الطريقة الشاذلية التلمسانية في تركيا.
نتابع قراءة كتاب الحضرة والسور لكاتبه عبد الله مراد في جزئه الثاني حيث يدرس الطريقة الشاذلية و مسارها في تركيا بعد ثورة السوريين عام ٢٠١١م.
هجرة الطريقة الشاذلية من دمشق إلى تركيا.
كان للثورة السورية التي حصلت في سوريا عام ٢٠١١م تأثير مجتمعي كبير حيث خرج اغلب الشعب السوري ضد النظام المستبد الطائفي الظالم مطالبا بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل. وكان رد فعل النظام على المطالب الشعبية وحشيا حيث اعتمد العنف المسلح بالحرب على الشعب. وبعد سنوات قتل أكثر من مليون إنسان واعتقل مثلهم والتجأ أكثر من ١٣ مليون سوري داخليا وخارجيا مجبرين، هربا من موت محقق، متخلين عن كل شيء. واصبح اكثر من نصف سوريا مدمرا ومحتلا من روسيا وإيران وعصابات حزب الله وأمريكا وعصابات ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني الإرهابي الانفصالي. .
لكل هذه الأسباب هاجر الكثير من مشايخ الشاذلية الى تركيا كما هو حال السوريين حيث استقروا في اسطنبول وفي مدن اخرى واستمروا يتابعون طريقتهم الصوفية ويقومون بأدوار مجتمعية وخاصة بين السوريين الهاربين بحيث شكلوا حواضن اجتماعية تسجل لهم وفي ميزان اعمالهم…
منهم:
الشيخ محمد موفق المرابع:
ابن مدينة دمشق. امام مدينة الهامة في ريف دمشق. درس في معهد الفتح الإسلامي على يد شيخه محمد صالح الحموي وآخرين. الذي أجازه في الطريقة الشاذلية منذ عام ١٩٨٢م. وعمل مدرسا في معهد الفتح منذ عام ١٩٨٦ حتى عام ٢٠١٢م… قبل هجرته إلى تركيا وسكنه في الجزء الاسيوي لاسطنبول حيث أسس مع الشيخ محمد خالد الخرسة وقف وجمعية العلم والهداية والبركة في منطقة الفاتح في اسطنبول . وكذلك مؤسسة رسالة الشام الإنسانية. وكذلك مؤسسة ألفة… وكلها تعمل في المجال الخدمي.
أما في المجال التعليمي:
أسس معهد الشيخ عبد الرزاق الحلبي التعليمي. في منطقة الفاتح.
كما أسس مؤسسة دار القرآن الكريم وعلومه في منطقة العمرانية في اسطنبول الاسيوية. بإدارة محمد بن عمر
كما أسس دار طيبة للعلوم الشرعية والعربية بادارة محمد سعيد الأيوبي.
ودار السادات للقرآن الكريم والتزكية والتعليم بادارة محمد عبد الواحد.
وأسس معهد العلامة الشيخ محمد صالح الحموي للقرآن الكريم والتزكية والتعليم بادارة احمد صالح الحموي.
كما أن للشيخ ثلاثة مجالس أسبوعية للطريقة الشاذلية مجلس الذكر العام في مسجد قصر العلم في العمرانية وكذلك مجلس الذكر العام في مسجد نيشانجه في الفاتح ومجلس الذكر الخاص كل يوم جمعة.
لقد أجاز الشيخ المرابع إجازة خاصة لعدد من مريديه: ابنه محمد صالح المرابع وجعله خليفته وكذلك محمد سعيد فهد الايوبي واحمد صالح الحموي واحمد عبد الواحد وايمن قضماني ومحمد قناني ومحمد الدلب ومحمد خير المرابع ومسلم طيبة. واغلبهم كانوا أئمة مساجد في دمشق وريفها قبل هجرتهم إلى تركيا. وكذلك هناك آخرين اجازة اجازة عامة…
كما صنف الشيخ المرابع بعض الكتب ذات العلاقة بالتصوف عموما. وبعدها مطبوع .
الشيخ محمد خالد الخرسة.
أخذ الطريقة الشاذلية وعن والده الذي أخذها عن الشيخ الهاشمي.
درس في معهد الفتح وبعد تخرجه درّس فيه ثم درس في كلية الدعوة في طرابلس الليبية.
شارك الشيخ الخرسة مع الشيخ محمد المرابع وآخرين في تأسيس وقف وجمعية العلم الهداية والبركة واستلم إدارة مجلسه. كذلك شارك مع آخرين في تأسيس معهد العلامة الشيخ عبد الرزاق الحلبي. ويدير مقرأة حافظ أحمد باشا في الفاتح كما يعطي دروسا في معهد الإمام أبي حنيفة النعمان في الفاتح ايضا. كما يشارك مع الشيخ المرابع في جامع نيشانجه في مجلس ذكر عام اسبوعي .
له الكثير من الجهود العلمية في تحقيق بعض المخطوطات.
الشيخ محمد رضا القهوجي في عينتاب.
حيث تابع نشاط والده الذي أسس زاوية هناك كان افتتحها عام ١٩٨٠م .
هو من جوبر درس الشريعة في دمشق وحصل على الدكتوراة من باكستان ثم الزيتونة في تونس. تابع الطريقة على يد والده وتتلمذ على يد اغلب علماء الشام وكان له جهوده وإنتاجه العلمي …
دراسة الطريقة الشاذلية الدرقاوية الهاشمية.
ينهي الكاتب كتابه بهذا الفصل الذي يخوض تفصيليا في معالم الطريقة وادبياتها. وهي تحتاج لدراسة خاصة ونحن هنا نوجز قدر الإمكان.
فتحت عنوان تعريف الطريقة الصوفية يعود الكاتب الى بدايات نشأة التصوف الإسلامي. حيث عاد للجنيد و الداراني والغزالي وهي طريق السالكين الى الله للوصول إلى عبر التذوق النفسي حيث يصل المتصوف إلى حالات لا يستطيع التعبير عنها. واختلف المتصوفين عن الفقهاء وانقسموا الى فريقين مختلفين في كثير من المواضع.
الإنتساب للطريقة الشاذلية.
١ . أخذ المصافحة والتلقين للذكر…
٢. أخذ الرواية وقراءة كتبهم…
٣ . اخذ دراية وهو فهم كتبهم بعد قراءتها.
٤ . اخذ تدريب وتهذيب وترقّ في الخدمة بالمجاهدة للمشاهدة و الفناء في التوحيد والبقاء. وهو المراد العزيز وجوده.
كما أن معرفة الأحكام الشرعية شرط الانتساب للطريقة الشاذلية.
والطريقة لها مراتب . أولها مرتبة التوبة ثم الاستقامة ثم التهذيب ثم التقريب بحيث يكون ملتزما الطريقة مريدا عن شيخه ويكون طوع مطالب شيخه في كل شيء بتسليم مطلق.
كما أن هناك هرمية عند الشاذلية أولها المريد ثم النقيب ثم المجاز بالورد العام والخاص ثم الخليفة حيث يؤهل عندها ان يصبح شيخا في الطريقة. ثم بعد ذلك شيخ الطريقة وهي اعلى المراتب. حيث يكون للشيخ عدد من الخلفاء والمقدمين .
المشيخة في الطريقة الشاذلية لا تحصل ذاتيا بل تعطى من الشيخ للمريد حصراً.
هناك مواصفات لشيخ الطريقة هي علم صحيح وذوق صريح وهمة عالية وحالة مرضية وبصيرة نافذة. عالما بالفرائض و عارفا بالله وخبيرا بطرائق تزكية النفوس أن يكون مأذونا بالإرشاد من شيخه.
أما آداب المريد السالك مع شيخه فهو كالعجينة بيد شيخه يصنع به ما يشاء ويتوجه حيث يرشده.
ثم تحدث الكاتب عن الأذكار عند الطريقة الشاذلية وهي اوراد و اوراد لفظية تتكرر بأوقات ومناسبات عدة ودورية .
كما تحدث عن الخلوة كمرحلة في تسليك المريد حيث يخلو إلى ربه حتى يعطيه اشارة تجعله يدخل في طريق الصوف.
ثم تحدث عن الذكر الجهري والسماع المسماة الحضرة العمارة وهي قرينة بالحضرة حيث يقرأ القرآن او الاناشيد مع تكرار ترديد اسم الله وبعض الادعية بتواتر حتى يصل البعض الى حال التذوق التي تظهر بأشكال مختلفة مسماها الجذب .
يتحدث الكاتب تفصيليا عن مؤلفات الشيخ الهاشمي الشاذلي. وآدابه والأشعار والمدائح النبوية…الخ.
ينهي الكاتب كتابه بخاتمة ونتائج يعيد تركيز مااراد طرحه في كتابه كله .
ولنا رأي:
أوضحنا ضمنا في بعض عرض الكتاب عن الصمت عن وجود الظاهرة الصوفية في تاريخنا العربي الاسلامي. فهي إن لم تكن تسير في ركاب السلطان فهي صامتة عنه. والسبب عندها اعتقادي في بعض وجوهه: بأن ارادة الله هي الحاكمة في مسار العباد حكام ومحكومين وليس على الانسان الا التسليم وأقصى ما يستطيع فعله هو البحث عن خلاصه الفردي عبر التصوف والتعبد والدخول في طريق السالكين الى الله الظافرين برضاه والواصلين اليه و المتشبعين بأنواره…كما يعتقدون…
كما أن التصوف تاريخيا ظهر في عالمنا الإسلامي عندما تقاطع النص الشرعي الاسلامي قرآن وحديث مع الفكر الفلسفي والعرفاني بأصوله المشرقية الهندية والغنوصية اليونانية حيث يرى هؤلاء أن هناك طريق آخر للوصول الى الله وهو العرفان اي المعرفة المباشرة بين الإنسان والله وتسمى عند المتصوفة علم الحقيقة لتمييزها عن علم الشريعة عبر القرآن والسنة. والتي تحصل عبر التعبد والتزهد والانعزال للوصول إلى ذات الله والتوحد بها او مشاهدتها أو تذوقها. وقد وصل بعض متصوفة الإسلام الى مرحلة الشطط . كالحلاج والجنيد وحتى الجيلاني وغيرهم. حيث اعتبروا أنفسهم قد توحدوا مع الله. . واسسوا لمذهب وحدة الوجود الذي اختلف معه كثير من علماء الاسلام. الخ.
ولا بد لنا من الحديث عن التطرف عند بعض المتصوفين الذين قالوا بسقوط الفرائض من عبادات وتشريعات بعد حصولهم على الحقائق النورانية بشهودهم الذات الإلهية: “يسقط الله ما أوجب بعدما عطى ما أوهب”. وبعضهم يصل إلى استباحة الحرمات حيث يمارس ذلك بسرية وباطنية. ولا بد من التأكيد أن هذه الاتهامات قد تكون من خصوم الصوفية عموما من التيارات الدينية الاسلامية الأخرى. سواء السنية التقليدية أو السياسية الحزبية…
نحن هنا لن نتكلم بمنطق التكفير الديني. بل نقول إن التصوف بكل أصنافه هو إضافة على الإسلام بأصوله الأولى. وهذه الاضافة نأخذ موقفنا منها ان تناقضت مع أي أصل في الإسلام اعتقادي أو عبادي فإنها ترفض جزئيا أو كليا.
ونأخذها أيضا من خلفية تحولها مع الزمن الى مدارس توجيهية تربوية في عصر أوغل الناس بالبعد عن الدين والتعبد وعن الله. وضياعهم في تطورات العقلية العلمانية الغربية التي تعادي الإسلام والأديان عموما وتدفع الجيل الجديد للضياع والابتعاد عن الإسلام والعبادات والالتزام الأخلاقي والقيم. حيث يكون للجماعات الصوفية دور في جعل الناس وخاصة الجيل الجديد أقرب لله وللحياة لأداء دور اخلاقي انساني…
ولذلك يجب أن يقترن ذلك مع تطوير في العقلية الصوفية من التسليم الجبري بمعطى الوجود الحياتي الاجتماعي السياسي كما هو الى المبادرة للعمل والتغيير وبناء الحياة الأفضل للفرد وللجماعة. مع تزاوجه مع العقل العلمي الأساسي لبناء حياة الإنسان الافضل …
ولا بد لنا من التنويه الى الدور الذي يقوم به التصوف الشاذلي المهاجر الى تركيا من بناء المؤسسات الوقفية والتعليمية والخدمية ومجالس الذكر والمذاكرة للسوريين في تركيا وجعلهم تحت الرعاية وإعادة ربطهم بدينهم ولغتهم وقضيتهم السورية التي كانوا من ضحايا نظامها المستبد المجرم…
وإن لم يكن للصوفية الشاذلية في اسطنبول وتركيا غير هذا الدور الذي تقوم به مع السوريين ومن اجل مصلحتهم لكانت نعم السلوك والاجتهاد والطريقة في هذا العصر ولهذا الزمان ولنا نحن السوريين هنا في تركيا…