ذكريات ومشاهد أليمة من إعدامات وذبح وتمثيل بالجثث، والقتل لأجل القتل فقط، كلها لا تزال حاضرة في ذاكرة أبناء داريا، يستحضرها سامر حوراني في لقائه مع عنب بلدي، في ذكرى المجزرة التي استمرت من 20 وحتى 25 من آب 2012.
“ما في قلب يشعر، ولا حكي يعبر، لو بعد 100 سنة ما بقدر أوصف الشعور، نظام ما عنده رحمة”، بكلمات ممزوجة بشعور الألم والحسرة والعجز، لم يستطع سامر إيصال ما شعر به حين المجزرة.
ذبح وتنكيل
“لم يبقَ ذخيرة ولا إمكانيات لمقاومة النظام”، قال سامر لعنب بلدي، إن إمكانيات المقاتلين المحليين كانت ضعيفة جدًا بسلاحهم الفردي أمام العدة والعتاد لقوات النظام من “حرس جمهوري” وفرقة رابعة” وميليشيات إيرانية وغيرهم، والذين اقتحموا ومارسوا أبشع أنواع القتل في حق أبناء داريا.
في 20 من آب ذلك العام، بدأت قوات النظام المجزرة، من خلال قطع الكهرباء والاتصالات عن المدينة في ثاني أيام عيد الفطر، قبل فرض حصار عليها، ثم قصفها بسلاح المدفعية والدبابات وقذائف الهاون والغارات الجوية التي قتلت 60 شخصًا، وفق ما ذكرته وكالة “رويترز“.
ودخلت قوات النظام المدينة في 24 من آب عام 2012، ونفذت العديد من المجازر والإعدامات الجماعية، بالإضافة إلى اعتقال العشرات من أبناء داريا، إثر انسحاب فصائل المعارضة التي كانت منضوية تحت راية “الجيش الحر” منها.
وأوضح سامر أنه خلال هرب الأهالي من حارة إلى أخرى كانوا يشاهدون قوات النظام كيف تذبح من يظهر في طريقها وتنكّل بالجثث، حتى لجأ الأهالي إلى الأقبية وحدثت مجازر فيها بأبشع الطرق من قتل وحرق وتمثيل بالضحايا.
الدفن خلسة
تحولت أقبية الأبنية في داريا إلى مقابر جماعية، والأراضي الزراعية امتلأت بجثث الهاربين من بطش قوات النظام.
وبعد انسحاب قوات النظام إلى أطراف المدينة إثر المجزرة، بدأ الأهالي بإحصاء أعداد القتلى، في عملية استغرقت عدة أيام، وبدأت عمليات الدفن.
وقال سامر إنه شارك بعمليات دفن الضحايا مع “أبو صياح بلاقسي“، المعروف لدى أهالي المدينة بعمله بتكفين ودفن الموتى، وبدأوا بجمع الجثث خلسة من الأراضي الزراعية، ومن الأقبية ودفنها.
ويستذكر سامر حين حمل مع آخرين ليلًا 35 جثة محروقة من أرض زراعية شرقي داريا، بينهما سيدتان، قائلًا، “كنا أربعة شباب نحمل الجثث ونسجل أسماء المعروفة منها، وندفنها ونهرب خشية أن تكتشف قوات النظام تجمعنا وتذبحنا”.
النظام يتحدث عن “إرهاب” والعالم يندد
قناة “الدنيا” الموالية، اعترفت بعد دخولها المدينة بأن العديد من الضحايا من الأطفال والنساء، وبثت لقطات لفتاة قُتلت في الشارع ورجل سقط عن دراجته النارية وعدة جثث في مقبرة، مدّعية في الوقت نفسه بأن “الإرهابيين” هم من ارتكبوا المجزرة.
الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، أدان حينها عمليات القتل التي تعرضت لها داريا، ووصفها بأنها “جريمة مروعة ووحشية”، يجب التحقيق فيها فورًا، وفق ما نقلته صحيفة “لوس أنجلوس تايمز“.
ودعا الرئيس المصري السابق (المتوفى)، محمد مرسي، حلفاء النظام السوري للمساعدة في إخراجه من السلطة، مؤكدًا أنه لا مجال للحديث عن الإصلاح، وأن النقاش يدور حول التغيير، وفق ما نقلته وكالة “رويترز”.
كما قال وزير الدولة البريطاني السابق المختص في شؤون الشرق الأوسط، آليستر بيرت، إن المجزرة في حال تأكدت ستكون “انتهاكًا بمستوى جديد يتطلب إدانة حازمة من المجتمع الدولي بأكمله”.
أكثر من 700 ضحية
وقعت مجزرة داريا بعد أسابيع من تفجير عُرف باسم “خلية الأزمة” في 18 من تموز، قُتل خلاله أربعة من كبار قادة النظام الأمنيين في ظل تصعيد عسكري عاشته سوريا حينها.
وراح ضحية المجزرة حوالي 700 شخص، بينهم 522 شخصًا موثقين بالاسم، بحسب “فريق التوثيق في داريا”.
في 25 من آب 2022، نشر “المجلس السوري- البريطاني” تحقيقًا قال فيه، إن الحملة العسكرية على داريا شارك فيها كل من “الفرقة الرابعة” المقربة من إيران، و”الحرس الجمهوري”، و”المخابرات الجوية”، وعناصر “الشبيحة” بدعم من “حزب الله” اللبناني والميليشيات الإيرانية.
وقد أسفرت الحملة، التي استمرت لأربعة أيام متواصلة، عن مجزرة كبيرة تجاوز عدد ضحاياها 750 من المدنيين، من بينهم عائلات بأكملها، ودُفن معظمهم في مقابر جماعية بالقسم الجنوبي من مدينة داريا.
وشهدت المدينة بعد المجزرة بشهرين قصفًا وحصارًا فرضته قوات النظام السوري لأربع سنوات، أسفر عن دمار كبير في بنيتها التحتية، وانتهى بتهجير المئات من أهلها في آب 2016.
ولم يسمح النظام بعودة أهلها إلا بعد عامين كاملين على تهجيرهم، بموجب موافقات أمنية خاصة، بعد إعلانه بدء ترحيل الأنقاض وفتح طرقات المدينة.
المصدر: عنب بلدي