قراءة في كتاب: مصير العرب ومصيرنا تاريخ تحرر. || ٥ من ٥

أحمد العربي

تاسعاً: ثورة وثورة مضاضّة

       ٢٠١١- ٢٠١٥م.

ما ان جاء عام ٢٠١١م حتى كانت الظروف الحياتية في البلاد العربية عموما، قاسية جدا، فاقة وتخلف وحرمان واستغلال وفقر ونقص فرص العمل ويأس دافع للبحث عن مخرج من مآزق الحياة. وبالمقابل كانت الأنظمة العربية قد تأبدت في حكمها واحتكارها للثروة والسلطة، المال والجاه ومظاهر البذخ، مقترنا مع استبداد سياسي ومجتمعي وقمع وخوف وبطش وفقدان امل. ثروة متضخمة فلكيا عند رموز الأنظمة واقربائها واذنابها. تجاوزت ثروة رامي مخلوف المليار دولار وهكذا كل الانظمة. ١٠٠مليون شاب عربي مسدود الأفق أمامهم. كل ذلك يجعل الشروط الموضوعية للثورة في البلاد العربية متحققة، وتنتظر شرارة من نوع حرق بن عزيزي لنفسه في مدينة بوزيد التونسية. تحرك الشارع التونسي كله وبسرعة غير مسبوقة، وطالبت برحيل النظام. وقف الامن والجيش على الحياد، رحل بن علي وترك تونس لتوافقات الشارع والقوى السياسية فيه. كانت تونس بالأصل قد مرت في تجارب سياسية وحصل حضور لجماعة النهضة الإسلامية بقيادة الغنوشي، المجتمع مسيس، مع حضور المجتمع المدني خاصة الاتحاد العام للشغل. وهناك أحزاب يسارية وعلمانية، وضعت تونس في توازنات مجتمعية داخلية، ابعدتها عن احتمالات صراعية مسلحة. حوصرت المجموعات الداعشية ومنعت من أن تسيطر على المشهد السياسي التونسي، نظر الغرب للتجربة التونسية على أنها قريبة منهم و متمثلة بهم، دعموا على استحياء حراكها الديمقراطي، دخلت في المسار الديمقراطي، برلمان ودستور وحكم أغلبية … نستطيع القول أن تونس عبرت الى العصر الديمقراطي على الاقل الى الان.

أما في ليبيا فقد كان مسار الربيع الليبي مختلفا، لقد تحرك الشارع الليبي الذي لا يزال يعيش انتماءاته المناطقية والقبلية، والمحروم من أي منابر سياسية في مرحلة القذافي،  لقد كانت السلطة في ليبيا مهيمنة على المجتمع على اعتباره قطيع مطيع رغما عنه. لم يقبل القذافي المسكون بجنون العظمة ان  يسلم للثوار بل على العكس اعتمد على جميع انواع الاسلحة لإنهاء الثورة وحاربه الثوار بالسلاح. ولولا تدخل مجلس الأمن لكان القذافي عاد حاكما على ليبيا بعد حمام دم بالشعب الليبي. ساعد الناتو على إسقاط القذافي الذي هرب وضبط بمجرور و قُتل ومُثّل به. دخلت التجربة الليبية بعد ذلك في استقطابات عربية ودولية. لقد دقت الانظمة العربية ناقوس الخطر. الديمقراطية القادمة تعني إسقاط الأنظمة ومحاسبتها واسترداد حقوق الشعوب منها. لذلك كان لا بد من اسقاط الربيع العربي. تزعمت الإمارات وغيرها من دول الخليج جبهة الثورة المضادة ضد الربيع العربي. كما تم تجييش العالم ضد الاسلاميين الارهابيين القادمين لحكم الدول العربية. خاف الغرب على مصالحه، دعم الأنظمة. كانت ليبيا مسرحا مبكرا لصراع مسلح على خلفية قبلية مناطقية، بدعم إماراتي خليجي من جهة، كما دعمت الشرعية التي حصلت اول الثورة من قطر ومن تركيا بعد اعوام اخرى. ومازالت حرب الأخوة الأعداء مستمرة في ليبيا للآن.

أما اليمن فقد كان مسار الثورة به مختلفا لقد تحرك الشارع ضد حكم علي صالح وعائلته وأنصاره. واجه الثورة بالعنف، انحاز بعض الجيش مع الثورة. تدخلت السعودية لمعالجة الوضع المستجد فاليمن على خاصرة السعودية و أي متغير بها يعني أنه داخل بيتها. جمعت الأطراف ابعدت صالح  وابنائه واقربائه من مراكز الجيش الاساسية.وعينت نائبة عبد منصور هادي رئيسا ودفعت اليمنيين الى توافقات داخلية. لكن الحوثيين لم يقبلوا بالحل. دعمتهم إيران عبر حزب الله. إيران التي تحارب على جبهة الأسد في سورية و متغلغلة في لبنان والعراق، وجدت بالحوثيين حصان رهان في اليمن، وهكذا دخل اليمن في حرب داخلية بالوكالة بين السعودية وإيران. وسرعان ما دخلت السعودية بقواتها العسكرية مع التحالف العربي اضافة للإمارات. ومازال الصراع للآن ونزيف الدم اليمني مستمرا.

أما المسار المصري للربيع العربي فقد كان مختلفا. نزلت الملايين من الشباب المصري إلى الساحات والشوارع مطالبة برحيل النظام، ولم يستطع مبارك ان يقنع الشعب بأي إصلاحات. وما كان من طبقة الجيش العريق في مصر والمهيمن مع الأمن والبوليس على كل مفاصل الدولة، وهم المستفيدين الأكبر من اقتصاد البلد مع طبقة تجارية تمتص خير البلاد كلها. تدخل الجيش ودفع مبارك للاستقالة، وشكل مجلسا عسكريا. رعى انتخابات رئاسة وبرلمان حر لأول مرة في مصر. انتخب محمد مرسي الاخواني رئيسا وكان ذلك طبيعيا، الاخوان هم الأكثر حضورا وفعالية وتنظيميا و شعبية. انحنى المجلس العسكري للعاصفة و أعاد مرسي تثبيت القيادات العسكرية وأبعد بعضهم. وكان السيسي القائد العسكري الجديد. الذي أخذ شرعية مواجهة رئيس إخواني وبرلمان اغلبه إسلاميين، وعمل انقلاب داخل القصر اقصي مرسي وسجن. وانتخب السيسي رئيسا بمواصفات مبارك. حُلّ مجلس الأمة المنتخب، واُلغي الدستور الجديد وعادت مصر مجددا لعهد الاستبداد بكل عيوبه ومآسيه. وعادت مصر لتكون رأس حربة ضد الربيع العربي. ولم يكن ذلك ليتم لولا دعم امريكي اسرائيلي غربي. و دعم مالي سخي من السعودية والإمارات. عادت مصر بأسوأ من ما قبل ثورتها عام ٢٠١١م. صنعت لها جماعات اسلامية ارهابية في الداخل المصري وفي سيناء برر المذابح التي قام بها السيسي بحق المصريين في ساحات الاعتصام و للآن… انه يحارب الارهاب. يدعم النظام السوري في حربه على الشعب السوري ايضا.

عاشراً: الرعب السوري.

لم يكن يتوقع بشار الأسد أن يصل الربيع الى سورية. يعرف القمع الذي مارسه وابوه قبله على الشعب السوري عبر عقود، ويعرف تغلغل جيشه وأمنه واستخباراته في كل مفاصل البلاد تحصي أنفاس الناس. مع ذلك تجاوز الشباب السوري ومعه الشعب حاجز الخوف وخرج بالثورة في أذار ٢٠١١م. كانت الخيارات الدولية والاقليمية محدودة في سورية، رفضوا طريقة اسقاط القذافي، فما زالوا بحاجة للأسد ونظامه. لذلك اختاروا مسار اليمن. دعا النظام ممثلا بفاروق الشرع نائب الرئيس الى لقاء يناقش الحراك ويبحث عن حل. وحصل لقاء في فندق سمير اميس في دمشق. لم يتمخض عن أي شيء. الشباب الثائر صعد من مطالبه الى اسقاط النظام، والنظام قرر إسقاط الثورة ولو قتل الشعب كله، شعاره: الأسد او نحرق البلد. لكن جامعة الدول العربية دخلت على الخط بحثت عن مخارج. واستدعت لجنة دولية لمراقبة الوضع الداخلي جاء عنان وغادر عنان والنظام لم يتراجع عن مذابحه. طرد النظام من الجامعة العربية أمريكا وحلفاؤها الغربيين سحبوا سفراءهم. منعت روسيا والصين قرارا امميا ضد الأسد. لقد حصل على تفويض بالقتل عبر الفيتو الروسي الصيني. هدد الرئيس الأمريكي أوباما بالتدخل ان استعمل النظام الكيماوي. ومع ذلك ضرب النظام الغوطة و المعضمية بالكيماوي ومات ١٤٠٠ انسان. ولم تتدخل أمريكا، اكتفوا بسحب مخزون السلاح الكيماوي المتواجد عند النظام. استمر النظام بقتل الشعب وتشريده وتدمير البلد مدعوما من روسيا وإيران. وعندما ضعف على الأرض أمام الثوار بقواهم المتواضعة، انقذه حزب الله والدعم المفتوح من ايران على الأرض، والتدخل من الطائرات الروسية من الجو لتدمير سورية فوق رؤوس شعبها. لم يتغير شيء في الحال السوري فقد تشرد نصف الشعب السوري داخلا وخارجا. وقتل مئات الآلاف عند تاريخ تدوين الكتاب عام ٢٠١٥م. ولا أفق لأي حل في سورية.

هنا ينتهي الكتاب مؤكدا ان الاستبداد العربي المسكوت عنه غربيا في الظاهر والمدعوم عمليا منه ومن أنظمة عربية تخاف على نفسها من الديمقراطية القادمة. ومن التحرر الحتمي الذي يجب أن يحصل عليه العرب. لقد عطلت اندفاعة الحرية مجددا….

في تحليل ونقد الكتاب نقول:

١ – الكتاب مكثّف جدا لا تصل عدد صفحاته إلى ٢٠٠ صفحة، من القطع المتوسط. يختصر مئة وخمسين سنة من تطور أوضاع منطقتنا العربية وعلاقتنا مع الغرب بالتفاصيل، كان ذلك ظلما في هذا التكثيف، وكثير من الحوادث لم تأخذ حقها من التنوير، وإن لم يكن عند القارئ خلفية ثقافية واطلاع تاريخي نسبي عما يتحدث عنه الكتاب فإنه سيكون متعبا للقارئ وامكانية ان يستفيد من معلوماته بالقدر الكافي.

٢ – ان الكتاب على أهميته وبلسان أحد مثقفي فرنسا المعاصرين الذي يقر دون مواربة بحق الشعوب العربية ان تصل الى التحرر. بصفته عدالة اجتماعية، وحرية على كل المستويات، وكرامة انسانية مصانة، ومؤسسات مع دساتير تنضبط فيها البلاد ضمن ديمقراطية شاملة يتحرك بها مجموع الناس للحياة الافضل ويقول: مصير العرب ومصيرنا تاريخ تحرر. هو إقرار نظري، يناقضه مضمون الكتاب الذي يؤكد عبر رصد العلاقات العربية الأوروبية عبر قرن ونصف تقريبا. مع رصد التطورات الداخلية في بلاد العرب. والحضور الغربي في بلادنا يؤكد مقولة: تاريخ العرب وتاريخنا المعاصر هيمنة اوروبية غربية شاملة، وبكل الاساليب، لم يمنع الغرب رغم كل ادعاءاته من أن يستعمر بلادنا ويستثمر مواردنا ويصنع ويدعم انظمتنا المستبدة القمعية، و يؤبد تخلفنا وفقدان حقوقنا ولو باستخدام القوة الصريحة. مئة وخمسين سنة من الاستعمار ملايين من الشهداء عبر هذه الفترة في مواجهة الغرب، نهب اقتصادي بمليارات الدولارات. نفط وفساد وسلاح وكل شيء… هذا هو الغرب الممانع بالقوة للعرب دون تقدمهم ودخولهم العصر الديمقراطي.

٣ – مع ذلك يبقى الكتاب مهم من حيث موضوعه وشموله، وتغطيته لهذه الفترة من تاريخ العرب الداخلي و بالعلاقة مع الغرب ويغطي فراغا في المكتبة العربية يجب ان يملأ.

٤ – يضعنا الكتاب مجددا أمام التناقض الصميمي عند الأفراد والجماعات والدول، بين اسبقية المصالح على الحقوق عند ممارسة الدول لسياساتها مع بعضها. هل يصل التناقض والصراع و اولويّة المصالح الى درجة تحويلها لقانون تاريخي. وان دعوى الحقوق والعدالة وحتى الديمقراطية. هي من اختصاص الأنبياء والمصلحين والمفكرين الكبار. وتبقى كلها قشرة على جلد التاريخ والعلاقات المعاصرة تزول عند حصول امتحان مصالح لها على أرض الواقع.

٥ – يضعنا الكتاب وواقع حالنا نحن العرب في جميع بلادنا أمام مشكلة عصية على الحل، وهي حصول هذا التحالف بين الغرب بكل دوله من روسيا الى اوربا وامريكا وايران وغيرهم، مع الانظمة الاستبدادية التابعة لهذه الدول و المهيمنة على حياة الناس واسباب عيشها، وتحويل الشعوب الى قطيع مستعبد، منذور للذل والنهب والتخلف، هذا التحالف المدعوم بالسلاح والمال والقوة العارية. هذا التحالف الذي يقتل مليون شهيد في سورية ويدمر نصفها و يشرد نصف الشعب ملايينة الاثني عشر، يقود مصر كقطيع يرعى حربا اهلية مستدامة في ليبيا واليمن، و دول البترول العربي تغذي هذا القتل الدائم بالمال والسلاح. وتدعم أنظمة تبني عروشها على جماجم شعوبها. كيف سيتمكن الشعب العربي في كل بلاد القتل والقمع أن يستنهض طاقته وينتصر لحريته في مواجهة كل هؤلاء الأعداء؟.

أخيرا: ما اود قوله انني لا اروج لليأس هنا ولكن اتلمس حقائق من دمنا نحن العرب، ومن واقع تشردنا، وهواننا على العالم كله. نموت او نحيا لا يعني ذلك احد الكل يحسب ربحه وخسارته، وانظمة قاتلة تابعة ذليلة تقتات على شعب قطيع مستعبد…

هذا واقعنا نحن العرب ان نزعنا عن واجهتها مظاهر الادعاء الكاذبة أن بعض دولنا او شعوبها بخير…كلنا في الحال سواء عبيد حكامنا وحكامنا عبيد الغرب بكل الوانه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى