نتابع قراءة كتاب: نسيب اسعد الاسعد.
سادساً: مذهب التوحيد
في الحديث عن مذهب الموحدين الدروز سنتوقف عند السرية في مسلكهم وسببه الأساسي الخوف على أنفسهم ممن يحيطون بهم، كما انهم يؤمنون ان عقائدهم المنتسبة للعرفان عند الهنود والمصريين القدماء والصين واليونان وإيران. كنوع من التصوف الذي يتم الوصول إليه بمجاهدة النفس والتعمق في فهم الكون والحياة والوجود. وتم الوصول الى الهرمسية التي تعني معرفة جوهر الوجود الكوني وقسمت الى العقل الادنى المنفعل والعقل الاعلى الفاعل، وتأثر الموحدون بالمخطوطات المكتشفة في الأهرامات المصرية منذ الفرعون امنحوتب و كذلك فيثاغورث اليوناني وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود…الخ. لقد فسر الموحدين الدروز القرآن تفسيرا عرفانيا. فهم يؤمنون بالتجلي والإشراق الإلهي وليس التجسد كما ادعى نشتكين الدرزي. كما يؤمنون بحرية الإنسان في أعماله ليكون العدل اساس حسابه، ويؤمنون أن عمر الإنسان محدود سلفا، لذلك كانت الحياة عندهم موقف عز وكرامة ولا يهابون الموت ولا يندبون موتاهم. يؤمنون بالتقمص كما ذكرت سابقا. فكل روح تكرر الانتقال إلى جسد جديد عندما يموت الجسد السابق. وقد تحمل الروح بعض ذاكرة الحياة السابقة وتخبر عن حياتها السابقة. كما أن الموحدين يؤمنون ان في الانسان جانبه الناسوتي البشري، وأن الله لا يدرك ولا يعرف بشبيه او مكان او زمان لكن يتجلى في بعض البشر من أمثال النبي عيسى والحاكم بأمر الله. كما أنهم يؤمنون بقانون السببية وان لكل سبب نتيجة وهكذا كل امور الحياة. كما أن الموحدين يؤمنون بالله الحاكم بأمره، وأن الخليفة الحاكم يتصرف وفق ارادة الله وحكمه، وهنا حصل الالتباس بدعوى تأليه الحاكم لنفسه. يتحدث الكاتب عن تجلي الله ببعض البشر بصورة ناسوتية مثل المسيح عليه السلام وان البشر الذين يدخلون طريق العرفان الصوفي قد يصلوا لمرحلة الحضور في ذات الله، ويحسون انهم والحق الإلهي واحد، كما عند الحلاج والسهروردي وغيرهم.كما يعتقد الموحدون أن الثواب والعقاب نتاج لفعل البشر الأحرار المخيرين بأعمالهم.
ويرون أركان مذهب الموحدين التوحيد لله، والإسلام بمعنى الاستسلام لارادة الله. والإيمان، والعبادة والصلاة. واعتمدت هذه الأركان على دعائم سلوكية، وهي صدق اللسان، حفظ الإخوان والتبرؤ من المعتقدات الشركية، ومن الابالسة والطغيان. ومن ثم توحيد الباري في كل زمان ومكان، والرضى بما يعطيه الله، والتسليم بأمره.
أما فرائض مذهب التوحيد فهي الصدق ، والعبادة الصادقة المخلصة، ويفرض الابتعاد عن الميسر، وعن التدخين وعن المسكرات، والرضى بأحكام الله. و الاحتشام في الملبس والمسلك وحفظ العهد.
أما محرمات مذهب التوحيد فهي الشرك والكفر والكذب والاغتياب والظلم والخداع والزنا واكل مال اليتيم وزواج المحارم والزواج من اكثر من واحدة.
أما صلوات مذهب التوحيد.
الفاتحة وصلاة الصباح وصلاة الصباح الثانية وصلاة المساء الأولى والثانية، وصلاة الجماعة الأولى والثانية و صلاة الاستغاثة والسفر ووقوع المصائب وانفراجها وصلاة التعويذة وصلاة الإخلاص. وهي كلها على شكل أدعية وتلاوة القرآن لبعض الآيات والسور.
سابعاً: رموز دينية مفسرة
تحدث الكاتب عن الأمير السيد جمال الدين التنوخي. في بداية القرن الثامن الهجري ودوره في تفسير وشرح الكثير من رسائل الحكمة وكونه اصبح نموذجا للموحدين ومرجعا لهم في أمور دينهم ودنياهم، ذاع صيته واعتمد على ما قدمه لفهم ما استغلق وصعب من أمور المذهب. وكذلك الشيخ الفاضل محمد ابو هلال في أواخر القرن العاشر الهجري وكان ايضا منورا ومفسرا و نموذجا حياتيا يحتذى عند الموحدين.
ثامناً: مجتمع الموحدين الدروز
يتحدث الكاتب عن مجتمع الموحدين الدروز حول الأسرة والزواج والطلاق والولاية والوصية… الخ من الالتزامات الدينية والاجتماعية وهي كلها متشابهة مع المسلمين عامة من أهل السنة وغيرهم. باستثناء موضوع تعدد الزوجات الذي يرفضونه بالقطعية تفسيرا للآية في القرآن عن عدم العدالة بين النساء في حالة الزواج المتعدد. ويمكن أن يكون هناك تفاصيل صغيرة يختلفوا فيها عن بقية المسلمين. وانهم لا يتزوجون إلا من بعضهم، لاعتقاد عندهم انهم عرق صافي وان الدعوة الدرزية اوقفت عن التمدد خارج الدروز. ولا يحق التزاوج من غير الدروز، والخارج عن هذا يحارب ويبعد عنهم وينبذ. كما يذكر الكاتب مواطن في سورية في جبل العرب السويداء وما حولها وريف دمشق الغربي وفي جبل لبنان وفي فلسطين والجولان .
تاسعاً: دور المستعمرين وإبعاد الموحدين عن العرب والمسلمين.
يتحدث الكاتب عن محاولة نابليون التقرب من الدروز عند محاولته فتح بلاد الشام وحصاره عكا التقرب من الدروز لمساعدته على محاربة احمد الجزار حاكم عكا ورفضهم لذلك.
كما تحدث عن الجهود الكبيرة للاستعمار الفرنسي في سورية، في بداية احتلاله حيث عمل لتقسيم سورية لخمسة دول واحدة منها درزية، والتي تم إسقاطها بالثورة السورية الكبرى عام ١٩٢٥م بقيادة سلطان باشا الأطرش الدرزي. وفشل التقسيم لسورية ايضا.
كما تحدث عن مخطط الصهاينة بعد احتلالهم للجولان، ومحاولة التأثير على دروز الجولان وفلسطين من اجل تشكيل دولة درزية تمتد من لبنان للجولان برعاية امريكية، وتحدث عن خطوات عملية حصلت وكيف كشف المخطط وتم افشاله. ولا زال الصهاينة يحاولون تجنيس الدروز في فلسطين واغلبهم يرفض، كما أنهم يستدعون للخدمة العسكرية وبعضهم لا يذهب. لقد تم التعامل معهم كمذهب ديني وليس كمكون وطني فلسطيني او سوري.
عاشراً: شخصيات درزية متميزة
تحدث الكاتب عن سلطان باشا الاطرش ودوره المواجه للاتراك ثم الفرنسيين ودوره التحرري من الفرنسيين في سورية ورفض تقسيم سورية والعمل عبر الثورة السورية الكبرى التي كان قائدها لاستقلال سورية عن الفرنسيين.
كما تحدث عن كما جنبلاط القائد الدرزي اللبناني من عائلة عريقة وكيف تبحر في الفلسفة والعرفان والتصوف وكان له، فلسفته الخاصة وكان مرجعا درزيا محترما عن جميع الدروز لكن اغتياله في عام ١٩٧٧م، أنهى دوره وقطعه.
الى هنا ينتهي الكتاب.
في تحليله نقول:
١. إن الكاتب ولكونه ينتمي للطائفة الموحدية الدرزية ومن موقع الكاشف والمفسر والمبرر لكل ماعاشته عبر مئات السنين، ولانه يعتبر انه يخوض غمار موضوع مسكوت عنه او ممنوع التحدث فيه سابقا، ولان الظروف الحياتية والموضوعية لم تعد تبرر السرية والباطنية والتقية عند الدروز، لذلك كتب كتابه. ولانه اراد ان يتحدث عن كل شيء عند الدروز الماضي والحاضر والعقائد والسلوكيات.. والخ. فانه فتح ابوابا كثيرة لموضوعات يجب ان تعرف، فوقع في مطب التوسع في بعضها الى درجة الإغراق بتفاصيل لا داعي لها. أو القفز عن موضوعات مهم أن يتم التوسع فيها اكثر. في كل الاحوال الكتاب مهم لكونه يطل على جماعة دينية في المجتمع السوري والعربي، من داخل بيتها تكشف النقاب عن بعض مكنوناتها. والمعرفة نور وفهم وقدرة على الفهم والتفاهم والتواصل بين مكونات المجتمع بتنوعها الديني والمذهبي كلها.
٢. كنا ننتظر الاجابة عن بعض الاسئلة الملتبسة حول درجة القطع أو الربط بين عقائد الموحدين وبين الإسلام بمعناه الواسع، من حيث الايمانيات او السلوكيات، رغم ان الكتاب يؤكد كل حين انه فرع من الاسلام. رغم كون بعض العقائد عند الموحدين ليست من أصل الاسلام. فمثلا تقديس الحاكم بامر الله وكون الله تجسد فيه كما يعتقد المسيحيين بتجسيد الله في النبي عيسى. هذه نقطة خلافية عميقة. وكذلك الحديث عن الأدوار المتجددة للروح التي لا تفنى مع الجسد والتقمص، هي عقائد اقرب للعقائد الشرقية ولا أصل لها في الإسلام. كذلك موضوع العبادات من صلاة وصوم وحج فكلها مختلفة عن المعروف عند عموم المسلمين، دون تفسير لذلك. وقد وجدنا ان البعد الصوفي حضورا كبيرا عند الموحدين وهذا مشترك مع غيرهم من متصوفي المذاهب الاخرى. كما اننا نتعجب من استمرار القناعة بفكرة إن التجديد الديني الدرزي مقتصر فقط بين الدروز وعبر التزاوج لخصوصية عرقهم العربي الصافي. فلا توسع ديني دعوي درزي، وأنهم قد أغلقوا في الماضي باب الدعوة بسبب الاضطهاد والظلم. وهذا لم يعد مبررا في هذا العصر. وهذا جعل بينهم وبين غيرهم من مكونات المجتمع حائط لا يمكن تجاوزه. عدى عن بعض المآسي لبعض الزواجات لفتيات درزيات تنتهي غالبا بجرائم قتل لهن ولاولادهن ولو بعد حين. او الرجال الذين يحاربون يخسرن مجالهم العائلي والاجتماعي والنفسي. لكل ذلك على العاقلين والمتنورين من اهلنا الدروز أن يجاروا العصر وان يسمحوا بالانخراط المجتمعي وأن يعمموا المعلومة الدينية والوعي للدروز وغيرهم. ويكونوا جزء من المجتمع كله لهم ما له وعليهم ما عليه. كما أن هناك مشكلة في اعتبار المعتقد الدرزي حكرا على البعض ممن يسمون العقّال وممنوع اطلاع الآخرين المسمون جهّال حتى داخل الدروز أنفسهم. لم يعد هناك مبرر للسرية او الخوف، ليكن المعتقد متاحا للكل للاطلاع او التبني أو النقد. وفي كل ذلك فائدة لأن النقد ينقي الأفكار والعقائد ويطورها، كتجديد لكل زمان
٣. اخيرا: بكل الأحوال نرى من منظور الانطلاق من حق الأفراد والجماعات أن يعتنقوا ما يشاؤون، وأن عقائدهم ملكهم، مهما كانت، على أن تكون منتصرة لقبول عقائد الآخرين واحترامها و الانضواء تحت مظلة المجتمع المتعدد المتنوع المتوحد بمواطنيه ومساواتهم وحقهم بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. لم يعد هناك مكان للصراع على قاعدة التكفير والتكفير المضاد. الصراع والحوار والتفاعل قائم على أساس المصالح المجتمعية الممكنة إدراكها علميا. والممكنة التوافق عليها مجتمعيا والانخراط الجماعي العام عبر وسائل وأدوات الدولة الحديثة من دستور وقانون وبرلمان وانتخابات وحرية تشكيل الأحزاب وصحافة حرة. كل ذلك في دولة ديمقراطية تعمل لصالح الشعب كله.
هكذا نطمح ان نعيش…