حسين جلبي حقوقي سوري من مواليد القامشلي، مستقر في ألمانيا، يكتب عن القضية الكردية، وهو على علاقة صميمية بها.
اولا: كرد سورية من سايكس بيكو الى الثورة السورية.
يمهد الكاتب في بحثه الواقع الكردي السوري الحالي بالعودة السريعة الى بدايات القرن الماضي، وكيف تقاسمت فرنسا وبريطانيا تركة العثمانيين لأنهم منتصرين وفق اتفاقيات سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى ١٩١٧م. وكيف كانت الاتفاقيات الحاصلة قد ثبتت الدول الثلاثة تركيا العراق وسورية مع ايران، التي يتواجد بها الاكراد، بحيث حرم الأكراد من أن يكون لهم دولتهم القومية الموحدة والمعترف بها. لقد توزعوا على أربع دول في مجال جغرافي واحد ممتد. وهنا تكمن مشكلة الأكراد من القرن الماضي والى الان، مشكلة كونهم قومية غير معترف بها، تعيش في الدول التي بنيت على اجزائها على مضض، ضحية صراع او توافقات، وتدخلات خارجية كثيرة، يستخدمون بذرائع مختلفة وأهداف متنوعة، وهم الى الآن يعيشون واقع الضحية المظلومة، وان بنسب متفاوتة في هذه الدول الاربعة، فلا هم تحرروا وتوحدوا وبنوا دولتهم القومية ولا هم انخرطوا في الدول التي تواجدوا بها كجزء منها وفق قواعد سياسية محددة اقرب للمواطنة والديمقراطية.
يعود الكاتب الى التاريخ ليتحدث عن الكرد وتواجدهم التاريخي وبعض محاولات بناء كيانات سياسية كردية سابقة، لم تستطع الاستمرار لفترات طويلة، وذلك لأسباب متعددة أهمها تدخلات القوى المسيطرة داخليا وخارجيا وضرب هذه التشكيلات التي حاولت ان تبني كيانا كرديا ذاتيا قوميا وحرا.
ثانيا: الكرد السوريون نصف قرن من القمع، اوصلهم للعيش في الخيام مشردين.
تحت هذا العنوان قدم الكاتب جردة مكثفة لواقع الكرد في سورية حتى الثورة السورية في ٢٠١١م، عاش الكرد السوريون كجزء من النسيج الاجتماعي والسياسي لسورية المنخرطة في نضالها للتحرر من الفرنسيين، وكيف كانوا جزء من البنية السياسية السورية المستقلة، كأفراد سوريون من أصول كردية وليسوا بصفتهم القومية الكردية، حسني الزعيم الرئيس الكردي الأصل، والبرازي رئيس الوزراء وغيرهم كثير. يعتبر الكاتب أن محنة الأكراد السوريين بدأت منذ عام ١٩٦٢م حيث ارسل نظام الانفصال عن الوحدة مع مصر، ضابط مخابرات إلى الشمال السوري، اسمه طلب هلال، كتب تقريرا للسلطة عن واقع الأكراد السوريين، وصفهم بأنهم مشكلة سكانية خطيرة على سورية، و انهم من اصول خارج سورية، خاصة تركيا، وأنه يقترح عدم اعطائهم الجنسية، وأن يتم توزيعهم وبعثرتهم في المناطق السورية، وأن يتم زرع سكان من أصول عربية في مناطقهم لمنع اي امكانية لتواجد نزعة قومية انفصالية مستقبلا. كان لتقرير طلب هلال مفعول سيء على واقع الاكراد في سورية، خاصة بعد ان جاء البعث الى السلطة في سورية، حيث ركّز على العنصر القومي العربي، و تعامل بإهمال مع الحقوق الكردية حتى بحدّها الادنى الثقافي مثل تعليم اللغة الكردية في المدارس أو حل مشكلة الممنوعين من الجنسية، ومعالجة إهمال مناطقهم من الخدمات المدنية وفي البنية التحتية. لقد تم تدجين الاكراد السوريون مثل بقية السوريين في الشبيبة وحزب البعث والعلاقة الانتهازية مع السلطة، وصاروا ضحية البنية الامنية التسلطية للنظام السوري المستبد والقمعي والفئوي. وزادت محنتهم عندما استخدمهم حافظ الأسد في خططه السياسية الصراعية مع الجوار التركي منذ الثمانينات، لقد اقنع بعض الشباب الكردي إن ارضكم وشعبكم متواجدين في دول العراق وإيران وخاصة تركيا، واخذ يقنعهم بضرورة النضال من اجل تحرير ارضهم وشعبهم وقيام دولتهم القومية. ساعد نظام الأسد عبد الله اوجلان وآخرين معه ببناء عمل عسكري مقاتل ضد الاتراك، وقدم لهم النظام كامل أشكال الدعم المالي والتسليح، شكلوا حزب العمال الكردستاني ب ك ك , وبادروا بحربهم ضد تركيا. هذه الحرب التي وجهت أنظار أكراد سورية بعيدا عن واقعهم في داخل سورية، أوجد لهم قضية يقاتلون من أجلها. يُقتلون ويختفي خطرهم عن الداخل السوري، وسمح لهم باستثمار ادعائهم أنهم يقاتلوا لقضية عظيمة، فأخذوا من الشعب الكردي إتاوات دائمة من اجل مقاتليهم الذين كان اغلبهم من ابنائهم. وبهذا الشكل ارتاح نظام حافظ الأسد من مشكلة الأكراد السوريين، وشكل جرحا نازفا عند الاتراك. لكن الدولة التركية لم تقبل بهذا الواقع وأخطرت النظام السوري باستعدادها خوض حرب شاملة على سورية، هذا دفع الأسد لينحني أمام العاصفة ويرفع دعمه عن حزب ال ب ك ك، وان يساعدهم على القبض على زعيمهم عبد الله أوجلان في اواخر الالفية الثانية. كما ان واقع الاكراد السوريون في مناطقهم لم يخرج عن التهميش وغياب الخدمات، زاد ذلك قدوم أعداد كبيرة من السوريين العرب الذين غمرت بيوتهم واراضيهم من جراء بحيرة سد الفرات، وهذا ادى لتغيير ديمغرافي اخاف الكرد وذكرهم بتوصيات ضابط الاستخبارات طلب هلال عن الغاء الهوية الكردية وطمسها. وكان للخلاف بين أنصار لاعبي دير الزور والقامشلي في مباراة لكرة القدم عام ٢٠٠٤م الى صراع ذي طابع عرقي، عرب ضد كرد، اجج نارها النظام، ودعم الطرف العربي، أدت لمقتل العديد من الأكراد. زيادة على ذلك استصدر النظام السوري قانونا يتملّك الأراضي المحاذية للحدود التركية، حارما أصحابها الكرد منها. وهذا مع التغيير الديمغرافي والاضطهاد السياسي الذي منع اي حالة حزبية كردية معارضة من الوجود او التغلغل بين الشباب الكرد، الا من كان حليفا للنظام مثل حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك. كما يؤكد الكاتب على مشاركة الاحزاب الكردية -على صغرها و هامشيتها – الحراك السوري بعد مجيء بشار الأسد للسلطة عام ٢٠٠٠م، و وعودة بالتحسن السياسي والمجتمعي، كان الكرد وأحزابهم و نشطائهم جزء من حراك ربيع دمشق وما بعده، وكان لناشطيه نفس مصير بعض المعارضين السوريين من الاعتقال والتنكيل بعد اغتيال ربيع دمشق. لكل ذلك كان الكرد السوريين جاهزين ككرد بمشاكلهم القومية وعدم الاعتراف بأقل حقوقهم الثقافية والسياسية، و كمواطنين سوريين ضحية نظام قمعي استبدادي فئوي فاسد على كل المستويات. كانوا جاهزين للثورة التي جاءت على اثر الربيع العربي الذي تفجر في تونس وامتد لمصر وليبيا واليمن وانفجر بركان المظلومين في سورية من كل مكونات الشعب السوري ومنهم الكرد طبعا. ثورة لاسقاط الاستبداد ومطالبة بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية لكل السوريين.
ثالثا: الثورة السورية ٢٠١١م والوضع الكردي.
يتحدث الكاتب عن واقع العمل السياسي الكردي في سورية، وأن كل الاحزاب الكردية التي بلغت أحد عشر حزب كانت متكاثرة انشقاقا تستمر بالتكاثر، اضافة الى حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردي ال ب ك ك، تعود كلها الى الحزب الديمقراطي الكردي المتشكل عام ١٩٥٧م، وأن بعض هذه الأحزاب يعتبر معارضا للنظام السوري والبعض يخفف لهجته تجاه النظام، لكنها كلها تعتبر من قبل النظام أحزابا غير شرعية، يلاحقها عبر الاعتقال والسجن. كما ان هذه الاحزاب صغيرة وامتدادها قليل في الوسط الكردي السوري، للأسباب الأمنية التي تجعل الناس تبتعد عن السياسة والأحزاب المعارضة، والنظام يعتقل ويسجن ويضطهد المعارضين، وهذا حاصل في أوساط المعارضة الكردية والسورية عموما. كما أن هناك امتداد للنظام في الوسط السوري عموما والكردي منهم وهو حزب البعث حزب السلطة الموالي للنظام ممثلا عينه الامنية وذراعه المجتمعي، كذلك هناك زيادة على ذلك في الوسط الكردي، وجود امتداد لحزب ال ب ك ك حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د الذي تحدثنا على دوره في الداخل السوري وفي تركيا كأداة للنظام ضد تركيا. رغم اضمحلال دور ال ب ك ك وملاحقة بعض عناصره امنيا بعد التصالح السوري التركي بعد عام ١٩٩٨م واعتقال عبد الله اوجلان، لكن بقي لل ب ك ك امتداد ودور في الوسط الكردي السوري. ضمن هذه الخلفية في الوسط الكردي السوري حصل الربيع السوري، الذي شمل كل السوريين ومنهم الكرد، لان الاسباب السياسية والمجتمعية والاقتصادية والمظلومية تطال الكل. كان الشباب الكرد من طلائع النازلين الى شوارع المدن والبلدات مطالبين بالحقوق واسقاط النظام وبناء الدولة الديمقراطية، ارتفعت شعارات الحرية (آزادي) في ميادين التظاهر في القامشلي وعفرين وعامودا وكوباني (عين العرب) والدرباسية ورأس العين… الخ، تطالب بإسقاط النظام وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. لم تكن الأحزاب الكردية المعارضة على تعددها مشاركة في هذا الحراك بصفة حزبية، كان بين الناشطين بعض المتحزبين فرديا، أخذت الأحزاب موقف حذر في البداية، ولكن بعد صعود الموجة ونزول الشباب والشعب للشارع، انبرت الأحزاب لتتصدر واجهة التحرك على أنها القيادة السياسية لحراك الثورة في الوسط الكردي السوري. لم يتقبل النظام حال الحراك الثائر في سورية كلها، ومنها في المناطق ذات الاغلبية الكردية، مارس النظام استراتيجية المواجهة العنيفة والقاسية الى درجة استعمال السلاح الثقيل ضد المتظاهرين وحاضنتهم الشعبية و مدنهم وبلداتهم في كل سورية تقريبا، لكن كانت معاملته مع الكرد السوريون مختلفة، فقد اعتمد على تقديم مكتسبات لهم كانوا محرومين منها اصلا وهي حقوقهم، فقد عالج مشكلة تجنيس المحرومين من الجنسية واخذ الجنسية السورية مئات الالاف من الكرد، كما الغى القوانين الجائرة لتملك و حجز أراضي الكرد المحاذية لتركيا، ووعد بالنظر بالحقوق الثقافية للكرد من تداول وتعليم اللغة الكردية وغير ذلك، لكن ذلك لم ينطلي على الثوار والناشطين، واستمروا مطالبهم بإسقاط النظام وبناء الدولة الديمقراطية، تحت مقولة: ما اخذناه حقنا وما نطلبه ايضا حقنا ولا نقايض حقوق بحقوق. عند ذلك اعتمد النظام السوري استراتيجية مختلفة مع الاكراد الثائرين، لقد استدعى بقايا ال ب ك ك المتواجدين في سورية وقادتهم في قنديل وعلى رأسهم صالح مسلم وكثير من كوادر حزب الاتحاد الديمقراطي ال ب ي د ليكونوا جيشه البديل في مواجهة الثورة في المناطق الكردية السورية.