كركوك تغلي على صفيح ساخن: «الديمقراطي» يتحدّى الرفض العربي والتركماني ويتمسك بالعودة للعمل السياسي في المدينة

مشرق ريسان

تستمر الاحتجاجات الشعبية الرافضة لقرار حكومي يقضي بتسليم مقر عسكري في محافظة كركوك إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، والذي كان يشغله قبل تنفيذ خطّة «فرض القانون» في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2017 وسيطرة القوات الاتحادية على المدينة، وفيما يصرّ الحزب على العودة لممارسة عمله السياسي في المدينة، يتمسك رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بقراره المُثبّت ضمن المنهاج الوزاري والاتفاق السياسي الذي أفضى إلى تشكيل حكومته.

وما يزال طريق كركوك – أربيل الرئيس مغلقا أمام حركة السير منذ أيام عدة من قبل متظاهرين احتجاجا على قرار إخلاء مقر الحزب الديمقراطي من قبل العمليات المشتركة، فيما لم ينسحب معتصمون في خيمة نصبت على الطريق رغم مطالب السلطات الأمنية والوساطات السياسية لغاية الآن.

ونفى المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء هشام الركابي، تراجع رئيس الحكومة عن قرار إعادة تسليم وفتح المقار الحزبية في كركوك إلى الأحزاب السياسية، مشيرا إلى أن قرار إعادة تسليم المقار الحزبية جاء ضمن الاتفاق السياسي والمثبت في المنهاج الوزاري الذي صوت عليه البرلمان.

الركابي أفاد في تصريحات لمواقع مقرّبة من «الإطار التنسيقي» الشيعي، أن قرار إعادة تسليم المقار الحزبية وإعادة نشاطها السياسي في كركوك يقع ضمن الاتفاق السياسي المتضمن في المنهاج الوزاري الذي صوت عليه مجلس النواب، كذلك صوت عليه مجلس الوزراء» نافيا «الأنباء التي أفادت بأن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد تراجع عن القرار بشأن تسليم المقار الحزبية في كركوك».

وأضاف أن «القرار تم عرضه قبل الموافقة عليه على قوى إدارة الدولة (وهو تحالف يضم الأحزاب السياسية المشاركة في تشكيل الحكومة) ولم يتم الاعتراض عليه» مشددا على أن «القرار لا يعني بأن الحكومة الاتحادية ستكون بعيدة عن كركوك، حيث ان الملف الأمني سيبقى بيد الحكومة الاتحادية وستبقى كافة القطعات الأمنية في مواقعها دون أي سحب أو تغيير».

وأشار الركابي إلى أن «المقار الحزبية التي سيتم إعادتها وفتحها من جديد بالتأكيد سيكون نشاطها سياسيا وتحت المراقبة من قبل الجهات الأمنية، وستكون بعيدة كل البعد عن أي نشاط عسكري لكونه مخالفا للاتفاق السياسي».

قرار عودة الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني إلى مقرّه في كركوك، يصطدم بمعارضة شديدة من قوى وشخصيات سياسية وعربية، تتهم الحزب بارتكاب «انتهاكات» طالت أبنائهم إبان فترة تواجده في المحافظة التي تعدّ أبرز المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.

ويحذّر السياسيون العرب في المدينة من تسليم المقر العسكري إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، معتبراً أن ذلك الفعل قد يؤدي إلى «فتنّة» تهدد استقرار المدينة الغنيّة بالنفط.

في حين، دعا رئيس الكتلة التركمانية في مجلس النواب العراقي، النائب ارشد الصالحي، إلى إبعاد كركوك مما وصفها «صفقة إدارة الدولة» داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل وحسم القضية.

وذكر الصالحي في بيان أن «على الكتل السياسية الحاكمة في بغداد إبعاد كركوك من المجاملة السياسية التي وقعت في اجتماع ائتلاف إدارة الدولة ضمن منهاج الاتفاق السياسي والذي صوتت عليه معظم الكتل المنضوية في ائتلاف إدارة الدولة رغم اعتراضنا الشديد عليه» مشيراً إلى «المادة السابعة من ميثاق العالمي لحقوق الإنسان (الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز)».

وأوضح أنه «نظرا للتظاهرات السلمية وقطع الطريق الرئيسي الحيوي بين أربيل- كركوك والذي يمر من أمام قيادة المقر المتقدم للعمليات المشتركة في كركوك، ومطالبة المتظاهرين بعدم السماح لإخلاء قيادة العمليات معتبرين ذلك ملكاً للدولة ولا يحق لأي حزب سياسي الاستحواذ على ممتلكات الدولة باتفاقات سياسية، وكممثلين نواب عن محافظة كركوك خوفنا الكبير من تصاعد أزمة الخلاف السياسي بين بغداد وأربيل ويدفع فاتورتها أهالي كركًوك، وعليه أطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري في حل القضية المستعصيةً لكركوك بدلا من تركها للصفقات والمجاملات والخشية من تدهور السلم المجتمعي قريبا في كركوك».

ووفقاً للصالحي فإن «عدم إيجاد حلول جذرية من قبل إدارة الدولة الحالية لقضية كركوك، وعدم اشراك نواب وممثلين عن محافظة كركوك في الاجتماعات التي تخص ملف كركوك، بل على العكس تركها إلى الاتفاقات السياسية الجانبية الثنائية، لذا نطالب المجتمع الدولي التدخل في حل قضية كركوك خصوصا في هذه الفترة الحرجة ونحن على أعتاب انتخابات مجالس المحافظات، وحث المواطنين على الاشتراك في الانتخابات الديمقراطية بأكثر نسبةً بعد عزوف الكثيرين من أداء التصويت لانهيار الثقة بين المواطن والسلطة الحاكمة»

في السياق نفسه، دعا الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، إلى الاحتكام للمنطق وتقديم المصلحة العامة للوصول لحلول لا تخالف القانون في كركوك.

وقال الخزعلي في «تدوينة» له إن «الالتزام بالسياقات القانونية بإدارة شؤون الدولة أنتج استقرارا واضحاً شعر به المواطن العراقي خلال هذه الفترة بشكل غير مسبوق، ويجب الحرص على إدامة زخم المنجز الحكومي لتحقيق المزيد من النجاحات».

وأضاف: «الأزمة الحالية التي تعيشها كركوك يجب حلُّها بما لا يُخالف القانون، وضرورة ممارسة الأعمال الحزبية فيها بدون أي استفزاز لمشاعر أبناء المحافظة» مشيرا إلى أن «إعادة السيطرة على مقر بكركوك تعود ملكية أرضه للدولة أمر مستفز لأهالي المحافظة».

ودعا «للاحتكام للمنطق وتقديم المصلحة العامة للوصول لحلول لا تخالف القانون» حاثّاً الأهالي والمسؤولين في كركوك على «عدم التفريط بالمكاسب المتحققة بالتضحيات».

في الطرف المقابل، قال رئيس مركز «تاسك» للبحوث الاستراتيجية في أربيل، الأستاذ الجامعي، عثمان علي، «إن الوضع في كركوك صعب وحساس للغاية، حيث أن هناك خطابا قويا ومتشددا بين المكونات الإثنية يرافقه تجمع لأنصار فصائل مسلحة لمنع حزب بارزاني من العودة السياسية إلى المدينة بدعم من طهران.

وأضاف رئيس المركز في ورقة بحثية له، أن «أكثر من مراقب دولي شبّه مدينة كركوك ببرميل البارود الذي قد ينفجر وسيحرق العراق كله، وهذا ما نوه إليه تقرير الكونغرس الأمريكي المسمى بيكر-هاملتون رببورت ورئيس مجموعة الأزمات الدولية التي أجرت دراسات ميدانية عن الوضع، وان التقريرين اتفقتا على نقطة واحدة محورية وهي أن الخطوات الأحادية من قبل الأطراف المعنية ستعقد الأزمة وتفجرها وهذا يؤدي إلى خسارة الجميع».

ونوهت الورقة إلى أن «كركوك تعيش على عتبة انفجار نتيجة أمر أصدره رئيس الوزراء العراقي، قبل فترة بإخلاء جميع مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك وعودة (البارتي) إلى تلك المقرات، وذلك بهدف تطبيع الأوضاع في كركوك وعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني للمشاركة في انتخابات مجلس محافظة كركوك أسوة بالأحزاب الكردية والعربية والتركمانية الأخرى، لكن تظاهرات لأنصار فصائل في (الحشد الشيعي) وخاصة عصائب أهل الحق نصبوا الخيام وجمعوا أنصارهم على طريق كركوك وأربيل لمنع عودة البارتي إلى المدينة».

وحسب التحليل الكردي فإن «فصائل شيعية نشرت بعض الشائعات بأن حكومة السوداني بضغط من الأمريكان تمهد لإعادة قوات البيشمركه إلى كركوك، وخلقت بذلك أجواء من الرعب في المدينة بين المكون العربي السني والتركماني الذي يشارك بعض عناصره في التجمع المعادي للكرد، وهي أجندة إيرانية بحتة» حسب المركز.

ويزعم المركز أن «إيران من وراء الستار تقوم بتحريك فصائل تابعة لها لإفشال قرار حكومة السوداني بعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني» معلّلاً السبب في ذلك إلى عدّة أهداف منها «معاقبة مسعود بارزاني الذي أجرى الاستفتاء ويتهم حزبه بالتحالف مع أعداء إيران مثل الأمريكان وإسرائيل والحكومة التركية، وبذلك يحقق هدفاً استراتيجياً لإيران يتمثل في إبعاد طرف سياسي كردي الذي يعتبره عدوا رئيسيا لها في منطقة فيها حقول النفط والغاز المهمة».

ومن بين جمّلة الأهداف التي تحدّث عنها علي في بحثه هو «خلق البلبلة بين بغداد وأربيل وإبقاء الوضع في العراق في حالة من عدم الاستقرار لتبقى إيران الدولة المهيمنة في العراق الممزق والفاقد للاستقرار، وتحقيق مكاسب انتخابية في كركوك والاستمرار في مواصلة التغيير المذهبي في المدينة كما تمارسها في كافة المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق».

ورأى أنه «إذا استمر المسلحون في التجمع على طريق كركوك – أربيل، قد يخلق ذلك أجواء مشحونة بين الأكراد والعرب وقد يضطر الحزب الديمقراطي الكردستاني لتجميع أنصاره في مسيرات مناهضة أو قد تستغل بعض الدوائر غير الراغبة في الاستقرار في كركوك بإطلاق رصاصة تجاه المتظاهرين وسيؤدي ذلك إلى سفك الدماء في منطقة المظاهرات، ونكون بذلك قد كررنا أحداث عام 1959 بين الأكراد والتركمان، ولكن هذه المرة ستكون بين العرب والكرد، وهذا من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على استقرار حكومة محمد شياع السوداني التي تقوم على ائتلاف إدارة الدولة، والذي يشكل الحزب الديمقراطي الكردستاني جزءاً أساسياً منها».

ووفق علي فإنه «إذا استمر الأمر كما هو عليه الآن قد يتدخل الأمريكيون في الأمر لصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني، وسيعطي ذلك حجة لتدخل إيران» على حدّ وصفه.

المصدر: «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى