ماهي دلالات تعيين فلاديمير بوتين مبعوثا رئاسيا خاصا له في سورية

بسام العيسمي

في ال25 من شهر أيار المنصرم أصدر القيصر الروسي قرارا بتعيين ألكسندر يفيموف مبعوثا خاصا له في سورية المحكومة من قبل نظام تسلطي مافيوي قاتل وفاسد فتح ابوابها وللسنة العاشرة على التوالي للخراب والجريمة. مستنجدا بكل ضباع العالم ومجرميه ليشاركوه قتل السورين.

شغل يفيموف منصب سفيرا فوق العادة لبلاده في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ شهر نسيان لعام 2013 حتى تاريخ نقله الى سورية، وبنفس المهمة أيضا سفيرا فوق العادة في شهر تشرين الأول لعام 2018.

وقبل حوالي اسبوع أصدر بوتين قراره بتعينه ممثٌلا خاصا له في سورية…

-في الأعراف الدبلوماسية السفير فوق العادة هو أعلى مرتبة من السفير. حيث تناط به مهام خاصة يسعى لإدارتها وتحقيقها. وهذا يستدعي تفويضه بصلاحيات واسعة باتخاذ    القرارات وإبرام الاتفاقات باسم بلاده دون الرجوع لوزارة الخارجية فيها.

امٌا إعادة تسمية يفيموف مبعوثا رئاسيا خاصاً للرئاسة (تحت يافطة تعزيز وتطوير العلاقات الروسية السورية) هو ترفيع جديد له وتوسيع لصلاحياته الواسعة اصلاً ليتمكٌن من تنفيذ استراتيجيات بلاده وأهدافها في سورية مفوضاً بسلطة اتخاذ القرارات وعقد اللقاءات والمشاورات والتصرٌف بما يلزم لأجل ذلك، دون الرجوع لبلاده. وأيضا مع كل الأطراف الفاعلة بالملف السوري.

لقد أثار هذا التعيين عاصفة من الجدل والتساؤلات والتفسيرات المتناقضة أحيانا حول الغاية منه وتوقيته وارتداداته على المشهد السوري وجدوى تلك الخطوة.

ولا سيما بأن هناك مبعوثا خاصا لبوتين الى سورية وهو الكسندر لافرتنيف الذي يرأس وفد روسيا في محادثات استانا، ويمثٌلها في غالبية المحافل الدولية التي تتعلٌق بالشأن السوري.

 فغالبية التفسيرات تُجمع وتتفق. بشكل عام على ثلاثة مسائل وهي.

– ان هذه الخطوة تهدف لتوسيع السيطرة الروسية على الملف السوري بتشعباته السياسية والاقتصادية والأمنية في ظل التنافس المحموم بين روسيا وإيران في سورية.

– هي مؤشر على فقدان النظام للسيادة على ارضه وقراره.

– هي تأتي كمحصلة طبيعية لاختلال العلاقة التي تنظمها الأعراف الدبلوماسية بين دولتين ذات سيادة.  .. ولأن السيادة السورية منتهكه، والنظام فاقد لقراره.. فهي تأتي تعبيرا عن علاقة التابع بالمتبوع. وبالتالي تصبح وظيفة المبعوث الجديد للقيصر الروسي أقرب الى ان يكون مندوبا ساميا لبلاده..

الأسد ومنذ سنوات سلٌم قراره للأجنبي بدلا من الرضوخ لمطالب شعبه ولا يعدو اليوم أكثر من رجل كرسيي. وورقة صفراء محروقة… وأصبح غير قادر إلٌا على مواصلة القتل وارتكاب الجرائم بحق سورية والسوريين، وبيع مفردات البلد للأجنبي.

ألم يصفه الإعلام الروسي سابقا بذيل الكلب؟

  فالخلافات تصاعدت بينه وبين موسكو. فهو المحكوم للنفوذ والوصاية الإيرانية التي تفرض عليه احيانا معاندة روسيا في بعض مفاصل الحدث السوري وتطوراته حينما يكون هناك تفارق في مصلحتيهما. اضافة الى إنه يثق ويطمئن لإيران أكثر. لشعوره بأن بوتين قد يتخلٌى عنه ويبيعه بأي لحظة يجد فيها من يشتريه. مما ساهم ذلك بأن تسوء علاقته مع روسيا.  وبرز ذلك جليا ومند أشهر وهي تتهكم عليه وبعض صحفها تنعته بالضعف والفساد، وافتقاده القدرة لبسط سيطرته على البلد وإدارة الحكم.. اضافة الى كم الإهانات المقصودة والمتعمدة التي يتلقاها من بوتين. حينما يلتقيه ويعامله بما لا يليق برئيس دولة. وتظهير ذلك في الإعلام هو رسالة روسية واضحة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأن الأسد بضاعة قابلة للبيع لمن يدفع. لكن أحدا لم يقدم على شرائه….

وايضا جاء هذا التعيين في ظل الانهيار والتصدٌع الذي وصل اليه نظام الأسد وعلى كل المستويات ووصوله للمنظومة المالية لعائلة الأسد والأموال التي نهبوها وسرقوها من عرق السوريين وخيرات بلدهم.

 وايضا يأتي في سياق السباق والتنافس الروسي الإيراني المحموم للسيطرة على مقدٌرات سورية وقرارها.

فقبل تعيينه ممثلا خاصا ببضع ايام صرٌح يفيموف لجريدة الوطن السورية وأتصور لم يكن هذا التصريح وليد الصدفة. حيث تطرٌق في حديثه للمشاريع التي سيجري تنفيذها ومنها تطوير مرفأ طرطوس، وإعادة تأهيل حقول النفط والغاز ومعمل الاسمدة المعدنية في حمص وووو…

لا شك بأن روسيا ساعدت النظام وكانت شريكا له في قتل السوريين وتشريدهم وهدم مدنهم وحمته من السقوط محاولة الإمساك. بكامل الملف السوري للاستثمار فيه، والمقايضة به على ملفات اخرى كملف القرم والعقوبات المفروضة عليها. وأيضا رغبتها في العودة للمياه الدافئة واستعادة دورا عالميا ونفوذا كان للاتحاد السوفيتي سابقا وانتهى.

تدخلٌت بسورية عسكريا في 30 سبتمبر (ايلول)لعام 2015 بحجة القضاء على الإرهاب. وكانت تتوقع بأن تُنجز مهمتها هذه في فترة اقصاها ستة أشهر   واليوم مضى خمس سنوات على ذلك ولازالت تغوص بالوحل السوري.. هي حققت انجازا عسكريا صحيح لكنها فشلت في استثماره سياسيا. فمسار استانا الذي ارادته مسارا موازيا لجنيف ومعدٌلا له بتقديمها المسألة الدستورية على هيئة الحكم الانتقالي لتمنح النظام الإشراف على العملية الانتقالية وكمرجعية وطنية لها في غياب هيئة الحكم الانتقالي بقصد إعادة انتاجه من خلال بعض الرتوش التي تُجريها عليه، والتي تتعلق بمظهره ولا تمس جوهره. بهدف تقزيم العملية السياسية. فبدل ان تكون مآلاتها الانتقال من هذا النظام الى نظام جديد يحقق بعض الحقوق والأهداف التي ثار من أجلها السوريين. ليصبح الانتقال من النظام الى النظام نفسه. لكنها أيضا فشلت ووصلت لطريق مسدود نتيجة لرفض النظام ومعاندته بالامتثال والتعاون في المسار الدستوري. وتعطيله بدعم من النظام الإيراني.. كما عطٌل المسار التفاوضي ايضا.

 فهو نظام مافيوي وعائلي تسلطي وفاسد غير قابل لأي نوع من الإصلاح مهما كان بسيطا لأنه سيقود لنهايته. وهو مدرك لهذا. مما اوصل روسيا لطريق مسدود. فإعادة الإعمار التي كانت تعوٌل عليها لم تستطع تمريرها قبل الانتقال السياسي.

والولايات المتحدة عادت لتلعب الدور الرئيس والحاسم على الساحة السورية بعد أن كانت تدير المشهد من الخلف.

المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن أعلنت بوضوح بأن مسار استانا انتهى ووصل لطريق مسدود. كما أن جيمس جيفري المبعوث الخاص للولايات المتحدة الى سورية وفي تصريحات له نقلها موقع وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 12/5/2020 قال ان بلاده لاتزال ملتزمة بمحاسبة نظام الأسد على جرائم الحرب التي ارتكبها، وأضاف (طالما بقي الأسد في السلطة لن يكون هناك دعما لسورية ولا إعادة إعمار.) ودخول قانون قيصر حيز التنفيذ ابتداء من 1/6/2020.

هذا القانون الذي يمتلك ادوات تنفيذه وآلياتها بخلاف قرارات مجلس الأمن. كونه قانون داخلي امريكي تتابع تنفيذه المؤسسات المعنية بذلك من تلقاء نفسها دون اي تفويض جديد لها مادام دخل حيٌز التنفيذ. ولا يتأثر بأي انتقال للسلطة كونه نال اصوات اغلبية الجمهورين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ.  فهذا القانون هو من اشد القوانين الأمريكية وأقساها التي صدرت في هذا السياق. فهو يمنع إعادة تأهيل الأسد ويلاحق بعقوباته الأشخاص او الكيانات المشاركين في القتل بسورية بما فيها اجهزه الأمن والاستخبارات والقوات المسلحة ويفرض قيودا على المصرف المركزي واصوله ويطال بعقوباته حلفائه روسيا وإيران، وكل من يزاول اعمال تجارية مع النظام ومن يشارك في مشروعات اعادة الإعمار وكل من يدعم قطاع الطاقة افرادا او كيانات. وووو. (لا يتسع هذا المقال للتفصيل فيه. سنفرد لاحقا مقال مستقل عن هذا القانون).

فإقراره ودخوله حيز التنفيذ يعتبر قرينة قطعية بصحة ال55 الف صورة التي سربها السوري الأصيل المكنٌى بقيصر ل 11 الف شهيد قتلهم النظام وبشكل ممنهج ومتعمد في سجونه ومعتقلاته تجويعا وتعذيبا حتى الموت. في سابقة لم يقدم عليها اي نظام في العالم من قبله مهما بلغ من القذارة والوحشية والإجرام.

كما وأن صدور تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والتي تعلن فيه مسؤولية نظام الأسد عن استخدام السلاح الكيماوي لثلاث مرات على الأقل في قرية اللطامنة بريف حماه. بأواخر شهر آذار     من العام 2017 ايضا هي واقعة اصبحت ثابتة.. علما بأنه استخدم الكيماوي في أكثر من 365 ضربة طالت مختلف الجغرافية السورية منذ بداية الأحداث.

نظام متوحش ثبت قتله للسوريين المدنيين العزٌل في سجونه تحت التعذيب!  واستخدم الكيماوي لقتل شعبه يكون قد خرج من اي حسابات يمكن ان يكون له اي دور بمستقبل سورية. وبقائه ليوم واحد على رأس السلطة هو عار على الانسانية جمعاء. ولن تستطع لا روسيا. ولا المجتمع الدولي انتاجه من جديد. فمكانه أصبح محكمة الجنايات الدولية؛ وعلى مزبلة التاريخ.

 وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تصعيد الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران وأدواتها في المنطقة بهدف تحجيم دورها السرطاني والتخريبي المقوٌض لأمن المنطقة والمخل بالتوازنات الإقليمية فيها   وأصبح مصدر قلق لكل دولها وشعوبها.

كل هذه التطورات بالمشهد السوري وتبدلاته افقدت روسيا القدرة على استثمار ما حققته عسكريا على المستوى السياسي. وبدأت تخشى من استنزافها في سورية. والتي قد تتحول لمستنقع أُعِد لها لتغوص به وتغرق.  فبدأت تستشعر هذا الخطر محاولة تجنب سيناريو افغانستان السابق.

وهذا ما أدلى به يفجيني سيدروف معترفا بحدوث بعض التباعد بين موسكو ودمشق واضاف (بأن روسيا تُدرك خطر تكرار سيناريو افغانستان من ان يتكرر في سورية وستبذل قُصارى جهدها لتدارك هذا الخطر.

كل هذا دفع روسيا لبدء الافتراق مع الأسد المسيٌر إيرانيا ونظامه المافيوي المغلق الذي وصل لحالة الانهيار الكامل. وهو يعيش اخر ايامه. واستشعرت خطورة بقاء المراهنة عليه، وما قد يجٌره عليها من خسارات. وأدركت بأن لا مخرج من هذا المستنقع الذي دخلته إلٌا بمشاركة دولية في إعادة الإعمار. وهذه لم يعد ممكناً ابدا إلٌا بعد إطلاق العملية السياسية سندا لجنيف 1 والقرار 2254.

من هنا يمكن ان نقرأ أهداف ودلالات تعيين يفيموف ممثلا رئاسيا خاص. فهو الأقرب لأن يكون مندوبا ساميا لبلاده في سورية بهدف إحكام وتوسيع   سيطرة روسيا على مساحة اكبر من الملف السوري من مختلف جوانبه بما يمكٌنها ان تفرض على نظام الأسد الدخول في العملية السياسية مُكرها ومجبرا لأن ذلك اصبح مصلحة روسية بامتياز .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى