يكشف تسارع التطبيع مع النظام السوري إثر الزلزال والتطورات السياسية المتلاحقة عن مسعى دولي تقوده الدول التي انخرطت في التطبيع والتي لم تنخرط بعد يهدف لترسيخ تقسيم سوريا عبر الحفاظ على النظام.
وتؤكد معظم مراكز الدراسات أن الحرب السورية تحولت إلى “صراع مجمد”، وتعمل الدول التي تدخلت في الحرب على تعزيز هذا الوضع مع محاولة إحداث تغيير غير مكلف يناسب أهدافها الاستراتيجية.
وتدرك جميع الدول المنخرطة في سوريا أن النظام بشكله الحالي لن يستطيع السيطرة على كامل البلاد، ويقتصر تحقيق ذلك على حكومة تحظى بشرعية تستند إلى إرادة السوريين جميعا، وهو شرط بات بعيدا بعد بدء مسار التطبيع.
ولا يخرج التطبيع العربي مع النظام وعودته إلى الجامعة العربية عن الخط الذي ترسمه واشنطن في سوريا، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأميركي بلينكن في زيارته الأخيرة للسعودية حين قال تعليقا على التطبيع السعودي مع النظام “نتفق مع شركائنا هنا حول ماهية هذه الخطوات، وعلى الأهداف النهائية”.
ويؤكد تصريح بلينكن حصول السعودية والدولة العربية المطبعة على ضوء أخضر أميركي للتوجه إلى النظام، وفي حين تغيب أهداف السعودية من التطبيع الذي حصل بلا مقابل على ما يبدو، تظهر أهداف أميركية في سوريا تتجاوز محاربة داعش ومنع روسيا وإيران والنظام من الانتصار.
كما تؤكد تصريحات بلينكن من الرياض ما نشره تلفزيون سوريا عن تبني تيار من إدارة بايدن يقوده منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، مقاربة تتضمن عدم عرقلة التطبيع العربي مع النظام السوري بشرط أن يكون منسقاً مع الإدارة الأميركية الحالية، ويخدم أهدافها وعلى رأسها تسوية الوضع القانوني للإدارة الذاتية عبر إقرار نظام حوكمة لا مركزي.
ولا يمكن إغفال أن المسار السعودي في التطبيع مع النظام انطلق عقب زيارة ماكغورك في 13 نيسان إلى الرياض على رأس وفد أميركي رفيع حيث تلا الزيارة بأيام قليلة توجه فيصل بن فرحان إلى دمشق.
وأقدمت واشنطن على تحركات بعد عودة النظام للجامعة العربية تثبت توجهها إلى تعزيز وجودها في شمال شرقي سوريا وفي قاعدة التنف جنوبا لمواجهة إيران وروسيا اللتين بدأتا بشكل واضح خططاً مشتركة لمحاصرة الوجود الأميركي ودفع قوات واشنطن خارج البلاد.
وكشفت صحيفة واشنطن بوست مؤخرا عن مساع إيرانية في سوريا لتطبيق استراتيجية العبوات الناسفة التي استخدمت ضد القوات الأميركية عقب الغزو الأميركي للعراق.
وذكرت الصحيفة أن روسيا لم تكن منخرطة بشكل مباشر في المخطط الذي شمل تصنيع عبوات ناسفة خارقة للدروع تم تجربته في ريف دمشق في بداية العام ونقل ثلاث قنابل منها إلى شرق الفرات عبر عناصر من فيلق القدس، لكن التصعيد الروسي ضد واشنطن كان متزامنا معه حيث خرقت طائرات روسية المجال الجوي فوق القوات الأميركية في التنف وشرق الفرات عشرات المرات من دون الرد على خط منع التصادم.
وتمثل الرد الأميركي على القصف بطائرات مسيرة ومخطط العبوات الناسفة الإيرانية بالإيعاز لـ”جيش سوريا الحرة” في التنف لزيادة وتيرة الهجمات على الميليشيات الإيرانية في البادية السورية وبادية دير الزور بالأخص خلال الأشهر الماضية، وكان آخرها قبل أيام حيث قتل عنصران ليل الخميس في جبل البشري ويتهم النظام داعش بالهجمات لكن مصادر خاصة أكدت لتلفزيون سوريا أن القوات المدعومة أميركيا هي المسؤولة عن الهجمات وأنهم وصلوا إلى مشارف مدينة البوكمال واستهدفوا الإيرانيين أكثر من مرة.
في نفس السياق نشرت الولايات المتحدة شمال شرقي سوريا منظومة هيمارس الصاروخية لأول مرة ولم تستخدمها شرق الفرات خلال الحرب على داعش حيث اقتصر العتاد العسكري البري على مدافع هاوتزر وهمرات ومدرعات برادلي التي دخلت في عهد ترامب لحماية حقول النفط حينها. واستخدمت هيمارس في التنف 2017 عندما كانت إيران تحاول دخول منطقة 55 ونفذت أكثر من هجوم ضد القوات الأميركية والبريطانية هناك.
ويقول ريان بول، وهو محلل متخصص بقضايا الشرق الأوسط لدى شركة استخبارات المخاطر rane لمجلة فوربس “يبدو هنالك رغبة شديدة لدى الولايات المتحدة لتوسيع مهمتها العسكرية في سوريا أكثر مما هي عليه حالياً، إلا أني أرى بأنها تهدف لتذكير خصومها على الدوام بأن بوسع قواتها التقليدية إلحاق خسائر فادحة بهم، حتى لو كان عدد قواتها على الأرض قليلاً”.
وفي نشاط مكثف يبعث رسالة واضحة عن تعزيز واشنطن لقواتها في المنطقة أجرت قوات التحالف منذ بداية حزيران 8 تدريبات عسكرية مشتركة مع قسد وجيش سوريا الحرة بعضها كان بالذخيرة الحية مع مشاركة القوات الجوية وآخرها السبت في منطقة الحسكة والدرباسية.
وتزامنت التدريبات مع انعقاد مؤتمر وزراء خارجية التحالف الدولي في الرياض حضره بلينكن وتعهدت الدول المشاركة بـ 600 مليون دولار لدعم المناطق المحررة من داعش في سوريا والعراق، واللافت في بيان التحالف وصفه لقوات سوريا الديمقراطية بـ الشرعية، حيث جاء فيه تأكيدا على “أهمية تخصيص الموارد الكافية لدعم التحالف والشركاء الشرعيين”.
ولفت البيان إلى أهمية ما سماها “الحلول الدائمة” للسكان في شمال شرقي سوريا، بما في ذلك ضمان إيواء عناصر داعش المحتجزين بشكل “آمن وإنساني”، ومحاسبة الجناة منهم، وأغفل المطلب المتكرر في كل اجتماعات التحالف السابقة بضرورة استعادة الدول لمواطنيها من عناصر داعش المحتجزين لدى قسد.
وأعلنت الإدارة الذاتية بشكل مفاجئ عقب المؤتمر بدء محاكمة العناصر الأجنبية من التنظيم وهو الملف الأكثر تعقيدا شرق الفرات، ويمثل صمت 60 دولة عن محاكمة قسد لمواطنيها اعترافا رسميا بشرعيتها. ولا يخرج هذا الإعلان بلا موافقة أميركية فالإدارة الذاتية لديها محاكم محلية منذ العام 2014 لكنها لم تقدم على مقاضاة أي عنصر أجنبي. وكان العراق قد طلب 10 مليارات دولار في عام 2019 لنقل عناصر داعش الأجانب من سوريا وعرضهم على محاكمه كأحد الحلول المقترحة لمشكلة الهول.
وعلم تلفزيون سوريا من مصادر محلية أن التحالف طلب من قيادات قسد إجراء اجتماعات مكثفة مع زعماء العشائر في المنطقة للوقوف على مطالبهم، وأن الأخيرة بدأت بالفعل هذه المشاورات مع محاولة استبعاد الشخصيات التي لا تكن الولاء المطلق لها.
كما وردت أنباء عن استعدادات لعقد مؤتمر في السعودية يضم سوريين عنوانه الرئيسي مناطق شمال شرقي سوريا، ولم تحدد طبيعة الشخصيات التي ستحضر المؤتمر بعد، فضلا عن نية الإمارات المشاركة بقوات برية مع التحالف في المنطقة.
يضاف إلى ما سبق اجتماع التحالف مع قوات الصناديد العربية المنضوية ضمن قسد ومطالبتها بالتنسيق مع جيش سوريا الحرة في التنف لـ “ضمان أمن الحدود” واتخاذ تدابير ضد الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وتزامن الاجتماع مع حديث عراقي عن بناء قوات أميركية 3 نقاط ارتكاز جديدة على الحدود العراقية من جهة سوريا.
النفط عامل استقرار
وأمام التطورات التي تحصل في شمال شرقي سوريا ظهرت مبادرة مدنية بقيادة رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري والتي تضم منظمات المجتمع المدني السورية المعارضة، ولا يمكن استبعاد انضمام منظمات من شمال شرقي سوريا تحت هذه المظلة ولا سيما أن فكرة وجودها قد طرحت قبل انطلاق المؤتمر الأول.
وبحسب مراقبين ينصب اهتمام الأصفري بنفط المنطقة الشرقية، ففي آذار 2016 قفزت أسهم شركة “غلف ساندز بتروليوم” البريطانية بنسبة 70 بالمئة وكان وراء هذا الصعود الأصفري الذي اشترى 10 بالمئة من قيمة الشركة، وتزامن ذلك مع تفاؤل بمفاوضات جنيف التي عقدت للمرة الأولى بعد التدخل العسكري الروسي، ووسط توقعات برفع العقوبات عن قطاعات النفط ما يعني استئناف الشركة استثماراتها النفطية في الحقول السورية.
وظهرت “غولف ساندز” على الساحة السورية مع الاستثناء الذي منحه ترامب لشركة “دلتا كريسنت إنيرجي” عام 2019 لاستثمار في النفط السوري، وهي شركة صغيرة كان أحد مؤسسيها جون دورييه جونيور المسؤول التنفيذي السابق في شركة “غلف ساندز”. لكن إدارة بايدن ألغت الاستثناء في أيار 2021 وقال مسؤول أميركي حينها “لسنا هناك من أجل النفط، نحن في سوريا من أجل الناس”.
وعاودت “غلف ساندز” الظهور في تموز 2022 عبر تقديمها مقترح “النفط مقابل الغذاء” وقال عضو الشركة، جون بيل، إن المبادرة تهدف إلى عودة شركات النفط الدولية للعمل، مع إيداع عائدات مبيعات النفط في صندوق يُدار دولياً بإشراف الأمم المتحدة، لتمويل مشاريع إنسانية واقتصادية وأمنية في سوريا، بدلاً من منح الأموال للنظام لكن المبادرة لم تجد قبولا.
وفشلت كل محاولات استثمار نفط شرق الفرات بشكل شرعي أو على الأقل باعتراف رسمي من الولايات المتحدة. لكن أي محاولة لإعادة الاستقرار شرق الفرات تتطلب وضع خطة بعيدة المدى تقدم ضمانات أمنية للشركات الدولية التي ترغب بدخول الحقول السورية، ويرى خبراء أن هناك فرصة كبيرة أمام الأصفري بعد عودته إلى العمل السياسي لتنفيذ مبادرة تخرج النظام من حسابات نفط شرق الفرات.
المخفر المتقدم
في شمال غربي سوريا وإدلب التي وصفتها مستشارة بشار الأسد لونا الشبل بـ “مخفر متقدم” يلهي النظام عن المعركة الأساسية شرق الفرات، لا يوجد أي مؤشر على أن تركيا ستسحب قواتها من المنطقة إثر مفاوضات مع النظام، وكانت تصريحات الرئيس التركي قبل ساعات من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية واضحة في هذا الخصوص.
وفي نفس الوقت ظهر وزير الداخلية السابق سليمان صويلو في جرابلس ليعلن بدء تنفيذ مشاريع سكنية بدعم قطري لإعادة مليون لاجئ سوري، وقبل أن يغادر والي غازي عنتاب المنطقة لاستلام منصب ولاية إسطنبول زار جرابلس أيضا. كل ذلك يبعث رسائل فحواها أن تركيا ستطلب الكثير مقابل سحب جندي واحد من سوريا، وأن مفاوضات أنقرة مع النظام لن تتعدى تثبيت الوضع الراهن والنظام أيضا الذي يخدم الأهداف التركية في إدلب وقد يدعمها شرق الفرات أيضا.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تركيزا تركياً على استقرار المنطقة الواقعة تحت سيطرتها بشكل أكبر، وذكرت مصادر لتلفزيون سوريا أن هيئة تحرير الشام بدأت مفاوضات اقتصادية مع قسد وأن الحديث وصل إلى مستوى تشكيل إدارة مدنية مشتركة، وتستبق الخطوة احتمالية حصول تفاهم بين أنقرة وواشنطن على إدارة شرق الفرات وهو غير مستبعد مع تولي إبراهيم كالن رئاسة الاستخبارات وهو الأقرب إلى الولايات المتحدة من أعضاء الحكومة التركية السابقة.
حزام في الجنوب
مثلت قاعدة التنف الإزعاج الأكبر لروسيا منذ سيطرة الولايات المتحدة عليها ولا يمر شهر حتى يذكرها المسؤولون الروس بتصريح يصفها بقاعدة تنظيم الدولة، حتى إن الطائرات الروسية المحملة بالذخائر اخترقت أجواءها منذ بداية العام أكثر من 40 مرة.
وتدرك كل من روسيا وإيران الأهمية الاستراتيجية لقاعدة تقع على مفترق طرق بين الأردن وسوريا والعراق، وباتت تشكل غرفة عمليات في الجنوب السوري حيث تنسق معها فصائل في محافظتي السويداء ودرعا فيما يتعلق بمكافحة تهريب الكبتاغون وهي الذريعة التي استخدمتها الأردن لإعادة وصايته على الجنوب.
وشكلت الغارات الأردنية على مصنع للكبتاغون في أيار الماضي ظهورا علنيا لرغبة الأردن في سيطرة غير مباشرة على الطرف المقابل من الحدود السورية ويدعمه في ذلك روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل التي تريد إبعاد إيران عن المنطقة.
وعززت الأردن الاتصال والتنسيق مع فصائل الجنوب لوقف تصدير الكبتاغون. لكن مع استمرار التهريب ووجود مئات آلاف اللاجئين السوريين في الأردن الذين لم يُعدهم التطبيع مع النظام، قد تخطط عمان لـ “منطقة عازلة” تحمي حدودها وتشكل نقطة جذب للاجئين السوريين كما في الشمال السوري.
إنعاش النظام
تولت الولايات المتحدة وأوروبا مهمة إنعاش مناطق سيطرة النظام ولا يخفى على أحد أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هي أكبر المساهمين لبرامج الأمم المتحدة التي تنشط في حلب ودمشق وحماة والسويداء وتدعم التعليم، والصحة، والغذاء وتنشر تقارير دورية عن مساهمتها.
ولم يجد المسؤولون الأوروبيون حرجا من دعم مناطق سيطرة النظام خصوصا بعد كارثة الزلزال وهدفهم الأول هو تجنب انهيار مفاجئ يسبب موجة لجوء هم بغنى عنها بحسب ما قاله دبلوماسي أوروبي في جلسة مغلقة. وباتت هذه المناطق المصدر الأول للاجئين إلى أوروبا خلال السنوات الماضية، عندما أطلقت شركة أجنحة الشام جسرا جويا إلى بنغازي الليبية ومنه إلى إيطاليا عبر قوارب الموت في رحلة تكلف نحو 5 آلاف يورو، وهو مبلغ أقل بكثير مما يدفعه طالبو اللجوء القادمون عبر تركيا واليونان.
وأدركت دول الاتحاد الأوروبي متأخرة أن الإنعاش المبكر لن يوقف تهديد موجة هجرة من سوريا ولا سيما أن من يمتلك كلفة التهريب لا تثنيه سلة إغاثية عن تكبد عناء ومخاطر الرحلة. لذلك شهدنا اتفاقا أوروبيا على قانون لجوء جديد يحول حدود الاتحاد إلى جزيرة ناورو التي تحتجز أستراليا فيها وبمثيلاتها طالبي اللجوء الواصلين اليها. وينهي القانون الجديد الذي أخذت مفاوضاته سنوات “شبح” هجرة السوريين الذي هددت به روسيا ولبنان وتركيا أوروبا خلال السنوات الماضي.
ديمقراطية البدو
اختار السوريون في 2011 التقدم عشرات الأعوام عبر التخلص من النظام الاستبدادي وتنصيب نظام حكم ديمقراطي مدني لكن إفشال مسعاهم ومحاولة حصرهم في حقبة الدكتاتورية وإغلاق الطريق أمامهم، يترك لهم خيار العودة أكثر إلى الوراء، إلى ديمقراطية البدو، التي تقول عنها الرحالة البريطانية آن بلنت في كتاب عشائر بدو الفرات:
إن النظام السياسي لدى البدو شيء في غاية الأهمية لأنه يعطينا مثالاً واضحاً على الديمقراطية كما ينبغي أن توجد في العالم، وهو ربما المثال الوحيد الذي تمثل فيه شعارات الحرّيّة والمساواة والأخوة أكثر من مجرد تسميات.
الحرية هي فعلاً أساس النظام بكامله، ليست الحرّية الوطنية فحسب، ولكن الحرّيّة الفردية المتحرّرة من قيود الولاء لملك أو دولة ليس على الفرد البدوي أية واجبات، حتى في قبيلته التي لا يمكنه التملص منها بإرادته. في حالة عدم الرّضا، يمكنه الانسحاب من المجتمع الذي ينتمي إليه من دون ملاحقته بالاستفسارات أو الخوف من العقاب يذكرنا موقعه بأحد أفراد النادي السياسي أكثر من أن يكون تابعاً أو مواطناً. وطالما أنه يعيش ضمن قبيلته عليه الالتزام بقوانين محدّدة، ويشارك في كل المداولات الجارية لكن بإمكانه في أية لحظة الانسحاب من سلطتها إذا وجد أن آراءه تحقر أو استقلاله يُقدع. لذلك لا يوجد في البادية من لديه سبب للشكوى ضد الظلم بما أن الدواء في متناول اليد دائماً. وبهذا كثيراً ما يحدث أن يسود رأي جماعة ما في القبيلة، فتعمد الأقلية إلى اعتزال القسم الأعظم من القبيلة والعيش بشكل مستقل، بدلاً من إخضاع رأيهم إلى رأي الأغلبية، ومن دون أن يعاملهم هؤلاء كخونة أو معادين للسلطة. حتى الفرد وحده، يمكن له أن ينفصل من دون توجيه أسئلة إليه، فينصب خيمته حيث يشاء. عندما كنا في مضارب الرولة كانوا مجتمعين بما يقارب اثني عشر ألف خيمة في سهل صَيْقَل (ريف دمشق)، إذ كانت الحرب مستعرة؛ لكنهم أخبرونا أن خمسمئة خيمة قد بقيت في نَجْد عندما توجه معظم أفراد القبيلة نحو الشمال، وذلك بسبب خلاف مع أحد الشيوخ وابن شعلان، الشيخ الأعلى للقبيلة. مع ذلك لم يكونوا يتكلمون بمرارة عن الانسحاب على أنه قد أضعفهم في وقت الخطر، وأيضاً لم يناقشوا أحقية الأقلية في فعل ما يحلو لهم. الفرد إذن هو الأساس الذي ينبغي البدء من عنده لدى استعراض النظام السياسي في البادية”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا