فوز الفارس كاتبة سورية، هذا أول عمل روائي اقرؤه لها. أبناء الوحشة رواية تعتمد أسلوب السرد المتابع لحالة شخصيات الرواية من خارجها. تركز الرواية على الشخصية المركزية فيها راضية، ابنة بلدة حلفايا الواقعة في الريف الحموي، وأحداث الرواية تبدأ في السنوات الاولى للثورة السورية، التي تذكر في الرواية ضمن تعابير، الحرب السورية، او الصراع في سورية. وتظهر الأحداث التي تحصل في سورية كخلفية لواقع حياة راضية وزوجها وعائلتها وبلدتها والبلدات المجاورة.
راضية متزوجة من ابن بلدتها، ولها منه طفل و طفلة، تعيش معه وفق عقلية الهيمنة الرجولية، علاقته بها فوقية، فيها كثير من المظلومية، التي تصل الى الضرب احيانا، يدعمه بنية اجتماعية تعلي شأن الرجل وتدعم مواقفه وأفعاله في المجتمع ومع عائلته، كما يصمت أهل الزوجة عن ذلك، وتدعم مواقفه الظالمة اخواته وامه أغلب الأحيان، مع التحريض احيانا، ضمن معادلة مظلومية تشجعها النساء وضحيتها النساء، وذلك حسب موقع المرأة في الواقع الاجتماعي. زوجة، اخت ، ام، ابنة، عمة، خالة، عشيقة… الخ.
راضية متعلمة، مدرسة لغة عربي، تعيش هذه الحياة وهي قابلة بها مرغمة، فلا دعم من عائلتها لها ان هي اشتكت لهم. ثم لا تريد أن تجني على أولادها أن هي تطلقت من زوجها، وعاشوا جحيم العيش بين الأب والأم المطلقين، وما ينعكس عليهم مجتمعيا ونفسيا. قررت أن تتحمل وتستمر بحياتها رغم كل معاناتها مع زوجها. أما في الجانب العام فقد كان الحراك في سورية قد توسع بين من يدعم الحراك ضد النظام أو الوقوف معه، وكان الأغلب في بلدتهم يقفون على الحياد، ومنهم زوجها، يبررون موقفهم بالخوف من بطش النظام، وأن هناك الكثير ممن يعرف عن احداث الثمانينات وماحصل في حماة وغيرها، من قتل عشرات الاف الناس. امّا اهلها واخوتها فقد أصبحوا في الطرف المعادي للنظام، يعني مع الثورة. وهذا زاد معانتها وصراعها مع زوجها حول موقفه وموقف أهلها ومهاتراته الدائمة حول ما فعله اهلها. لكن حدثا جديدا قلب حياة راضية رأسا على عقب، فقد سُجن زوجها عندما تم القبض عليه في بيت جارتهم على انه حاول الاعتداء عليها. وارسل لها الخبر بضرورة ترك البلدة حتى ينتهي هذا الموضوع، وأن تعطي لأهل جارتهم شرفية، مال وغيره، ترد لهم كرامتهم من فعل زوجها المنافي للأخلاق والعرف الاجتماعي. والحقيقة ان جارتهم سيئة الأخلاق وتدير شبكة دعارة نسائية، وانها راودت زوج راضية واستدرجته إلى منزلها، بمعرفة اهلها وزوجها، وتم القبض عليه بوجودهم، ومن ثم تمّ ابتزازه ماديا، حتى يسقطوا عنه الادعاء، ليخرج من السجن. فجعت راضية من زوجها وخيانته لها. تواصل معها وطلب منها أن تستجيب لطلبهم وتخرج من البلدة وأن تلبي جميع طلباتهم ليخرج من السجن. كانت فجيعتها كبيرة بزوجها. خرجت من البلدة بمعية اخوتها. الذين وقفوا بجوارها، والذين انحازوا للثورة ضد النظام. واستمرت تتابع ما يحصل مع زوجها. طال الأمر والابتزاز يزداد، وهو يتواصل معها لعلها تغفر له. أما الواقع العام على الأرض في الصراع بين النظام والجماعات المسلحة، فإنها تزداد شراسة وتتنوع تسميات المقاتلين فيها. بعضهم جيش حر والبعض جبهة نصرة، والخلافات بينهم كبيرة. النظام واجهزته الامنية حيث يسيطر يبتز الناس وينهب ما معهم ليسكت عنهم ولا يعتبرهم مناصرين للثوار، ويكون مصيرهم عند ذلك السجن أو القتل، اما المناطق المحررة فقد أصبحت تحت سيطرة المجموعات المسلحة التي لم تنجح في تسيير أحوال الناس، حصل بينهم صراع مصالح. وصراع الداعمين انعكس صراعا بينهم. هذا غير الحصار من النظام والقصف والتدمير والموت العشوائي والجوع ونقص في جميع اسباب الحياة. وقعت حلفايا بيد الثوار لفترة ونالت من القصف والتدمير الكثير، وعاد إليها النظام مجددا، ونالت من تنكيل الأجهزة الامنية وابتزازها للناس وسوء المعاملة والنهب الدائم، دون أي رادع.
عاشت راضية خارج البلدة عند اخوانها واهلها في المناطق المحررة في الشمال السوري. في فترة حبس زوجها. وعند خروجه ترجّاها كثيرا لتعود وأولادها إليه ليعيشا سوية في بلدتهم . التي عادت لسيطرة النظام. وعادت اليه من اجل الاولاد، لكن لم تستطع راضية ان تغفر لزوجها فعلته. خاصة أن صدفة أعادت لها معنى لحياتها. حيث كانت راضية في أيام دراستها في الجامعة قسم اللغة العربية، قد تعرفت على طالب من بلدة مجاورة لهم يدرس الحقوق. احبها واحبته. ولكن عندما الزمها أهلها من الزواج من ابن بلدتها. حرمت حبيبها منها، لقد تخلت عنه مرغمة، رغم كونه قد تطوع بالجيش واصبح ضابطا في الجيش، لكي يسرع في امكانية الزواج منها. كان زواجها وتخليها عنه، قاسيا عليه، انقطعا عن بعضهما مع غصة في قلبهما. الصدفة التي حصلت لها أنقذت حياتها وأعادت حبيبها لها؛ عندما حوصرت من قوات النظام، وذلك بعد أن حررها الثوار في وقت سابق، حيث خرج المقاتلين منها، ودخل النظام و عسكره لها. كانت راضية وبعض أهل حيّها مختبئة في قبو عندما داهم الجنود ومعهم ضابط، كان من المفترض ان يكون مصيرهم القتل كما حصل مع غيرهم، وفي كثير من البلدات السورية، لكن الضابط كان الحبيب القديم، وعندما التقى براضية وعرفها. قرر أن ينقذها ومن معها ويجعلها تخرج دون عقاب. كان ذلك بداية عودة للعلاقة السابقة، جاءت متراكمة على خيانة زوجها. وقرارها ان لا تغفر له، واستمرت تذله، وتذكره بأفعاله الدنيئة. استمر حبيبها الضابط يتواصل معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما استمر زوجها على علاقته مع جارتهم وشبكة الدعارة التي تديرها. اكتشفت ايضا ان المسؤولين الامنيين في بلدتهم يرعون هذه الشبكات، للاستفادة المالية والمراقبة الامنية وجمع المعلومات عن كل الناس وعلاقاتهم مع أهلهم الذين التحق اغلبهم بالثوار وانتقلوا للشمال السوري. كانت راضية أيام اعتقال زوجها قد انتقلت الى اخوتها في المناطق المحررة، وهناك تابعت أحوالهم، حيث استشهد اخوها الاصغر في احدى المعارك مع النظام، وبعد ذلك استشهد أخوها الآخر. وأصبحت حياتها جحيم، زوجها الذي عاد لعشيقته، وإخوتها الذين ماتوا، وعائلاتهم التي ترملت وأولادهم الذين تيتموا. ولا حلّ في الأفق لما يحصل في سورية، لقد وضعت خطوط حمراء، ممنوع الاقتراب من مناطق وبلدات حاضنة النظام، أو مناطق المسيحيين مثل بلدة محردة المسيحية المجاورة لبلدتهم. تحصل المعارك بأوامر من الخارج، وتنتهي المعركة بأوامر اخرى. يموت الشباب الثائر المخلص البريء الصادق، ويثري القادة التابعين لأجندات خارجية. والنظام يزداد شراسة ودموية وعنفا ضد الشعب حيث يسيطر، كذلك القصف والتدمير والحصار للمناطق المحررة. وزاد الأمر سوء ولادة جبهة النصرة، وإعلان الحرب على الإرهاب دوليا ممثلا بها. والصمت عن النظام ودعمه بشكل مباشر وغير مباشر ضد الشعب والمناطق الخارجة عن سيطرته، وضد المجموعات المسلحة التي لم تعد تعرف من منهم مرتزق ومن منهم ثائر، اللهم سوى الشهداء. كانت راضية تعيش جحيم كل ذلك وفوقه سوء زوجها وخيانته الدائمة لها. لذلك وجدت بحبيبها السابق طوق نجاة لها. استمرت تتواصل معه، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أنه انشقّ عن النظام، وأصبح قائدا لأحد الفصائل المسلحة ضده. كان نموذجا للحبيب المنقذ من كل عذاباتها. قررت بالاتفاق معه أن تنفصل عن زوجها ويتزوجا. كان حريصا أن يلتقي بها، حصل ذلك، استدرجها الى علاقة جسدية جنسية، ضعفت امام اصراره ووعدها بزواج لاحق. حصل بينهما علاقة جسدية، تركها على أن يتواصل معها لاحقا ليخطط معها لمستقبلهم المشترك. لكنه غاب عنها بالمطلق، لقد انقطع عن التواصل عبر النت ولم يعد يرد على هواتفها. احست بالعار والخديعة والظلم. واحست انها فرطت بشرفها على وعد من رجل تبين لها انه ينتقم منها لانها لم تتزوج منه وتخلت عنه سابقا. كما تبين لها لاحقا أنه عميل للنظام. حيث كان من الذين عادوا لحضن النظام، وأصبح يمثل النظام في جلسات المفاوضات في أستانا وغيرها بعد ذلك.
لم تحتمل راضية كل هذا الذي حصل معها، واحست ان حياتها اصبحت بلا معنى، سكنها هاجس الانتقام من الحبيب الخائن. حاولت معرفة بيته وعنوانه، وصلت الى سيارته وبيته، فكرت ان تزرع له عبوة ناسفة، لكن لم تتمكن من ذلك، عادت مجروحة، لتعيش مع زوجها وعائلتها وفي بلدتها، متعايشة مع كل أنواع الفساد والرذيلة والضياع والفاقة.
تنتهي الرواية وراضية تعيش إحساس الخيبة والخيانة وأن الحياة تساوي الموت وأنها تنتظر موتا بربحها من حياة أسوأ من الموت.
في التعقيب على الرواية نقول:
اننا امام رواية مؤلمة وصادمة في درجة صدقها وغوصها في البنية النفسية المجتمعية، خاصة للمرأة السورية، وما تعيشه، البنية المجتمعية القمعية، الهيمنة الذكورية، الأعراف الاجتماعية المعلية للرجال على حساب النساء، النساء المسلوبات الوعي والحس والإرادة، المدفوعات لان يعشن واقع الدونية والقهر والغيبة والنميمة والضغينة والفساد والتورية، برعاية نسوية تعيد إنتاج الاستعباد الاجتماعي في عالم المرأة.
كذلك مؤلمة حيث اقتربت من واقع الثورة بصفتها أفعال على الأرض من الثوار وخاصة في مرحلة العمل المسلح، حيث يموت الشرفاء والثوار، ويرتبط أغلب القادة بأجندات الداعمين، وتضيع اجندة الشعب ومعه الشعب في المحصلة، وكيف اصبح الشعب وثورته وثواره مجرد أدوات في لعبة دولية، كان الشعب السوري ضحيتها.
والمؤلم هذا الصمت الدولي عن النظام المستبد المجرم الذي لعب كل الاوراق ليستمر في الحكم، قتل الشعب وسجنه واعتقله وشرده، ودمر البلد واحضر كل الدول تحتله، وكذلك المرتزقة ليستمر الحكم ولو على جثة سورية التي غادرتها الحياة.
نعم كل ذلك حصل…
هل قدمت لنا الرواية جرعة من الحقيقة، المصاحبة لليأس، ام الحقيقة التي تجعلنا لا نتوهم، بل نبدأ مما نحن فيه على سوئه، لعلنا نبدأ من نقطة ما حقيقية وممكنة؛ نسترد وطننا وشعبنا و حقوقنا وحريتنا وكرامتنا، نحقق العدالة والحياة الأفضل، ونبني الدولة الديمقراطية…
لعلنا نصل إلى ذلك.. هناك سؤال صادم: هل هكذا كان الثوار يحلمون؟ !… والى أين وصلت الثورة ؟ !.