تمكّن الحرس “الثوري الإيراني” في سوريا من تسجيل تقدم جديد في مسار تطوير القدرات العسكرية للميليشيات التابعة له، وذلك على الرغم من كلّ التحديات والصعوبات التي يواجهها بما فيها العقوبات والغارات المضادة. وتمثل هذا التقدم في إنشاء بنية تحتية بمدينة دير الزور قادرة على تجميع الطائرات المسيّرة فوق الأراضي السورية عوضاً عن المخاطرة بإدخالها عبر قوافل كانت تتعرض غالباً لاستهدافات من الطائرات إسرائيلية أو طائرات التحالف الدولي أثناء دخولها عبر الحدود العراقية – السورية.
وللمرة الأولى منذ سيطرته عام 2017 على أجزاء واسعة من محافظة دير الزور بما فيها المدينة، بدأ “الحرس الثوري” الإيراني بعملية تجميع الطائرات المسيّرة في منشأة أحدثها في مدينة ديرالزور، وفق تقرير صادر عن شبكة “عين الفرات”.
وتمهيداً للشروع بهذه العملية، استقدمت الميليشيات الإيرانية خلال الأشهر الماضية معدات مخصصة لصناعة الطائرات المسيّرة وصيانتها، وقامت بإدخالها إلى مدينة دير الزور لتأسيس مرحلة جديدة من التطوير العسكري في سوريا.
وتقع المنشأة التي أستحدثها “الحرس” الإيراني لغرض تجميع الطائرات المسيّرة، في الرحبة العسكرية الخاصة بـ”الحرس الثوري” الإيراني على طريق البانوراما، وفق التقرير ذاته.
وبعد استكماله تجهيز المنشأة من الناحية الفنية، قامت قيادة “الحرس الثوري”، قبل حوالى أسبوعين، بإدخال العديد من الخبراء المتخصصين بصناعة الطائرات المسيّرة إلى سوريا، عبر معبر البوكمال الحدودي مع العراق للإشراف على عملية التجميع.
وفور وصول الخبراء بدأ العمل في المنشأة حيث كانت الأجزاء التي يراد تجميعها لتشكيل طائرات مسيّرة قد سبقت الخبراء إلى المخازن المخصصة.
ولم يكد يمضي أسبوع واحد على وصول الخبراء حتى تم تجميع الدفعة الأولى من الطائرات ووضعها قيد التجريب في كل من مدينتي الميادين والبوكمال.
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، والتي تم فيها التوقيع على عدد كبير من الاتفاقات بما فيها العسكرية. وقد نقلت وكالة “مهر” الإيرانية عن وزير الدفاع الإيراني أنه عرض على نظيره السوري أثناء اجتماعهما في دمشق أن تعمل طهران على بناء مصانع عسكرية في سوريا وأن تقوم بتحديث وتطوير القدرات العسكرية السورية.
غير أن الميليشيات الإيرانية لا تسير وفق الخط الرسمي للعلاقات السورية – الإيرانية، لذلك لا يمكن القول إن منشأة تجميع الطائرات في دير الزور من نتائج زيارة رئيسي وإن كان العديد من المراقبين لا يستبعدون أن تكون الزيارة قد أوجدت مناخاً مواتياً أتاح للميليشيات الإيرانية توسيع نشاطها بعيداً من بعض القيود التي كانت تكبّلها في السابق.
وفي تقرير سابق، أشار “النهار العربي” إلى وجود معطيات في سوريا تؤكد أن طهران مصممة على تحسين أداء ميليشياتها وإيصالها إلى المستوى النوعي الذي باتت تتميز به في كل من العراق واليمن وذلك باستخدام الطائرات المسيّرة في المعارك والحروب التي تخوضها في هذه البلدان.
وعلى الرغم من أن مشروع الطائرات المسيّرة في سوريا تعرض لنكسات كثيرة لأسباب عدة منها سيطرة روسيا على الأجواء السورية، ما حرم طهران من حرية تحليق طائراتها، وكذلك الغارات الإسرائيلية التي وجهت ضربات قاسية للمساعي الإيرانية، فقد بات واضحاً أن نواة المشروع الذي وضعته الميليشيات الإيرانية خلال الشهور الماضية بدأت في النمو والتوسع، ويعود الفضل في ذلك إلى دخول “حزب الله” اللبناني على خط تبنّي هذا المشروع في سوريا، وفق التقرير السابق”.
دور “حزب الله”
قامت “الوحدة 127″ التابعة لـ”حزب الله” بدور مركزيّ في تأسيس البنية التحتية لمشروع الطائرات المسيّرة في سوريا. وتتخصص هذه الوحدة التي أنشأها حسان اللقيس الذي اغتالته إسرائيل عام 2013، في مجال الطائرات المسيّرة الإيرانية. وتشمل أعمالها الصيانة والتشغيل، وتضم أفراداً وضباطاً متخصصين بالإشراف المباشر على قطاع المسيّرات الإيرانية.
وتنشط “الوحدة 127” بشكل كبير ضمن منطقة “القصير” وريف حمص الشرقي، خصوصاً في منطقة تدمر؛ وثمة أيضاً جنود يعملون لصالح ميليشيا “الدفاع الوطني”، وهم على احتكاك مباشر بعناصر محليين تابعين للقوات الإيرانية، من بينهم عناصر يخدمون ضمن مطار تدمر العسكري.
وتعمل القوة المتخصصة التابعة لـ”حزب الله” اللبناني والمسؤولة عن إدارة الطائرات، وتعزيز مستوى انتشارها ضمن مطار تدمر ومحطتي T2 وT3 النفطيتين، لرفع وتطوير مستوى استخدام الطائرات المسيّرة، خصوصاً ضد مناطق التحالف الدولي بمساحة 55 كلم، وفق ما كشفت شبكة “فرات بوست” السورية المعارضة.
وبحسب تقرير الشبكة تشرف “الوحدة 127” على تشغيل طائرات مسيّرة إيرانية تشمل طائرات استطلاع عبر مطار تدمر العسكري.
ولكن من غير الواضح، حتى الآن، ما إذا كانت جهود تطوير الطائرات المسيّرة في دير الزور تجري بإشراف “الوحدة 127” أم تخضع لحسابات مختلفة.
وكانت الميليشيات الإيرانية قد بدأت بإخضاع بعض مجموعاتها لمعسكرات تدريب على كيفية استخدام الطائرات المسيّرة. وكان أول معسكر قد افتتح لهذا الغرض في بادية التبني غرب دير الزور، في شهر آذار (مارس) من العام 2022.
وكان “المرصد السوري” في مطلع العام الجاري قد أشار إلى أن “شحنات من الأسلحة والذخائر وقطع تصنيع الطائرات المسيّرة وصلت إلى مطار الديماس العسكري في ريف دمشق الغربي، بعد نقلها من مطار التيفور في ريف حمص، إذ بات مطار الديماس خاضعاً لسيطرة إيران وميليشياتها بشكل شبه كامل خلال الفترة الأخيرة”.
وتشير توقعات خبراء في الشأن الإيراني إلى وجود نية لدى طهران للعمل على تهيئة الأجواء من أجل التصعيد ضد التواجد الأميركي في سوريا خصوصاً في المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها القوات الكردية والمعروفة إعلامياً بـ “شرق الفرات”، وأن تكون منشأة تجميع الطائرات المسيرة قفزة جديدة في مسار التصعيد الإيراني.
ولكن سيؤدي ذلك بالضرورة إلى استفزاز إسرائيل التي نفذت مئات الغارات خلال السنوات الماضية لمنع إيران من التمركز العسكري في سوريا، وكانت منذ مطلع العام الجاري قد كثفت غاراتها الجوية التي تستهدف مواقع إيرانية كان من ضمنها الشهر الماضي منشأة لتصنيع الصواريخ في أحد أحياء مدينة دير الزور.
المصدر: النهار العربي