محمد جلال شاب من ناشطي الثورة السورية، من مدينة حلب السورية، والكتاب هذه ثورتي عبارة عن سرد ليوميات الثورة السورية، كما عاشها الكاتب، في تطوراتها المتلاحقة منذ منتصف شباط ٢٠١١ حتى منتصف شباط ٢٠١٤.
يبدأ صاحبنا يومياته من خلال رصد السوريون لبدايات الربيع العربي في تونس وانتقاله لمصر ثم ليبيا، وردود فعل السوريون، على ان سورية مختلفة، فالقمع ودرجة الهيمنة للأمن والجيش والسلطة لا تضاهيها أي سلطة عربية اخرى، وذاكرة السوريون ممتلئة بالنتائج الكارثية للعمل السياسي الفردي من اعتقال وسجن لمدد طويلة وقتل احيانا، وجماعي حيث ما زال يذكر السوريون ما حصل في ثمانينات القرن الماضي، حيث انتفض الشعب بقواه السياسية ومنهم الاخوان المسلمين، وكيف صفيت كل القوى السياسية وحصل صراع مسلح مع الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة، ادت لتدمير في حماة وحلب وجسر الشغور وغيرها، مع عشرات الآلاف ضحايا ذلك العنف الوحشي للنظام في ذلك الوقت، لكن ذلك لم يكن ليمنع الناس وخاصة الشباب في سورية، أن يستجيبوا لنداء الحرية المنبعث من أعماقهم، ردا على قهر وظلم واستبداد استمر لعقود، دعوة للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، آمال فتحت للتحرك نحو الحياة الأفضل، و رغم الخوف من نتائج التحرك، سرعان ماظهر أن ارادة تحصيل الحقوق اقوى من قوى القهر، وانتصرت الشجاعة على الخوف، كانت البدايات في درعا وأطفالها الذين دشنوا الثورة، ومن ثم اعتقالهم، ورد النظام على أوليائهم، جعل درعا كلها في مقدمة الثورة ومواجهة النظام، وسرعان ما بدأت المدن الاخرى تلتحق بركب الثورة ، حمص حماة ولاحقا ريف دمشق ودمشق، لكن حلب تأخرت ان تلتحق بالثورة بمظاهراتها الألفية كما حمص وحماة ودير الزور وغيرهم، كان صاحبنا من ريف حلب لكنه يسكن في حلب، طالب حقوق في السنة الثالثة، وموظف ايضا، يدرك كل ما يعاش في سورية، احس ومن أول لحظة ان الثورة ثورته الشخصية، فهو يعرف عن النظام الكثير، يعرف الفساد والاستبداد والقمع والمحسوبية، البطالة وغياب الحرية، الاعتقال والسجن، مجازر حماة السابقة، ويعلم ان السلطة بيد فئة قليلة متغلغلة في الدولة، تسيطر على الجيش ، الأمن والمخابرات يتمكنوا في الدولة وتفاصيل حياة الناس، يعلم أن الخوف يقتل الأمل في قلوب الناس، مع ذلك، كان يأمل أن يحصل ربيع سورية، وعندما حصل تأمل وعمل ان ينتصر، راقب انتفاضة المدن الاخرى، وحزن على حلب التي تأخرت كثيرا، عمل مع أصدقاء له على خلق مجموعات صغيرة لخلق مظاهرات تنطلق من الجوامع، لكن ذلك كان يواجه برد عنيف من النظام، وعدم تجاوب من الناس، كان أهل حلب خائفين، وتجاوبهم ضعيف، احس صاحبنا بأن ذلك مسيء لحلب ولأهلها وللحرية المطلوبة، استمر يواظب على التحضير للمظاهرات، على صغرها، وتصويرها، وتحميلها على اليوتيوب، وإرسالها الى الفضائيات لنشرها وخاصة الجزيرة، كان يعمل وبعض الشباب قدر الإمكان لكن التجاوب الشعبي كان محدودا، وكان محاصرا من والده وعائلته، فالكل يخاف من بطش النظام، ويعتقد أنه أقوى من أن يسقط، وأن كل من يواجهه سيكون ضحية، لذلك كان يشارك صاحبنا بالتظاهر بالسر عن أهله. استمر التظاهر وكبر في بقية المدن السورية، أصبحت الجمع والتظاهر فيها تقليدا، وأصبحت بعض الجمع في حمص وحماه ودير الزور وغيرها بمئات الالاف، وبدأ النظام يرد على التظاهر باستعمال السلاح، ويدعي ان هناك ارهابيين مندسين، وبدأ الشهداء بالسقوط، وردود فعل الناس تزداد التمسك بالثورة ومطالبها، أصبح صاحبنا مدركا مع ناشطي الثورة، الاختلاف بين الثورة في سورية وبينها في ليبيا، فهناك تدخل المجتمع الدولي وأسقط القذافي، أما سوريا فالوضع مختلف، النظام مدجج بالسلاح، وجيشه كبير، وأغلب الطائفة العلوية متورطة معه ضد الشعب السوري، البعض منهم في الجيش والأمن وبقية مرافق الدولة، والبعض الآخر صار من الشبيحة الذين استخدموا لدعم النظام في مواجهة الشعب، والبعض أقنع أنه سيكون مصيرهم التقتيل والتشريد ان سقط النظام، كانت النتائج ان بعض الشعب يقاتل ويقتل بقية الشعب، واعتمد النظام على الدعاية الطائفية، و اتهام الثوار بالارهاب، وبدأت تظهر المذابح الطائفية، في البيضة وبانياس وجديدة الفضل وداريا وحمص وغيرها، وهكذا حصل الشق الطائفي الوطني السوري، وذلك لا يلغي ان هناك وعيا وطنيا رائعا عند البعض، وبعض العلويين كانوا في طليعة الحراك ضد النظام، اعتمد النظام على دعم إيران وحزب الله في مواجهة الشعب، وكذلك دعم روسيا بالسلاح والحماية السياسية الدولية، ولذلك انتقل لاستعمال العنف دون خوف من النتائج، العنف الذي دفع الشباب الثائر لان يبدأ بالتسلح ويخلق نويات الجيش الحر، العنف الذي دفع كثيرا من الضباط والجنود السوريون ان ينشقوا عن النظام ، والتحقوا بالجيش الحر وبدؤوا في حماية المظاهرات، ثم مهاجمة مواقع النظام، وسرعان ما تطور الأمر ليصبح صراعا مفتوحا بين النظام والشعب وجيشه الحر، دون أن يكون أي طرف قادر على حسم الصراع، فالنظام متوحش بالرد على التظاهر، والثوار ممنوعين من الحصول على سلاح ينهي الصراع بانتصارهم، فهم أصبحوا المتحكمين بأغلب الارض السورية، لكن الآلة العسكرية للنظام التي طورت مواجهتها : من قصف وتدمير وصواريخ الطيران والبراميل بعد ذلك، ودعم لا محدود من روسيا وإيران، ودخول المرتزقة الطائفيين، حوّل سوريا لمقتلة دائمة ضحاياها سوريون كل الوقت، واستطاع النظام أن يحول الصراع من بين شعب واستبداد إلى حرب أهلية، وبوجود النصرة والقاعدة ومن ثم الدولة الاسلامية في العراق والشام داعش، أكد أن هناك ارهابيين دوليين يستهدفون سورية، كل ذلك حدث ومعاناة صاحبنا من عدم مشاركة حلب في الثورة إلا ببعض المظاهرات اليتيمة، كان يسبب له معاناة كبيرة، واستمر بمشاركته بتصوير المظاهرات وتحميلها على وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما اعتقل وأعترف انه شارك بالتظاهر، وحول للسجن المركزي في حلب مع صديق له، وهناك تحدث عن واقع الحياة داخل السجن، وكيف هي جنة قياسا بالأفرع الأمنية التي مر فيها بداية الاعتقال، وأنهم لم يعذبوه كثيرا، وكان الهدف تربيته لكي يكف عن التظاهر، وبعد شهر اخلي سبيله من السجن وعاد إدراجه للعمل مع المتظاهرين، فقد كان أعلن انتماء للثورة ولو أدت لموته، وبدأ يعمل وآخرين لتثوير حلب ، وكان موعد حلب بعد مضي سنة على الربيع السوري وبعد تفجير موقع الأمن العسكري فيها، وقتل النظام لبعض المتظاهرين، الذي انعكس برد فعل شعبي بدأ يتصاعد ودخلت حلب بثقلها في الثورة السورية، وبداية تشكيل الجيش الحر ثم تشكيل لواء التوحيد، والتوحد بين ثوار المدينة والريف وبداية تحرير كثير من أحياء حلب. لكن التطور العام لمسار الثورة السورية كان يدل على أن النظام الدولي برعاية أمريكا وروسيا، قد قرر أن يعطي للنظام السوري القاتل، إمكانية الانتصار على الشعب والثورة، وبكل الوسائل الممكنة، القتل والتدمير والتشريد والتهجير، وتحول الناس المدنيين ليكونوا الضحايا لهذا العنف الاعمى، تدمير المدن وتشريد الناس، أصبحت الحدود التركية السورية قبلة للهاربين، ذهب صاحبنا إلى تركيا، ولاحظ مساعدتها المهجرين والمنكوبين السوريين، وعاد يراقب عن كثب تطور الصراع العسكري، أصبح الإرهاب حقيقة قائمة على يد جبهة النصرة وداعش، ووجود الصراع بينهم وبين الجيش الحر، الجيش الحر المقسم والمتصارع فيما بينهم، في مواجهة داعش والنصرة، ظهور العصابات المسلحة التي استثمرت الفوضى لتحول حياة الناس لمزيد من الجحيم، والناس ضحايا كل الوقت، يتأمل صاحبنا ذلك، ويتساءل هل ثرنا لأجل ذلك؟!، وكان يعيد تأكيد حق الثورة للشعب السوري، وأن الدول الداعمة للثورة السورية خانت الثورة عندما لم تقدم ما يساعد على الانتصار، وعندما أعطت الضوء الأخضر للنظام وحلفائه ليفعل ما فعل في الشعب السوري، وأن الثورة ولدت فتية غير ناضجة وغير مسيحية بشكل صحيح والمتحكم فيها من القوى الداعمة، وبالتالي كان طبيعيا، أن لا تحصّل إلا ما حصّلت، وأدرك أيضا أن سورية وشعبها، أصبح رهينة للقوى الدولية المتصارعة على سورية وفيها وبدماء شعبها، وانهم خلقوا فزاعة الارهاب داعش والنصرة ليقودوا الحالة داخل سورية إلى ما وصلت إليه.
.تنتهي اليوميات في أواسط شباط ٢٠١٤ يعني بعض مضي ثلاث سنوات على الثورة السورية، معلنا انتمائه للثورة ولحق الشعب في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، وأنه مهما حصل من أخطاء أو تدخلات دولية وإقليمية، وكيفما سارت الأمور ، فإن لحقوق الشعب السوري الاولوية، ولها النصر ولو بعد حين.
.وفي تحليل اليوميات نقول:
إننا بأشد الحاجة لمثل هذه اليوميات لتوثيق ما حصل بثورتنا، الان وللأجيال القادمة، فالثورة على مراحل، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة.
ونحتاج أيضا لمن يكمل سرد قصة الثورة إلى الآن وفي المستقبل.
ونحتاج أن نستنتج من كل ذلك دروسا للمستقبل حيث نرى ثورة شعبنا منصورة ، والدولة الوطنية الديمقراطية السورية متحققة، والشعب السوري واحد: وجودا وممارسة وهوية وطنية وأداء حياتي كامل، والمحاكم تتابع مجرمي الحرب قاتلي الشعب السوري، من كل صنف ولون.
.أنه حلم؛ نعمل ليتحقق.