الاحتجاجات عادة تتم في دول يتوفر فيها قانون وحقوق مواطنة، في ظل نظم ديمقراطية مستقرة، غير أنه في النظم الدكتاتورية المستبدة يكون الأمر مختلف لديها، فالشعب عندها له صفة الرعايا وليس المواطنة التي لها حقوق وعليها واجبات، وحقوقهم يتم منحها بمراسيم من السلطان، وهم أشبه بالمعتقلين داخل أوطانهم.
وفي الحالة السورية اليوم، أصبح الاحتجاج ضرورة موضوعية للتعبير عن الحالة التي وصل إليها شعبنا من الذل والانكسار وحد الفقر المدقع الذي صنف لدى منظمة الصحة العالمية بأنه يحتاج إلى مساعدات إنقاذيه على مستوى الصحة والاحتياجات الإنسانية للدواء والغذاء التي تؤمن للمواطن السوري الاستمرار في الحياة والمحافظة على البقاء للعيش بحياة طبيعية كريمة خالية من الظلم والقهر والضغط الاقتصادي والمعاشي الممنهج الذي يستخدمه نظام الاستبداد والفساد في مواجهة شعبه بعد أن استنفذ معهم كل عمليات القتل والانتهاك المنظم للأرواح والحريات الشخصية والأموال، بكافة الأساليب الوحشية المنافية لأبسط مواد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتي صنفت جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي والجنائية الدولية .
علما ان هذا النظام استخدم كل الطرق المستنسخة من السافاك الإيراني التي تعتمد على التصفية والابادة الجماعية بوسائل خارجة عن مصنفات التعامل الآدمي، وكذلك في تدمير البنى العمرانية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية دفعت بالمواطن لهجرة قسرية هربا من الموت، في محاولة ممنهجة من قبل الجانب الإيراني لتغيير ديمغرافي، والذي بات متحكماً بالعديد من القطع العسكرية والقرار السيادي، قابلها مؤخراً انهيار غير مسبوق لليرة السورية التي فقدت قيمتها الشرائية أمام التصاعد الجنوني للدولار وارتداداته على أسعار كافة المواد الغذائية والتحويلية، ختمتها حكومة الفساد والإفساد بقرار رفع الدعم عن المواد البترولية قابلها رأس النظام بمرسوم تشريعي هزيل لرفع الرواتب والأجور نسبة 100% ، لا تعادل مصروف عدة أيام لأسرة صغيرة أمام توحش السوق المتحكم به من قبل تجار الأزمة، وضعت أبناء شعبنا على قائمة المساعدات الإنسانية المقدمة من قبل مشروع الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين والذي يسرق نصفه أو أكثر من قبل الفرقة الرابعة لجيش النظام قبل أن يذهب إلى مستحقيه.
هذه هي المقدمات التي دفعت أبناء شعبنا في الساحل السوري بداية للاحتجاج في مواجهة الظلم والقهر الذي يلاقونه في حياتهم المعاشية مطالبين رأس النظام بإيجاد حلول تنقذهم ( بعد أن قدموا الكثير من الأرواح من أجل بقائه في السلطة) من هذا الوضع الذي لم يعد محتملا، وهم عارفين مسبقا أن الذي يفتعل الأزمات لا يمتلك المقدرة على إيجاد الحلول (فاقد الشيء لا يعطيه) وامتدت هذه الشرارة إلى السويداء ودرعا، وبعض المناطق الأخرى، تنادي بشعارات مطلبية لتحسين الوضع المعاشي والقضاء على الفساد، والبعض ذهب إلى تبني شعارات الرحيل، وكذلك امتدت المطالبات الشعبية بالدعوة للإضراب والاعتصامات والعصيان المدني.
أمام هذا المشهد المستجد والمتصاعد على الساحة السورية ماهي المخاوف والمحاذير ؟؟
بداية لابد من التأكيد على أن هذه الحراكات اليوم لا يمكن أن يصنفها النظام بخانة الإرهاب والمؤامرة الدولية وخاصة أن البداية انطلقت من الساحل السوري.
المخاوف التي يجب التحذير منها
1) أن هذا النظام لم يعد يحتاج لذريعة لكي يعود إلى العنف والبطش بالمحتجين ، إذا لم يستطع امتصاص هذه النقمة بالترغيب وتحويلها إلى فقاعة صابون بدون اي أثر.
2) من المخاوف التي على درجة كم الخطورة بمكان، دعوات من أطلقوا بيان باسم ” المنشقين العسكريين العلويين” بالترويج لانقلاب قد يحدث أو مواجهات مباشرة بين الأطراف العسكرية، ونحن نعلم بأن معظم القطعات العسكرية قادتها من المقربين جداً لرأس النظام والذين يتحركون بأوامر ايرانية، قضية عسكرة الحراك من هذه الجهة قد يعيد المشهد إلى المربع الأول عند انطلاق الموجة الأولى للثورة السورية.
3) الحذر الشديد من دخول المندسين من شبيحة النظام ومن القوى الأمنية في ترديد شعارات أو هتافات تخريبية أو التعدي على الممتلكات العامة ومؤسسات الدولة أو حرف مسار الانتفاضة وشعاراتها السلمية قد تدخلهم في صدامات مباشرة مع القوى الأمنية وتشرعن للنظام وأد هذه الاحتجاجات عن طريق العنف.
بعض المحاذير الهامة التي لابد من اخذها بعين الاعتبار :
1) التأكيد على سلمية ومدنية الحراك الذي يشكل عامل قوة واستمرار في مواجهة نظام اعتاد على العنف والقتل بدون اي وازع، لذلك التمسك بهذه السلمية واستدامتها أمر في غاية الأهمية.
2) ضبط الشعارات وحصرها في المسائل المطلبية بحيث لا تتعدى مسألة التغيير الوطني الديمقراطي وحقوق المواطنة والعيش الكريم.
3) يجب أن يعمل المنتفضين على تشكيل حواجز حماية بشرية من غدر القوى الأمنية، وتحديد الوسائل التي تؤمن لهم الاستمرار من خلال عقل منظم يحدد الهدف والغاية مستفيدا من اخطاء الموجة الأولى للثورة .
4) كل هذا يحتاج إلى حامل سياسي من قوى المعارضة الديمقراطية في الداخل يؤيد هذا الحراك ويدعم استمراره منخرطا بفعالياته ويستطيع أن يقوده في توجيه البوصلة ويوحد مسارها السلمي المدني معتمدا على فعاليات المجتمع المدني التي لها الدور الهام في هكذا حراك ، وهذا يعتمد على التقاط أهدف هذه الظاهرة والتعامل معها بموضوعية وحنكة سياسية يتم فيها استبعاد الخطاب الطائفي والشعارات التي تحصر نفسها “بالأسدية والعلوية ومفردات حاضنة النظام” لأنه خطاب منفر حتى للمتظاهرين الذين ينتمون إلى هذه الجهات.
5) هذا الحراك يجب أن يكون سوري بامتياز دون أي تمييز طائفي أو اثني أو اقوامي ،هدفه خلق ساحات نضال موحدة في الشعارات ومستهدفة مطالب ومآلات تخدم التوجه في الحل السياسي والممسك بمضمون القرار 2254 المدعوم امميا والعودة إلى تنفيذ مضمونه بالتغيير الجذري والشامل لهذا النظام، والتحول إلى دولة ديمقراطية يسود فيها القانون وحقوق المواطنة والإنسان، حتى تكون سورية للجميع خالية من الاستبداد والفساد وكافة الاحتلالات الجاثمة على الأرض السورية وطرد كافة المظاهر العسكرية والفصائل والميليشيات العابرة التي تم استدعائها مهما كانت هويتها ومرجعياتها، لتعود سورية إلى سيادتها كدولة طبيعية موحدة أرضا وشعبا.