تستعد تونس لخوض محطة انتخابية جديدة تمثل المرحلة الأخيرة في مسار 25 يوليو (تموز) 2021، الذي بدأه الرئيس قيس سعيد وقطع من خلاله مع المنظومة السياسية السابقة التي استمرت في تونس على مدى عشر سنوات.
وتعتبر هذه الانتخابات غير مسبوقة في تونس، وستجري للمرة الأولى في 2155 دائرة انتخابية، مقارنة بالانتخابات البلدية التي جرت في 350 دائرة عام 2018، ما يتطلب تكاليف مالية كبيرة واستعدادات لوجيستية وبشرية هامة.
وتعقب الانتخابات المحلية، الاستشارة الوطنية الإلكترونية، والاستفتاء حول الدستور والانتخابات التشريعية التي أفرزت البرلمان الجديد، وهي محطات انتخابية لم تشهد إقبالاً كبيراً من التونسيين وسط مشهد سياسي تمزقه الانقسامات.
إلى أي مدى تحتاج تونس إلى مثل هذه الانتخابات؟ وما أهميتها في المسار السياسي الجديد في البلاد؟ وهل سيقبل التونسيون على هذه المحطة الانتخابية الجديدة؟
تحديد الدوائر الانتخابية
تحتاج الانتخابات المحلية إلى تحديد دقيق للخارطة الإدارية في تونس من خلال ضبط حدود العمادات والمعتمديات، وقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في ندوة صحفية عن التقسيم الترابي الجديد للبلاد التونسية، وهي الخطوة التي تهدف لتحديد الدوائر الانتخابية استعداداً للانتخابات المحلية، ثم التصعيد إلى المجالس الجهوية، فمجلس الأقاليم والجهات.
وقبل أشهر قليلة من خوض هذه الانتخابات الأولى من نوعها في تونس يكتنف الغموض طريقة التصعيد من المجالس المحلية إلى المجالس الجهوية، وسط تخوف من عدم إقبال التونسيين عليها، بعد الإقبال الضعيف على المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت منذ أشهر.
279 مجلساً محلياً
ويؤكد أستاذ التنظيم الإداري والمتخصص في الحوكمة المحلية، محمد الضيفي، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن “المجالس المحلية هي جماعة محلية، تشبه إلى حد كبير البلدية، وسيتم انتخاب المجالس المحلية على مستوى دوائر ضيقة أي على مستوى العمادات، والعمادة هي أصغر قسم إداري في التقسيم الإداري التونسي، وترجع بالنظر إلى المعتمدية التي بدورها تعود بالنظر إلى الولاية (المحافظة)، وتُصعد كل عمادة شخصاً بالانتخاب ليمثل العمادة في المعتمدية وهو ما يكون المجلس المحلي، الذي يتشكل من المنتخَبين على مستوى العمادات التي تتبع المعتمدية المعنية”.
وتساءل عن “موعد صدور القانون الأساسي المنظم للمجلس المحلي، لمعرفة حدود مهامه، وكيف سيجتمع، وكيف سيعمل، وهي مسائل تحتاج التوضيح قبل إجراء الانتخابات المحلية”.
يشار إلى أنه توجد في تونس 279 معتمدية أي 279 مجلساً محلياً، وكل معتمدية تصعد أحد أعضاء المجلس المحلي بالقرعة، ليكون عضواً في المجلس الجهوي.
وحسب المرسوم المنظم للانتخابات المحلية فإن ممثل المعتمدية في المجلس الجهوي تدوم عضويته ثلاثة أشهر فقط، وهو ما اعتبرها الضيفي “فترة قصيرة قد لا تسمح بمشاركة فاعلة في القضايا التنموية في جهته”.
أهمية الغرفة الثانية
يضيف الضيفي أن “كل ولاية تنتخب بطريقة غير مباشرة 3 أعضاء يمثلون الجهة في المجلس الوطني للأقاليم والجهات، الذي سيتكون من 78 عضواً أي ثلاثة أعضاء عن كل ولاية (محافظة)، بالإضافة إلى ممثل عن كل إقليم إذا افترضنا أن عدد الأقاليم سيكون ستة، بينما لا يوجد إلى الآن تقسيماً إدارياً واضحاً لعدد الأقاليم”.
وبالنظر إلى ظاهرة العزوف التي اتسمت بها المحطات الانتخابية السابقة، لم يُخف المتخصص في الحوكمة المحلية، تخوفه من عدم مشاركة التونسيين في هذه المحطة الانتخابية على أهميتها، خاصة وأن الانتخابات ستجري في الأرياف التي لا تعير اهتماماً كبيراً لها، لافتاً إلى “قيمة الغرفة الثانية في التجارب المقارنة ومعتبراً أن التجربة التونسية في الانتخابات المحلية ستكون فريدة في حال نجاحها”.
ويعتقد الضيفي أن “الغرفة الثانية هي من أفضل ما جاء به الدستور الجديد، لأن مجلس الأقاليم والجهات سيوافق على الميزانية، وعلى مخططات التنمية وسيضمن التوازن بين الجهات، ويحد من الإجحاف الذي مس عديد المحافظات إلا أن مسار تشكيله معقد”.
هيئة الانتخابات مستعدة
في الأثناء، عبرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن استعداداها لإجراء هذه المحطة الانتخابية، وقال المتحدث باسم الهيئة محمد التليلي المنصري، إن “الهيئة تعمل حالياً على التحضير لانتخابات المجالس المحلية، من خلال العمل الميداني والفني للتحديد الترابي للعمادات، وستصدر قريباً القرارات الإدارية عن وزير الداخلية للمصادقة على الخرائط الإدارية للعمادات” لافتاً إلى “وجود تنسيق مع رئاسة الجمهورية حول الموعد ودعوة الناخبين لهذا الاستحقاق”.
انتخابات بلا أفق
وإزاء حال الانقسام الذي يميز المشهد السياسي في تونس، تعارض عديد الأحزاب مشروع الرئيس سعيد، وقال القيادي في حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، محمد الجلاصي، في تصريحات صحفية إن “الانتخابات المحلية المنتظرة بلا أفق واضح ولا مواعيد محددة وجدية”، مشيراً إلى أن “تنظيم انتخابات محلية في الوضع السياسي الراهن والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم لن يكون لديها صدى لدى المواطن، وستشهد عزوفاً حقيقياً على غرار ما عرفته الانتخابات التشريعية”.
غياب المرأة والشباب
كما تراقب منظمات المجتمع المدني المعنية بمتابعة وتقييم العمليات الانتخابية مسار الانتخابات المحلية، وأكد عضو منظمة “مراقبون” سيف الدين العبيدي لـ”اندبندنت عربية” “الغموض الذي يشوب عملية تحديد مواعيد المحطات الانتخابية وعدم دقة المرسوم عدد 10 الذي ينظم الانتخابات المحلية”، متسائلاً عمن سيرأس مجلس الجهات والأقاليم ومن سيرأس الإقليم والمجلس الجهوي.
ويشير العبيدي إلى “غياب نصوص تدعم ترشح المرأة والشباب في هذه المجالس، معتبراً أنه لا يمكن إدراك أهمية هذه المجالس من دون معرفة صلاحياتها وعلاقتها بالسلطة التنفيذية الجهوية وبقية مؤسسات الدولة”.
وحول عزوف التونسيين عن الانتخابات توقع سيف الدين العبيدي “تحقيق نسب المشاركة نفسها في الانتخابات السابقة لأن الإجراءات لم تتغير والسياق السياسي نفسه”، داعياً الهيئة إلى “تشريك المجتمع المدني في العملية الانتخابية وفي صياغة القرارات التي تهم الانتخابات المحلية من ذلك تحديد الخارطة الترابية والتقسيم الإداري”.
بعد حوالى أربعة أشهر من حل المجالس البلدية، التي كان يُفترض أن تنهي مدتها المحددة بخمس سنوات في مايو (أيار) الماضي، سيتم قريباً تنظيم الانتخابات المحلية للمرة الأولى في تاريخ تونس بمسار يشوبه التعقيد ووسط أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، بينما يكون سعيد قد وصل إلى المراحل الأخيرة في إسقاط مشروعه السياسي الجديد لتونس.
المصدر: اندبندنت عربية