حرب النصر الأوكراني

جدعون روز

لماذا يجب على الغرب مساعدة كييف في استعادة كل أراضيها؟ في فبراير 2022، اجتاحت روسيا أوكرانيا في محاولة لغزو البلاد وإلغاء الاستقلال الذي نالته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود. بالنظر إلى التفاوتات الهائلة في الحجم والقوة بين البلدين المتحاربين، مالت الغالبية إلى التفكير بأن المدافعين عن أوكرانيا لا يملكون فرصاً كبيرة للفوز. واعتقد المتشائمون أن كييف ستستسلم خلال أيام أو أسابيع، فيما ظن المتفائلون أن الأمر قد يستغرق شهوراً. لم تعتقد سوى قلة أن أوكرانيا تستطيع هزيمة مهاجميها.

في ذلك الإطار، كتب الخبيران الروسيان توماس غراهام وراجان مينون في مجلة “فورين أفيرز” بعد شهر من بدء الغزو، “من المحتمل أن يكون تحقيق نصر مرض أمراً بعيد المنال. إن أوكرانيا وداعميها الغربيين ليسوا في وضع يسمح لهم بهزيمة روسيا في أي إطار زمني معقول”.

في الوقت نفسه تقريباً، وافقهما عالم السياسة صموئيل شاراب الرأي، “إن المقاومة الشجاعة التي أبدتها أوكرانيا، من المستبعد أن تتغلب على المزايا العسكرية الروسية، ناهيك بإطاحة بوتين، حتى في ظل الضغط الغربي المتزايد باستمرار على موسكو. ومن دون نوع من الاتفاق مع الكرملين، فإن أفضل نتيجة ستكون على الأرجح حرباً طويلة وشاقة من المتوقع أن تكسبها روسيا على أي حال”.

وبعد ثلاثة أشهر من الحرب، جادل المؤرخان ليانا فيكس ومايكل كيميج بأن “هزيمة عسكرية واسعة النطاق تلحقها أوكرانيا بروسيا، بما في ذلك استعادة شبه جزيرة القرم، تكاد تكون خيالاً”. وبعد أربعة أشهر من ذلك، صعدت الخبيرة السياسية إيما أشفورد النصر الأوكراني إلى مرتبة “الخيال الخطر”.

ومثلما فاجأت روسيا الجميع بأدائها العسكري الضعيف، فإن أوكرانيا فاجأت الجميع أيضاً، إذ تجاوز تأثيرها وثقلها خلال الصراع، التوقعات كلها. فشلت محاولة روسيا للاستيلاء على العاصمة، ثم تعطلت محاولاتها لتدعيم مكاسبها في الشرق والجنوب. كذلك أجبرت أوكرانيا القوات الروسية على الانسحاب من منطقتي خاركيف وخيرسون.

في الحقيقة، أسهمت الحملة الجوية الروسية الوحشية ضد البنية التحتية المدنية في تعزيز إرادة أوكرانيا عوضاً عن كسرها. ولم تحقق الهجمات الروسية الأخيرة في باخموت وأماكن أخرى سوى تقدم ضئيل بكلفة باهظة. والآن، بعد أن أصبحت القوات الروسية أضعف، تشن أوكرانيا هجوماً مضاداً من أجل استعادة مزيد من الأراضي.

وبحسب رأي شائع، فإن الحرب طريق عسكري مسدود لا بد أن ينتهي بتسوية تفاوضية بعيدة عن الأهداف الأصلية التي رسمها كل جانب.

وفي ذلك السياق، جادل رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ريتشارد هاس، والعالم السياسي تشارلز كوبشان في أبريل (نيسان) 2023، “في وقت لاحق من هذا العام، من المرجح أن تظهر حالة من الجمود على طول خط تماس جديد”، وفي هذه المرحلة يجب على الولايات المتحدة حث أوكرانيا على الاعتراف بأن “السعي إلى تحقيق نصر عسكري كامل” لن يكون خطوة حكيمة.

وكذلك أكد العالمان السياسيان صموئيل شاراب وميراندا بريبي في يناير (كانون الثاني) الماضي أن “نهاية الحرب التي تترك أوكرانيا في سيطرة كاملة على جميع أراضيها المعترف بها دولياً [على الأرجح] تظل نتيجة من غير المتوقع تحقيقها على الإطلاق”، ولذا فإن واشنطن “يمكن أن تضع شرطاً بأنها لن تقدم مساعدة عسكرية مستقبلية إلا في حال التزام أوكرانيا بالمفاوضات” التي تنطوي على حلول توفيقية في شأن الأراضي.

ومن المحتمل فعلياً أن نشهد هموداً في القتال بعد الهجوم الأوكراني المقبل، حين تعزز كييف مكاسبها، بيد أن هذا لن يشير إلى بداية دخول الحرب في طريق مسدود تماماً، بل مجرد استراحة موقتة في قتال مستمر. لن يحصل جمود ولا داعي لأن يحدث، بفضل الدعم العسكري الغربي وقدرة أوكرانيا الرائعة على تحويل ذلك الدعم إلى نجاح في ساحة المعركة.

في الواقع، لم يشهد العالم مثل هذا التعاون الاستراتيجي المثمر منذ أن استخدمت إسرائيل المساعدة الغربية من أجل تحقيق انتصارات عظيمة على القوات العربية الأكبر حجماً المدعومة من الاتحاد السوفياتي في عامي 1967 و1973. وبسبب فاعلية هذه الشراكة، لا حاجة إلى الضغط على أوكرانيا من أجل التوصل إلى تسوية سلمية. وعوضاً عن ذلك، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا تمكينها من مواصلة دفع القوات الروسية بفاعلية كي تتراجع إلى حدود أوكرانيا المعترف بها دولياً.

في الواقع، إن إنهاء الحرب بالفعل والعودة إلى الوضع الذي سبقها، وفقدان روسيا المكاسب التي حققتها منذ توغلها الأول في عام 2014، ليس أمراً مستطاعاً فحسب، بل يشكل الخيار الأفضل المنشود. ومن شأن ذلك أيضاً أن يحرر أوكرانيا ويرسي أسساً متينة للأمن الإقليمي، ويثبت أن النظام الدولي الليبرالي له ماض ومستقبل.

وكذلك قد يوفر إنهاء تلك الحرب [مع تراجع روسيا] إلى توفير مثل ناجح عن القيادة الأميركية العالمية في عصر ما بعد الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة.

أوكرانيا تستطيع الفوز

خلال العام ونصف العام الماضيين، تمثل الهدف الرئيس للحكومات الغربية في مساعدة أوكرانيا على تجنب الهزيمة. قدمت الولايات المتحدة وأوروبا ودول صديقة أخرى كميات كبيرة من المساعدات الاقتصادية والأسلحة المتزايدة القوة إلى كييف التي استخدمتها من أجل الصمود والبقاء في القتال، ولكن تجنباً لاستفزاز موسكو، سيطرت دول الغرب على مستوى وطبيعة مساعداتها وأبقتها تحت سقف معين لم تتخطَه. كذلك، تفادت احتمال وقوع اشتباكات مباشرة بين الناتو والقوات الروسية، وتجنبت الهجمات المباشرة على روسيا ونظامها، إضافة إلى ذلك، اختارت بعناية الأسلحة المرسلة، فزادت تدريجاً بعض العتاد الذي طلبته أوكرانيا وليس كله.

وتتخذ معظم هذه التدابير من باب الحيطة والحذر، وتمثل الجوانب الطبيعية لحرب مندلعة في العصر النووي. فمن المنطقي إبقاء التدخل الغربي غير مباشر، والحفاظ على محدودية مسرح القتال، وينبغي عدم إزالة تلك القيود المفروضة على القتال، بل يتوجب تشديدها لتضحى أكثر صرامة، وذلك بغية منع أي هجمات أخرى على موسكو.

لكن إن ما بينته أوكرانيا من قدرة واضحة على استخدام المساعدات العسكرية استخداماً حسناً وفاعلاً يجعل من المعقول تخفيف تلك القيود، بالنظر إلى درجة المنفعة التي قد تتحقق من حدوث ارتفاع محسوب في المخاطرة [بمعنى أن يخاطر الغرب باستفزاز موسكو بشكل ضئيل].

ووفق ما أشار إليه الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لمستشار الأمن القومي آنذاك، هنري كيسنجر، عند تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل خلال “حرب يوم الغفران” (6 أكتوبر) في عام 1973، “يا هنري، لا فرق إن أرسلنا ثلاث [طائرات] أو 30 أو مئة أو أي عدد آخر. ففي الأحوال كلها سنتلقى نفس القدر من اللوم، لذا أرسل إليهم كل ما يطير. الأهم هو إنجاح الأمر”. [في 1973، تزامنت حرب السادس من أكتوبر مع “يوم كيبور”، وهو مناسبة دينية تعرف أيضاً باسم “يوم كيبور”].

ومن هذا المنطلق، عوضاً عن تقييد المساعدات العسكرية التقليدية لأوكرانيا، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا زيادتها. وبالتالي، يجب إرسال مزيد من الدروع والمدفعية والذخيرة، ودفاعات جوية محسنة، وأسراب الجيل الرابع من الطائرات المقاتلة النفاثة.

وبتعبير آخر، يتوجب إرسال كل ما يعتبر أساليب قتال تقليدية، مهما كلف الأمر. وهذا المسار لا يمثل عين الصواب فحسب، بل إنه أيضاً أفضل طريقة لإنهاء الحرب، إما عن طريق الاستعداد لإمكانية التوصل إلى تسوية تفاوضية دائمة أو من خلال السماح لقوات كييف بتحقيق مكاسب يمكنها الدفاع عنها إلى أجل غير مسمى بمساعدة مستمرة.

ويعتبر كثيرون أن اعتماد هذه السياسة عديم الجدوى أو خطر أو مشتت للانتباه، إذ يرون أن روسيا لا يمكن هزيمتها لأنها ستمتلك دائماً موارد أكثر تستخدمها في القتال ورغبة شديدة في تجنب الهزيمة، وكذلك فقد تؤدي محاولات إجبار روسيا على التراجع واستعادة شبه جزيرة القرم إلى تصعيد نووي، إضافة إلى أن التركيز على أوكرانيا وروسيا يأتي على حساب مشكلات أخرى أكثر أهمية كتايوان والصين. في المقابل، أن كل هذه المخاوف مبالغ فيها.

اختبار الإرادات

“إلى أي مرحلة من الحرب وصلتم؟” طرحت هذا السؤال على مسؤول عسكري أوكراني كبير خلال رحلتي الأخيرة إلى أوكرانيا برعاية “مبادرة تجديد الديمقراطية” Renew Democracy Initiative. وقد أجابني، “في نهاية الشوط الأول تقريباً”، وأنهم في الشوط الثاني، سينهون الأمور بسرعة وحزم.

في البداية، جاءت المساعدات الغربية بصورة محدودة إلى حد كبير. وفي هذا الإطار، وفق كلمات وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، “سألنا، “هل يمكننا الحصول على صواريخ ستينغر؟” فقيل لنا، “لا، احفروا الخنادق واقتلوا أكبر عدد ممكن من الروس قبل أن ينتهي الأمر”. لقد اعتقد الناس أن انتصارنا مستحيل”.

في المقابل، مع مرور الوقت، صمدت القوات الأوكرانية واستمرت في القتال. وفي النهاية، زودت الولايات المتحدة والدول الأوروبية وأصدقاء أوكرانيا الآخرين، كييف بمجموعة واسعة من الأسلحة المتطورة. ووصلت صواريخ ستينغر، وأنظمة هيمارس، وصواريخ باتريوت التي رأيتها بأم عيني وهي تسقط صواريخ كينجال الفرط صوتية الروسية التي من المفترض أنه لا يمكن إيقافها.

وأضاف ريزنيكوف أن أوكرانيا لديها في حوزتها الآن “دبابات برادليز، أبرامز، ليوبارد، ومدرعات سترايكر، وأكثر من ذلك”. وفي النهاية، ستدعم المدرعات بطائرات “أف- 16”.

في غضون ذلك، فإن الألوية الأوكرانية الجديدة [المنتعشة] والمجهزة تجهيزاً جيداً والمتحمسة للغاية التي تشارك في الهجوم، تواجه قوات روسية متعبة ومعنوياتها منخفضة، وتتضاءل الحماسة بين عناصرها، مع قيادة عادية غير مثالية. وعلى غرار الدول العربية التي حاربت إسرائيل قبل نصف قرن، تمتلك روسيا قوة بشرية وعتاداً أكثر من خصمها لكنها لا تستخدمهما على نحو فاعل.

ووفق المسؤول العسكري الأوكراني الكبير، “لدى روسيا مجموعة ضخمة من الأدوات، لكنها لا تعرف كيف تستغلها بفاعلية. ليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب في حرب الروس، إذ إنهم يستخدمون النهج السوفياتي الكلاسيكي، لم يتغير شيء”. وكذلك لم تضع روسيا خطة استراتيجية. فمنذ فشل الغزو الأولي، عمدت إلى الارتجال في ظل تزايد الخلاف بين قادتها.

ونتيجة للاستنزاف خلال الحرب والعقوبات المفروضة، أصبحت موارد موسكو مقيدة. وفي هذه المرحلة لم تعد قواتها قادرة على إحراز تقدم هجومي كبير. سيهاجم الأوكرانيون تحصينات متقنة ومعقدة، ومن المرجح أن يكون دفاع روسيا أفضل من هجومها.

وعلى رغم ذلك، يجب أن يحقق هذا الهجوم الأوكراني مكاسب كبيرة، وتواصل كييف سجلها الحافل بتغيير وجهات نظر الأطراف الخارجية حول النتائج المحتملة في نهاية المطاف (في وقت سابق من الصراع، كنت من بين أولئك الذين اعتقدوا أنه من المنطقي أن تطمح أوكرانيا للعودة إلى وضعيتها في 2022 وليس تلك التي كانت عليها في عام 2014 [حينما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم]).

وفي الحقيقة، لا يعتقد المسؤولون في كييف أن هذه الحملة وحدها يمكنها إنهاء الحرب. وفي ذلك السياق، أشار وزير الخارجية دميترو كوليبا إلى أن “هدفنا هو طرد روسيا بالكامل من الأراضي الأوكرانية. إذا حقق الهجوم ذلك، فسيكون الأخير، وإذا لم يفعل، سنشن غيره. وإذا قطعت إمدادات الأسلحة المرسلة إلينا، فستتحول أوكرانيا إلى خوض الحرب بحدة أقل. لن نستسلم. لن نقبل بخسارة أي من أراضينا”.

وقد كرر ذكر هذه النقطة فيتالي كليتشكو، عمدة كييف وبطل العالم السابق لملاكمة الوزن الثقيل. وبحسب كلماته، “يتمثل الهدف في حدود عام 1991، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. ربما سنتمكن من تحقيق هدفنا هذا العام، وربما لا. يمكننا أن نأمل، لكن علينا الاستمرار. إنها مجرد مسألة وقت قبل أن تنهار روسيا”. وتماماً مثل الروس، يرى الأوكرانيون أن الحرب ليست مجرد اختبار للسلاح بل إنها اختبار للإرادات، بالتالي، فإنهم مقتنعون بأن لديهم الأفضلية في كليهما.

البعبع النووي

يشعر عدد من المراقبين الخارجيين بالقلق مما قد يفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل حدوث مثل هذا الانهيار، كاللجوء مثلاً إلى استخدام الأسلحة النووية.

كتبت العالمة السياسية نينا تاننوالد في فبراير (شباط) 2023، “يقترح بعض المحللين الغربيين أنه يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كشف خدعة الكرملين، من خلال دعم الأوكرانيين بشكل صريح وطرد القوات الروسية من أوكرانيا”، واصفة ذلك بأنه “نهج لا يكترث لخطر التصعيد النووي”.

وزعمت أن النهج المناسب للتعامل مع المخاطر، يفترض التفكير بأنه في “ظل الأسلحة النووية” يجب تقييد خيارات أوكرانيا، ما يعني أن “تحقيق نتيجة جيدة لكييف سيكون أكثر صعوبة، وحتماً أقل إرضاء”.

ووافق شاراب وبريبي على ذلك فكتبا، “إن استخدام روسيا للأسلحة النووية في هذه الحرب أمر ممكن”، ويجب أن تشكل محاولة منعه “أولوية قصوى بالنسبة إلى الولايات المتحدة”. واستطراداً، أكد العلماء روز ماكديرموت وريد بولي وبول سلوفيتش أن بوتين مصمم على القتال حتى الرمق الأخير بغض النظر عن الكلفة، وأنه “رجل سيجعل البشرية تندم لأنها لم تبعده عن أكثر أسلحتها فتكاً”.

وبالتأكيد، بدأت تثبت صحة ذلك بالفعل، لكن بالاسترجاع، نجت البشرية سابقاً من وجود تلك الأسلحة في أيادي أشخاص أسوأ بكثير وأقل استقراراً، من الديكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين إلى الطاغية الصيني ماو تسي تونغ إلى سلالة كيم الوحشية في كوريا الشمالية، ولا يوجد سبب يدفع للاعتقاد أن النمط السائد بعد عام 1945 المتمثل في عدم استخدام الأسلحة النووية سيتغير. وسيتحمل الأوكرانيون أنفسهم وطأة أي هجوم نووي. إنهم يعرفون كل شيء عن الخطوط الحمراء الروسية المفترضة لكنهم أقل قلقاً من نظرائهم الأميركيين والأوروبيين في شأن تجاوز تلك الخطوط.

واستكمالاً، أوضح المسؤول العسكري الأوكراني الكبير، “من الناحية المهنية، أنا مضطر للقلق في شأن الأسلحة النووية، لكنني لا أرى احتمالاً كبيراً بأن يحصل ذلك”. على نحو مماثل، يعتقد كوليبا أن “الردع النووي نجح في الماضي، وسيتسمر في النجاح”. [يعني ذلك أن امتلاك الغرب للأسلحة النووية يردع روسيا عن استخدام النووي في الحرب الأوكرانية].

وفي المقابل، بدا ريزنيكوف أكثر صراحة، “أنا متأكد من أن التهديد النووي مجرد خدعة. أسلحتهم قديمة، وموسكو لا يمكن أن تكون أكيدة من أن هذه الأسلحة ستعمل. وقد طلب منهم الصينيون والهنود عدم اللجوء إلى الأسلحة النووية. ولا يوجد مكان لاستخدامها، إذ إن استعمالها في ساحة المعركة سيؤذيهم بقدر ما سيؤذينا، واستخدامها العام والواسع سيثير الانتقام وينهي أي فرصة للتفاوض”.

تعتبر واشنطن أن غياب الاستخدام النووي الروسي حتى الآن يشكل انتصاراً لسياستها في إدارة المخاطر. في منحى مقابل، ترى كييف أنه تأكيد على أن ذلك التهديد ثانوي بالأصل. لقد تسبب الأوكرانيون في سقوط مئات الآلاف من الضحايا الروس في الحرب وتكبدوا العدد نفسه من الإصابات تقريباً. ولا يعتقد الأوكرانيون أن موسكو تكبح الخيارات العسكرية الفاعلة أو تحد من وحشيتها، بل يرون فيها عدواً يستعمل بشكل يائس كل الوسائل التي يعتقد أنها قد تنجح في القتال.

من وجهة نظر كييف، ظل الصراع تقليدياً لأن الأسلحة النووية ليست أدوات مفيدة في الحرب بشكل متميز، خصوصاً في القتال على مسافات قريبة من الأراضي المجاورة والشعوب الصديقة التي تحاول موسكو إنقاذها ظاهرياً. لن يتغير شيء من تلك الصورة بسبب النجاحات العسكرية التقليدية في كييف. ولن يقلب تنفيذ موسكو تهديداتها مسار القتال بالضرورة، فيؤدي إلى انتصار روسي.

باختصار، يرى الأوكرانيون فجوة بين الوقائع الملموسة للوضع الروسي واعتراف الكرملين بتلك الوقائع. يجب أن تؤدي الأشهر القليلة المقبلة من القتال إلى تقليص هذه الفجوة، وعندئذ ستصبح الأمور مثيرة للاهتمام.

تصور عن الأداء في المرحلة النهائية

وفق ما صرح به المسؤول العسكري الكبير، “لن تكون هذه المعركة الأخيرة في الحرب”. وسيكون على روسيا أن تعاني أكثر كي تقر بالهزيمة. ولن تنتهي الحرب حتى بعد أن نحصل على كامل أراضي عام 1991، إذ سيبقى بالقرب منا جار عدو. لا تقتصر نهاية هذه الحرب على طرد روسيا واستعادة أراضينا فحسب، بل إقناع روسيا بعدم التفكير في محاولة فعل ذلك مرة أخرى بعد بضع سنوات. وليست لدينا أي نية لتوريث هذه الحرب إلى أطفالنا”.

إذاً، ما بدا كأنه مجرد تبجح وتظاهر بالشجاعة قبل عام ونصف، يبدو الآن كأنه خطة استراتيجية معقولة. حينما ينتهي هذا الهجوم، من المحتمل أن تكون أوكرانيا قد اخترقت الخطوط الروسية، واستعادت أجزاء كبيرة من الأراضي، ووضعت نفسها في موقع يخولها على المدى الطويل تهديد المناطق المتبقية الخاضعة لسيطرة روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. بعد ذلك، يجب على أصدقاء كييف تحضير أوكرانيا لشن هجمات مستقبلية يمكن أن تعيد إليها جميع أراضيها المعترف بها دولياً.

واعتماداً على التوقيت الذي تقرر فيه روسيا تقليص خسائرها، قد يؤدي ذلك إلى أي من السيناريوهات الثلاثة التي قد تسمى “مصر 1973″ و”كوريا 1951″ و”كوريا 1953”.

في حرب “يوم الغفران”، ساعدت الولايات المتحدة إسرائيل في التفوق على مصر وسوريا، ثم استخدمت هذا التهديد كي تحظى بتأثير دبلوماسي مهم. وعلى حد تعبير كيسنجر في حديث مع نيكسون، “الآن، تتمثل الاستراتيجية الدبلوماسية في وقف إطلاق النار والسعي إلى ربطه بشكل فضفاض بتسوية دائمة. ومن أجل ممارسة ضغط، سنبدأ في بذل جهود إمداد ضخمة ونوقفها بمجرد وقف إطلاق النار”. حينما وصل الإسرائيليون إلى قناة السويس وحاصروا القوات المصرية هناك، توسطت واشنطن في صفقة وضعت حداً للقتال، وسمحت للقوات المصرية بالنجاة، وانتقلت بسلاسة إلى مفاوضات سلام أوسع، ما أدى في النهاية إلى تسوية ظلت تشكل أساس الأمن في المنطقة منذ ذلك الحين.

وعلى غرار المصريين في عام 1973، قد تستجيب حكومة عقلانية في موسكو اليوم لإمكانية وقوع كارثة عسكرية وشيكة من خلال قبول الواقع والموافقة على مفاوضات جادة، فتقايض إنهاء القتال والاعتراف بمكاسب أوكرانيا والمخاوف الأمنية المستقبلية، بمعاهدة صداقة روسية- أوكرانية جديدة مثلاً تسمح لموسكو بمواصلة نشر أسطولها في البحر الأسود في شبه جزيرة القرم. يبدو من المستبعد أن يبرم النظام الروسي الحالي مثل هذا الاتفاق، لكن هذا ليس مستحيلاً.

على رغم ذلك، قد لا يكون التهديد الحقيقي باستعادة جميع الأراضي الأوكرانية كافياً لإحداث تغيير حقيقي في موقف موسكو. وفي هذه الحالة سيكون من الضروري تنفيذ التهديد، في ظل استمرار واشنطن وشركائها في دعم أوكرانيا إلى أن تستعيد قواتها حدود عام 1991. وسيؤدي هذا إلى إطلاق السيناريوهين الافتراضيين اللذين يرددان صدى الحرب الكورية، ويبدأ كلاهما بالعودة إلى الوضع الإقليمي السابق على الحرب.

حينما هاجمت القوات الكورية الشمالية خط العرض 38 في يونيو (حزيران) 1950، دعمت الولايات المتحدة كوريا الجنوبية وقادت عملية نفذتها الأمم المتحدة “من أجل صد الهجوم المسلح واستعادة السلام والأمن الدوليين في المنطقة”. بعد ذلك، تغيرت موازين الحرب بشكل متكرر في الأشهر التي تلت ذلك. ومع حلول أوائل صيف عام 1951، بدأت خطوط المواجهة تستقر حول مواقع المتحاربين الأصلية، وقررت إدارة ترومان أنها ستكون الأمكنة المنطقية لإنهاء القتال.

ووفق كلمات وزير الخارجية دين أتشيسون الموقف الأميركي في يونيو 2023، “يتمثل هدفنا في وقف الهجوم وإنهاء العدوان، وإعادة السلام، وتوفير ضمانات تحول دون تجدد العدوان. وعلى حد فهمي، أنها أيضاً تمثل الأهداف العسكرية التي تقاتل قوات الأمم المتحدة في سبيلها”.

في 23 يونيو، اقترح السفير السوفياتي لدى الأمم المتحدة، ياكوف ماليك، في خطاب إذاعي، أن يوافق الطرفان على هدنة عند خط عرض 38، وبعد أسبوعين بدأت مفاوضات وقف إطلاق النار المباشرة بين المتحاربين. بعد مرور عامين آخرين من القتال، جرى التوقيع، أخيراً، على هدنة جمدت الحرب على طول خط التماس نفسه تقريباً.

في أوكرانيا، سيشمل سيناريو “كوريا 1951” استعادة كييف لكل أراضيها ثم الحفاظ عليها وحمايتها من هجمات العدو المتجددة، وخوض حرب مفتوحة لتأمين مكاسبها مع الاستعداد للتوقف حينما يكون الروس مستعدين لذلك. في النهاية، يمكن أن يتطور ذلك إلى سيناريو “كوريا 1953″، تتفق بموجبه جميع الأطراف على أن الكيل قد طفح وتتحرك لتنظيم تسوية تفاوضية تضمن العودة إلى الوضع الإقليمي السابق. في هذه المرحلة، يمكن لأصدقاء أوكرانيا مساعدتها على الصمود والازدهار على المدى الطويل، ما يوفر طريقاً في نهاية المطاف إلى العضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وضم أوكرانيا إلى أوروبا بشكل محكم وبصورة حاسمة.

إلى متى يستمر القتال

استطراداً، يكمن السبب الجذري للحرب في رفض روسيا قبول فكرة تفكك الاتحاد السوفياتي، وسعيها لاستعادة إمبراطوريتها السابقة بالقوة. لن يكون لهذه المشكلة حل كامل إلا حينما تتقبل موسكو أن إمبراطوريتها قد ولت إلى الأبد وتعيد التكيف مع الحياة كدولة طبيعية عوضاً عن أداء دور كيان متوحش دولياً.

إلى أن يأتي ذلك اليوم، لن تكون الهدنة على النمط الكوري نموذجاً سيئاً لأوكرانيا. وأخيراً، أشار شاراب إلى أنه “خلال الـ70 عاماً تقريباً التي مضت منذ ذلك الحين، لم تندلع أي حرب أخرى في شبه الجزيرة. في هذه الأثناء، خرجت كوريا الجنوبية من الدمار الذي حدث في خمسينيات القرن الماضي كي تصبح قوة اقتصادية، ثم ديمقراطية مزدهرة في النهاية. إن أوكرانيا ما بعد الحرب التي تتمتع بالرخاء والديمقراطية بطريقة مشابهة، مع التزام غربي قوي بأمنها، ستمثل نصراً استراتيجياً حقيقياً”.

لكن ما غفل عنه شاراب أن ذلك لا يعني مكافأة الطرف المعتدي من خلال ترك موسكو مع مكاسب إقليمية كبيرة في أوكرانيا، لأنه لم يسمح لكوريا الشمالية بالاحتفاظ بأجزاء من كوريا الجنوبية. والجدير بالذكر أن التشبيه الكوري لا يدعم الحجة التي تطالب ببدء المفاوضات الآن، بل على العكس من ذلك، إنه يدعم الرأي الداعي إلى دفع الجنود الروس إلى الخلف مرة أخرى وراء الخط الفاصل الذي كان مرسوماً قبل الحرب، والاستمرار في مقاتلتهم من ذاك المكان إلى أن يتقبلوا أن نتيجة المعركة تتمثل في التعادل، ثم حماية هذا الخط ومنعهم من عبوره مجدداً.

وبأبسط عبارة، يجب أن يستمر القتال إلى أن تتقبل موسكو أنها لا تستطيع تحقيق مكاسب على الأرض بالقوة العسكرية. وقبل الوصول إلى نقطة التحول النفسي تلك، لن يكون أمام أوكرانيا وداعميها سوى خيار الاستمرار في إحباط روسيا عسكرياً. ومن المستطاع رفع العقوبات والقيود الأخرى حينما تضحى روسيا مستعدة لقبول مثل هذه النتيجة. وقبل ذلك الحين، سترهق نفسها أكثر من دون جدوى، وتصبح دولة خامدة على هامش العلاقات الدولية، مقيدة بخط دفاعي قوي يمتد من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، كأنه ستار حديدي جديد لا يهدف إلى إبقاء الدول الأسيرة في الداخل بل إلى إبقاء آسريها المحتملين في الخارج.

لقد تعرضت ألمانيا للهزيمة في حربين عالميتين قبل أن تفهم رسالة مفادها أن العدوان لا يثمر. وكي تتعلم روسيا الدرس نفسه، قد يتطلب الأمر هزيمة ليس في أوكرانيا فحسب بل أيضاً في الحرب الباردة الثانية. حتى ذلك الوقت، يجب حراسة الجدار [الستار الحديدي]. تماماً مثل المرة الماضية. وقد تمر سنوات قبل تحقيق نتيجة مرضية، مع معاناة كلفة باهظة بالنسبة إلى أوكرانيا وشركائها الغربيين. في المقابل، فإن كلفة عدم الإحجام عن فعل ذلك ستكون أعلى، ليس على أوكرانيا فحسب بل جميع دول أوروبا والعالم.

حرب ما بعد الحرب

بهدف إنهاء الصراع الأكبر، يجب أن تستمر روسيا في التطور. وكذلك الأمر بالنسبة إلى أوكرانيا، إذ إن الديمقراطية الداخلية تشكل الجبهة الثانية للحرب، وسيستمر الصراع هناك لفترة طويلة بعد صمت دوي المدافع في الشرق والجنوب. في الواقع، فإن مقدمي المساعدات الخارجية محقون في الاهتمام بالفساد والمساءلة. والأوكرانيون يفعلون ذلك أيضاً.

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، كتب الصحافي الأوكراني مصطفى نعيم منشوراً على “فيسبوك” يدعو الناس للانضمام إليه في الشوارع من أجل الاحتجاج على تخلي الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش عن شراكة ناشئة مع أوروبا. وأثار ذلك ما أصبح يعرف باسم “ثورة الميدان” التي جسدت انتفاضة شعبية جماهيرية أطاحت نظام يانوكوفيتش.

وبعد مرور عقد من الزمان، تولى نعيم الذي أصبح الآن عضواً في البرلمان، رئاسة “الوكالة الحكومية الأوكرانية لإعادة إعمار وتطوير البنية التحتية” State Agency for Restoration and Infrastructure Development وصار من الشخصيات الرئيسة التي تدير إعادة إعمار أوكرانيا.

ووفق كلمات نعيم “فإن هذه الحرب هي الرد الروسي النهائي على الميدان الأوروبي. إنها استمرار وتتويج لنضال أوكرانيا في سبيل الاستقلال والحرية. نحن نهرب من ماضينا، والفساد جزء منه. وبالتالي، يعتبر الإصلاح أمراً ضرورياً، وليس إعادة الإعمار فحسب. إذا لم يجر الوفاء بوعودنا المحلية، فستندلع ثورة ميدان أخرى بعد النصر”.

ويوافق كليتشكو على ذلك، “لا يكفي إعادة إعمار المباني، من المهم بناء سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية. نحن في حاجة إلى إصلاح قضائي، وإصلاح عسكري، وإصلاح في نظام الشراء. ويتوقع الناس دولة جديدة تكون أفضل من القديمة، بعد الحرب”.

على هذه الجبهة، يتوجب على إدارة بايدن والحكومات الغربية الأخرى أن تكون منفتحة على المتشككين في الحرب وتتبنى مخاوفهم، وتجمع بين المساعدات السخية وتدابير حماية قوية تحدد كيفية استخدام تلك المساعدات. من النادر أن تسمع المستفيدين من المساعدات الأجنبية يتوسلون أن تأتي المعونات المقدمة مصحوبة بشروط، لكن هذا ما يفعله الأوكرانيون، إذ يطلبون أن نكون أصدقاء مخلصين حقاً وندعمهم، لكن مع إلزامهم في الوقت نفسه معايير عالية.

إنهاء المهمة

واستكمالاً، تبدو فكرة أن هذه الحرب تمثل تشتيتاً للانتباه عن مخاوف الأمن القومي الغربي الأخرى الأكثر إلحاحاً وأهمية، بعيدة تماماً عن الحقيقة. بفضل الصراع، يستنزف الناتو قوة عدوه ويتعلم دروساً لا تقدر بثمن حول طبيعة القتال الحديث، سواء تعلق ذلك بكمية العتاد المطلوب أو أهمية المزج بين التكنولوجيا التجارية والعسكرية أو الحاجة إلى الابتكار المستمر وتطوير الأسلحة السريعة.

ويشكل النجاح في ساحة المعركة أفضل دعاية لأي نظام أسلحة. وسيترجم أداء أوكرانيا بزيادة الطلب على المدفعية الغربية المتطورة والدروع والدفاعات الجوية. كشفت الحرب عن أوجه قصور دراماتيكية في القاعدة الصناعية الدفاعية الغربية. ولحسن الحظ، جاء ذلك في الوقت المناسب لإصلاحها قبل أن يصبح الوضع حرجاً حقاً بالنسبة إلى أمنها. ويصاحب الصواب أولئك الذين يشتكون من عدم وجود ذخيرة كافية للدفاع عن أوكرانيا وتايوان والولايات المتحدة في الوقت نفسه لكن حل المشكلة لا يكمن في عزل أوكرانيا وقطع الإمدادات عنها، بل إنتاج كميات أكبر. سيتطلب ذلك إصلاح المؤسسات المتصلبة وممارسات الشراء غير المجدية، هذه المرة في واشنطن وليس في كييف.

وسيتعين على وزارة الدفاع تغيير التصنيف النظري الذي أعطته للصراع في أوكرانيا وتعلم الدروس المناسبة، إذ يشكل هذا الصراع مصدر تحذير لا الإزعاج. وفي الوقت نفسه سيتعين على مؤيدي الحرب في الإدارة والكونغرس تأمين تمويل طويل الأجل يكون كافياً لاستعادة خطوط الإنتاج المحلية للمواد الأساسية التي تشمل المدافع والدبابات والقذائف والطائرات المسيرة والصواريخ والطائرات. تجسد هذه الحرب القضية الأكثر إلحاحاً وأهمية على أجندة الأمن القومي، وعلى الحكومات الغربية أن تتعامل معها على هذا الأساس.

في الحقيقة، يدرك التايوانيون، على غرار الأوكرانيين، أن أفضل خدمة لأمنهم تتمثل في إجبار روسيا على العودة إلى الوضع السابق، بغض النظر عن الكلفة. ووفق ما أوردته أخيراً هسياو بي كيم، سفيرة تايوان بحكم الأمر الواقع لدى الولايات المتحدة، في حديث مع الصحافيين، “أعتقد أن الرد على العدوان يشكل الرسالة الرئيسة التي ستساعد على ردع أي تفكير أو سوء تقدير بأن الغزو يمكن أن يحدث من دون عقاب، ومن دون كلفة، وبطريقة سريعة. يجب أن نحرص على أن يفهم ذلك أي شخص يفكر في إمكانية شن غزو. ولهذا السبب، فإن نجاح أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد العدوان مهم جداً بالنسبة إلى تايوان أيضاً”.

يجب أن يوافق على ذلك صقور الصين في واشنطن، عوضاً عن تصوير الصراع الأوكراني على أنه حرب خطأ، في المكان الخطأ، وفي الوقت الخطأ، مع العدو الخطأ [بمعنى إعطاء الأولوية للصراع مع الصين وأزمة تايوان].

ومهما بدا هذا الاحتمال بعيداً، فإن ما ابتدأ كتحد للنظام العالمي الذي ترعاه الولايات المتحدة، يؤدي في الواقع إلى إحيائه وتجدده، بفعل ما قد يؤكده الانتصار الأوكراني بقوة. في أوكرانيا، لا تفرض الولايات المتحدة إرادتها من جانب واحد على دول أخرى، بل تقود تحالفاً واسعاً من أجل استعادة  النظام الدولي. إنها لا ترتكب جرائم الحرب بل تمنع وقوعها، ولا تتصرف كشرطي دولي أو متنمر عالمي بل كترسانة للديمقراطية. وقد فعلت ذلك بفعالية وكفاءة، من دون إطلاق رصاصة واحدة أو فقدان جندي واحد. واستطراداً، مثل الجهد المبذول حتى الآن نموذجاً عن كيفية دمج القوة الصلبة والناعمة في استراتيجية واحدة. والآن، حان الوقت لإنهاء المهمة.

نسخة معدلة عن المقال الذي ظهر في 13 يونيو (حزيران) 2023

ذكرت نسخة سابقة من هذا المقال أن صموئيل شاراب وميراندا بريبي أشارا إلى أن واشنطن “يجب أن “تضع شرطاً بأنها لن تقدم مساعدة عسكرية مستقبلية إلا في حال التزام أوكرانيا المفاوضات””، لكن ما كتباه فعلياً هو أن واشنطن “يمكن” أن تفعل ذلك، لذا تم تحديث النص.

* جدعون روز، زميل “ماري وديفيد بويس المميز في السياسة الخارجية الأميركية” ضمن “مجلس العلاقات الخارجية”، ومؤلف كتاب “كيف تنتهي الحروب، لماذا نخوض دائماً المعركة الأخيرة؟”

فورين أفيرز مايو (أيار)/ يونيو (حزيران) 2023

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى