ارتفعت حدة التصعيد العسكري في منطقة خفض التصعيد الرابعة شمال غرب سوريا (إدلب وجوارها) حيث قصفت القاذفات الروسية سوقا للخضار في مدينة جسر ومقراً عسكرياً في جبل الزاوية، أسفر القصف عن مقتل وإصابة العشرات، فيما تستمر التظاهرات ضد هيئة تحرير الشام التي يقودها كوادر «حزب التحرير» ونشطاء وزوجات المعتقلين لدى التنظيم المذكور.
وشهدت مناطق عدة في شمال غرب سوريا تظاهرات غاضبة ضد هيئة «تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقا) وزعيمها أبو محمد الجولاني يوم الجمعة، رفعت شعار «منتهك الحرمات لن يفتح الجبهات» وخرج الأهالي في كل من صوران والباب واعزاز في ريف حلب الخاضع لسيطرة الجيش الوطني، وفي سلقين وكفرتخاريم ومخيمات دير حسان وأطمة وتجمع الكرامة بريف إدلب الخاضع لسيطرة الجولاني، وردد المتظاهرون هتافات طالبت بالإفراج عن المعتقلين في سجون الهيئة، وفتح جبهات القتال مع قوات النظام ردا على التصعيد الروسي على المناطق المشمولة باتفاق خفض التصعيد بين روسيا وتركيا وإيران الموقع في 4 أيار (مايو) 2017.
وهتف المتظاهرون في دير حسان بريف إدلب الشمالي ضد القبضة الأمنية لتحرير الشام، وممارسات عناصرها الأمنية، ومن جملة ما هتفوا به «سمع صوتك للشبيحة، سمع صوتك للأمنية، كلهم شلة حرامية». وتعتبر دير حسان إحدى أبرز معاقل «حزب التحرير» الإسلامي.
كما خرجت مظاهرة نسائية في البلدة نفسها، طالبت بإسقاط «تحرير الشام» وكتبت المتظاهرات على الجدران عبارات «يسقط الجولاني العميل» كما حملت المتظاهرات صورا لمعتقلين في سجون الجهاز الأمني للهيئة، وفي بلدة أطمة الحدودية مع تركيا خرجت مظاهرة نسائية رددت خلالها المتظاهرات هتافات منها «كبري كبري عالجولاني وحاشيته، والقحطاني وأمنيته» كما أحرقت المتظاهرات صورًا للجولاني وأعلام «تحرير الشام».
الجدير بالذكر، أن الحراك الشعبي ضد هيئة «تحرير الشام» كان قد نظم عشية عيد الأضحى خيمة للاعتصام في بلدة سرمدا الحدودية، والتي تعتبر معقل الجولاني وقواه الأمنية والاقتصادية، وطوقت الأخيرة المكان واعتقلت عددا من النشطاء الإعلاميين، وفُض الاعتصام بعد أن التقى عدد من المسؤولين في جهاز الأمن العام التابع لتحرير الشام، مع ممثلين عن المحتجين، حيث وعد المسؤولون بإطلاق سراح المعتقلين في السجون، وتحقيق مطالب المحتجين.
ولا تزال المظاهرات المناوئة للهيئة وحكومة الإنقاذ التابعة لها مستمرة منذ أكثر من 57 يومًا، والتي بدأت مع حملة اعتقالات نفذتها القوى الأمنية التابعة للهيئة بحق أعضاء وقيادات من «حزب التحرير» في ريف إدلب الشمالي وريف حلب الغربي، إلا ان هذه المظاهرات قد ارتفعت وتيرتها وازداد توسعها وانتشارها مع تصعيد القصف الروسي على مناطق عدة في إدلب المنضوية في منطقة خفض التصعيد الوحيدة المتبقية بعد انهيار المناطق الثلاث الأخرى وسيطرت قوات النظام عليها بدعم من الطيران الحربي الروسي والمليشيات الإيرانية عام 2018.
وتتزامن الاحتجاجات ضد الهيئة المصنفة على قوائم الإرهاب الدولية، والتي تحكم سيطرتها على مناطق واسعة شمال غرب سوريا، مع تصعيد القصف الجوي الروسي على المناطق ذاتها الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد، المبرم في إطار مسار أستانة للحل في سوريا، بضمانة كل من تركيا وروسيا.
وفي سياق منفصل، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل ثمانية مقاتلين من «لواء حمزة» أحد ألوية النخبة في الجناح العسكري لـ «تحرير الشام» في قصف جوي للطيران الروسي استهدف محيط قرية سرجة شرقي جبل الزاوية، وقالت مصادر محلية لـ «القدس العربي» إن القاذفات الروسية شنت سبع غارات جوية على مقر عسكري يتبع «تحرير الشام» على أطراف القرية، كما شمل القصف الروسي محيط بلدات البارة وبزابور وأطراف جبل الأربعين، وأضافت المصادر أن القصف الروسي أسفر عن مقتل عنصر من لواء «طلحة بن عبيد الله» في منطقة معارة النعسان شمال إدلب، قبل يوم واحد من القصف على سرجة.
ووثقت منظمة الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء» مساء الأحد الماضي، مقتل تسعة أشخاص جراء القصف الجوي الروسي على سوق للخضار في مدينة جسر الشغور، غرب محافظة إدلب، وقال ناشطون محليون في جسر الشغور لـ «القدس العربي» إن الغارات الروسية استهدفت بشكل مباشر «سوق البندورة» في جسر الشغور، وهو سوق شعبي تتجمع فيه أعداد كبيرة من المدنيين بشكل عام، وبشكل خاص ان الاستهداف جاء قبيل أيام من عيد الأضحى، حيث يتجمع عدد أكبر من المدنيين لشراء احتياجاتهم من الخضار والفواكه. وأضاف الناشطون، أن طفلين على الأقل قضوا جراء الغارات الروسية على سوق البندورة المذكور، فيما أصيب أكثر من 40 آخرين.
وفي ذات اليوم، قصف الطيران الروسي الأطراف الغربية لمدينة إدلب ما أسفر عن مقتل مدني ومقاتل تابع لـ «الحزب الإسلامي التركستاني» وطفلين من أبناء عناصر الحزب.
وتبنت وزارة دفاع النظام عمليات القصف، عبر بيانٍ لها نشرته مساء الأحد الماضي، قالت خلاله إن القصف الجوي على جسر الشغور ومحيط إدلب جاء «ردّاً على الاعتداءات التي نفذتها المجموعات الإرهابية المسلحة خلال الأيام الماضية على ريفي حماة واللاذقية والتي راح ضحيتها عدد من المدنيين» وجاء في البيان أنها و« بالتعاون مع القوات الجوية الروسية عدة عمليات نوعية استهدفت مقرات الإرهابيين ومستودعاتهم في ريف إدلب ومواقع إطلاق الطائرات المسيّرة وأدت إلى تدمير تلك المقرات بما فيها من أسلحة وذخائر وطيران مسيّر ومقتل عشرات الإرهابيين وإصابة آخرين».
وفي ردود الفعل الدولية على التصعيد الروسي في إدلب، ندد رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، بالقصف الجوي الروسي على سوق الخضار في جسر الشغور، مطالبًا بوقف هذه الهجمات، واصفًا القصف الروسي بـ»السلوك المارق وغير المقبول».
وفي سياقٍ متصل، دان فريق «منسقو استجابة سوريا» في بيان زيارة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، لرئيس النظام بشار الأسد، بعد يومٍ واحد على ما وصفها «منسقو الاستجابة» بالمجزرة في سوق خضار جسر الشغور، واعتبر الفريق ان الأمم المتحدة بزيارة وكيل أمينها العام قدمت لنظام الأسد وروسيا مكافأة على قصف المدنيين في جسر الشغور.
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة قد بحث في دمشق مع رئيس النظام بشار الأسد، مشاريع التعافي المبكر المرتبط بملف عودة اللاجئين، وضرورة إبقاء الملف في سياقه الإنساني والأخلاقي.
وعلى خلفية ارتفاع وتيرة القصف المتبادل بين هيئة «تحرير الشام» وغرفة عمليات «الفتح المبين» من جهة، وقوات النظام والطيران الروسي من جهة أخرى. حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من عواقب التصعيد، منددا بالقصف الذي يستهدف المدنيين، مطالبًا بوقف التصعيد في منطقة «على شفا حفرة من كارثة إنسانية».
وكان المرصد قد وثق مقتل 36 شخصًا بين مدني وعسكري في مناطق إدلب وريف حلب، وفي المناطق التي طالها قصف هيئة تحرير الشام الخاضعة لسيطرة النظام، خلال التصعيد الأخير منذ 21 حزيران (يونيو).
وبالتزامن مع ذلك، شهدت خطوط التماس بين مقاتلي غرفة عمليات «الفتح المبين» وقوات النظام اشتباكات متقطعة وعمليات استهداف متبادلة، على محاور الفوج 46 قرب بلدة الأتارب بريف حلب الغربي، وجبل التركمان بريف اللاذقية وكفر بطيخ وحرش كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، كما استهدف مقاتلو «الفتح المبين» بقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ مناطق عدة خاضعة لسيطرة قوات النظام منها القرداحة وصلنفة وجورين.
وتجدر الإشارة إلى أن التصعيد الأخير، ترافق مع عمليات نزوح كبيرة من مناطق جسر الشغور وريف جبل الزاوية ومدينة أريحا، باتجاه مدينة إدلب والمناطق الشمالية على الحدود السورية التركية، ويتخوف النازحون من عمليات تقدم لقوات النظام على الأرض، يدفعهم إلى ذلك ريبتهم من التصعيد الأخير الذي تزامن مع اجتماع «أستانة 20» الذي عقد خلال 20 و 21 من شهر حزيران (يونيو) وأعلنت خلاله كازخستان انتهاء استضافتها اجتماعات الصيغة.
وتزامنت عمليات القصف المتبادل في إدلب بين قوات النظام ومقاتلي غرفة عمليات «الفتح المبين» مع ارتفاع في وتيرة القصف التركي على مواقع قوات سوريا الديمقراطية «قسد» شمال شرق سوريا، ويربط محللون بين التصعيد في شمال غرب سوريا، والقصف التركي المكثف على مواقع «قسد» شمال شرق سوريا، وبين ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف المجتمعة في أستانة.
اللافت أن البيان الختامي المشترك لأستانة 20 شدد على أهمية الحفاظ على استمرارية اتفاق خفض التصعيد في إدلب، وأكد على ضرورة الحفاظ على الهدوء في إدلب من خلال تنفيذ كافة اتفاقيات إدلب الحالية.
المصدر: القدس العربي