تقود المملكة العربية السعودية، منذ اتفاقها في شهر آذار/مارس الماضي على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، جهودا سياسية حثيثة على جبهات عديدة ملتهبة، أهمّها اليمن وسوريا، وحاليا السودان، وهو ما يبدو انقلابا على مرحلة كبيرة بدأت مع التدخّل العسكريّ السعودي في اليمن، بعد شهرين من تعيين محمد بن سلمان وزيرا لدفاع المملكة في كانون الثاني/يناير عام 2015، وقد شهدت المرحلة تعزيزا لدوره إثر اختياره وليّا للعهد (حزيران/يونيو 2017) ثم رئيسا للوزراء (نيسان/ ابريل 2022).
ورث بن سلمان ملف مناهضة النظام السوريّ، المشتبك مع الملف اليمني، على خلفيّة الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد في سوريا والحوثيين الموالين لإيران في اليمن، حيث قامت السعودية برعاية المعارضة السورية المسلحة والسياسية، وكان طبيعيا، مع التفاهمات السعودية ـ الإيرانية، أن ينعكس الأمر على الملفّين، وهو ما دفع الرياض لقيادة حملة إعادة النظام إلى الجامعة العربية، التي تكللت أمس بإعلان وزراء الخارجية العرب اتفاقهم على «عودة سوريا للجامعة العربية بشروط».
تركزت «الشروط» العربية، التي تمت بلورتها في اجتماع عمّان مطلع الشهر الحالي، الذي شاركت فيه السعودية والأردن ومصر والعراق، وحضرها وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على موضوعين رئيسيين: وقف إنتاج وتهريب المخدرات إلى الدول العربية، وضمان عدم اضطهاد اللاجئين في حال عودتهم لسوريا، ولكن الاجتماع تضمّن أيضا شروطا أخرى منذ قيام النظام السوري بتنفيذ القرار 2254، والإفراج عن السجناء والمعتقلين، وتحديد مصير المفقودين، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، «بما يؤدي إلى تشكيل حكومة شاملة».
كان لافتاً، تزامن إعلان «عودة سوريا إلى الحضن العربي» وهي الجملة البلاغية التي يطيب للبعض استخدامها لوصف الحدث، أن الأردن هدد، قبل يوم واحد من إعلان عودة دمشق للجامعة، بعملية عسكرية داخل الحدود السورية، بدعوى مكافحة تهريب المخدرات القادمة عبر الحدود السورية، لنشرها في الأردن أو لإيصالها إلى دول الخليج العربي، وهو ما يمكن اعتباره إشارة إلى نظام الأسد، بأن ما حصل يعني أن عليه الالتزام بما طلبته منه الدول العربية، وأن عودته للجامعة العربية ليست مكافأة مجانية يمكنه بعدها الاستمرار في حربه على الأردن كممر للمخدرات. من الملفت للنظر أيضا أن سلطنة عُمان، وهي طرف يلعب دورا مهمّا في الوساطة مع النظام السوري، قامت، في اليوم نفسه لإعلان عودة النظام السوري للجامعة العربية، بإدراج شخصيات مقربة من النظام السوري، على قائمتها المحلية لمكافحة الإرهاب.
حسب صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية فإن الأسد قابل هذه الخطوات للتقارب مع نظامه بإحساس بالثقة دفعته لطلب الاعتذار من الدول العربية على تدخّلها في سوريا، وتشير الوقائع المتزامنة مع هذا التقارب العربي مع دمشق إلى ازدراء النظام السوري لهذه الشروط، فقد أعلنت الأخبار عن قتل الجيش الأردني لأحد المهربين، كما أعلن العراق عن مصادرة 12 مليون حبة من المخدرات، فيما أكدت منظمة العفو الدولية أن اللاجئين الذين تمت إعادتهم من لبنان إلى سوريا اعتقلوا وأن بعضهم تم تجنيده في جيش النظام.
إحدى النقاط التي سجّلت ضمن مسودة بيان عمّان أنه طُلب من الأسد «وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران، ووقف استفزازاتها للسنة والأقليات العرقية في سوريا» ويمكن اعتبار زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق، التي تبعت إعلان عمّان، ردا واضحا على هذا المطلب.
ما تقوله هذه الوقائع، إن على الدول العربية أن تخفض منسوب آمالها في حصول تغيير حقيقي في سلوك النظام السوري، سواء تعلّق الأمر بإنتاج وتهريب المخدرات، أو العودة الآمنة للاجئين، أو الحد من نشاط إيران في سوريا.
المصدر: القدس العربي