراغ لتقود حراك الثورة نحو الهاوية التي وقعت بها… كذلك فعل النظام وداعميه الذي استباح سوريا وشعبها ، حتى الداعمين للنظام وللثورة الذين حصلوا من الحرب على الشعب السوري على مصالحهم. اعطى العالم مبررا لتوالد المتطرفين القاعدة وداعش ليحرفوا بوصلة العالم عن محاربة استبداد النظام واجرامه الى محاربة الارهاب. وهكذا عاد النظام وداعميه ليحصلوا على شرعية قتل السوريين وتشريدهم وتدمير سوريا…

 حتى اصبح مآل السوريين ومنذ ما قبل سنوات الثورة السورية كان وما يزال: فكر بخلاصك الشخصي وابحث عن مساحة عيش واحصل عليها وابدأ حيث انت وبأي امكانية كانت رحلة حياتك وحياة من بقي من اهلك ، لعلك تنجح او تنجو… كان الله بعون السوريين في كل مكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى