(3) لاءات لبنانية بوجه مطالب واشنطن حول “يونيفيل” :  السفيرة الأميركية تتشدد بعد “تجاهل” المسؤولين موجبات “قيصر”

وليد شقير

يخضع التجديد لانتداب قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل) سنة جديدة، إلى مناورات وضغوط غير مسبوقة هذه السنة، عند استحقاق نهاية تفويضها في 31 أغسطس (آب) المقبل، وهو أمر لم يحصل في أية مرة على مدى الـ14 سنة الماضية منذ صدور قرار مجلس الأمن القرار رقم 1701 الذي أوقف الأعمال القتالية والعدائية صيف عام 2006.

فمن عادة التجديد لهذا التفويض أن يمر بسلاسة وسهولة خلال السنوات الماضية، ومنذ عام 1978 حين انتدبت القوات وفقاً للقرار 425 بعد الاجتياح الإسرائيلي الأول للجنوب. صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية دأبت في السنوات الثلاث الأخيرة (منذ عام 2017) على وضع شروط على قرار مجلس الأمن بتجديد التفويض، لكن الأمر سرعان ما كان يجد مخارج تنتهي بتجديد فترة الانتداب في سرعة من دون إشكالات، بعد أن تتدخل الدول الأخرى الدائمة العضوية في المجلس وتقنع واشنطن بأنه يصعب تمرير ما تريد، وبأن حفظ الاستقرار والهدوء على جانبي الحدود اللبنانية – الإسرائيلية له أولوية على ما عداه.

الطرح المبكر من قبل واشنطن لشروطها وتشددها فيها هذه السنة، بالتزامن مع تصعيد حملتها ضد “حزب الله”، أعطى الموضوع بعداً آخر، ما دفع الرئيس اللبناني ميشال عون إلى الدعوة لاجتماع لسفراء الدول الكبرى الدائمة العضوية في المجلس والممثل الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، إلى اجتماع عقد الأربعاء 3 يونيو (حزيران)، بحضور رئيس الحكومة حسان دياب ووزير الخارجية ناصيف حتي، بعد أن كان مجلس الوزراء قرر الأسبوع الماضي طلب التجديد لهذه القوات في أغسطس (آب) المقبل.

اللاءات اللبنانية الثلاث والمعركة الصعبة

مصدر مقرب من الوزير حتي كان أبلغ “اندبندنت عربية”، أن الهدف من الاجتماع التأكيد على ثلاث نقاط يصعب على لبنان تعديل الموقف منها، بعد إصرار الولايات المتحدة عليها، وهي: معارضة خفض موازنة “يونيفيل”، رفض خفض عديد قوات الأمم المتحدة، وعدم القبول بتغيير تفويضها، لئلا يتسبب ذلك بمشكلات على الأرض بينها وبين مناصري “حزب الله”. والأخير كان أبدى اعتراضه على طرح إسرائيل والولايات المتحدة التغيير في طبيعة التفويض في خطابين لأمينه العام السيد حسن نصر الله، خلال الأسبوعين الماضيين. ويشكل أي تعديل في مهمة القوات موضوعاً خلافياً كبيراً في ظل اعتراض الحزب عليه، لأنه يؤدي إلى تقييد حركته اللوجستية في الجنوب ولأن قيادته تعتبر أن الضغط الأميركي في هذا الاتجاه يأتي في سياق الضغط على دوره ودور إيران على الصعيد الإقليمي.

تعديل مهمة “يونيفيل” يتزامن مع ضغط “قيصر”

وإذ تدل لاءات لبنان الثلاث إلى أنه بدأ خوض معركة دبلوماسية صعبة لمقاومة المطالب الأميركية، فإنه لا يمكن تجاهل تزامن تلك المعركة مع مناخ ضاغط من قبل واشنطن عليه، يفوق موضوع “يونيفيل”، حيث أن الدبلوماسية الأميركية أبلغت الحكومة بشخص نائبة رئيسها وزيرة الدفاع زينة عكر مطلع الأسبوع، بأن على الحكومة اللبنانية أن تأخذ بجدية المطالب الأميركية ومن ضمنها وجوب التزام لبنان العقوبات المنصوص عنها في قانون “قيصر”، ما اضطر عكر إلى مفاتحة الرئيسين عون ودياب بالأمر، فوافقا على مناقشة نص القانون في الحكومة لتحديد ما يفرضه من موجبات على لبنان وعلى السلطات اللبنانية. ولذلك قامت بتوزيع ملخص عن البنود التي يمكن أن تمس لبنان في هذا القانون.

بعثة لبنان في نيويورك

إلا أن بدء الجانب اللبناني التحضير منذ الآن لحشد الدعم لطلبه التجديد للقوات هدفه الاحتياط تجنباً لحشره بأي قرار ينعكس سلباً على الصعيد الداخلي. وتقوم بعثة لبنان في نيويورك برئاسة السفيرة أمال مدللي، بجهد حثيث ويومي عبر علاقاتها مع البعثات الدبلوماسية لدول أفريقية وآسيوية وأوروبية، إضافة إلى المراهنة على المواقف الفرنسية والروسية والصينية المؤيدة لرفض لبنان، من أجل إزالة العقبات التي تطرحها واشنطن أمام التجديد التلقائي لـ”يونيفيل”. فبعض هذه الدول الأفريقية والآسيوية من الدول الـ45 المشاركة في عديد القوات في الجنوب ولها روابط صداقة مع لبنان.

لكن شخصية سياسية لبنانية متصلة بالجانب الأميركي، تشير إلى أن الدبلوماسية الأميركية تطرح جملة عناوين عالقة وتلح على معالجتها لمناسبة التجديد لـ”يونيفيل”، من أجل التأكيد للمسؤولين اللبنانيين أن تأجيل البت بها نتيجة ضغوط “حزب الله” على السلطة وتأثيره في قراراتها، يؤدي إلى تجاهل متعمد من قبل بعض من هم في الحكم لتنبيهات واشنطن. وتستخدم واشنطن مرة أخرى سلاح المال، جرياً على مبدأ دونالد ترمب في هذا المجال، في مواجهة خصومه على الصعيد الدولي. ولذلك تطرح واشنطن خفض الأموال المخصصة لقوات حفظ السلام ولا سيما في لبنان، ما يعني خفض عديد القوات بحكم نقص التمويل لمصاريفها.

عون يتمسك بـ”السيادة” اللبنانية بوجه المطالب الأميركية

وظهر التناقض واضحاً في الموقف من النقاط الثلاث، التي دعا عون إلى الاجتماع مع السفراء الخمسة وكوبيتش لإبلاغهم بها، في الكلمات العلنية التي وزعت وأدلى بها الرئيسان عون ودياب من جهة، والسفيرة الأميركية دوروثي شيا من جهة ثانية، بينما بدا التمايز جلياً بين السفيرين الروسي ألكسندر زاسبكين والصيني وانغ كيجيان من جهة، وبين السفيرة شيا من جهة ثانية أيضاً.

استبق عون الطرح الأميركي بتعديلات في مهمة القوات الدولية، لا سيما في شأن تمكينها من دخول الأملاك الخاصة، بحجة التفتيش عن أسلحة (عائدة لحزب الله)، بالتذكير بقرار الحكومة طلب “تمديد مهمة قوات اليونيفيل” لسنة إضافية من دون تعديل لولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها، معتبراً أن “دورها الحيوي حاجة إقليمية لا بل دولية”. واستشهد عون “بنص الدستور اللبناني على احترام الملكيات الخاصة التي يتطلب الدخول إليها الحصول على موافقات مسبقة ومواكبة من السلطات اللبنانية المختصة”. وقال إن “تمسكنا بالقوات الدولية لا يفوقه سوى تشبثنا بالحريات العامة وبسيادة لبنان التامة”، موحياً بذلك بأن المطلب الأميركي توسيع مهمة القوات الدولية لتستطيع دخول المنازل من أجل البحث عن السلاح في الجنوب،هو خرق للسيادة الوطنية وللدستور اللبناني.

شيا تدعو إلى “النقد الذاتي” وترسيم الحدود البحرية

وفيما شدد عون على دور القوات الدولية في تسجيل الخروقات الإسرائيلية للقرار الدولي الرقم 1701، لم تفته في تعداد أنواعها الإشارة إلى “ما تقوم به إسرائيل من خرق للأجواء اللبنانية لقصف الأراضي السورية”. وكرر دياب ما قاله عون معدداً الخروقات الإسرائيلية التي بلغت 2551 انتهاكاً في عام 2019، وكذلك ما جرى رصده منها في العام الحالي، توافق مع رئيس الجمهورية على التأكيد أن “استمرار عمل يونيفيل في جنوب لبنان هو حاجة دولية قبل أن يكون مطلباً لبنانياً”.

وإذ تحدث السفراء فكانت كلمة السفيرة شيا بالترتيب الخامس بعد زملائها، فإنها تجاهلت حديث الخروقات الإسرائيلية لتثير النقاط الخلافية في لهجة لم تكن بعيدة من التحذير بلغة مبطنة، فدعت المسؤولين اللبنانيين إلى “النقد الذاتي وإلى النظر إلى ما يحدث شمال الخط الأزرق”، قاصدة بذلك سلاح “حزب الله” ودوره خارج منطقة عمليات القوات الدولية. وألحقت تلك العبارة بالقول: “لا أعتقد أنه يمكننا القول إن التطبيق الكامل لهذا القرار قد حصل”. وهذه إشارة إلى عدم تطبيق وقف النار في شكل كامل (من قبل إسرائيل)، وفي الوقت نفسه إلى أن منع السلاح خارج إطار القوات المسلحة الشرعية لم يطبق أيضاً. وطلبت “النظر في زيادة فاعلية يونيفيل إلى مداها الأقصى، وإذا لم تتمكن من تحقيق ولايتها بالكامل فعلينا أن نطرح الأسئلة حول إذا ما كان عددها الحالي هو الأفضل”.

ولاحظت أن “الأملاك الخاصة لا يمكن ليونيفيل أن تنفذ إليها”، معتبرة أن المسألة “يجب أن تعالج بصراحة ومن دون أي تردد”. وكانت لافتة إشارة شيا إلى أن بلادها تشجع الطرفين اللبناني والإسرائيلي “على العمل لإيجاد حل دائم بما في ذلك لمسألة الحدود البحرية والبرية، والولايات المتحدة مستعدة للمساعدة”. ويعتبر العديد من الأوساط أن استجابة لبنان إلى الرغبة الأميركية – الإسرائيلية في ترسيم الحدود، نقطة إيجابية قد تخفف عنه الكثير من الضغوط، على الأقل المتعلقة بدور “يونيفيل”. ولذلك تحدث عون في كلمته عن تطلعه إلى حل للنقاط التي يتحفظ عليها لبنان على الخط الأزرق الحدودي، وإلى ترسيم الحدود البحرية، التي كانت الإدارة الأميركية كلفت مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر بلعب دور الوسيط بين لبنان وإسرائيل في شأنها، لكن الجانب اللبناني أجّل البحث في الأمر.

في اجتماع الرئيس اللبناني مع السفراء، كانت كلمتا السفيرين الروسي ألكسندر زاسبكين والفرنسي برونو فوشيه الأكثر وضوحاً في تأييد التجديد للقوات الدولية في أغسطس المقبل، من دون تعديل في مهماتها، فيما اكتفى سفيرا بريطانيا والصين بالإشارة إلى “زيادة فعاليتها”، مع تأييد بقائها.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى