(لا شرعية لإجراءات اقتلاع شعب من ارضه على الإطلاق)
د.فيوليت داغر، اللجنة العربية لحقوق الإنسان.
( .. ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة .. )
جمال عبد الناصر
عناوين ترسم مشاريع وخطط العدو الصهيوني في الأراضي المحتلة [ تدمير – تهجير – تهويد – اوامر طرد ].
في عام 2020، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطة لضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، وهي المناطق التي تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967، والتي يطلق عليها “الأراضي الفلسطينية المحتلة”. وقد أثار هذا القرار ردود فعل شديدة من الفلسطينيين والمجتمع الدولي حينها، لأنه يتعارض مع القانون الدولي الذي يحظر التوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة حسب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 والتي صنفت ذلك جريمة حرب.
اليوم حكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة تجدد العمل بهذا المشروع ولكن بأسلوب مختلف، عن طريق القضم المتدرج لأجزاء من الضفة الغربية، البداية كانت من جنين ومخيمها في محاولة السيطرة عليها بمبررات زائفة، مرة بوجود ارهابيين مطلوبين للسلطات الإسرائيلية، وأخرى صرحت عنها، بسبب ازدياد أعداد الفلسطينيين الذي يحدث خلل في المؤشر السكاني، وتشير الى تغيير ديمغرافي في طبيعة المناطق المحتلة، علما – ولتاريخ هذا اليوم – فإن عدد السكان الفلسطينيين في عموم الارض التاريخية لفلسطين، هو 7.1 مليون ويتساوى مع إعداد اليهود الموجودين في الأراضي المحتلة( حسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني 2023 ).
ولتغيير شكل المعادلة أقدمت حكومة الاحتلال مؤخرا على إصدار قوانين منعت فيها لم الشمل إلى مناطق السلطة الفلسطينية وإلى أراضي 1948 الضفة والقطاع ، بالإضافة إلى ممارساتها العنصرية عبر التهجير القسري بدواعي متعددة، وافتعال مواجهات عسكرية مع السكان كان آخرها اقتحام مخيم جنين وتهديم عدد من المنازل وطرد سكانها والسيطرة على الأراضي وتجريفها من أجل بناء مستوطنات جديدة، وعلى الطرف المقابل لازالت الانتهاكات مستمرة بحق أهالي القدس والحرم الإبراهيمي، والتعدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية بما فيها المسجد الأقصى وكنسية القيامة.
ولتوضيح المشهد أكثر، حقائق التاريخ سجلت في عام ١٩٤٨ أن التهجير كان عاملا مركزيا في تشتيت الشعب الفلسطيني، كما جاء تهويد المقدسات عاملا آخر في تشويه الهوية التاريخية للمكان والموروث الحضاري والثقافي، يضاف لها عمليات الطرد المستمرة للشباب الفلسطيني الذين يعتبروا أداة المقاومة الفعلية في مواجهة عنصرية الاحتلال، والتي صنفت تطهيرا عرقيا بعرف القانون الدولي.
كل هذه الممارسات ترتكب بالاتساق مع تصريحات قادة العدو الذين تعاقبوا على حكوماتها منذ سبعين عاما لهذا التاريخ والتي تشير إلى ابتداع قوانين تجيز التخلص من العنصر العربي الفلسطيني، كانت تترجم عبر قرارات للكنيست الإسرائيلي في تحويل دولة الكيان إلى دولة يهودية نقية لا وجود فيها لغير اليهود .. حتى أن العنصري “افغدور ليبرمان” وزير الخارجية الإسرائيلي، يدعوا الكنيست إلى اتخاذ إجراءات فورية في مسألتين:
١/ حظر نشاط الجماعات والأحزاب التي تدعم حماس وفرض الخدمة الإجبارية على كل من يعيش في الدولة العبرية.
٢/ مقايضة الأراضي التي يقيم عليها عرب ٤٨ بالتي يقطنها المستوطنين في الضفة الغربية.
وأضاف لها بند ثالث ( كل من لا يقبل الهوية اليهودية يطرد من أرضه ) .
جاءت هذه المطالب متوافقة مع “خطة النقب ٢٠١٥” التي تهدف إلى تهويد الجليل والنقب ،،( سكان النقب الذين هم بدو جنوب فلسطين كانوا قبل عام ٤٨ “مئة الف نسمة” لكن لم يبقى منهم اليوم سوى أحد عشر الف نسمة بسبب سياسات الطرد والتهجير). هذا التهويل المبرمج من الخطر الديمغرافي يترجم على الارض منذ أكثر من ستة عقود بسياسات التوسع الاستيطاني، وعلى هذه القاعدة تخوض إسرائيل معركة مصيرية بل تعتبرها وجودية في تصفية ركائز المجتمع المدني الفلسطيني من خلال هجمة شرسة على المناطق المختلطة والذي يحاول فيها الجيش الإسرائيلي اجتثاث ما تبقى من العرب بداخلها.
غايات وأهداف المشروع
الاحتلال منذ عدة أشهر يقدم على استفزازات مستمرة بحق سكان عكا ويافا، وما يفرضه على قرى وبلدات المثلث في منطقة وادي عكارة والطيرة وقلنسوة وكفر قاسم، من قوانين تعسفية في هدم البيوت، والملاحقات السياسية بحق ممثلي التجمعات العربية وناشطي المجتمع المدني. وأهداف الاحتلال الإسرائيلي من وراء هذه الممارسات تتحدد :
١/ طمس الهوية العربية من خلال تجريف وجودهم القانوني في الدولة العبرية عبر خلق انقسام طائفي بين المكونات العربية، الدروز على سبيل المثال والشركس في جعلهم قوميات منفصلة بسبب انخراطهم في جيش الاحتلال، وكذلك التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين من خلال تقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية.
٢/ تجريد العرب الفلسطينيين من أراضيهم حيث لا يملكون اليوم سوى ٣% من الأراضي التي استولت عليها إسرائيل ١٩٤٨.
٣/ إعلان اللاءات الإسرائيلية [ لا للانسحاب لحدود ١٩٦٧، لا لحق العودة، لا لاعتبار القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية والتي تخلت عن الاعتراف بوجودها حسب اتفاقية اوسلو ونسفت هذه الاتفاقية من جذورها ].
المحتل يمضي بخطى سريعة لفرض وقائع جديدة على الأرض وفرض الأمر الواقع بالقوة بهدف استخدامها ورقة ضغط في أي مباحثات وتسويات قادمة، ومؤخرا، دخل على الخط عنصر إضافي جديد داعم للمشروع الصهيوني، وهو تهافت المطبعين العرب مع العدو الصهيوني، في محاولة وقحة، كانت عبر الاندماج في مشروع ابراهام على كافة الصعد، فدخلت قطعان المستوطنين الإسرائيليين من خلاله، الدول المطبعة من كافة أبوابها لإفساد مجتمعاتها والتأثير عليها في سلوكها وعاداتها وتقاليدها والهيمنة على وسائل إعلامها بما يسمى بالتعايش المشترك بين أبناء “سام وحام”، ناسفين بذلك كل الالتزامات تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته المشروعة، وقصرها على أنها قضية لاجئين لا أكثر تحل عن طريق دول الجوار.
كل هذا يتم تحت غطاء وصمت دولي مريب، ناهيك عن هيئات دولية فقدت صلاحيتها في نصرة قضايا الشعوب المظلومة، وعدم اتخاذها القرارات الرادعة لدولة الاحتلال التي تعتبر نفسها دولة فوق القانون، تضرب باستمرار قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة عرض الحائط، بانتهاكاتها المتكررة والصارخة بحق الشعب الفلسطيني، عن طريق الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وبناء البؤر الاستيطانية مكانها تنفيذاً لسياساتها التوسعية التي تؤثر سلباً على مستقبل السلم والأمن الدوليين.
إن هذا الأمر لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي يعتبر واحدًا من أكبر التحديات السياسية في المنطقة.
لكن كل هذه الإجراءات لم تكن لتثني عزيمة الشعب الفلسطيني المقاوم الذي أعطى درسا موجعا لجيش الاحتلال أثناء اقتحامه لمخيم جنين، وكذلك الصمود الاسطوري في باحات المسجد الأقصى، ومقاومة قطعان المستوطنين الذين يدنسون باحات المسجد، حيث برز دور المجتمع المدني الفلسطيني الذي يستخدم أساليب متعددة لتأكيد وجوده وهويته العربية عبر إحياء مناسبات سنوية ليوم الأرض (في الناصرة والنقب وجامعاتها)، بالإضافة الى المسيرات التي تندد بالممارسات الفاشية والتمييز العنصري، وايضا إبداعات نماذج المواجهة لشباب المقاومة التي اربكت جيش الاحتلال وضربته في عقر داره، الشعب الفلسطيني كان ولازال لا يرضخ لهذه المشاريع ويقاومها بكافة الممكنات المتاحة المدنية والعسكرية، متجذرا في أرضه مدافعا عن مقدساته، للوصول إلى حقه في العودة والتحرير مهما تخاذل المجتمع الدولي، ومهما سجل النظام الرسمي العربي من خيانات وخنوع، وستبقى “القضية الفلسطينية” مركزية بالنسبة للأمة وقواها الشعبية مهما طال الزمن.
ملاحظة وتوضيح:
في تقرير نشره مركز (ركاز – بنك المعلومات عن الأقلية العربية في إسرائيل) وجمعيتا الجليل (للبحوث والخدمات الصحية)، سلط الضوء على كافة جوانب الحياة الخاصة للعربي الفلسطيني في أراضي 1948 ونهج الاحتلال تجاهها والقمع المباشر وتشويه الهوية والأسرلة وإجراءات التهميش والحصار والتفتيت الممنهج على أصحاب الأرض الأصليين، وأثبت التقرير أن هناك اجتياحاً جديداً لأكثر من 70 ألف مسكناً للأسر الفلسطينية في الداخل في حين أن ٩% فقط من أصل 156 الف فلسطيني الذين استطاعوا البقاء في حدود 1948 التي أقرتها الهدنه .
هذا يؤكد الهاجس الذي يؤرق قادة الاحتلال باستمرار والهلع والخوف الذي ينتابهم عن مصير دولة الكيان ومستقبلها الذي سينهار عاجلا أم آجلا, والوقائع في داخله على المستوى والعسكري والمدني تؤكد ذلك.