بدأ القتال في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، منذ نحو شهر، وشهدت الليلة الماضية تطورا جديدا حيث اتفق طرفا النزاع بوساطة سعودية أميركية على “إعلان مبادئ” لحماية المدنيين.
لم يشهد الإعلان الموقع عليه في مدينة جدة أي التزام بوقف إطلاق النار، وبالفعل تواصلت العمليات القتالية بين الطرفين المتنازعين، وأشار محللان إلى أنه لا يمكن ضمان تنفيذ هذا الإعلان في وقت تنتشر القوات في مناطق سكنية ومرافق مثل محطات المياه والمستشفيات، وإصرار الطرفين على استمرار القتال.
بموجب الإعلان الموقع، يسمح الطرفان للمدنيين بمغادرة مناطق الصراع وحماية الاحتياجات اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية.
ويلزم الإعلان الجانبين بالامتناع عن تجنيد الأطفال والاحتجاز التعسفي للمدنيين وكل أشكال التعذيب، والالتزام “بسيادة السودان والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه”.
ويشير الإعلان إلى أنه لن “يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة عليه”، وهو لا يرتبط بـ”الانخراط في أي عملية سياسية”.
فشل في جدة؟
لا يتحدث الإعلان عن أي وقف للقتال، وأشار بيان لوزارة الخارجية الأميركية حول توقيع الإعلان، إلى أن المحادثات في جدة ستركز بعد التوقيع على التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق نار فعال لمدة تصل إلى عشرة أيام.
كما ذكر أن هناك تدابير يجرى مناقشتها تتضمن “آلية مراقبة سعودية-أميركية لوقف إطلاق النار بدعم دولي”.
يرى المحلل السعودي والمستشار السابق بوزارة الخارجية السعودية، سالم اليامي، أن إعلان المبادئ “مجرد بداية وأن ما يحدث في السودان صعب، فالمفاوضات في جدة بدأت منذ نحو أسبوع ويبدو أن الخلاف كبير”.
وأشار اليامي في تصريحات لموقع “الحرة”، إلى أن الأحداث على الأرض لا تسمح بحدوث التقارب و”اكتفت الأطراف الراعية بإعلان المبادئ وتنظر إليه كخطوة أولية بعدها أعتقد يمكن الوصول إلى التزام أوضح بوقف إطلاق النار أو التوصل لخارطة طريق لإنهاء الخلاف”.
ولكنه عاد وأكد أن الوسطاء يحاولون تمهيد وتوفير الأجواء لحوار “لكن لو لم يكن للأطراف السودانية رغبة حقيقة للحل ووقف أسلوب التفاهم بالرصاص لن يمكن إجبارهم على شيء”.
بوقت سابق الجمعة، أبدى ممثل الأمم المتحدة الخاص للسودان، فولكر بيرتس، تفاؤله بشأن إمكانية توصل الوسطاء لوقف لإطلاق النار في السودان في الأيام القليلة المقبلة، وقال إنه تلقى تطمينات من أحد الطرفين بأنهما سيواصلان التفاوض في السعودية.
وقال للصحفيين في جنيف “أعتقد أن أهم عنصر في هذا التفاهم الذي تم توقيعه الليلة الماضية هو التزام الطرفين بمواصلة محادثاتهما”، لكن تصريحاته جاءت في ظل تواصل القصف الجوي والمدفعي في الخرطوم.
المحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، أوضح لموقع “الحرة”، أن “إعلان المبادئ لا يوجد فيه التزام بوقف إطلاق النار، هو عبارات عامة مقتبسة من القانون الدولي، ويبدو أنه مجرد محاولة لإعطاء رسالة إيجابية بدلا من إعلان فشل في التفاوض”.
وأضاف أن القائمين على الوساطة وبسبب صعوبة المفاوضات قرروا تقسيمها إلى الشق الأول وهو إعلان المبادئ، قبل أن ينتقلوا إلى الشق الآخر المتعلق بالمفاوضات حول وقف إطلاق النار.
وأكد ميرغني على ضرورة حسم الأمر سياسيًا لأن المعارك داخل الأحياء والقصف بالطيران ستلحق أضرارًا كبيرة بالسودانيين “القضية خلاف بين قيادتين والجنود سواء هنا أو هنا هم سودانيين ولا يوجد سبب لاستمرار الحرب”.
وأشار إلى أنه، حتى لو انتهى الأمر بالجيش بإخراج قوات الدعم السريع بالقوة من الخرطوم، هنا “يمكن أن تنتقل لأماكن أخرى وتثير القلاقل”، وبالتالي الحل السياسي هو الذي يجب أن ينهي الأزمة.
واقع معقد
يتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع باستخدام المناطق المدنية في الصراع ما يمثل خطورة على حياة المدنيين باعتبارهم في هذه الحالة دروعًا بشرية، فيما تقول قوات الدعم السريع إن الجيش يقصف المناطق المدنية بالطائرات.
وقال الجيش في بيان أمس الخميس، إن “المليشيا المتمردة تواصل ممارسة سلوكها الإرهابي تجاه المواطنين في مواقع تمركزاتها بأجزاء من العاصمة وذلك بالتوسع في أعمال النهب وتخريب المرافق الخدمية وسرقة الممتلكات العامة والخاصة”.
وعلى الجانب الآخر جاء في بيان للدعم السريع، الخميس، أن “قيادة القوات الانقلابية وبقايا النظام البائد، واصلت ارتكاب المزيد من الفظائع بحق المدنيين العزل والأبرياء بتحريض من قوى الظلام لتنفيذ عمليات إرهابية لتغطية الهزائم المتكررة التي تتلقاها من قواتنا في الميدان”.
ويواصل اليامي حديثه بالقول إن “هناك حالة احتقان غير مسبوقة، وصراع عسكري عسكري والخوف أن يفضي إلى صراع أهلي في السودان.. عقلية السياسة ليست موجودة لدى الطرفين”.
وتشير الأوضاع في السودان في ظل تبادل الاتهامات باستهداف المدنيين وانتشار الصراع في المدن وبين المناطق السكنية، إلى أنه من الصعب على أي طرف حماية المدنيين من أن يكونوا ضحية لهذا الصراع.
وأسفرت المعارك التي بدأت في 15 أبريل عن سقوط أكثر من 750 قتيلا وخمسة آلاف جريح، بحسب منظمات غير حكومية والسلطات.
ولفت ميرغني إلى أن الأزمة ليست في الاتفاق على هدنة “بل في الوصول إلى وقف إطلاق نار يتم فيه فصل القوات، ووجود رقابة دولية على الهدنة، وهناك بالفعل مقترح بوجود مراقبة عبر الأقمار الاصطناعية لتمركز القوات”.
وأشار إلى أن الجيش يطالب بخروج قوات الدعم السريع من الخرطوم “ليتمكن المواطنين من الحركة بشكل طبيعي، بجانب إخلاء المناطق التي بها خدمات مدنية مثل محطات المياه والمستشفيات والمطار من قواتهم”.
أكد المحلل السوداني أنه في ظل هذا الوضع المعقد على الأرض “من الصعب الالتزام بوقف إطلاق نار”.
بينما اختتم اليامي حديثه بالقول: “السودان لن يخرج من هذه الأزمة في الوقت القريب… كل طرف يريد تحطيم رأس الآخر”.
المصدر: الحرة. نت