تزخر الجزائر أكبر بلد في أفريقيا بموارد طبيعية هائلة، لكنها “لم تستطع بعدُ، الخروج من دائرة الدول الفقيرة” وفق تحليل أشار إلى هذه المفارقة بمقارنتها بجيرانها، تونس، والمغرب.
وجاء في التحليل الذي نشره موقع “وورلد كرانش”، الخميس، أن ثروة الجزائر الهائلة من الموارد الطبيعية “لم تعد كافية لإخفاء تخلف اقتصاد البلاد عن الجيران المغاربيين، ومن المرجح أن تواجه صعوبات خطيرة في حوالي عام 2028”.
ووفق ذات التحليل، سجلت الجزائر لأول مرة منذ استقلالها في عام 1962، أدنى مستوى للناتج المحلي الإجمالي للفرد ضمن البلدان المغاربية الثلاثة، وذلك خلال عام 2021 “قبل أن يرتفع مجددا بسبب ارتفاع استثنائي وجيز في أسعار المحروقات في العام التالي”.
وشهدت أسعار المحروقات ارتفاعا ملموسا بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، إلى جانب خفض منظمة أوبك و”أوبك بلس” للإنتاج مرات عديدة خلال الأشهر الأخيرة.
بيانات البنك الدولي، التي نقلها التحليل تشير إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الجزائري بلغ 3691 دولارا في عام 2021، مقارنة بـ 3807 دولارا لتونس و 3795 دولارا للمغرب.
واستخرجت الجزائر التي تعتبر أكبر منتج للغاز الطبيعي في إفريقيا وثالث أكبر منتج للنفط، 101 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2021 وحوالي 900 ألف برميل من النفط يوميا في نفس العام،وهو ما يشكل 53 ضعفا من الغاز و 24 ضعفا من النفط مقارنة بتونس، التي تعد مواردها الطبيعية المحدودة أكبر بكثير من المغرب أيضا، الذي لا يملك أي شيء تقريبا.
ووفق التحليل، فإن المغرب وتونس، بتجاوزها الجزائر “قد حققت إنجازا رائعا، نظرا لمواردها الطبيعية المحدودة مقارنة بها”.
“معلومات غير دقيقة”
المحلل الاقتصادي الجزائري، عبد المالك سراي، يرى غير ذلك تماما، بل ويكذب ما جاء في التحليل قائلاً “هذا ليس صحيحاً والمعلومات هذه ليست دقيقة بالمرة”.
ويقول سراي في اتصال مع موقع الحرة، إن الأرقام الواردة في التحليل “كاذبة” وإن واقع الاقتصاد الجزائري الذي “يسير بخطى ثابتة يمكنه أن يفند بسهولة ما جاء في هذا الصدد”.
ويوضح سراي أن الجزائر ومنذ 2019 فتحت عدة ورش وجبهات استثمارية تقدر بمليارات الدولارات، “وهذا لم تتم الإشارة إليه البتة”.
ثم يتابع “لم يعر هذا التحليل التغيرات التي عرفتها الجزائر بخصوص عدد السكان والجهود المرتبطة بالهياكل القاعدية والاستثمارات الهائلة، أي اهتمام”.
وفي إجابته على ما ورد، قال سراي ” الجزائر خصصت زهاء مئة مليار دولار لاستثمارات ومشاريع تسييرية في سنة 2023″ قبل أن يتساءل “من هي الدولة الجارة التي بلغت هذا القدر؟”.
سراي ذهب أبعد من ذلك ليقول “الدول المذكورة لم تصل لهذا الحد أبدا بحسب ما أعرف”.
بعدها، لفت المتحدث إلى أن الجزائر “بلد قارة” وفق وصفه وهو ما يجعل الجهود والاستثمارات لا تظهر جلية، مشيرا إلى زيادة عدد السكان منذ سنة 1962 (تاريخ استقلال الجزائر الذي أشار إليه التحليل) ليبلغ الآن نحو 45 مليون نسمة.
وقال “عند الاستقلال كنا ستة ملاين فقط، أصبحنا 45 مليون، وكانت لدينا جامعة واحدة، وأصبح لدينا 78، كان لدينا 600 ألف تلميذ أصبح لدينا أكثر من ثلاثة ملايين” ثم عاود التأكيد “التقرير يتضمن معلومات خاطئة”.
تبعية مريرة للمحروقات
في المقابل يرد التحليل الوضع الهش لاقتصاد الجزائر، لكون القائمين على القرار لم يستطيعوا إخراج البلاد من التبعية لعائدات النفط.
وبحسب ما ورد فيه فإن “هذه نتيجة السياسات الاقتصادية غير الفعالة التي انتهجتها الجزائر منذ الاستقلال، بسبب الافتقار إلى التنويع، حيث لا يزال الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل كبير على المحروقات، والتي تمثل حوالي 90% من الصادرات الوطنية”.
ثم تابع مقارنا الجزائر بالدول الغربية المنتجة للنفط والغاز مثل كندا والمملكة المتحدة، حيث قال إن النفط والغاز لا يمثل سوى 30% و 11% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما”.
في هذا الإطار قال عضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان الجزائري، عبد القادر بريش، إن الجزائر حاربت دائما الفقر بمشاريع تنمية واعدة تمس الفئات الهشة، “على اعتبارها دولة ذات طابع تسييري اجتماعي”.
وأضاف ” الجزائر خصصت ميزانية قدرها 98 مليار دولار لسنة 2023، 30 في المائة منها للجانب الاجتماعي، مثل الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية”.
وتابع في مقابلة مع موقع الحرة أن الجزائر من بين الدول الأفريقية والبلدان النامية التي قدمت ما يسمى بـ”التقرير الطوعي لأهداف التنمية” للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة سنة 2019 في غمرة الأحداث التي عرفتها (الحراك الشعبي الذي أسقط نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة).
وقال “ذاك التقرير أبرز ما وصلت إليه الجزائر في إطار أهداف التنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر، وتأمين الغذاء لكل فئات المجتمع” منوها بجهود الجزائر أيضا في مجالات الصحة والتعليم والتكفل الاجتماعي عموما.
الرجل أشار أيضا إلى أن منظمة الصحة العالمية نوهت بجهود الجزائر في تخطي أزمة وباء كورونا وكيف استطاع القطاع الصحي بها أن يحد من النتائج الكارثية التي سجلت في دول ذات اقتصادات أقوى.
لكن تحليل “وورلد كرانش” أشار بالخصوص إلى تراجع قدرات الجزائر في مجال التصنيع، حيث رأى بأن تونس والمغرب اللذين لا يملكان نفس قدراتها من حيث الثروات الباطنية استطاعا بناء العديد من القطاعات الصناعية، مما سمح لهما باحتلال مناصب عليا في القارة من حيث التصنيع وبيئة الأعمال.
وبحسب آخر التصنيفات التي نشرها البنك الإفريقي للتنمية (ADB)، في نوفمبر 2022، احتل المغرب وتونس المرتبة الثانية والرابعة على التوالي بين دول القارة من حيث التصنيع، بينما جاءت الجزائر في المرتبة 11 فقط.
ردا على ذلك، قال بريش إن الجزائر حاليا بصدد تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي هيكلي وإصلاح المنظومة التشريعية الخاصة بالاستثمار، من أجل جعل بيئة الاستثمار أكثر جاذبية وشفافية وضمانات خاصة للاستثمارات الأجنبية.
ولفت في السياق إلى أن الجزائر تعرف دينامية اقتصادية خاصة في القطاع الصناعي والفلاحي، وقطاع الطاقة والمناجم.
خطر الإفلاس ؟
يقول التحليل إنه بينما شهد المغرب زيادة في احتياطياته من النقد الأجنبي في السنوات الأخيرة، حيث وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 35.5 مليار دولار في نهاية مارس 2023 (مقارنة بـ 19 مليار دولار فقط في بداية عام 2014)، أدى اعتماد الجزائر الشديد على المحروقات إلى انهيار احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، “إلى جانب ارتفاع مديونيتها وكل هذا في سياق دولي يتسم بانخفاض أسعار المحروقات، والتي سيتم استبدالها بشكل متزايد بمصادر الطاقة المتجددة”.
ردا على ذلك، قال بريش إن “هذه المعلومة خاطئة” وإن الجزائر من الدول القليلة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي ليس لديها مديونية خارجية.
وقال أيضا إن الجزائر تتميز باستقرار اقتصادي، تصوره التوازنات الاقتصادية الكلية، متمثلة في المؤشرات الاقتصادية مثل الفائض في الميزان التجاري الذي بلغ بـ 18 مليار دولار في 2022، ومخزون احتياطي الصرف الذي بلغ 55 مليار دولار، وحجم صادرات المحروقات بـ 60 مليار دولار.
وفي مقابل هذا الطرح، يقول التحليل “ووفقا لأحدث البيانات التي قدمها صندوق النقد الدولي” فإن الدين العام للجزائر ارتفع بشكل كبير، حيث انتقل من 7.7% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2014 إلى 62.8% في نهاية عام 2021، قبل أن يتراجع مؤقتا إلى 52.4٪ بنهاية عام 2022.
ويضيف أنه في حين أن الجزائر كانت الأقل مديونية من بين 54 دولة في القارة في عام 2014، فقد صعدت إلى المرتبة 26 في سبع سنوات فقط، إلا أنها “قريبا ستصبح واحدة من أكثر 10 دول مديونية” وفقا لتوقعات التحليل.
في رده على ذلك، يقول بريش إن “هذه المعلومات مغلوطة، ولا تستند على معطيات دقيقة عن الجزائر”.
وتابع قائلا إن القطاع المصرفي الجزائري يتميز بالصلابة وبالقدرات التمويلية الكبيرة، إذ ارتفعت سيولة النظام المصرفي، وفقه، إلى 15 ألف مليار دينار خلال الثلاثي الأول من سنة 2023.
المصدر: الحرة. نت