بدون الولايات المتحدة، لا يمكن للدول العربية أن تدفع رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى التجاوب معها على مستوى ثلاث قضايا ملحة هي عودة اللاجئين ومكافحة الاتجار السوري الإقليمي بالمخدرات (الكبتاجون) وإعادة تأسيس سلطة الدولة ومؤسساتها في سوريا.
ذلك ما خلص إليه قتيبة إدلبي، في تحليل بـ”المجلس الأطلسي” وهو معهد بحثي أمريكي ترجمه “الخليج الجديد”، مشيراً إلى مشاركة الأسد في قمة قادة جامعة الدول العربية الثانية والثلاثين في مدينة جدة السعودية الجمعة.
وأضاف أن هذه المشاركة جاءت بعد نحو 12 عاماً من تجميد مقعد سوريا في الجامعة العربية، حيث حوّل الأسد “ثورة بلاده (للمطالبة بتداول سلمي للسلطة) عام 2011 إلى أكثر الحروب وحشية في المنطقة منذ عقود”.
وتابع: “الأسد لم يفعل شيئا ليستحق هذه الجائزة، إذ يواصل نظامه تهجير نصف الشعب السوري، وإخفاء مئات الآلاف، والسعي إلى حل عسكري على حساب أي شيء وكل شيء، مما يعرض الاستقرار الإقليمي للخطر، كما يرفض عودة اللاجئين، ويغمر الشرق الأوسط وجنوب أوروبا بالمخدرات، ويواصل توفير أكبر قاعدة عمليات للميليشيات الإيرانية في المنطقة”.
وقال إدلبي، زميل المجلس الأطلسي، إن “إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن تواصل معارضتها العلنية للتطبيع مع الأسد، وفي الوقت نفسه، قالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف مؤخرا إن واشنطن تشجع الدول العربية على “الحصول على شيء مقابل هذا الارتباط” مع الأسد”.
وزاد بأن “المناقشات حول القمة العربية تقدم لمحة عن ما يبدو أن القادة العرب يأملون في أن يحصلوا عليه من الأسد، إذ تمحورت المحادثات السابقة للقمة بين الجهات الفاعلة الإقليمية، وبينها السعودية والأردن والعراق ومصر، حول ثلاث قضايا: عودة اللاجئين، ومكافحة المخدرات، وإعادة تأسيس سلطة الدولة ومؤسساتها في سوريا”.
مطالب العرب
وبالنسبة لعودة اللاجئين، قال إدلبي إن أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري يعيشون في دول مجاورة، وتمثل عودتهم أولوية قصوى لتخفيف الظروف الاقتصادية وتحديات سوق العمل في تلك الدول، لكن من غير المرجح أن تتحقق الآمال في عودة ملايين اللاجئين إلى سوريا.
وبشأن مكافحة المخدرات، قال إنه “يتردد أن السعودية عرضت على الأسد أربعة مليارات دولار لوقف إنتاج وتهريب الكبتاجون” إلى دول إقليمية بينها المملكة، لكن “يبدو أن الأسد أقل اقتناعا بالتخلي عن عمليات إنتاج مخدر الكبتاجون وتهريبه، والتي حققت إيرادات لا تقل عن 57 مليار دولار لنظامه”.
أما بخصوص إعادة سلطة الدولة، فقال إدلبي إن “الحكومات العربية المشاركة في إعادة سوريا إلى الجامعة تتحدث عن إنهاء وجود الجماعات المسلحة والجيوش الأجنبية غير الشرعية في سوريا”.
واعتبر أن “هذا تحول واضح ضد الجهات الفاعلة غير الحكومية في شمال سوريا، الجيش الوطني السوري (معارضة) في الشمال الغربي (مدعومة من أنقرة) وقوات سوريا الديمقراطية (أكراد- مدعومة من واشنطن) في الشمال الشرقي، وكذلك وضد شركائهم العسكريين الأتراك والأمريكيين.. ويبدو أن هذه الدعوة غير المباشرة للقوات الأمريكية والتركية للانسحاب من سوريا لا تنطبق على إيران وروسيا (حليفتا الأسد)”.
دور أمريكي
و”تلك القضايا الثلاث الكبيرة يتوق القادة العرب إلى مناقشتها، لكن الخلافات القوية بين أعضاء الجامعة، وفقا تصريحات صدرت عن المشاركين في الاجتماعات التشاورية السابقة في جدة وعمان، تشير إلى أنه سيكون من الصعب على الجامعة المضي قدما في تلك الأهداف”، بحسب إدلبي.
وأضاف أن “الولايات المتحدة بالطبع ليست عضوا في الجامعة العربية، لكن ما يزال بإمكانها لعب دور في سوريا، لاسيما بشأن هذه القضايا الأساسية الثلاثة، يمكن أن يساعد الدول العربية على “الحصول على شيء” لتحسين الظروف المعيشية للسوريين، وتقوية نموذج الحكم لخصوم الأسد”.
واستطرد: “يجب على الولايات المتحدة العمل على ترسيخ اتفاق وطني دائم لوقف إطلاق النار مع تركيا وروسيا وإيران لضمان عدم إجراء المزيد من العمليات العسكرية من جانب نظام الأسد لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته”.
وتابع إدلبي: “قد يؤدي الاستقرار والأمن النسبي والدعم المتزايد لإعادة الإعمار في مناطق شمال سوريا الخارجة عن سيطرة الأسد إلى عودة طوعية وآمنة للعديد من مجتمعات اللاجئين في المنطقة”.
وأردف: “في غضون ذلك، يمكن للولايات المتحدة، بالعمل مع شركائها العرب، دفع الأسد وخصومه في الشمال إلى اتفاق، ليس لحل الصراع في هذه المرحلة، ولكن لإعادة تأسيس سلطة مؤسسات الدولة الحيوية في شمال سوريا”.
وزاد بأن هذا الوضع المأمول “من شأنه أن يزيد الاستقرار في الشمال السوري مع الحد من تهديدات الأمن القومي للولايات المتحدة والمنطقة”، معتبرا أنه “بدون قيادة الولايات المتحدة، فإن النتيجة الوحيدة التي ستحققها العملية العربية على الأرجح هي إعادة تأهيل الأسد ونموذجه في الحكم على مدى العقد الماضي”.
المصدر | قتيبة إدلبي/ المجلس الأطلسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد