في وقت دعت وزارة الخارجية الأميركية لوقف التصعيد في دير الزور بين قوات العشائر العربية و”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، ظهرت معطيات ميدانية تشير إلى تدخّل تركيا في الصراع، لاسيما بعد تمدّد الاشتباكات من دير الزور إلى منطقة درع الفرات في ريف حلب، وسط تسهيلات قدّمها “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا، بهدف تمكين أبناء العشائر من الاقتراب من خطوط التماس مع قوات “قسد”.
وأفادت المعلومات عن فتح جبهتي قتال، الأولى في ريف مدينة منبج والأخرى في ريف مدينة الباب، وسط اتساع المواجهات التي تشهدها أرياف دير الزور بين الطرفين، وتمكّن قوات العشائر من فرض سيطرتها على مناطق شاسعة هناك.
التزام دولي بدعم “قسد”
وورد في بيان صادر عن الخارجية الأميركية، أنّ “الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء أعمال العنف الأخيرة، بما في ذلك الخسائر في الأرواح في دير الزور. وندعو جميع الأطراف إلى وقف التصعيد وحل الوضع سلمياً”. وأضاف: “تشدّد الولايات المتحدة مجدّداً على ضرورة تخفيف معاناة الشعب السوري، بما في ذلك عملها لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم “داعش” من خلال الشراكة مع “قسد”، ونحن ندعم الجهود الجارية للحفاظ على الاستقرار في المنطقة وضمان تعايش جميع شعوبها بسلام”.
وجاء بيان الخارجية الأميركية بعد بيان صادر عن التحالف الدولي، شدّد على “الالتزام بدعم “قوات سوريا الديموقراطية” في مهمّتها لهزيمة “داعش”، دعماً للأمن والاستقرار الإقليميين”، مشيراً إلى أنّه “يواصل مراقبة الأحداث في شمال شرق سوريا من كثب”.
وذكر البيان أنّ “الانحرافات عن هذا العمل المهم تؤدي إلى عدم الاستقرار، وتزيد من خطر عودة ظهور داعش”، مؤكّداً أنّ “العنف في شمال شرق سوريا يجب أن يتوقف، وأن تعود الجهود إلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، خالية من تهديد داعش”.
وأكّد التحالف الدولي “استعداده لتقديم المشورة والمساعدة والتمكين للقوات الشريكة في الهزيمة الدائمة لداعش”.
مطالَبات بوساطة لإنهاء الصراع
وأفادت مصادر إعلامية سورية معارضة بأنّ “التحالف الدولي” طلب الاجتماع مع العشائر العربية في دير الزور، وذلك في أول ردّ فعل على التطورات المتصاعدة في المنطقة.
وقالت المصادر إنّ “التحالف الدولي طلب عقد اجتماع مع ممثلي ووجهاء العشائر في دير الزور، ومن بينهم شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم الهفل”.
وكان العديد من وجهاء العشائر العربية في دير الزور قد أصدروا خلال الأيام الماضية بيانات تطالب الولايات المتحدة والتحالف الدولي، بالتوسّط لإنهاء الخلاف مع “قوات سوريا الديموقراطية”، مشدّدين على ضرورة تشكيل مجلس مدني لإدارة المنطقة المتنازع عليها والتي تقطنها غالبية عربية.
وكان لافتاً في بعض البيانات الحرص على اتخاذ مسافة من مجلس دير الزور العسكري، الذي كان اعتقال أعضاء قيادته الشرارة الأولى لاندلاع الاشتباكات، إذ أكّدت أنّ غضبة العشائر ليست “دفاعاً عن أحمد خبيل ورفاقه (قيادة مجلس ديرالزور) بل بسبب المظالم المتراكمة التي تعرّضت لها العشائر من “قسد” خلال السنوات الخمس الماضية”.
وأكّدت مصادر ميدانية لـ”النهار العربي” أنّ قوات العشائر تمكنت من السيطرة على مناطق شاسعة في ريفي دير الزور الشرقي والشمالي، كان آخرها فرض السيطرة على كامل ناحية ديبان، بعد مواجهات شرسة بين الطرفين.
تمدّد الاشتباكات إلى ريف حلب
في غضون ذلك، حدث تطور لافت من شأنه أن يدقّ جرس الإنذار لدى العديد من الجهات المحلية والإقليمية والدولية، وهو ما تمثّل عملياً في انتقال الاشتباكات من أرياف دير الزور إلى ريف حلب، الذي تتقاسم السيطرة عليه قوات موالية لتركيا وقوات تابعة لـ”قسد”.
وسيطر مقاتلو العشائر، بُعيد منتصف ليل الخميس – الجمعة الماضي، على نقاط عدّة في ريف حلب الشرقي، بعد معارك مع “قسد”. وذكرت مصادر ميدانية معارضة أنّ المقاتلين سيطروا على قريتي البوهيج والمحسنلي شرقي حلب، إضافة إلى تلة عرب حسن على جبهة منبج، وأجزاء من الطريق الدولي إم 4 في ريف الرقة.
معضلة منبج
ولطالما شكّلت منبج عقدة مستعصية في العلاقة بين واشنطن وأنقرة، حيث طالبت الأخيرة على مدى سنوات بضرورة انسحاب مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” من المنطقة، متّهمة الأولى بالتسويف والمماطلة، لاسيما أنّ حسم مصير المنطقة لا يتوقف على التفاهم بين العاصمتين، بل يحتاج إلى تفاهم مع القوات السورية والروسية التي تنتشر في عدد من قرى ريف منبج.
ولا شك في أنّ أنقرة تشعر بارتياح وهي ترى خصمها اللدود ممثلاً بالقوات الكردية التي تشكّل العمود الفقري في قوات “قسد”، يتعرّض لأعنف هجمة من قوات العشائر، إذ لطالما اعتبرت تركيا أنّ القضاء على المشروع الكردي بمحاذاة حدودها الجنوبية يُعتبر أولوية لديها.
وفي هذا السياق، قدّمت “قوات الجيش الوطني” الموالي لتركيا، تسهيلات كبيرة لأبناء العشائر اللاجئين في منطقة درع الفرات من أجل التوجّه إلى خطوط التماس مع قوات “قسد”، والشروع بالاشتباك معها، بهدف تخفيف الضغط عن قوات العشائر في دير الزور وتشتيت جهود “قسد” في مواجهتها.
وأكّد نشطاء في المنطقة، أنّ مثل هذه التسهيلات لا يمكن أن يجرؤ “الجيش الوطني” على تقديمها من دون ضوء أخضر تركي.
المصدر: النهار العربي