يؤرخ خالد سليم عقيل في كتاب إرث ثورة الجزء الاول حياة والده المرحوم سليم عقيل ودوره الوطني والقومي في سوريا منذ أيام الاستعمار الفرنسي لسوريا حتى وفاته رحمه الله عام ٢٠٠٣م. ومن ثم يتحدث به عن نفسه منذ طفولته حتى الثورة السورية…
في هذه القراءة سأكتب عن سليم عقيل ابن حلب والمناضل المدافع عن الوطن والحق والحرية والعدالة والديمقراطية طيلة حياته، مقارعا الاستعمار أولا وبعد ذلك استبداد النظام وظلمه طيلة حياته. حيث دفع ثمن مواقفه هذه، السجن لتسع سنوات، وأصبح من خلالها واحدا من فرسان سوريا في القرن العشرين وأحد أبنائها البررة .
يعود سليم خالد عقيل بنسب العائلي لابن عم رسول الله ص عقيل بن ابي طالب. وكان لآل عقيل دور في التاريخ وامارة في حلب وجوارها في تاريخ مضى.
الشيخ خالد والد سليم كان قاضيا شرعيا منذ أيام العثمانيين.
ولد سليم عقيل في حلب عام ١٩٢٢م أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا وتربى في بيئة متدينة وحريصة على العلم . وما أن بلغ سليم سن الشباب حتى بدأ يقوم بأعمال مقاومة عسكرية للمستعمر الفرنسي، حيث أطلق النار على سيارة عسكرية فرنسية أدت لقتل ضابط فرنسي. ولم يعرف من الفاعل.
درس سليم الحقوق وقرر أن يدخل سلك المحاماة بعد ذلك. التحق في بداية شبابه بحركة الاشتراكيين العرب لمؤسسها أكرم الحوراني. واختلف معهم عندما وضعوا يدهم بيد حزب البعث وتوحدوا معه في حزب واحد، لذلك تخلى عن الحزب وغادر العمل السياسي الحزبي.
كان سعيدا باستقلال سوريا من الاستعمار الفرنسي وقيام الحكم الديمقراطي الوليد في سوريا. ورفض كأغلب الوطنيين في سوريا الانقلابات العسكرية التي حدثت في سوريا في اواخر اربعينيات و بداية خمسينيات القرن الماضي. ابتهج لعودة الديمقراطية لسوريا بعد ذلك .
تابع المتغيرات التي حصلت في مصر وصعود نجم عبد الناصر تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي وحلف بغداد والوحدة المصرية السورية بعد ذلك. كان سليم وطنيا سوريا و قوميا عربيا. ومثل كل السوريين رحبوا بالوحدة مع مصر. لكنهم اصطدموا بما اسماه الكاتب الهيمنة المصرية في سوريا. وان قرار عبد الناصر بمنع العمل السياسي وحل الأحزاب قد أساء للسوريين والوحدة. ونوضح هنا أن حل الأحزاب كان شرط اتفق عليه عبد الناصر مع قادة سوريا السياسيين والعسكريين ومنهم قادة البعث ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار. المهم انقلب المزاج السياسي السوري عند البعض ضد الوحدة، لكن الشارع الشعبي بقي باغلبه وحدويا. وسرعان ما حصل الانفصال بعد ثلاث سنوات. لم يذكر الكاتب الدور الغربي ومال السعودية في إسقاط الوحدة، وهو ما ذكرته كثير من الوثائق الغربية. المهم كان سليم مع الوحدة من حيث المبدأ. وضد التجاوزات التي حصلت ايامها. وكان موقفه نقديا جدا من انقلاب البعث عام ١٩٦٣م. حيث هيمن حزب البعث على الدولة والمجتمع السوري. بادعاء قومي. و واقع طائفي سيظهر بعد حين.
كان سليم معارضا لحكم البعث كل الوقت. وأدرك أن التغيرات التي حصلت في الحكم في سوريا في شباط عام ١٩٦٦م ادت لاقصاء قيادة البعث التاريخية وهروبها بعد ذلك للعراق، حيث التحقت بالبعث هناك. وان هيمنة علوية بدأت تظهر في الحكم السوري. حيث سيطر صلاح جديد على الحزب وحافظ الأسد على زارة الدفاع ، ورغم حصول نكسة حزيران ١٩٦٧م وحافظ الأسد وزيرا للدفاع . فلم يمنع الأسد من التفرد بالحكم عام ١٩٧٠م وإقصاء صلاح جديد.
بدأ الأسد في زرع العلويين في الجيش والأمن وفي بقية مفاصل الدولة. بحيث كان نسبة المقبولين في الجيش من العلويين تصل الى تسعين بالمئة والباقي لبقية مكونات الشعب السوري. عندما استلم حافظ الأسد السلطة في سوريا عمل على محاولة خلق شرعية سياسية له. حيث زار أغلب المدن السورية واظهر انه وحدوي واقرب للهوى الناصري السوري الذي كان مازال سائدا. وبدأ يمهد لخلق كيانات صورية مجلس شعب ونقابات مدنية وحتى دستور جديد لسوريا…
في موضوع الدستور اختلفت قوى المجتمع المدني مع مشروع الدستور الجديد حول نقطتين اساسيتين اولهما دين الدولة الإسلام. حيث تم الغاؤها في الدستور الجديد. أدى ذلك لحصول إحساس مجتمعي ان هناك تعدي على هوية السوريين الإسلامية. وبعد جدال ومظاهرات واحتجاجات. وضع النظام نص دستوري أن دين رئيس الجمهورية الإسلام. مثّل هذا حل شكلي. والاهم في الدستور البند القائل إن حزب البعث قائد الدولة والمجتمع. وهذا يعني تبعية العمل السياسي في سوريا كله للبعث أي النظام وحافظ الأسد شخصيا. وهذا يعني أننا أمام دولة استبداد حقيقي.
كان سليم عقيل يتابع كل تلك المستجدات ويقوم بدوره مع الوطنيين الآخرين في مواجهة ذلك. فقد استطاع ان يصل الى رئاسة نقابة المحامين السورية. ومن خلال موقعه ودوره هذا كان في الصف الأول في كل النضالات ضد سلطة الاستبداد السوري. لقد رفض الدستور، ورفض ادعاء النظام ببناء جبهة وطنية تقدمية تبين انها مجرد واجهة لاحزاب صورية تتبع البعث والنظام وتحصل على فتات مكتسبات فردية لبعض أفرادها.
استثمر سليم ومعه وطنيين آخرين تشكيل أول مجلس شعب من ممثلي المجتمع المدني والنقابات. وكان مجلسا مواجهة مع محاولة الأسد الاستحواذ على السلطة بشكل مطلق في سوريا. وكان من افرازات بداية السبعينات مقاومة النظام من قبل الطليعة المقاتلة التي كانت تحمل فكر مروان حديد الإسلامي الذي رفض حكم البعث العلوي ورفض الدستور وقرر مواجهة النظام بالعمل العسكري المسلح اغتيال وتفجير والدفع لصناعة ثورة. ادى ذلك لاعتقال مروان حديد وتصفيته في السجن عام ١٩٧٦م. لكن تنظيمه استمر بالقتال. خاصة أنه كان مدعوما من العراق العدو التقليدي للنظام. والنظام كان داعما للإيرانيين ضد العراق في حرب العشر سنوات المأساوية بين البلدين. توسعت العمليات العسكرية في سوريا من الطليعة المقاتلة. وبدأ الحراك الشعبي في حلب. يوثق الكاتب بكثير من التفصيل ما سمي ثورة الشارع الحلبي على النظام. وكيف اصبحوا اقرب لتحرير حلب عام ١٩٨٠م. وكيف توافقت القوى الوطنية والنقابات الوطنية وخاصة المحامين التي كان على رأسها سليم عقيل ومعه عبد المجيد منجونة وآخرين. وبدأ النظام حملته العسكرية التي اجتاحت حلب وقتلت المدنيين عشوائيا واعتقلت الناس وصفت المعارضين. ومنذ ذلك التاريخ أصبح سليم عقيل مستهدف ومعه الوطنيين الآخرين حيث اعتقل عام ١٩٨٠م على يد الأجهزة الأمنية وأودع في سجن الشيخ حسن في دمشق لسنوات ثم نقل الى سجن عدرا بعد ذلك. كان سليم عقيل نموذجا لصاحب الرسالة الاصيل الوطني الديمقراطي العقلاني حاضر البديهة والقادر على امتصاص الظرف المحيط وقادر على استثماره ايجابيا دوما. جعل سجنه مدرسة إنسانية وسياسية لمن حوله وزملائه.
حاولت العائلة طوال فترة سجنه التي امتدت لتسع سنوات أن تعمل على إطلاق سراحه بالتواصل مع اصدقائه رئيس اتحاد نقابات المحاماة العربية ابراهيم عيسى واحمد الخواجا نقيب المحامين المصريين. حاولوا بكل امكانياتهم. لكن للأسد حساباته الخاصة. ولم يفرج عنه هو وغيره من معتقلي الرأي السوريين إلا عندما استتبت سوريا للاسد. بعد القضاء على الطليعة المقاتلة والاخوان المسلمين والقوى الوطنية السورية والنقابات وممثلي المجتمع المدني. مر ذلك عبر القضاء على ثورة حلب وثورة حماة وبقية المدن السورية في الثمانينات وكانت مجازر راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء السوريين. هذا غير المعتقلين في سجن تدمر وخاصة المجزرة التي قام بها سرايا الدفاع بعد محاولة اغتيال الأسد وراح ضحيتها اكثر من الف سجين…الخ.
لا بد من التنويه هنا أن الكاتب خالد سليم عقيل قد دمج سيرته مع سيرة والده وما حصل في سوريا. خاصة في فترة اعتقال والده التي استمرت مابزيد عن تسع سنوات. وكانت هذه الفترة حافلة في سوريا. حيث حصلت ثورة حقيقية ضد النظام. حيث نشطت الطليعة النقاتلة والاخوان المسلمين عسكريا ومدنيا ضد النظام اعتيلات ومناشير وتجييش شعبي ونجحوا كثيرا في حلب وحماة وجسر الشغور .. الخ. كما اقترن ذلك مع الحراك الوطني الديمقراطي للاحزاب المعارضة الناصريين جمال الاتاسي والمكتب السياسي للحزب الشيوعي رياض الترك وحزب البعث العراقي وغيرهم. وكذلك النقابات المدنية خاصة نقابة المحامين. التي كان سليم عقيل احد رموزها. يتحدث خالد عقيل بتفصيل عن مسار الثورة في حلب ونشاط جماعة الطليعة وتغلغلهم الواسع في أوساط الشباب. وانهم وصلوا الى مرحلة حرروا فيها حلب. وهنا دخل جيش النظام وسرايا الدفاع والوحدات الخاصة واستباحوا حلب قتلا و اعتقال وتصفية، حتى عادت حلب مستكينة جريحة …
كما تحدث خالد عن دراسته في قسم الكيمياء وخروجهم هو واخيه لمصر وعودتهم الى سوريا وتخرجه من الجامعة ثم سفره إلى السعودية وعمله هناك لسنوات طويلة. وعودته الى سورية بعد ذلك وبناء شركته الخاصة والعيش في كنف الوالد وعودته مجددا إلى السعودية والعمل هناك. ومن ثم عودته بعد وفاة والده سليم عقيل رحمه الله.
نتابع سيرة سليم عقيل الذي خرج من السجن بعد تسع سنوات وقد كبر أولاده وتزوج اغلبهم واصبح له أحفاد. عاد ليعمل في مجال المحاماة. وأصيبت عينه بمرض كاد يفقد البصر بها. عالجوا المرض لكنه لم يعد قادرا على الكتابة والقراءة. استعان بـ محامين متدربين واستمر في عمله سنوات اخرى.
تحدث الكاتب عن حافظ الأسد وكيف أدار علاقاته الخارجية عربيا ودوليا بحيث كان يستعرض قدراته ومعلوماته وسطوته متحدثا لساعات. ولكنه عندما ينتقل للفعل فهو انتهازي كبير. يعرف كيف يسترجع القنيطرة بعد انتصار أو هزيمة ١٩٧٣م. وكيف يفك الاشتباك مع العدو الصهيوني في الجولان ويصبح حاميا لحدود اسرائيل لعقود طويلة. وكيف يدخل لبنان ليقتل الفدائيين وجنبلاط والمسيحيين ويتقاسم النفوذ مع الصهاينة ثم و بالتعاون مع إيران يدعم حزب الله ليصبح حاكم لبنان وتابعا له ولايران .
وفي تسعينيات القرن الفائت بدأ حافظ الأسد بالاستدارة دوليا حارب مع أمريكا ضد العراق بعد احتلال الكويت، وأعاد الدعم العربي والدولي له و لدوره. وكان استثمر العرب ماليا بعد حربي حزيران وتشرين على انه حامي العرب بمواجهة اسرائيل، وفي سوريا بدأ يؤسس بعد التسعين لابنه باسل وبعد موت الاخير. استدعى بشار ابنه الاوسط ليكون الوريث. الذي اشتغل على ملف لبنان والقصر الجمهوري في سنوات الاسد الاخيرة. حيث لم يقبل الاسد صلحا مع اسرائيل ليبقى يستفيد وابنه بعده من دعوى المقاومة ومحاربة اسرائيل الكاذبة.
يتحدث الكاتب عن السنوات الأولى لحكم الأسد الابن وادعاء الأسد استعداده للتغيير. وظهور ربيع دمشق والمنتديات التي شارك بها سليم عقيل في حلب. ومن ثم انقلاب النظام على كل الوعود، وعودة سورية جمهورية الصمت والخوف والرعب والاعتقال والحياة البائسة.
في عام ٢٠٠٣ م ومع الاحتلال الأمريكي للعراق أصيب سليم عقيل بسرطان الدم ولم يمهله طويلا وتوفي في ذلك العام عن عمر ناهز ٨١ سنة…
رحم الله ابن سوريا البار النموذج سليم خالد عقيل من كان منارة للثورة التي عاشها و الثورة التي ستأتي بعد حين متابعة دربه ودرب أمثاله من مناضلي الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية في سوريا.