منهم أطفال وكبار السن مصابون بأمراض خطرة ومحرومون من العلاج لتعذر انتقالهم إلى تركيا. قبل بضعة أشهر أبصرت الطفلة “إسلام” النور مع ضمور وتشوه في قلبها الصغير، دون أن تقدر عائلتها على تأمين متابعة طبية لها جراء إقفال معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، حيث يمكنها أن تخضع لعملية غير متوافرة في شمال غربي سوريا.
ومنذ وقوع الزلزال المدمر في السادس من فبراير (شباط) الماضي أغلقت تركيا معبر باب الهوى أمام مئات المرضى الذين اعتادوا أن يتلقوا علاجاتهم مجاناً في مستشفياتها، بعيداً من منطقتهم الغارقة في مآسي الحرب السورية، والتي تفتقد مرافق طبية مجهزة.
وأعلنت سلطات المعبر استئناف عبور المصابين بالسرطان إلى تركيا لتلقي العلاج، بدءاً من الإثنين الماضي بعد اتباع إجراءات معينة، دون أن يسري ذلك على بقية المرضى، وبينهم “إسلام”.
تقول والدتها أم خالد (27 سنة) بقلق ظاهر لوكالة الصحافة الفرنسية “تزداد حالتها سوءاً، ويزداد جسدها نحولاً، وتغص في كل مرة أرضعها (…)، وأستيقظ مثل المجنونة في كل مرة يحصل ذلك ليلاً”. وتضيف “حين تبكي يصبح لونها أزرق تماماً، ويخفق قلبها بسرعة، حتى إن الطقس الحار يؤثر فيها كثيراً”.
معبر مغلق
وقبل أسبوع من الزلزال وضعت أم خالد طفلتها، وبعد أيام أبلغت العائلة أن الرضيعة تعاني ضموراً وتشوهات في القلب. وحذر الطبيب الوالدة من أن حالات انقطاع النفس المتكررة من الممكن أن تؤدي إلى الوفاة، وأصر على ضرورة خضوعها لعملية جراحية يتعذر إجراؤها في منطقة سيطرة الفصائل المعارضة في إدلب.
قررت أم خالد التي تقيم وعائلتها في مخيم للنازحين منذ عام 2012، بعد حصولها على التقرير الطبي والمستندات اللازمة، اصطحاب صغيرتها إلى تركيا لتجد معبر باب الهوى مغلقاً.
وتقول بينما تلهو رضيعتها مع شقيقتها بالقرب منها داخل خيمة “أشاهد ابنتي تتعذب أمامي ولا أقوى على فعل شيء”.
ويستخدم معبر باب الهوى راهناً لإدخال مساعدات عبر الحدود ترسلها الأمم المتحدة إلى إدلب، كما تمر عبره البضائع والسوريون القاطنون في تركيا ويرغبون بزيارة عائلاتهم في إدلب.
وإزاء سوء وضع المرافق الطبية التي استنزفتها سنوات الحرب الطويلة، وتفتقد تجهيزات، اعتاد الأطباء في إدلب تحويل غالبية مرضى القلب والسرطان، فضلاً عن الأطفال الخدج والمصابين بحروق شديدة، أو من يحتاجون إلى عمليات جراحية معقدة، إلى تركيا للعلاج، لكن الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي أرهق القطاع الصحي، بما فيه من مستشفيات اعتاد عدد منها استقبال المرضى.
أمل العلاج
وفي عام 2017 توجه فراس العلي (35 سنة) حين اكتشف أنه يعاني ورماً حميداً في رأسه قرب الغدة النخامية، إلى تركيا، حيث خضع لعملية ومتابعة طبية من بعدها. ويقول العلي “منذ عام 2017 أذهب إلى تركيا كل ثلاثة أشهر، وأجري هناك أشعة وتحاليل، ويعطونني علاجاً أحمله معي إلى سوريا”، مشيراً إلى أن إغلاق المعبر منعه من متابعة روتينه العلاجي، إذ كان يتعين عليه التوجه إلى تركيا في 23 فبراير الماضي.
ويقول الشاب “جراء التأخير بات يصيني ألم في عيني ورأسي”، مضيفاً “علاجي غير متوفر هنا، وإن توفر فهو باهظ الثمن، ولا أستطيع تأمينه، ويفترض ألا أنقطع عنه أبداً”.
في خيمته يحتفظ فراس النازح منذ عام 2016 بملف أخضر اللون كتب عليه “معبر باب الهوى – مكتب التنسيق الطبي”، وفي داخله علب أدوية فارغة.
وفي إدلب يوجد مركز واحد لعلاج الأورام تدعمه الجمعية الطبية السورية – الأميركية (سامز)، لكنه غير قادر على استيعاب المرضى الذين بدأوا بالتوافد إليه منذ إغلاق المعبر، وفي قسم الأطفال وحده، استقبل المركز 30 مريضاً من أصل 70 كانوا يتلقون العلاج في تركيا.
رائحة الوفاة
ويشير طبيب أورام الأطفال في المستشفى عبدالرزاق بكور إلى وجود قرابة “40 مريضاً في منازلهم لا يتلقون علاجاً كيماوياً، ووضعهم سيئ، ومنهم من هو مهدد بالوفاة”.
ويشدد بكور على “حاجة ماسة” لنقل المرضى إلى تركيا، شاكياً من نقص في الأجهزة الضرورية لتشخيص الأمراض وتحديد ما إذا كان المريض يستجيب للعلاج، عدا عن نقص في أدوية أساسية، مما يدفع بعض العائلات إلى طلبها من تركيا أو لبنان مقابل كلفة مرتفعة.
ويضيف طبيب الأطفال “الوضع الاقتصادي هنا صعب أساساً، ومعظم الناس غير قادرين على تأمين حاجاتهم اليومية، فكيف الحال بتأمين جرعات أدوية كيماوية؟”.
بعد انتظار لأشهر، سيتمكن مرضى السرطان حصراً، وبينهم يوسف حاج يوسف (60 سنة)، من التوجه إلى تركيا بعد أن أعلنت السلطات الصحية المحلية فتح معبر باب الهوى أمامهم، وكان من المفترض أن يتلقى جرعة علاج كيماوي في الجنوب التركي يوم وقوع الزلزال، لكن الكارثة حالت دون ذلك.
ويقول الرجل المصاب بسرطان الرئة “انقطعت عن العلاج لفترة، وتعرضت لانتكاسة قوية، إذ ازداد حجم الورم ثلاث سنتيمترات”، موضحاً أنه طلب مساعدة أقربائه لتأمين المبلغ المطلوب لمواصلة علاجه في إدلب. ويضيف يوسف “فرحت كثيراً بفتح المعبر، لقد تعبت ولم أعد أقوى على تأمين مصروف الجرعات (…) جميعنا ننتظر المستشفيات التركية”.
المصدر: أ ف ب/اندبندنت عربية