حسن عبد العظيم، محامٍ ومعارض، من مواليد قرية حلبون بريف دمشق 1932، يساريّ قوميّ من الوجوه السياسية المعروفة لدى أوساط السوريين، يشغل المنسق العام لـ«هيئة التنسيق الوطنية»، (تأسست عام 2011)، ورئيس «حزب الاتحاد الاشتراكي»، والناطق الرسمي لـ«التجمع الوطني الديمقراطي» الذي يضم 4 أحزاب أخرى، وتأسّس سنة 1979 كبديل لـ«الجبهة الوطنية التقدمية» التي يقودها «حزب البعث العربي» الحاكم.
و«هيئة التنسيق» تحالف سياسي يضم أحزاباً وشخصيات معارضة تعمل من الداخل، بعضها قومي، والبعض الآخر يساري، ومع بداية حركة الاحتجاجات في سوريا ربيع 2011 تبنّت لاءاتها الشهيرة: «لا للعنف، لا للطائفية، لا للاستبداد السياسي، لا للتدخل العسكري الخارجي». وهذه الهيئة وقّعت نهاية الشهر الفائت اتفاقاً سياسياً مع «مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)» الجناح السياسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة. وبهذا التحالف أصبحت الهيئة نقطة جامعة لتيارات معارضة مختلفة.
«الشرق الأوسط» حاورت عبد العظيم في دمشق حيث مكان إقامته، عبر اتصال هاتفي.
> ماذا عن إعلان تحالفكم مع مجلس «مسد» وتشكيل جبهة مشتركة؟
– الإعلان بمثابة بناء جبهة وطنية ديمقراطية عريضة تجتمع تحت سقفها قوى الثورة والمعارضة، تتبنى مشروع التغيير الوطني الديمقراطي والتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية، بما تمثل ضرورة وطنية ملحة لإخراج سوريا من الأوضاع الكارثية التي تمر بها منذ سنوات. وتتألف الوثائق الرئيسية من ثلاث أوراق يتم الحوار حولها، واللجنة المشتركة أنجزت الورقة الأولى التي تم توقيعها وإعلانها بالأحرف الأولى نهاية الشهر الماضي، بينما الحوار جارٍ بخصوص الورقة الثانية التي تتعلق بالتحالفات الوطنية وأسس قيامها وآليات تفعيلها، أما الورقة الثالثة فتتضمن الإجراءات التنفيذية لبنود هذا الاتفاق على أمل إنجازها خلال مدة قصيرة وتبصر النور.
> ما أبرز النقاط الخلافية؟
– بعد الإعلان التأسيسي الذي يعد بمثابة رؤية عامة بين الجانبين، تحدثنا عن وجود بعض الخلافات السياسية في بعض الرؤى، وتحديداً شكل آليات العمل لتطبيق هذا الاتفاق، بينها الخلاف حول اللامركزية السياسية التي يطالب بها مجلس «مسد» وغيرها من القوى الكردية السورية، فيما تتمسك هيئة التنسيق باللامركزية الإدارية، وقررنا ترحيل هذه الخلافات باعتبار أن قوى المعارضة غير منتخبة، وقد تضمنت الوثيقة حلاً على أن يكفل الدستور السوري الجديد والمجلس النيابي المنتخب في آخر المرحلة الانتقالية التي تعبر عن إرادة الشعب السوري بكل أطرافه وأطيافه، تحديد شكل اللامركزية لإدارة البلاد.
كما أن موضوع اندماج قوات «قسد» في الجيش والقوات المسلحة السورية، كان من الأمور المتعلقة بالحل السياسي التي ناقشتها اللجنة المشتركة في مشروع إعلان المبادئ سابقاً. وكان الاتفاق الأولي بين الطرفين على انضمام عناصر «قسد» و«الجيش الوطني» المعارض الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين إلى الجيش السوري بطريقة عملانية ومهنية وليست ككتلة واحدة، ويقاس هذا المبدأ على القوى والجهات العسكرية والأمنية كافة، ووجدنا لدى ممثلي «مسد» في اللجنة المشتركة مرونة وتفهماً لاختلاف هذه الرؤى.
> غابت الحقوق الكردية عن الوثيقة التأسيسية للجبهة الوطنية، هل هناك ملحق ثانٍ للاتفاق؟
– حقوق المكون الكردي السوري، في نظر هيئة التنسيق، مصونة مع حقوق كل المكونات الآشورية السريانية والتركمانية والأرمنية، كونها جزءاً أصيلاً وتاريخياً من النسيج الوطني السوري ضمن وحدة البلاد أرضاً وشعباً، وحقوقها مصونة في إطار الحل السياسي عبر القرارات الدولية وعلى رأسها القرار 2254 الذي هو الحل الوحيد الذي ينقذ سوريا، ويؤكد وحدتها السياسية والجغرافية ويقود الانتقال إلى الدولة الديمقراطية، التي تترسخ فيها قواعد المواطنة المتساوية بين جميع السوريين بالحل السياسي التي اتفقت عليها اللجنة المشتركة.
> كيف تنظرون إلى الدور الروسي في الملف السوري؟
– سياسة روسيا تقوم على فك عزلة النظام، والدفع باتجاه تطبيع الدول العربية والإقليمية معه بما يؤدي إلى استمرار بقاء النظام من دون الانخراط في حل سياسي شامل. كما تسعى لتطبيق القرارات الدولية وفق منظورها الذي يريد حلاً لا يتجاوز الديكور الشكلي لإنهاء القرار الدولي 2254، ومنع أي اتجاه إلى حل سياسي يُفضي إلى تغيير سياسي للنظام القائم وتأسيس الدولة الديمقراطية وتداول السلطة.
> مَن يتحمل تعطيل اللجنة الدستورية؟
– جميع أطراف المجتمع الدولي تتحمل مسؤولية تعطيل تنفيذ القرارات الدولية لا سيما القرار 2254 بما فيها النظام وروسيا وإيران، لكن النظام يتحمل بشكل مباشر مسؤولية تعطيل أعمال اللجنة الدستورية خلال جولاتها الثماني السابقة، وعلى الرغم من ممارسة روسيا الضغوط على النظام للانخراط في سلّة اللجنة الدستورية وفق مؤتمر «سوتشي 2» فإنه (أي النظام) بقي يماطل ويعطل أعمالها بموافقة روسية وقبل الحرب الأوكرانية، مما أدى لتعطيل مسار اللجنة الدستورية وتعطيل المسار السياسي برمّته.
> هل تجاوزت هيئة التفاوض السورية المعارضة أزمتها الداخلية؟
– نعم، فبعد المبادرة التي أطلقتها «هيئة التنسيق» على «الائتلاف السوري» ومنصات «موسكو» و«القاهرة» و«المجلس الوطني الكردي» والمستقلين والفصائل «المسلحة المعتدلة»، عُقد اللقاء في مدينة جنيف بتاريخ 17 يونيو الماضي، وعقدت لقاءات مهمة مع المبعوث الأممي بيدرسن و17 مندوباً من مجموعة دول أصدقاء الشعب السوري، بينهم سفراء الولايات المتحدة وكندا وتركيا ودول عربية، وعادت هيئة التفاوض لوحدتها ودورها في قيادة المفاوضات.
> ماذا عن الدور السعودي والعربي؟
– دور المملكة العربية السعودية في الملف السوري فاعل ومهم جداً، لأن وزارة خارجيتها استضافت مؤتمر الرياض الأول وتأسيس الهيئة العليا للمفاوضات على نفقتها منذ أوائل 2015، كما استضافت مؤتمر «رياض 2» سنة 2017 ولم تتدخل في شؤون تشكيل هيئة التفاوض، أو فرض أي أجندات أو مواقف سياسية على قرار المعارضة السيادي، على عكس باقي الدول التي تسعى لتحقيق مكاسبها ومصالحها على حساب الشعب السوري.
وهيئة التنسيق تدعم التحركات العربية من أجل حل القضية السورية على أساس القرارات الدولية. والدول العربية فوضت الأردن بإجراء اتصالات مباشرة مع النظام السوري لتنفيذ اتفاق جدة وعمان، بغية البدء بتنفيذ بنود الاتفاق على أساس عملية «خطوة مقابل خطوة»، وهيئة التنسيق ليس لديها تحفظ إذا كانت هذه الاتصالات بهدف إنجاز حل سياسي جذري.
> ماذا عن اللقاءات التركية – السورية؟
– نحن مع أي تقارب إذا كانت هذه الجهود تقود إلى حل سياسي. والتقارب التركي مع النظام السوري بعد الانتخابات وفوز إردوغان ليس كما كان قبل الانتخابات؛ إذ كانت المعارضة تلعب ورقة التقارب مع سوريا ومسألة عودة المهجرين في العملية الانتخابية. اليوم، الحكومة التركية سترفع سقف مطالبها في مواجهة الاتفاق مع النظام الذي سيماطل كعادته ولن يتجاوب مع أي مبادرات، فهو دائماً يماطل ويماطل من أجل كسب الزمن لاحتمالية تغير الظروف لمصلحته.
ونرى أن أي تغيير في الوجود العسكري لتركيا في سوريا مرهون بالاتفاق على مجموعة من المشكلات المتعلقة بينها وبين النظام، أبرزها مشكلة «حزب العمال الكردستاني» الذي تعده أنقرة إرهابياً وطلبها من دمشق المساهمة في محاربته. وهناك مشكلة وجود أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري وإيجاد حلول لعودتهم، ولا تمكن عودة هؤلاء السوريين إلا بتوفر بيئة آمنة تحفظ عودتهم، ولا يمكن الحديث عن العودة من دون تطبيق القرارات الدولية وبخاصة القرار 2254، وحل هذه القضايا وغيرها يدفع هذه الدول للتقارب وتحسين علاقاتها.
> ماذا عن تأثير الحرب الروسية – الأوكرانية؟
– بالتأكيد الحرب الروسية على أوكرانيا أثّرت وستؤثر على جميع بؤر التوتر في العالم، وهذه الحرب بمثابة حرب عالمية ثالثة ولكن على الأرض الأوكرانية، وقد أدت إلى اصطفاف الدول في معسكرين. وتبعات الحرب الأوكرانية ستؤثر حتماً على الأزمة السورية، وقد يكون التأثير إيجابياً لمصلحة الشعب السوري ومعارضته الوطنية، وقد تكون سلبية ضد الشعب السوري وتُعكس لصالح النظام وداعميه، وهذا يتوقف على مآلات الحرب هناك ونتائجها.
> المشهد السوري إلى أين؟
– المشهد السوري شديد التعقيد لأسباب كثيرة منها تدخل القوى الدولية والإقليمية في القضية السورية، واعتبار الأراضي السورية ملعباً لتصفية حساباتها وفرض مصالحها وأجنداتها، ولأن المنظومة الحاكمة بالأساس منذ انطلاق الثورة الشعبية السلمية اتخذت قرارها بعدم الاعتراف بها، وعدّها إرهابية ومؤامرة كونية، فقد تصدت لها بالحل الأمني العسكري الذي أنتج صراعاً غير محدود فرَض تدويل الملف السوري برمّته، ومن ثم اللعب بكل الأوراق لإنهاء حركة الاحتجاجات بما فيها إطلاق سراح المتطرفين من سجونه وزجهم في ساحة المواجهات تصعيداً للعنف، والنظام أعلن للعالم أن ما يجري عبارة عن تمرد إرهابي وأنهم يحاربون الإرهابيين والمتطرفين، وفي مراحل لاحقة فتح الباب أمام تدخل ميليشيات متعدّدة الجنسيات المذهبية من العراق والقوقاز ولبنان ثم ميليشيات الحرس الثوري الإيراني.
وسط هذا التعقيد شكّلت جهود الجالية السورية في واشنطن وعواصم أوروبية بملاحقة رموز النظام قضائياً، عوامل ضاغطة على النظام وعلى روسيا الداعمة له، ورغم كل هذه الأوضاع الكارثية تستمر قوى المعارضة والثورة في توسيع جبهتها الوطنية الديمقراطية وتوحيد صفوفها، وتعمل هيئة التفاوض العليا في متابعة دورها واجتماعاتها الحضورية، لفتح آفاق جديدة داخلية وعربية وإقليمية ودولية لدفع الحل السياسي التفاوضي، في سبيل إنجاز خرق سياسي يقود إلى تحقيق مفاوضات جدية، وإنتاج مخرجات ملموسة على طريق إنجاز الانتقال السياسي المنشود.
المصدر: الشرق الأوسط