محاكم الميدان العسكرية أداة قتل وإخفاء بيد النظام السوري ضد النشطاء والمعارضين

سجلنا 7872حكم إعدام و24047 حالة إخفاء قسري نفذتهم محكمة الميدان العسكرية من آذار/2011 وحتى آب/2023

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريراً بعنوان “محاكم الميدان العسكرية أداة قتل وإخفاء بيد النظام السوري ضد النشطاء والمعارضين”، مشيرةً إلى أنَّ النظام السوري نفذ عقوبة الإعدام ضد 7872 شخصاً، من بينهم 114 طفلاً و26 سيدة من أصل ما لا يقل عن 14843 حكماً بالإعدام سجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان صدورها عن محاكم الميدان العسكرية، وما لا يقل عن 24047 مختفٍ قسرياً بينهم 98 طفلاً و39 سيدة، تمت إحالتهم إلى محكمة الميدان العسكرية وأصبحوا مجهولي المصير منذ آذار/2011 وحتى آب/2023.

قال التقرير -الذي جاء في 57 صفحة- إن محاكم الميدان العسكرية تعدُ إحدى أسوأ أشكال المحاكم الجزائية الاستثنائية التي أُحدثت في تاريخ سورية، ويعود هذا التصنيف لسبيين رئيسين؛ الأول بسبب نظامها القانوني المختل وسمعتها السيئة كأحد الأجهزة الرئيسة التي أنشأها النظام السوري والمتسببة بجريمة الاختفاء القسري لديه وأداة فعالة للتخلص من المعارضين والنشطاء والمدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء وسحقهم بموجب أحكامها الصادرة عنها، والثاني لخطورة البيانات الموثقة في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان والتي تُظهر الحجم الكارثي والهائل لضحايا هذه المحاكم والتي تشير إلى أن هناك ارتباطاً تنظيمياً وثيقاً بين عمليات الاختفاء القسري ومحاكم الميدان العسكرية. وبالتالي، فإن الأعداد الكبيرة من المختفين قسرياً على يد النظام السوري – البالغ عددهم ما يزيد عن 96 ألف مختفٍ قسرياً – معظمهم خضعوا للمحاكمة في هذه المحاكم. باعتبار أن عمليات الاختفاء القسري التي وقعت داخل مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري ممنهجة وغير عشوائية واستندت إلى قرارات وتوجيهات مدروسة نظمت وأصدرت وفق نظام أمني وعسكري محكم ذو هيكلية تنظيمية مترابطة وتسلسل قيادي متصل بين جميع الإدارات والأجهزة المرتبطة بمراكز الاحتجاز بدءاً من “رئيس الجمهورية، نائب رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية، مجلس الأمن الوطني، وزارة الدفاع، الأجهزة الأمنية، القضاء الاستثنائي، إدارة الشرطة العسكرية، وزارة الداخلية”. وبالتالي فإن الأعداد الهائلة لضحايا الاختفاء القسري لدى النظام السوري أخضعوا لإجراءات هذا النظام الأمني والعسكري والقانوني وعلى رأسها القضاء الاستثنائي، كما لجأ النظام السوري إلى إحالة المعتقلين والمختفين قسرياً لديه إلى محكمة الميدان العسكرية منذ آذار/2011 وفي وقت مبكر من انطلاق الحراك الشعبي نحو الديمقراطية. وقبل تشكيل محكمة قضايا الإرهاب في تموز/ 2012، وفي السنوات اللاحقة لها، كما تظهر عمليات تحليل البيانات المرفقة في التقرير ارتباطاً واضحاً بين عدد ضحايا الاختفاء القسري لدى النظام السوري والضحايا الذين تمت إحالتهم إلى محكمة الميدان العسكرية. وتظهر البيانات فجوة كبيرة وجوهرية في عدد الأشخاص الذين خضعوا لمحاكم الميدان العسكرية ونجوا منها مقارنةً بالذين تمت إحالتهم إلى محكمة قضايا الإرهاب.

جاء في التقرير أنه على الرغم من إصدار النظام السوري في 3/ أيلول/ 2023 المرسوم التشريعي رقم 32 للعام 2023 القاضي بإنهاء العمل بالمرسوم التشريعي رقم /109/ تاريخ 17/ آب/ 1968 وتعديلاته المتضمن إحداث محاكم الميدان العسـكرية، وإحالة جميع القضايا المحالة إلى محاكم الميدان العسـكرية بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسـكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسـكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /61/ لعام 1950 وتعديلاته، إلا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعتقد أن هذا الإلغاء يأتي ضمن السياسة والإجراءات التي يتبعها النظام السوري لطي قضية المختفين قسرياً لديه والالتفاف عليها والتي يندرج ضمنها إصدار مراسيم العفو الوهمية وتوفية المختفين قسرياً في دوائر السجل المدني وغيرها من الإجراءات التي سيقوم بها مستقبلاً.

توسع  التقرير في التفصيل والتحليل في إحداث محاكم الميدان العسكرية في سوريا، وتطورها التاريخي، وتشكيلها، واختصاصها، وأصول المحاكمة أمامها، ومشروعيتها من الناحية الدستورية والحقوقية، والهيمنة المطلقة عليها من قبل كلٍّ من رئيس الدولة ووزير الدفاع على المحكمة وتحكمهما فيها، وعدم مراعاتها أبسط ضمانات المحاكمة العادلة كحق الدفاع والمحاكمة العلنية، أو إمكانية الطعن بأحكامها، إضافةً إلى عدم خضوع قضاتها للسلطة القضائية لجهة التعيين والنقل والتفتيش والتأديب، لذلك فهي محكمة تعدُّ بحق أحد أذرع رئيس الدولة ووزارة الدفاع والأجهزة الأمنية في حكم الدولة وسحق الأفراد المشاركين بأي نشاط مناوئ للسلطة.  ونظراً لطبيعة تعقيدات محكمة الميدان العسكرية في سوريا واستراتيجية الاختفاء القسري لدى النظام السوري وارتباطهما فقط اعتمد التقرير على استخدام عدة أدوات تحليلية للبيانات المتعددة المستخدمة للوصول إلى أدق النتائج، وذلك استناداً على عمليات تحليل البيانات التي أجرتها على قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخاصة بالمعتقلين والمختفين قسرياً والناتجة عن عمليات المراقبة والتوثيق اليومية المستمرة منذ عام 2011 حتى الآن لحوادث الاعتقال والاختفاء القسري، إضافةً إلى عمليات متابعة ورصد سير عملها وآلياتها، واستناداً إلى هذه المراقبة لعمل هذه المحاكم على مدى قرابة اثني عشر عاماً فقد تمكن التقرير من تفكيك هذه المحكمة من الناحية القانونية والهيكلية والتطبيقية لفهم آلية عملها والإجراءات المتبعة فيها لغموضها وسريتها، كما تواصلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مع المئات من ذوي المعتقلين المحالين إليها، ومع عدد من المحامين المتعاونين، وعدد من المنشقين عن الشرطة العسكرية والأجهزة الأمنية، والمعتقلين الذين خضعوا للمحاكمة عبرها، سواءً منهم الذين خرجوا من مراكز الاحتجاز أو الذين ما زالوا في السجون المركزية في مختلف المحافظات السورية، وقد بلغ مجموع مختلف المقابلات التي قامت بها لإنجاز هذا التقرير ما لا يقل عن 156 مقابلة.

وثق التقرير ما لايقل عن 14843 حكماً بالإعدام صدر عن محاكم الميدان العسكرية في سوريا منذ آذار/2011 وحتى آب/2023، خُفِّض منها لعقوبة السجن/الاعتقال المؤقت أو المؤبد مع الأعمال الشاقة ما لا يقل عن 6971 حكماً ولا يزال معظمهم في مراكز الاحتجاز، ونُفذت عقوبة الإعدام ضد 7872 شخصاً آخرين، من بينهم 114 طفلاً و26 سيدة و2021 منهم من العسكريين، جميعهم لم تُسَّلم جثامينهم لذويهم، ولم يتم إخطار ذويهم بإعدامهم بشكل رسمي. وأكد التقرير أن هذه الحصيلة تمثل الحد الأدنى من عمليات الإعدام الحقيقية التي طُبقت ضد المعتقلين والمختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري. كما وثق التقرير ما لا يقل عن 96103 شخصاً بينهم 2327 طفلاً و5739 سيدة، لا يزالون قيد الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2023، من بين حصيلة المختفين ما لا يقل عن 24047 مختفٍ قسرياً بينهم 98 طفلاً و39 سيدة، حصل ذويهم على معلومات عن إحالتهم لمحكمة الميدان العسكرية عبر الناجين من مراكز الاحتجاز أو عبر وسطاء ولم يتمكنوا من تحديد مصيرهم أو الحصول على أدنى معلومات عنهم منذ اختفائهم. وأشار إلى أن هذه الحصيلة لا تتضمن المعتقلين/المحتجزين الذين لا زالوا يخضعون لمحاكم الميدان العسكرية ويحتجزون ضمن السجون المدنية والمركزية المنتشرة في المحافظات السورية.

ذكر التقرير أن آلية احتجاز المعتقلين وإحالتهم إلى محاكم الميدان العسكرية تستند إلى قرارات الأجهزة الأمنية التي منحت صلاحيات غير محدودة للتعامل مع من احتجزتهم على خلفية الحراك الشعبي نحو الديمقراطية منذ آذار/2011 شملت هذه الصلاحيات ممارسات التعذيب والاختفاء القسري وتوجيه التهم للمعتقلين بناءً على المعلومات التي انتزعتها منهم تحت التعذيب، وأضاف أن النظام السوري وضع محددات وإجراءات لضبط هذه الصلاحيات الواسعة للحفاظ على بنية أجهزته الأمنية وعدم انتقالها للعمل العشوائي، وقد استعرض التقرير أخطر وأهم الجرائم التي تصل عقوبتها للإعدام والتي يرجح أن المحكمة تنظر فيها وفقاً لأحكام المادة 47 من قانون العقوبات العسكري، ومن قانون العقوبات العام. وأشار التقرير إلى أن الشبكة حصلت على العديد من الوثائق التي تظهر أن محاكم الميدان العسكرية تنظر كذلك بأحكام قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2012.

أكد التقرير أن هناك ما لا يقل عن 20 جرماً يعاقب عليه بالإعدام وفق قانون العقوبات العسكري وقانون العقوبات العام تم توجيهم بكثافة ضد المعتقلين والمختفين قسرياً وقام النظام السوري باستثنائها من مراسيم العفو الـ 22 الصادرة عنه وقام بتشميل عدد محدود جداً منها لمرة واحدة أو مرتين طوال الاثني عشر عاماً الماضية. وأضاف أنه نظراً لتعذر الوصول بوضوح للجرائم التي يقوم وزير الدفاع بإحالتها لمحاكم الميدان فإنه يعتقد بوجود تهم أخرى تفوق ما ورد في هذا التقرير.

أوضح التقرير أن محكمة الميدان العسكرية لا تتسم بوحشية الأحكام الصادرة عنها فقط، بل تمتد قسوتها لتشمل الظروف التي يواجهها ويتعرض لها الضحية أثناء الامتثال أمامها وآلية إبلاغ الضحايا بالأحكام الصادرة ضدهم من قبلها وقد استطاع التقرير تحديد ما لا يقل عن 10 أنماط من أساليب الترهيب والتعذيب مارستها المحكمة أثناء انعقاد جلساتها ضد المحالين إليها على نحو استراتيجي ومتواصل.

استعرض التقرير أبرز المتورطين في عمليات الإعدام بإجراءات موجزة الصادرة عن محاكم الميدان العسكرية لدى النظام السوري منذ آذار/2011 وحتى آب/2023 بدءاً من رئيس الجمهورية بشار الأسد والضباط الذين تولوا منصب وزارة الدفاع والذين تقلدوا مناصب ومهام في محاكم الميدان العسكرية وإدارة الشرطة العسكرية وإدارة القضاء العسكري ومدراء سجن صيدنايا العسكري وغيرهم.

استنتج التقرير أن النظام السوري انتهك القانون الدولي العرفي والمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف عبر تطبيق هذه المحاكمات على خلفية النزاع المسلح الداخلي، لأن المحكمة ليست مشكلةً وفقاً للقانون وغير مستقلة وغير محايدة، وغير عادلة، ويندرج حرمان الشخص من حقه في محاكمة عادلة كجريمة حرب في النظم الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية. كما استنتج أن النظام السوري قد تخلص من أعداد كبيرة من المطالبين بالتغيير السياسي عبر هذه المحكمة بسجنهم لسنوات طويلة والحكم عليهم بالإعدام ونهب ممتلكاتهم وتجريدهم من حقوقهم.

أوصى التقرير مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بإيجاد طرق وآليات لتطبيق قرارات مجلس الأمن رقم 2041 و2042 و2139 والبند 12 في القرار رقم 2254، الخاصة بالمعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا. والعمل على إيقاف الجرائم ضد الإنسانية (التعذيب والإخفاء القسري) وجرائم الحرب (الإعدام) التي يتعرض لها المعتقلون في سوريا والتحرك بشكل عاجل وفقاً للفصل السابع.

كما أوصى حلفاء النظام السوري وفي مقدمتهم النظام الروسي بالضغط على النظام السوري لإلغاء كافة القوانين التي تعارض القانون الدولي لحقوق الإنسان والتي تحمل عبارات فضفاضة مبهمة يمكن تطبيقها بسهولة على الخصوم السياسيين، والتوقف عن دعم مثل هكذا نظام يقوم بمحاكمات سياسية تعتبر الأبشع والأسوأ في التاريخ الحديث، لأن هذا الدعم يعتبر اشتراكاً في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يمارسها النظام السوري بحق المعتقلين وممتلكاتهم.

المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى