قراءة في كتاب : الى ابنتي || شهادات سورية

أحمد العربي

ضمن سلسلة شهادات سورية التي نشرها بيت المواطن السوري والتي تسرد واقع وتجارب ناشطات وناشطين  سوريين مع قمع النظام السوري معتقلاته وسجونه، سجلت هنادي زحلوط تجربتها في كتيب بعنوان الى ابنتي…

هنادي زحلوط ناشطة نسوية وحقوقية وسياسية سورية. من الطائفة العلوية، وهي بهذا المعنى تعتبر خارجة عن ركب دعم النظام وتأييده كما هو واقع أغلب العلويين السوريين الذين عمل النظام منذ عقود لشراء ولائهم من خلال دفع شبابهم ليكونوا في سلك الجيش والأمن وليكونوا عصب الدولة السورية في جميع المجالات، وليكونوا أداته الباطشة بحق الشعب السوري ومعارضيه في حكمه الممتد لعشرات السنين زمن الأسد الأب وابنه بعده حتى الآن…

هنادي كانت قبل الثورة السورية التي حصلت في ربيع عام٢٠١١م تعمل في المجال النسوي توعية وتنوير وتثوير، كانت تغطي شخصيتها باسم سري “هيام جميل” لكونها من عائلة أغلبها ضباط في جيش النظام ومن الموالين بالمطلق له ولا يرضون عن نشاطها الذي تمارسه…

 عندما حصلت الثورة السورية احسّت هنادي انها تعنيها شخصيا كأمرأة سورية تطالب بالمساواة والحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية. كانت جزء من شبكة علاقات قد تنامت على هامش ربيع دمشق سابقا ومع ناشطي حقوق الإنسان والمحامين الوطنيين الديمقراطيين الذين لم يتنازلوا عن دورهم في التنوير وفي الدفع للمطالبة بالحقوق المجتمعية كاملة…

دعت هنادي مع شبكة علاقاتها لاعتصام داعم للحراك السلمي والتظاهر الذي بدأ جنينيا في درعا وامتد لجميع انحاء سوريا بعد ذلك وذلك في أشهر الثورة الأولى…

تم القبض على هنادي من قبل الأمن السياسي في دمشق و اقتيدت إلى المعتقل حيث كان النظام قد بدأ باعتقال الناشطين والتحقيق معهم والتنكيل بهم.

في المعتقل عايشت هنادي واقع التعذيب والمعاملة السيئة للمعتقلين، أما هي فقد كانت معاملتها أقل حدّة، على أساس أنها علويّة وحاولوا أن يؤثروا على موقفها وتعود للولاء للنظام. حاولت ان لا تورط أحد معها من الشباب والصبايا المتفقين على الاعتصام، نجحت نسبيا. استمر اعتقالها لمدة شهرين وحولت اثناء هذه الفترة من المعتقل الى سجن عدرا المدني، حيث كانت ظروف السجن أفضل من المعتقل، مع انها وضعت مع أخريات في مهجع خاص ومنعن من التواصل مع النساء المسجونات بتهم جنائية، ومع ذلك استطعن التواصل مع هؤلاء النساء وخلق علاقة ود وتفاعل واحترام متبادل.

 في السجن تعرفت هنادي وزميلاتها على واقع المرأة السورية التي عاشت حياة قاسية ومظلومية انتهت بها لتكون قاتلة أو سارقة او عاهرة.. الخ. في السجن اطفال بصحبة أمهاتهم شكلن واحة حب وحنان وامل.

كانت معاناة هنادي الاساسية هو خوفها على والدها المسن الذي يعيش على منفسة الاوكسجين، ووالدتها التي تحن لها كثيرا، فوالدها ووالدتها تشكلان أهم امتداد نفسي حياتي لها. اغلب اخوتها يعاملها بجفاء لأنها خرجت عن النظام ولانها اعتزلت أهلها الذين يعيشون في اللاذقية وتعيش مع أصدقائها في دمشق. كانت موظفة في وزارة التربية حياتها المعاشية مقبولة. كان لها أخ وحيد يحبها ويهتم بها. زارها لمرة ودعمها نفسيا، ولكنه حذرها من أن طريقها خطر ولن تستفيد شيئا النظام أقوى من هذا الحراك الشعبي على اتساعه ومشروعيته.

 بدأت أفواج المعتقلين تزداد وبدأ النظام يعتمد العنف المسلح وبدأ الشباب الثائر ينتقل لتشكيل الجيش الحر وهذا ما اعتبرته هنادي بداية انحراف للثورة وتقديم الذريعة للنظام للبطش بها…

كان أسوأ ماعاشته هنادي في السجن فترة توقيفها معرفتها بالصدفة بوفاة والدها، كانت غصتها كبيرة جدا، واصرت ان تتواصل مع والدتها عبر الهاتف لتعزّيها، لكنهم لم يستجيبوا لها بأمر من السلطة، وانتظرت حتى تخرج من السجن لتذهب الى والدتها وتعزيها وتواسيها. كانت السجينات حولها بمثابة اهلها واسينها وساعدنها على تجاوز معاناتها ولو نسبيا.

بعد مضي شهرين من توقيف هنادي أفرج عنها، و طردت من وظيفتها. استمرت بالتواصل مع شبكة علاقاتها من ناشطي الثورة. مازن درويش ورزان زيتونة وأنور البني وخليل معتوق.. الخ. بعضهم كان محامين لها و لكثير من الناشطين. لم يمض وقت قليل حتى سرعان ما تم اعادة اعتقالها مع بعض الناشطين رزان ومازن وغيرهم لصالح المخابرات الجوية واستمر التحقيق معهم لفترة طويلة، في ظروف ارهاب نفسي وأجواء تعذيب واذلال. كانت تستقوي على ظروف الاعتقال والتحقيق والتوقيف الذي تكرر في سجن عدرا بالتواصل مع بعض الموقوفات مثل الناشطة طل الملوحي. والتواصل مع حبيبها لؤي واغلب اصدقائها الذين اعتقلوا مثلها لأكثر من مرة…

أُفرج عن هنادي في المرة الثانية واعتقلت ثالثة ولم يكن أمامها حل إلا الخروج إلى فرنسا حيث طلبت اللجوء السياسي هناك وحصلت عليه، استقرت هناك تطالب بحقوق السوريين بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. …

في التعقيب على الكتاب أقول:

من المهم جدا أن يظهر شباب وصبايا من المنتمين للثورة السورية من الطائفة العلوية، ليؤكدوا أن اللحمة الوطنية مازالت متواجدة وإن فعل النظام لشطر المجتمع السوري بين علويين وسنة وبقية المكونات ليستطيع ان يستثمر هذا التنوع ليحوله إلى صراع يستفيد منه لخلق الولاء والتبعية له، ولكي تسقط الثورة ادعاء النظام بأنه حامي الأقليات.

صحيح ان امثال هنادي زحلوط قلائل لكنهم موجودين وحاضرين بأدوارهم في الثورة السورية، انهم من كل مكونات الشعب السوري، وهم مهمين لسوريا النموذج الوطني الديمقراطي الذي نريده والذي نعمل لبنائه في سوريا المستقبل…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى