ليون ت. غولدسميث كاتب أوربي من نيوزيلندا، والكتاب دائرة الخوف.. رسالة دكتوراه له.
يبدأ الكتاب بتحديد الطريقة التي اعتمدها الكاتب في إنجاز كتابه، حيث اعتمد طريقة استقرائية في البحث، مقابلات، ملاحظات ميدانية، وثائق، وأبحاث منشورة حول ذات الموضوع .
١. ابن خلدون ونظريته هي المرجع المعتمد عند الكاتب.
استند الكاتب على نظرية ابن خلدون المفكر العربي وعالم الاجتماع، الذي تواجد في القرن السابع الميلادي، والذي طرح نظريته في نشوء الدول وسقوطها، حيث أكد على ضرورة وجود عصبية قبلية قوية متماسكة، مع عقيدة تحملها هذه العصبية وتؤدي لوصولها للسلطة، وأن وجودها في السلطة ينقسم إلى ثلاثة اطوار، طور الهيمنة والسيطرة والامتداد، ومن ثم طور الرفاه حيث تضعف العصبية وتركن إلى رغد العيش، ثم طور التحلل والسقوط. أكد الكاتب على كون نظرية ابن خلدون قادرة على تفسير وجود العلويين كعصبة طائفية عبر تاريخهم، والمحافظة على خصوصيتهم، وصولهم إلى السلطة في سورية على يد حافظ الأسد، وبعده ابنه بشار، وأضاف من عنده إلى النظرية مقولة جديدة: الخوف الطائفي يؤدي الى توحدهم وتضامنهم ويحمي العصبية والدولة، يحاول الكاتب عبر أطروحته، التذكير دائما بهذه المقولة، وأن يرددها عند كل منعطف من قراءته للعلويين التي تغطي وجودهم منذ ٨٥٠ م إلى الان.
٢.كيف تطورت العصبية عند العلويين.
نشأت الدعوة العلوية في أواسط القرن التاسع ، على يد الداعية محمد بن نصير، وهو من أوساط الدعاة الشيعة الأمامية، وادعى أنه يتواصل مع الإمام الحادي عشر “الحسن العسكري”، الذي كان قد توارى خوفا من السلطات وقتها، وسمى نفسه “الباب”، وأنه منتدب ليوصل أوامر الإمام الحسن ، كانت دعواه الدينية تعطي لعلي بن أبي طالب هالة من القداسة تصل للربوبية، وأنها تنتقل لأولاده من بعده، لذلك كانت دعواه مرفوضة ومحاربة، حتى في أوساط الشيعة انفسهم، نشط ابن نصير في أوساط قبيلته النمرية في ٨٥٠ م وما بعد، وحصل انقطاع بعد ذلك حتى جاء الداعية عبد الله الخصيبي في ٩٢٦ م وأعاد تجديد الدعوة وساهم بانتشارها في أوساط الحمدانيين، ووصل إلى أمير حلب سيف الدولة الحمداني، لكن التغيرات السياسية الحاصلة بعد ذلك لم تجعل العلويين المنتشرين في حلب وجوارها بوضع جيد، حيث جاء السلاجقة الاتراك وهاجموا حلب واسقطوا الحمدانيين، في بداية الألفية الثانية، وكان ضحيتهم الكبرى العلويين فيها، وتوجهوا عندها إلى الجبال الساحلية السورية، وكان بينهم الداعية ميمون الطبراني (١٠٠٨-١٠٣٥) حيث انتقلوا لحياة الريف وعاشوا حياة قاسية، وانقسموا لعشائر متعددة ، زعامات مختلفة ومنافسة. كان مجيئ الصليبيين إلى المشرق العربي واستقرارها على الساحل السوري، وعدم مواجهتهم للعلويين، وبغياب الصراع المتبادل، بمثابة درع حامية لهم على فترة ٢٠٠ سنة في مواجهة الايوبيين، استمر ذلك حتى خروج الصليبيين بشكل نهائي من المنطقة، في هذه الفترة ظهر بينهم في ١٢٢٠م الحسن المكزون السنجاري، مجددا دينيا. زادت متاعب العلويين بعد ذلك حيث صدرت فتوى ابن تيمية بحقهم باعتبارهم غير مسلمين واستباحة أرواحهم واموالهم، وذلك في ١٣٠٥- ١٣١٨، وهذا دفع أحد زعاماتهم ولقبه المهدي ، لمواجهة حكم المماليك والثورة عليهم، وحاربه المماليك وقضوا عليه، وأعلن السلطان المملوكي محمد بن قلاوون منع الدين العلوي، وكانت فترة المماليك قاسية على العلويين، الذين اعتمدوا التقية وعدم إظهار دينهم ، وعدم الاصطدام مع الحكام، استمر الحال حتى جاء العثمانيين إلى بلاد الشام، في ١٥١٦ م التي استمرت ثلاثة قرون، كان العلويين فيها في حالة كمون تحت حكم عثماني سني قاسي، وانتهت هذه المرحلة تقريبا عند مجيئ جيوش محمد علي من مصر لبلاد الشام وانكسار الوجود العثماني في ١٨٣١م.
٣. العصبية العلوية وتشكيل السياسة السورية.
كان مجيئ جيوش محمد علي إلى بلاد الشام وسقوط الوجود العثماني دور مهم على العلويين المنتشرين على الشريط الساحلي السوري، حيث عمل إبراهيم باشا على محاولة زجهم في جيشه، وهذا اعتراف ضمني باسلامهم، حيث كان يأخذ من المسيحيين جزية، لكن زعماء العلويين رفضوا التجنيد، وتمرد عليهم اسماعيل خير بك، وواجهه ابراهيم باشا وقضى عليه، وسرعان ما ساعدت بريطانيا العثمانيين وطرد ابراهيم باشا من بلاد الشام، وعادت السلطة العثمانية، لكنها كانت ضعيفة، سواء للقوانين الجديدة التي سنتها والتي تدعو للمساواة ولدولة القانون، أو الحماية التي وضعتها الدول الأجنبية على الأقليات في الدولة العثمانية، وكان العلويين تحت تأثير الإرساليات التبشيرية البروتستانتية، وظهر وقتها كتاب الباكورة السليمانية، الذي كتبه سليمان أفندي الاذني، كاشفا من خلاله العقائد العلوية، بعد إعلان تحوله للمسيحية، وهي من أوائل الكتب التي ظهرت عن العلويين، موضحة عقائدهم دون تورية وتغطيه، وهذا شكل احراج لهم، بعضهم أنكر والبعض تغاضى، لكنهم رجعوا للمربع الاول، هل هم مسلمون أم لا؟.
٤.العلويون في سوريا من نهاية العثمانيين إلى نهاية الاحتلال الفرنسي.
كان خروج العثمانيين من سورية على يد الحلفاء في الحرب العالمية الأولى في ١٩١٥ ومابعد، واحتلال الفرنسيين لسورية وشرعنة ذلك عبر عصبة الأمم، واعتماد الفرنسيين على أسلوب التفرقة والاعتماد على الأقليات لتشكيل قوة عسكرية داخل كل بلد تحتله. كان رد فعل العلويين على الاحتلال الفرنسي مقاوما، حيث واجههم الزعيم العلوي صالح العلي ١٩٢٠، ولكن لم يستمر ذلك طويلا، ودخل العلويين ضمن سياق خطة الفرنسيين في سورية، حيث بدأت بخلق فرق من الجيش من الطوائف والأقليات، العلويين والدروز والأكراد، وطرح الفرنسيين فكرة تقسيم سوريا لعدة دول، على أساس طائفي واثني، وشكلت دولة علوية في الساحل السوري من عام ١٩٢٣ الى عام ١٩٣٠، ثم أعيد تشكيل الكيان السوري الموحد، لم يكن العلويون متفقون على انفصالهم او التحاقهم بالدولة السورية الواحدة، ويعود ذلك إلى تبعيتهم لزعمائهم العشائريين المتنافسين والمختلفين، وظهر بينهم سلمان المرشد الذي أعلن نفسه مقدسا، يعني له درجة الربوبية، واختلف معه بعض العلويين، والبعض اتبعه، واصبح له مذهبا واتباع، وشكل نقطة خلاف صراعي داخل العلويين أنفسهم، لم تنتهي باعدامه من الحكومة السورية الناشئة حديثا بعد خروج المحتل الفرنسي في ١٩٤٦، بل استمرت ظاهرة كفرقة دينية بين العلويين، بغض النظر عن الاعتراف بشرعيتها المتبادلة.
٥. العلويون السوريون من استقلال سورية إلى استيلاء حافظ الأسد على الحكم في ١٩٧٠م.
كان لخروج المحتل الفرنسي من سورية دور ايجابي انعكس على العلويين السوريين، حيث كان للحكومة السورية الوليدة توجهات ليبرالية وديمقراطية، اعادة اعطاء حقوق للأقليات كانوا يفتقدونها، الجيش السوري الوليد، كان أغلب جنوده وصف ضباطه من العلويين، الذين كان الجيش بالنسبة لهم هو الملجأ بمواجهة قساوة عيشهم في ريفهم القاسي، إضافة لكون بعضهم امتداد للفيلق العلوي الذي شكله الفرنسيين أيام احتلال سورية.
إضافة لمحاولة العلويين ان يندمجوا في واقعهم الاجتماعي ، بين بقية مكونات الشعب السوري، وكانوا حريصين على أن يؤكدون اسلامهم، وكان لفتوى الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس في ١٩٣٦، باعتبارهم مسلمين، دفعة قوية لهم في هذا الاندماج، وبعد ذلك فتوى آية الله الشيرازي الشيعي العراقي باعتبارهم من المسلمين الشيعة في ١٩٧٢، وكذلك فتوى موسى الصدر المرجع الشيعي بعد ذلك، كل هذا رسخ وجودهم لكونهم أحد فرق المسلمين الشيعة.
كان لإعدام سلمان المرشد دور ايجابي في رفض الغلواء الذي كان يمثله، واراح العلويين من عبئ ادعائه الربوبية ومن ثم اعتباره مرتدا عن الإسلام، وانتسابه لهم.
وتوجه العلويون إلى الاحزاب السياسية العلمانية الناشئة حديثا ، الذي يعني الانتساب لها المساواة بينهم وبين أغلب المجتمع الذين ينتمون إليه، وكان التحاقهم بالحزب القومي السوري الاجتماعي كبيرا، لكن إعدام مؤسسه أنطون سعادة بعد ذلك في سورية جعل شعبيته تتناقص، وبدأ الشباب العلوي بالتوجه للتعلم والخروج من أجواء الريف المغلق، والانتساب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان للثلاثي زكي الأرسوزي وأكرم الحوراني و وهيب الغانم، دور أساسي في توسع الحزب في أوساط الشباب العلوي، والتي أعطت لهم فرصة للدخول للجيش السوري طلاب ضباط وضباط لاحقا، حيث كانت قيادة الجيش السوري حكرا على السنة فقط.
لم يكن للعلويين حضور مباشر في الانقلابات الأولى التي حصلت في الخمسينات في سورية، وكان للوحدة السورية المصرية دورا في تكتل الضباط البعثيين، الذين اكتشفوا أنفسهم مبعدين في الوحدة، و شكلوا اللجنة العسكرية السرية لحزب البعث، كان بينهم حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران العلويين، واثنان آخرين من الطائفة الإسماعيلية، وكان لهذه اللجنة دور أساسي بعد حصول الانفصال بين مصر وسورية في ١٩٦١، والتحضير لحركة آذار ١٩٦٣ التي رسخت البعث حاكما واحدا لسورية، بعد استبعاد الشركاء الناصريين من الحكم الجديد.
دفعت اللجنة العسكرية بقيادة حزب البعث التاريخيين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار إلى الواجهة بعد ١٩٦٣، وسرعان ما بدأ الخلاف بين القيادة المدنية للحزب، والقيادة اللجنة العسكرية للجنة الثلاثي العلوي عمران- جديد – الأسد، الذين ابعدوا القيادة التاريخية من السلطة نهائيا في ١٩٦٦، حيث ترسخ الحكم للثلاثي المذكور سابقا، لكن الصراع التنافسي على القيادة والاختلاف على السياسات، أدى لإبعاد محمد عمران بنفيه إلى لبنان، ومن ثم الانقلاب على جديد في تشرين ١٩٧٠، وسجن حتى الموت ١٩٩٣م.