الكاتب هو الصحفي الأمريكي “سام داغر”، مراسل صحيفة وول ستريت جورنال، الذي زاول مهنته في سوريا بين العامين 2012 / 2014، واعتقل من قبل السلطات السورية، ثم أطلق سراحه وأخرج من البلاد، وكان شاهدا على الكثير من القتل والدمار والجرائم التي ارتكبت في هذا البلد،
الكتاب الصادر في منتصف العام 2019 بالانكليزية ولم يترجم حتى الآن ، وكما هو واضح مزيج من التاريخ والبحث الاستقصائي والاجتماعي، والصحافة والأدب، والتجربة الشخصية.
المصدر الرئيس لروايته للأحداث القريبة كانت معايشته وخبرته، وكذلك لقاءاته المطولة مع العميد في الحرس الجمهوري “مناف طلاس” الرفيق القريب والحميم من بشار الأسد إلى حين انشقاقه عن النظام في الخامس من يوليو 2012
أهمية الكتاب أنه لا يكتفي بتقديم صورة بانورامية شاملة لوقائع الثورة السورية التي انطلقت في مارس 2011 ، والتي استطاع أن يغطيها صحفيا حينما كان في سوريا، وإنما أيضا بشمول هذا العرض لجذور الصراع، وبذور الطائفية والاستئثار الذي طبع نظام عائلة الأسد، ونركيب هذه العائلة وتحولاتها، ولمسار الأسد الأب باتجاه السلطة منذ وقت مبكر، وما ارتكب في هذا المسار من جرائم ومجازر وتصفيات بحق السوريين جميعهم، ثم تسليطه الضوء على حالة التخادم بين هذا النظام وأركان النظام الدولي بتجلياته الأوربية والأمريكية والروسية والصهيونية، سواء زمن حكم الأب الممتد لثلاثين عاما، أو حكم الإبن الذي جاء الى السلطة بالصدفة بعد مصرع أخيه باسل، وقد مضى عليه في السلطة عشرون عاما. وكيف أن أركان النظام الدولي هؤلاء اجتمعوا على أن الحفاظ على نظام الأسد فيه مصلحة عميقة لهم، وأن دور هذا النظام داخل سوريا وفي محيطها الإقليمي بالغ الأهمية لهم.
ويسلط الكتاب الضوء على دور النظام في توليد المنظمات الإسلامية المتطرفة، وذلك حين أطلق قادتها من سجونه، لينطلقوا إلى تشكيل تنظيماتهم، والدور الروسي والإيراني في المأساة السورية، وكذلك دور الولايات المتحدة وحلفائها.
مرفق أدناه عروض متعددة لهذا الكتاب قدمها: “إيان بلاك” في صحيفة الغارديان البريطانية، وانتوني دوركين في الواشنطن بوست، وطارق غريبي في موقع مصير ، وعرض للكتاب في موقع شبكة جيرون. ومهم ملاحظة أن الالفاظ والأحكام والتقييمات والأوزان التي يعطيها كل من هؤلاء للنظام الأسدي إنما تعبر عن الرؤية الخاصة لصاحبها، وتقويمه للأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي يأتي على ذكرها.
د. مخلص الصيادي
*********************************************************************
صحيفة الغارديان
ايان بلاك
كتاب سام داغر ” الأسد أو نحرق البلد.. كيف دمرت شهوة عائلة واحدة للسلطة سوريا؟
داغر: الأسد هو من رتب لقتل صهره آصف شوكت وشخصيات أمنية أخرى، فيما وصف آنذاك رسميا بأنه هجوم إرهابي “رويترز” 15 / 7 / 2019
قالت صحيفة الغارديان إن هذا الكتاب يقدم رواية مقنعة من الداخل عن الطموح المميت للأسد، خاصة أن كاتبه سام داغر كان الصحفي الوحيد في دمشق مع بداية الأحداث بين 2012 و2014.
وفي عرضه للكتاب قال إيان بلاك إن رواية سام داغر الكئيبة والمفصلة بشكل مثير للإعجاب عن تدمير سوريا، ترتكز على عاملين وثيقي الصلة فيما بينهما، وهما وجوده مع بداية الأزمة ثم دقة مصادره، خاصة ما قدمه له الجنرال السوري المنشق مناف طلاس وآخرون من رؤى عن الرئيس السوري بشار الأسد ودائرته الداخلية، وكذلك عن نشطاء المعارضة البارزين.
وأوضح الكاتب أن طلاس الذي انشق عن نظام الأسد في صيف 2012، كان أحد جنرالات الحرس الجمهوري النخبة في سوريا وأحد المقربين من بشار الأسد، وأنه لم يكن مجرد لاعب يشارك الأسد لعبة التنس، بل كان صديقه الحميم والمقرب بالفعل.
وقد انشق طلاس -كما يقول الكتاب- عندما شعر بالقلق من القمع الوحشي الذي قام به الأسد منذ اندلاع الاحتجاجات في مدينة درعا في مارس 2011، بعدما قام شباب -تحت تأثير التغييرات التي حدثت في تونس ومصر وليبيا- مطالبين بالكرامة والحرية والإطاحة بنظامهم القمعي، وبدا حينها أن سوريا كانت متجهة منذ البداية إلى وجهة مختلفة وقصة أكثر دموية، حسب الكاتب.
ونبه بلاك إلى عنوان الكتاب، الذي هو في الحقيقة شعار تهديدي لأنصار الأسد، وكذلك إلى العنوان الفرعي “كيف دمرت شهوة عائلة واحدة للسلطة سوريا؟”، كما ذكّر بما نقل عن الأسد من قوله قبل بدء الاضطرابات وبعدها من أنه “لا توجد وسيلة لحكم مجتمعنا إلا بالنعال فوق رؤوس الناس”.
وأوضح داغر أن رد فعل الأسد على أطفال درعا، كان بناء على نصيحة شقيقه الأصغر ماهر وابن عمه حافظ مخلوف، بمضاعفة القمع وبإطلاق سراح المئات من الإسلاميين الذين تم تشجيعهم في السابق على محاربة الاحتلال الأميركي في العراق بعد سقوط صدام حسين، لكنهم سجنوا عندما عادوا إلى ديارهم.
وكانت النتيجة -كما يصورها داغر- أن شعار “سلمية” الذي حملته الثورة السورية منذ البداية قد تلاشى تحت ضجيج الهجمات بالقنابل والتفجيرات الانتحارية الجهادية التي قال الكاتب إن بعضها مزيف من قِبَل النظام.
وفي الأيام الأولى من الثورة -كما يقول الكاتب- كان هناك جدل في العواصم الغربية حول كيفية رد فعل الأسد، خاصة أن صعوده إلى السلطة عام 2000 رافقه “ربيع في دمشق” قصير العمر، كما رافقه الحديث عن إصلاح فيما يتعلق خصوصا بالتحرير الاقتصادي، ولكن كل ذلك لم يشمل “حاجز الخوف” الذي تحافظ عليه فروع مختلفة من شرطة المخابرات السرية في كل مكان.
وقال الكتاب إن أصل زوجة الأسد الناطقة بالإنجليزية أسماء كان لا يقدر بثمن، حتى عندما كانت سوريا في مأزق بسبب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فقد شكلت مصدر دعاية وفي عام 2008، تم تكريم الزوجين من قبل الرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي، وفي العام التالي استضافا أنجلينا جولي وبراد بيت في دمشق.
ورأى الكاتب أن الردود الدولية والإقليمية تعد جزءا مهما من هذه القصة القاتمة والمستمرة، إذ دعا الرئيس الأميركي وقتها باراك أوباما في أغسطس/آب 2011 الأسد إلى التنحي، وتلته في ذلك بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وبحلول نهاية ذلك العام، كان عدد القتلى في سوريا قد تجاوز خمسة آلاف، وقد بلغت احتمالات التدخل الغربي، ذروتها عندما وصل طلاس إلى باريس بمساعدة عملاء المخابرات الفرنسية.
غير أن الصورة الكبيرة -حسب الكاتب- هي أن ردود الفعل الغربية المترددة قابلها عزم إستراتيجي من قبل إيران، لدعم كل من الأسد وحزب الله اللبناني، وتدخل من روسيا التي أغضبها دور الناتو في الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، في حين أن الدعم الإقليمي غير المنسق للجماعات السورية المتمردة من قبل السعودية وقطر وتركيا المتنافسة على النفوذ، ساعد في تغيير المشهد العسكري والرواية الرسمية.
وهكذا -يقول الكاتب- تحول ما رآه داغر صراعا متحركا من أجل الحرية، إلى حرب على الإرهاب، وذلك كما كتب داغر “ما يتماشى مع تقليد النظام الراسخ المتمثل في رعاية الوحش ومن ثم تقديم نفسه للغرب باعتباره الوحيد القادر على ذبحه، ومن ثم يطرح شروطه المسبقة”.
وبنقله رواية مناف طلاس (سني خدم النظام مثل والده الذي حضر مجزرة حماة 1982) التي لا تخلو من تبرير لأمور شخصية، لا يكتفي داغر (مراسل صحيفة وول ستريت جورنال) بتقديم رواية تربط بين التطورات بطريقة يمكن فهمها من قبل جمهور غير خبير، بل ينثر قصصا يؤكد كثير منها على قسوة نظام كان يقتل الشعب من أجل البقاء.
وقد أوضح المؤلف أن مقتل الصحفية ماري كولفين وزميلها الفرنسي في حمص كان “له ما يبرره” بالنسبة للنظام كما أخبره جنرال سوري، كما أظهر دون أدنى شك أن الأسد هو من رتب لقتل صهره آصف شوكت وغيره من كبار الشخصيات الأمنية، فيما وصفته وسائل الإعلام الرسمية بأنه هجوم إرهابي.
ونقل داغر عن “مطلعين من داخل النظام” قولهم إن الأسد أمر قادة الجيش بالتخلي عن نقاط على الحدود العراقية مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
وكشف أن طلاس مدعوما من حكومة المملكة المتحدة، نصح المراقبين -للبرنامج السوري السري- من وكالة المخابرات الأميركية بتغطية اجتماعاته مع منشقين محتملين آخرين.
وقد خصص داغر مساحة كبيرة لمرويات مازن درويش، المحامي العلوي وناشط حقوق الإنسان الذي تعرض للتعذيب في سجن صيدنايا السيئ السمعة، وكذلك للشابة الدرعاوية سالي مسالمة، وقد فر كل منهما إلى ألمانيا.
وفي نهاية كتابه، خلص داغر إلى أن موافقة أوباما على استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية، الذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 1400 شخص بالغوطة في أغسطس/آب 2013، كان نقطة تحول حاسمة، وقال إنه “لا يوجد حدث واحد في تاريخ الصراع السوري ساعد المتطرفين الإسلاميين في تبرير إرهابهم ورسالة الكراهية أكثر من الهجوم والطريقة التي تعامل بها المجتمع الدولي مع آثاره”.
أما اللحظة الحاسمة الأخرى فتمثلت في التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، ومنذ ذلك الحين، استعاد الأسد السيطرة على معظم أنحاء البلاد باستثناء محافظة إدلب، حيث يجري الآن النظر إلى ما يبدو أنه الفعل الأخير في مأساة سوريا.
وختم الكاتب عرضه بأن النظام في الأشهر الأخيرة، نشر شهادات وفاة الأشخاص الذين اختفوا وتعرضوا للقتل ملقيا اللوم على النوبات القلبية أو السكتات الدماغية، في حين بدأ بإعادة بناء تماثيل حافظ الأسد التي دمرت منذ عام 2011 في درعا وفي أماكن أخرى، مما يؤكد أن العنوان الفرعي للكتاب يبدو موضوعيا، وفقا للكاتب.
واشنطن بوست
أنتوني دوكرين* ترجمة: المركز الكردي للدراسات
تعد الحرب في سوريا هي الصراع الحاسم المحدد للعقد الجاري، ومنذ نشأتها في مظاهرات سلمية تطالب بالإصلاح السياسي، تطورت المواجهة بين النظام وخصومه -من خلال القمع وعسكرة وتطرف الكثير من المعارضة- إلى حرب بالوكالة الإقليمية والعالمية. لقد ارتكب النظام السوري بشكل روتيني جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما أثار سخرية من الآمال الدولية لحماية المدنيين من الفظائع المرتكبة هناك. وفي قلب استخدام القوة الوحشي للنظام، يقبع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي نجا من الإدانات الدولية، ليبدو في مأمن في السلطة على ما يبدو.
يقدم كتاب سام داغر “الأسد أو نحرق البلد: كيف دمر شهوة عائلة إلى السلطة سوريا”، سردا قويا وحاسما لجذور الصراع ومساره، وتضعه في سياق التاريخ الشخصي لـ”الأسد” وتوجهه إلى السلطة. سجل “داغر” هدفا ملحوظًا في هذا الكتاب من خلال الحصول على تعاون مناف طلاس، صديق عائلة “الأسد” منذ فترة طويلة والذي كان جنرالًا في الجيش السوري قبل أن ينشق إلى فرنسا في عام 2013. نشأ “طلاس” إلى جانب “الأسد” في الدائرة الداخلية للسلطة في سوريا، وكان والده مصطفى طلاس، زميلًا وشريكًا لا ينفصل عن والد “الأسد”، حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من 1970 إلى 2000، وأشرف على وصول “بشار” إلى الرئاسة بعد وفاة والده، حيث تعطينا شهادة “طلاس” صورة داخلية ملحوظة للثقافة التي نشأ فيها “الأسد” الصغير ومساره الشخصي، أو صناعة مجرم الحرب، كما توضح رواية “داغر”.
لم يكن مقصودا أن يكون بشار الأسد رئيسًا قط، فقد تم إعداد شقيقه الأكبر “باسل” لهذا المنصب حتى وفاته في حادث سيارة عام 1994. كان بشار شابًا هادئًا أخفى مظهره الخارجي الخجول طموحًا محسوبًا وعازمًا، حيث كان يتباهى أمام “طلاس” بشأن “انفصاله وعقلانيته وبروده في التعامل مع كل الأمور، سواء كانت خاصة أو عامة”. وتعطشا إلى السلطة، قدم “الأسد” نفسه للشعب السوري باعتباره رئيس تحديثي وإصلاحي، لكنه أراد التحديث بشروطه هو، وقد أخبر “طلاس” أن الطريقة الوحيدة لحكم سوريا كانت “بالحذاء فوق رؤوس الناس”.
من الواضح أن احتجاجات عام 2011 أخذت “الأسد” على حين غرة، فقد تخيل نفسه نوعا مختلفا تمامًا عن الزعماء الأقوياء في مصر أو تونس أو ليبيا الذين كانوا في السلطة منذ عقود. ويعيد “داغر” حركة الاحتجاج إلى الحياة من خلال التركيز على عدد قليل من الأشخاص الذين اتخذوا القرار الشجاع لتحدي النظام، كما إنه يوضح كيف كان الدافع وراءهم هو الإحباط من اقتصاد المحاباة بشكل مكثف (وفقًا لأحد التقديرات، فإن ابن خال الأسد رامي مخلوف كان يسيطر على 65٪ من الاقتصاد السوري)، والآمال طويلة الأمد بالحرية السياسية التي أثارها “الأسد” عندما أصبح رئيسًا ثم تراجع عنها.
في المقابلات التي أجراها مع “داغر”، يقدم “طلاس” نفسه على أنه قال دوما إن النظام يجب أن يقدم تنازلات للمتظاهرين. ومع ذلك، فإنه يخلص في النهاية إلى أن “الأسد” وقف منذ البداية إلى جانب من يدفعون نحو استجابة متشددة تجاه التظاهرات. وفي متابعة هذا النهج، يشير الكتاب إلى أن “الأسد” كان يتبع كتيب الإرشادات الذي طوره والده في القمع الساحق بلا رحمة تجاه المعارضين، وعلى الأخص الهجوم الوحشي ضد انتفاضة في مدينة حماة في عام 1982. كانت المساهمة المتميزة لـ”الأسد” الأصغر تتمثل في إضفاء بعض الغموض حول موقفه، والحفاظ على واجهة مصممة بعناية من الاعتدال والعقلانية مع إعطاء ضوء أخضر لشن حملة عنيفة.
في رواية “داغر”، تظهر ثلاثة جوانب من الصراع الذي تلا ذلك. أولاً، يوضح كيف أدت التوترات الطائفية (قبل كل شيء بين المسلمين السنة والطائفة العلوية التابعة للأسد، وهي فرع من الشيعة) إلى تصاعد انعدام الثقة والعنف. كان “داغر”، مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال”، الصحفي الغربي الوحيد الذي يتخذ من “دمشق” مقراً له في السنوات الأولى من الحرب. كما إنه يقدم صورة ملفتة للنظر للميليشيات الشيعية التي ظهرت لدعم النظام ومعارضة الانتفاضة السنية. ثانياً، يقدم سرداً للطريقة التي حاول بها النظام تقوية العناصر الأكثر تطرفاً بين المعارضة، وإطلاق سراح السجناء المتطرفين عن عمد وتوجيه الأسلحة سراً إلى المتظاهرين لدعم رواية الحكومة بأن خصومها إرهابيين. وأخيرًا، يروي “داغر” قصة أكثر عمقا وأهمية عن الطريقة التي جاءت بها القوى الإقليمية والعالمية لتشكيل مجرى الصراع، حيث أججت الأجندات المتنافسة لدول الخليج وتركيا الانقسامات بين المعارضة، وجاء الدعم من إيران وروسيا لتوفير العمود الفقري لقوة “الأسد”.
الكتاب مدفوع بسخط أساسي على وحشية النظام والعواقب المترتبة عليه بالنسبة لسوريا. وفي بعض الأحيان، يكتب “داغر” أن الخوف والأكاذيب هي التي أبقت النظام في السلطة، لكن في أماكن أخرى، اعترف بأن عددًا كبيرًا من السوريين يتمسكون بـ”الأسد” لأنهم رأوه حاميًا ضد العنف المتطرف. ويهاجم “داغر” الغرب كذلك بسبب إخفاقه في التدخل بشكل حاسم؛ ويقول إن الولايات المتحدة وحلفاءها كان عليهم فرض منطقة حظر جوي على أجزاء من سوريا لمنع النظام من قصف المناطق المدنية. ومع ذلك، فهو لا ينظر بجدية في المشاكل المحتملة التي قد يكون سببها هذا، وصعوبة إقامة توازن بين حماية المدنيين وتصعيد نزاع مسلح اعتقد المسؤولون الغربيون دائمًا أن تسويته عن طريق التفاوض ضرورية.
وينتقد “داغر” المحللين الغربيين والعاملين في المجال الإنساني الذين دعوا إلى قبول بقاء “الأسد” المحتمل في السلطة والسعي نحو اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار، قائلا إنهم ساعدوا مساعي الرئيس السوري. ولكن كان هناك أيضًا حجة أخلاقية لهذا النهج، استنادًا إلى الحاجة إلى مواجهة الواقع والقيام بكل ما هو ممكن لإنقاذ أرواح المدنيين. على أي حال، تكمن الأسئلة حول سياسات الولايات المتحدة وأوروبا خارج القصة الرئيسية التي يرويها “داغر” بفعالية كبيرة. وبالتأكيد، سيستمر النقاش حول الدروس المستفادة من الحرب السورية لسنوات، وهناك عدد قليل نسبيا من السياسيين في الغرب يجادلون الآن بأن الرد الأكثر قوة كان من شأنه إنهاء العنف.
*أنتوني دوركين: كبير زملاء السياسة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وكان سابقًا المدير التنفيذي لمشروع جرائم الحر
***************************************************************************
موقع مصير
طارق غريبي
هو أول كتاب بالإنكليزية يحكي عن إحكام قبضة عائلة الأسد على سورية وطريقة قمعه للثورة السورية. ففي ندوة في قاعة مكتبة (ستراند)في مدينة نيويورك مساء الأربعاء 10/07/2019 حضرنا مع لفيف من الأمريكيين والعرب الأمريكيين. قدم سام ضاهر ملخصاً عن كتابه الذي يعتبر أول كتاب يصدر في الولايات المتحدة، حكى فيه الكاتب تفاصيل ومعلومات اقتربت كثيراً من حقيقة ما جرى طيلة سنوات الثورة بسبب قربه من الأحداث وقضائه حوالي سنتين كمراسل صحفي غربي في سورية.
وقد اعتبر (ضاهر) أن المسالة السورية بما اعتراها من تعقيدات، هي الأسوأ في القرن الواحد والعشرين، وابتدأ ذلك عندما رفض بشار الأسد نصيحة صديق طفولته الجنرال مناف طلاس عام 2011 بالتفاوض مع المتظاهرين بل لجأ إلى القمع، مما أدى إلى جرّ البلد إلى حرب مضى عليها أكثر من ثمان سنوات قُتل خلالها نصف مليون (حسب قوله) وحوّل سورية إلى بؤرة للإرهاب ونتج عن ذلك أزمة لجوء إنسانية عالمية، كما امتدت آثار الأزمة إلى كل المنطقة. وصوّر الكاتب كيف أن دولة الأسد البوليسية استطاعت -من خلال إصرارها على تعقيد الوضع وممارسة مبدأ حرق البلد من أجل بقاء الأسد-على تحويل القضية السورية إلى مشكلة دولية وشرق أوسطية، جعلت من أمريكا وروسيا على خلاف مع بعضهما حسب رأيه.
كما تكلم ضاهر عن تجربته الشخصية مع نظام الأسد الذي احتجزه ثم قام بطرده من سورية ووضعه على قائمة المشبوهين…! وقد أفلح الكاتب بتصوير واقع معاناة المدنيين من القصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ على الأحياء السكنية فذكر شخصيات حقيقية سورية وتكلم عن الشبيحة والمخابرات وسجن صيدنايا وتدمر وكيف أفرج الأسد عن بعض قادة داعش وعرض صور الدمار على اللوحة الإلكترونية، لا سيما من مدينة حمص ولم ينسَ أن يحمّل الأسد مسؤولية إدارة عملية القتل في سورية ومن ضمنها استخدام السلاح الكيميائي أكثر من مرة.!
لم أقرأ الكتاب بعد (قرأت المقدمة فقط) لكنني أعتقد أنه كتاب جيد بخرقه المألوف في الإعلام الأمريكي وكونه صدر عن صحفي امتلك معلومات عن قرب وأكد على أن شعار الشبيحة “الأسد أو نحرق البلد” يمثّل عقيدة وفكر النظام.! فصوّر حقيقة ما يجري من القتل والإجرام وقصف للمدارس والمستشفيات الذي حمّل مسؤوليته للأسد وحلفائه من الإيرانيين والروس وكذلك بربطه إجرام الأسد الابن بتاريخ وإجرام الأسد الأب، لا سيما مجزرة حماة 1982 ومجزرة سجن تدمر. وقد أوضح ضاهر نقطة نعتقد إنها تحمل أهمية كبيرة وغالباً ما يقع بها السطحيون من الأمريكان وغيرهم عندما عرض صورة دمار لحي من أحياء حمص متسائلاً ومستنكراً: كيف للفصائل المسلحة التي لا تمتلك إلا سلاح تقليدي خفيف أن تحدث مثل هذا الدمار الذي يحتاج إلى سلاح الجو الذي يمتلكه فقط نظام الأسد وحلفائه لا سيما الروس!.
وقد استفاض المؤلف بالإجابة عن أسئلة الحضور التي تعلقت بالاستفسار عن النقاط الرئيسة التي أثارها الكاتب مثل الدور الروسي، فذكرَ تصريح الرئيس الروسي بوتين بأنه تم اختبار أكثر من 200سلاح في سورية.! وبسؤال حول عنوان الكتاب ذكر ضاهر إن كثيراً من أصدقائه السوريين نصحوه بأن يضع ال(و) بدلا من(أو) ليصبح “الأسد ونحرق البلد” كما أجاب حول سؤال بأنه(ضاهر) لا يثق بمجتمع دولي أو أمم متحدة.!؟.
وقد كان لي مداخلة بسؤال مضمونه: مما لا يدع مجالاً للشك وبكافة الوسائل ثبت ارتكاب الأسد والمقربون منه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال أكثر من ثمانِ سنوات وقد حرق ودمّر فعلاً البلد بمن فيها، ومع ذلك بقي الأسد. لماذا منع الغرب وأمريكا (خاصة أوباما) وحتى الأمم المتحدة سقوط الأسد بل ساندوه على البقاء.! فمثلا مساعدات الأمم المتحدة بدلاً من أن تعطى للمحاصرين كانت توزع على شبيحة الأسد.؟!
فأكد سام ضاهر ثانية على عدم ثقته بالمجتمع الدولي وإنه فعلاً أثناء وجوده في دمشق شاهد بأم عينه كيف تحتجز قوات الأسد مساعدات الأمم المتحدة بحجة أن طريق إيصالها لمحتاجيها الذين يموتون من الجوع (في المعضميّة مثلاً) غير آمن بسبب الإرهابيين…!
وأما عن التقاعس الأمريكي فقال: إن أوباما (حسب رأيه) لم يُرد تكرار تجربة العراق بالتدخل العسكري في سورية حتى أنه منع قيام منطقة حظر جوي. أمريكا أرادت أن تنفذ سياستها عبر حلفائها كالسعودية وقطر. وأضاف: كلما أرادت أمريكا أن تفعل شيئا من أجل السوريين كانت تصطدم بالفيتو الروسي والصيني.!!
*************************************************************************
موقع شبكة جيرون
الأسد أو نحرق البلد
كيف دمّرت شهوة عائلة واحدة للسلطة سورية “للكاتب سام داغر”
“نهاية بشار الأسد الاغتيال!” صرخ رجل كان يركب دراجة نارية مارًا أمام مناف طلاس، وهو جنرال سوري يعيش في المنفى، كان ذات يوم عضوًا في الدائرة الداخلية للأسد، حيث كان يجلس في مقهى في الهواء الطلق في باريس عام 2017. كان طلاس، صديق الطفولة لبشار الأسد، قد فرّ من سورية قبل خمس سنوات، منددًا بأعمال الحكومة التي توقع بأن تسقط في أي لحظة. ربما كانت صيحة راكب الدراجة تشير إلى أن هذه النتيجة كانت في متناول اليد في النهاية، لكن طلاس استقبل الأخبار بابتسامة غير مريحة. “هذا علي، الرجل الذي أشتري الصحف منه. يقول لي هذا في كل مرة أراه”، قال لـ سام داغر، مؤلف كتاب “الأسد أو نحرق البلد”.
كان طلاس، المصدر الرئيس لهذه الرواية عن عائلة الأسد الموجودة في السلطة منذ نصف قرن، وواحدًا من الكثيرين الذين قللوا من شأن قوة النظام بعد بدء انتفاضة الربيع العربي في سورية عام 2011. هدد أحد المتمردون الأسد في خطاب تلفزيوني في العام التالي، قائلًا: “جايينك”. هاجمت قوات المعارضة دمشق وحلب، أكبر مدينتين، وافترضت الحكومات الأجنبية أن الأسد كان في طريقه إلى الرحيل، وناقش بكثافة أفضل مكان له للذهاب -أفريقيا أو أميركا الجنوبية- بعد تنحيه. وطمأنت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، أكثر من 100 وزير خارجية اجتمعوا في باريس صيف عام 2012 بأن هناك “مسيرة ثابتة لن تتوقف حتى إنهاء النظام”.
تحولت المسيرة إلى الاتجاه الآخر: أعاد الأسد ونظامه تأكيد قبضتهما تدريجيًا، واليوم يسيطران على معظم البلاد، باستثناء الشمال الشرقي المكتظ بالسكان، والذي تحكمه القوات التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة، والجيب الكبير حول إدلب في الشمال الغربي تحت سيطرة مجموعات على غرار القاعدة. لم يكن النظام ضعيفًا تمامًا كما كان يبدو للعالم الخارجي: فهو وحشيٌّ تمامًا، ومستعدٌ لقتل أي شخص يقف في طريقه، ولديه قيادة متماسكة توحدها القرابة، وحافظ على ولاء الوحدات الأساسية للجيش والمخابرات (الشرطة السرية)، التي كان يقودها في كثير من الأحيان أفراد من الطائفة العلوية، قرابة مليوني شخص، وجدوا أنفسهم يقاتلون ليس فقط للحفاظ على السلطة، ولكن من أجل وجودهم ذاته.
لم تتغير الوسائل التي استخدمها النظام لهزيمة أعدائه كثيرًا منذ استولى حافظ الأسد، وهو جنرال علوي في سلاح الجو، على السلطة عام 1970. يصف داغر بالتفصيل سحق انتفاضة في حماة، المدينة السنّية عام 1982 من خلال عمليات القصف والإعدام الجماعي (وهي أساليب مشابهة تمامًا لما حدث في أماكن مثل درعا وحمص ودوما بعد 30 عامًا). عملت عسكرة معارضة نظام بشار الأسد في الواقع لمصلحة الحكومة، لأن لديها قوات متفوقة، وتركت السوريين أمام خيار صارخ بين طائفة الأسد والتمرد الذي تمكن المتطرفون المتدينون العرب السنة من السيطرة عليه.
داغر هو الأكثر إقناعًا عند تقديم لائحة الاتهام ضد الأسديين: حافظ، بشار، وشقيقه الأصغر ماهر، وأبناء خاله رامي وحافظ مخلوف، إلى جانب أتباع موالين لعائلة مثل مصطفى طلاس، والد مناف، الذي كان وزيرًا للدفاع. ونقلت الصحيفة عن أحد الاقتصاديين المنشقين قوله: “هناك عشر أسر تحكم سورية وتسيطر على كل شيء”. بعد أن خلف بشار والده كرئيس عام 2000، كانت هناك آمال في اللبرلة (التحرر الاقتصادي والسياسي). “ظنّ الناس أن عهد مملكة الخوف ربما يكون على وشك الانتهاء”، يتذكر مواطن من دمشق عاد إلى الوطن. وبدلًا من ذلك، بقيت سورية دولة بوليسية فيها الكثير مما يجب أن نخاف منه، الاعتقال التعسفي والتعذيب والإعدام داخل نظام السجون الذي يتسم بالقسوة البشعة. في كتاب داغر، تم وصف ذلك تصويريًا من التجربة الشخصية المرّة لـ مازن درويش، المدافع عن حقوق الإنسان، الذي كان من أوائل المتظاهرين.
العنوان الفرعي للكتاب هو “كيف دمرت شهوة عائلة واحدة من أجل السلطة سورية“، لكن داغر يؤكد على درجة اختلاف الأسديين عن الدكتاتوريين الآخرين في المنطقة. منافسهم المكروه، صدام حسين، حكم العراق بنفس الطريقة التي حكموا فيها سورية، ومنع الانقلابات على نظامه من خلال أشكال متعددة من الولاء والقمع، بالاعتماد على ولاءات العشيرة والطائفة والحزب، وتوزيع المحسوبيات وإنشاء قوات أمنية متنافسة. فشلت انتفاضات عام 2011 الشعبية في سورية، لكنها فشلت أيضًا في كل مكان تقريبًا في الشرق الأوسط، تاركة سورية وليبيا واليمن لتمزقها حالة من الحرب المستمرة، ولتُنتج المزيد من الأنظمة الاستبدادية الأكثر قمعية من ذي قبل في مصر والبحرين.
داغر واضح وصريح في كرهه لعائلة الأسد ولجميع أعمالهم، وهو ما لاحظه عن كثب طيلة عامين، كونه المراسل الغربي الوحيد المقيم بشكل دائم في دمشق. احتُجز مدة قصيرة من قبل رجال الميليشيات الموالية للنظام، في سجن تحت الأرض، وطُرد مباشرة من قبل المخابرات عام 2014. وهذا يعطي وصفه للأحداث مصداقية تفتقر إليها العديد من الروايات الأخرى. ولكن هناك أيضًا خلاف بين ميله لإلقاء المسؤولية عن كل شيء على الأسد والنظر إليهم كنتاج للكراهيات الدينية والاجتماعية. في حديثه عن خطوط الصدع الرئيسة التي غذت الصراعات في سورية منذ الستينيات، يكتب داغر: “على نطاق واسع، كانت الأغلبية السنية المحافظة ضد العلمانية، ومن وجهة نظرها، وضد النظام الذي تقوده الأقلية الكافرة”.
لفترة قصيرة في الأيام الأولى للاحتجاجات، بدا من الممكن تخيّل أن أجندة ديمقراطية ليبرالية لربما تنجح في سورية. غالبًا ما كانت وسائل الإعلام الدولية عمياء عن مدى تكدس الاحتمالات ضد مثل هذه النتيجة. كانت الحكومات الأجنبية غير واقعية بنفس القدر، على الرغم من أن دبلوماسييها في دمشق كانوا أقلّ تفاؤلًا. كتب أحد السفراء في ذروة التظاهرات في تموز/ يوليو 2011 أن الأسد يمكن أن يعتمد على 30 إلى 40 في المئة من السكان، نصف هؤلاء المؤيدين من العلويين أو المسيحيين أو أبناء الأقليات الأخرى.
شكلّت العداوات الدينية التقليدية، التي تفاقمت بسبب تصاعد عدم المساواة الاجتماعية، دائمًا الأحداث. امتلأ وسط دمشق بالمتاجر الفاخرة ومحلات الشراء في الفنادق، لكنها كانت، إلى جانب المدن السورية الأخرى، محاطة بما أصبح يُعرف باسم “أحزمة البؤس”، التي يسكنها أشخاص فرّوا من الفقر والجفاف في الريف. وكما قال مناف طلاس: “حكم حافظ سورية من خلال اتفاق مع الريف السني المعدَم. بالتأكيد، كان الجميع مسحوقين، مداسين، لكن على الأقل يتم الاعتناء بأساسياتهم”. انهار هذا الاتفاق في عهد بشار الأسد، حيث اكتسبت الدائرة الداخلية للنظام ثروة كبيرة نتيجة لنشاطات رأسمالية المحسوبيات. كان من المفترض أن يُشكّل الريفيون وسكان الأحياء الفقيرة السُنّة الذين تم تجاهلهم النواة الصلبة للتمرد.
بمجرد أن حلّتْ الأعمال المسلحة محل الاحتجاجات السلمية منذ نهاية عام 2011 وبداية عام 2012، انتقلت المبادرة إلى القوى الخارجية. كان النظام والمتمردون بحاجة إلى المال والأسلحة، وبعد وقت قليل، إلى المقاتلين الأجانب، وتلك يمكن أن تأتي فقط من الخارج. كانت المفارقة القاتلة للربيع العربي في سورية (وبقية المنطقة) هي أن الداعمين الماليين الرئيسين لحركة بدأت بالمطالبة بالحرية والديمقراطية، يجب أن يصبحوا بعد ذلك معتمدين على المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، والذين هم معادون للديمقراطية وطائفيون، وآخر الملكيات المطلقة على وجه الأرض.
************************************************************************